زيارة سيجورنيه.. اعتذار ومصالحة وآفاق شراكة جديدة


الدار/ افتتاحية

لم تقرّر باريس بعد فتح قنصلية لها في الأقاليم الجنوبية، ولم تعلن قرارا حاسما ونهائيا يواكب التحوّلات التي تعرفها القضية الوطنية، لكن يبدو أن هذه الغاية قطعت أشواطا مهمة بعد الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى المغرب. ولعلّ أبرز ملامح هذا التقدم الجزئي هو تصريح رئيس الدبلوماسية الفرنسية بأن التقدم في الموقف من قضية الصحراء يعني تبنّي البراغماتية في الملف وأن إحراز التقدم يعني تحقيق التطور الاجتماعي الذي تشهده الأقاليم الجنوبية. لأول مرة يعلن مسؤول فرنسي رفيع هذا الدعم الصريح والمباشر لجهود المغرب في تنمية الأقاليم الجنوبية بعيدا عن المراوغة أو لغة الخشب التي اعتدنا على سماعها في محطات دبلوماسية سابقة.

صحيح أن باريس لم تستجب تماما لما تفرضه المرحلة ولكل ما هو مطلوب منها في هذا التوقيت بالضبط، إلا أن هذه الزيارة التي شابها الكثير من اللغط والالتباس قبل وصول المسؤول الفرنسي قد تشكل خطوة أولى في طريق الوصول إلى موقف فرنسي شجاع على غرار الموقف الأميركي الذي عبّر عنه الرئيس السابق دونالد ترامب. تصريحات وزير الخارجية الفرنسي تكشف وجود شعور فرنسي واضح بأن المرحلة تقتضي توجها جديدا ومختلفا. بعبارة أخرى إنها تتطلب شراكة جديدة بين البلدين، وهذا ما ألمح إليه ستيفان سيجورنيه عندما قال إن هدف فرنسا هو “بناء شراكة تمتد على مدى الـ 30 سنة المقبلة، كما أن المغرب تطور كثيرا في ظل حكم جلالة الملك محمد السادس، ويجب أن نرى التحديات المقبلة بكثير من التبصر، حتى نجاري العالم الذي يتحول بسرعة”.

حديث وزير الخارجية عن 30 سنة يحتاج إلى المزيد من التوضيح وربما سيظهر المقصود من ورائه في اللقاءات المقبلة التي ستعقد على مستويات رفيعة. لكنّه في الوقت نفسه يؤكد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أدرك أخيرا أن علاقة المغرب وفرنسا استراتيجية وتتجاوز المسؤولين المنتخبين الذين قد تعصف بهم نتائج الانتخابات في أيّ مناسبة أو أخرى. المراهنة على العقود الثلاثة المقبلة إذا إشارة إلى حاجة فرنسا إلى الحفاظ على هذا الإرث التاريخي من العلاقات بين البلدين. ولعلّه ينطوي أيضا على محاولة اعتذار وتصحيح لبعض الأخطاء التي ارتُكبت في الماضي القريب. على سبيل المثال لقد فضّل وزير الشؤون الخارجية ستيفان سيجورنيه أن يتحدّث خلال الندوة الصحفية بضمير المتكلّم عندما تطرّق إلى تجربته في البرلمان الأوربي قائلا: “من خلال تجربتي في أوروبا سأسعى إلى تعزيز التعاون المغربي الأوروبي”.

ماذا يعني حديثه هذا؟ إنه ببساطة اعتذار ضمني عمّا بدر منه في السابق عندما كان نائبا في البرلمان الأوربي وقاد قبل فترة حملة شعواء ضد المغرب بدعاوى مرتبطة بقضايا الحريات وحقوق الإنسان. وهذه التجربة التي يتحدث عنها هي التي أثارت في البداية قلق المراقبين في المغرب عندما تم تعيينه على رأس وزارة الخارجية في حكومة غابرييل أتال الجديدة. لا نريد طبعا من سيجورنيه أن يضع نفسه موضع تناقض أو مفارقة بين ماضيه السياسي وحاضره كمسؤول ووزير ورجل دولة، لكن من الواضح أن تأكيده على هذه النقطة يمثل تصحيحا غير معلن للأخطاء السابقة التي كادت تفضي إلى اندلاع أزمة بين المغرب والاتحاد الأوربي، بسبب استمرار بعض النواب الأوربيين في نهجهم القديم المتعلق بتقديم الدروس للدول الأخرى.

يمكن أن نقول إن زيارة سيجورنيه كانت زيارة اعتذار ومصالحة، ومحاولة لطمأنة المسؤولين المغاربة أن المصالح المشتركة بين البلدين لا يمكن أن تتأثر بأي توجه فردي أو سياسي لهذا الوزير أو ذاك. لكنّ الأهم الآن هو ضرورة بناء أسس علاقة جديدة تنسجم مع التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة والتحديات التنموية والاقتصادية التي ستواجه بلادنا على المدى القريب والمتوسط لا سيما أن فرنسا ما تزال تعتبر الشريك الاقتصادي الأول للمغرب. وإذا كانت الشروط الموضوعية لاتخاذ قرار حاسم ونهائي فيما يتعلق بمغربية الصحراء لم تنضج للإعلان بعد، فمن الواضح أن أبعاد الموقف الفرنسي تغيّرت في عمقها لكنّها تحتاج فقط إلى الزمان والمكان المناسبين.

تاريخ الخبر: 2024-02-27 21:25:20
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

هكذا كانت ردة فعل عائلة الدكتور التازي بعد النطق بالحكم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:26:03
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 68%

فرحة عارمة لابن الطبيب التازي بعد الإعلان عن مغادرة والده للسجن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:26:00
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 62%

هكذا كانت ردة فعل عائلة الدكتور التازي بعد النطق بالحكم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:26:08
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 57%

فرحة عارمة لابن الطبيب التازي بعد الإعلان عن مغادرة والده للسجن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:25:52
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية