إبادة شعب… وما زال العالم صامتاً.. يتشدق بحماية الأشد ضعفاً بينما يموت الغزيين عطشاً


بينما تقع عيناك على هذه السطور الآن، عبر شاشة تسكن راحتيك في اقصى الكرة الأرضية، أوعلى بعد آلاف الأميال من الشرق الأوسط، يموت الناس جوعاً وعطشاً، يموت الغزيين في العراء بلا مأوى، ولا علاج، نقص الوقود يوقف اجهزة دعم الحياة في المشافي، والبرد يأكل اجساد المهجرين قسراً من بيوت مهدمة الجدران، الى الخلاء الفسيح بلا وجهة ولا بوصلة ولا مستقبل، بعد أن طردتهم قوات الإحتلال الإسرائيلي من مساكنهم في قطاع غزة، بحثاً عن عناصر حماس، ووسط الصراع الدامي بين حماس واسرائيل، مئات الآلاف من البشر عالقون يفتقرون لأسس الحياة الطبيعية، يتفقرون للحق في الحصول على الماء والغذاء، والمأوى، والعلاج، بعد أن أصاب الخراب أراضيهم، ومات نسائهم وأطفالهم وشيوخهم، لا مفر من موت محقق. وما زال العالم صامتاً.

المصالح السياسية تتحكم في كل القرارات، حتى الذين عاشوا ينادون بالحق في جودة الحياة، والحقوق البيئية، وحقوق الشعوب اثناء الصراعات المسلحة، صمتت افواههم، وصموا أذانهم عن استغاثات المنظمات الأممية التي جفت حلوق متحدثيها، لنجدة اهل غزة، مواقف صادمة واحدا تلو الآخر، كان أخرها اجتماع أعمال الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة في العاصمة الكينية نيروبي ، الذي حضره وزراء البيئة من كل دول العالم، وضمنهم رئيسة سلطة جودة البيئة نسرين التميمي، التي استعرضت تأثير العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة وحرب الإبادة على البيئة، وقالت التميمي:”ان معاناة البيئة الفلسطينية مستمرة في ظل غياب حل سياسي شامل، فالدول المستقلة التي تملك حريتها في التخطيط والتنفيذ لا تستطيع السيطرة على المشاكل البيئة. فكيف تكون الأوضاع للفلسطينيين، خاصة في ظل الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.؟وبالرغم من عرض القضية إلا أن احداً لم يعرها الاهتمام الكافي ولم يجد كلامها صدى.

تجاهل تام

الأمر الذي دعا د. ياسمين فؤاد وزيرة البيئة المصرية لعقد اجتماع طارىء مع الصحفيين لإعلان موقف الوزارة من تجاهل اجتماع نيروبي لتأثير الصراع الدائر في فلسطين على البيئة والناس هناك، وقالت ياسمين:” اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة الذى عقد بنيروبى تجاهل الكوارث البيئية وكان هناك غياب تام على ما يحدث من كوارث بيئية فى فلسطين” مشيرة الى أن العالم يراقب ويوثق ما يحدث للشعب الفلسطيني، ولا يمكننا الاستمرار في إعطاء رسائل متضاربة تحمل ازدواجية فى المعايير” ودعت ياسمين لاتخاذ موقف موحد لمنح الفلسيطنيين الحق الكامل في الحصول على احتياجاتهم الأساسية من مواردهم الطبيعية، مشيرة إلى أن ما يحدث من قصف متبادل في منطقة البحر الأحمر، يتسبب في تدمير النظام البيئي والتنوع البيولوجي والمياه البحرية، وكشفت ياسمين عن نية عقد اجتماع للدول المتشاطئة على البحر الأحمر من أجل اتهاذ التدابير اللازمة لحماية بيئة البحر.

جزر منعزلة

بعد الاجتماع حاولت قراءة بعض التفاصيل عن الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة، لعل بينها ما يفسر صمت اولئك المجتمعين، وكانت النتائج صادمة ، فالجمعية هي أعلى هيئة لصنع القرار في العالم بشأن البيئة، وتهدف إلى المساعدة في استعادة الانسجام بين البشر والطبيعة، وتحسين حياة الأشخاص الأكثر ضعفا في العالم! يا للعار، قالها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جويتريش، أن ما يحدث في غزة وصمة عار على الضمير الجماعي للعالم، لكن يبدو أن منظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة تعمل في جزر منعزلة، فما يقوله الأمين العام لا يرتب التزاماً ينسحب على أي طرف ولنا في مجلس الأمن مثال.

ازدواجية فجة

للأسف الناس ضحايا الصراعات السياسية، والحروب لا تخلف سوى الدمار، لا أحد رابح في الحرب، لكن الدول المجتمعة في نيروبي بدت كما لو كانت تنجز مهمة روتينية في اجتماع روتيني، كما لو أن بعضها لم يسمع بقتل آلاف الأطفال، وتشريد مئات الآلاف من البشر، وسرقة حقوقهم في الحياة والأمان، لم يرد أحد على ما اثير حول حق الفلسطيني في موارده الطبيعية، وهنا تبدو ازدواجية المعايير الفجة، فبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ينبثق عن منظمة الأمم المتحدة، التي طالما نادت بحقوق الشعب الفلسطيني واهل غزة منذ اليوم الأول للحرب.

والمديرة التنفيذية للأمم المتحدة للبيئة إنجر أندرسن ذاتها التي تقود العمل في المجالات الستة ذات الأولوية في الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، المنعقدة مؤخرا في نيروبي، وهي ندرة المياه، والتعدين المسؤول، وإدارة المعادن – وخاصة الفوسفور، والتكنولوجيات التي تغير المناخ، وتمويل الإجراءات البيئية، وتنفيذ إطار كونمينج – مونتريال.، وقفت اندرسون وسط الجمعية لتنادي قائلة:” في الوقت الحالي، تقوم البشرية بتمويل فشلها”، “وبدلاً من ذلك، يجب علينا تمويل مستقبل أفضل من خلال دعم الطبيعة” قالت ذلك بينما تتجاهل جمعية البرنامج الذي تديره أي حديث عن مستقبل أفضل لأهل غزة، مستقبل خال من القصف والدمار، لم تتطرق جمعيتها الى مستقبل الأيتام والأرامل والعجائز وذوي العاهات بسبب التوحش الإسرائيلي، ولا أعرف كيف وقفت اندرسون تخطب في الحضور وتقول: “كل ما يتعين علينا القيام به هو أن نجتمع وننفذ هذه الحلول العالمية التي وعدنا بها بعضنا البعض حتى نتمكن من تأمين المستقبل للبشرية جمعاء، والعيش على كوكب صحي ومزدهر”. بينما ضمناً يتم استبعاد وتجاهل كل ما يخص مناقشة حل عادل ينقذ الفلسطينيين، ففي الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة،تمت مناقشة 20 قرارا ليس بينها قراراً واحداً يخص السيطرة على الوضع الإنساني والبيئى في غزة، وكأن حماية الإنسان من تبعات الصراع السياسي، فقط تحتاج لحل سياسي، وسط العجز الكامل عن كل ما هو إنساني.

شعارات جوفاء

ولا اعرف ماذا تنتظر جمعية الأمم المتحدة للبيئة ،التي كان إنشاؤها بمثابة “البرلمان العالمي المعني بالبيئة”، حتى تنتصر للوضع المآساوي في غزة؟ هل تنتظر انتهاء الحرب، فالجمعية تنعقد كل عامين، لتتيح الفرصة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة لمعالجة القضايا البيئية الحرجة التي تواجه كوكب الأرض، بشكل جماعي، هل بين العشرين قرار ما هو اخطر واهم مما يجري في غزة تحت سمع وبصر العالم وعجزه ايضاً؟!.

ستة آلاف من المندوبين سبعة رؤساء دول و139 وزيرا ونائب وزير، بالإضافة إلى خبراء وناشطين وممثلي الصناعات المختلفة. لم تخرج قطارتهم عن قضبان السكك المرسومة لهم من دولهم تجاه قضية فلسطين، والحرب على غزة، فراحوا يعلنون أن الدورة السادسة لللجمعية اهتمت بالأزمة الكوكبية ثلاثية الأبعاد والمتمثلة في الفوضى المناخية وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث. متناسين أن اشد الأزمات البيئية وطأة ما يجري الآن في غزة، انها الإبادة الجماعية للبشر. لمصلحة من تنجز المؤسسات الأممية البيئية مشاريعاً لحماية المناخ والتنوع والأرض، انها تنجزها لمصلحة البشر، فماذا حينما يباد البشر عن وجه البسيطة، ماذا عن التطهير العرقي الحادث في غزة؟ ماذا عن الإنسان هناك؟ الإنسان رأس الهرم البيئي إذا تركنا للإبادة فكل ما نتشدق به عن البيئة شعارات جوفاء لا ري منها ولا ماء.

استغلال الثروات الطبيعية

والأمر لا يتعلق فقط بالحرب الجارية في غزة الآن، فمن قبل حرب السابع من اكتوبر 2023 والتي لاقى فيها الغزيين كافة انواع الحرمان من الموارد الطبيعية، كانت ممارسات الاحتلال ممنهجة في قطع منافذ الموارد الطبيعية عن فلسطين، ودون الربط المباشر بين الاحتلال والتدهور البيئي في فلسطين بشكل عام يكون حديث ناقص، إذ عمل الاحتلال طوال السنوات الماضية على تدمير المناطق والمصادر الطبيعية من أراض وغابات ورعي ووصولا الى التلوث بأنواعه وأشكاله، فقد سعى وما زال يسعى الاحتلال لاستغلال ثروات البلاد الطبيعية وبالتالي فالاحتلال هو المسبب الرئيس لتدهور البيئة في فلسطين وهو عائق لأي تطور في مجال البيئة.

ووفقاً لجمعية الحياة البرية في فلسطين فإن الاحتلال الإسرائيلي منذ استيلائه بالقوة على فلسطين، سيطر على المصادر الطبيعية الفلسطينية من أراضي. ولم يكتف مما قام بتدميره والاستيلاء عليه.،وكنتيجة طبيعية لازدياد عدد السكان وقلة الأراضي في فلسطين سيزداد الاستغلال للمصادر الطبيعية مستقبلا حتى الحجر الفلسطيني المحلي يستنزف في بناء المستوطنات الإسرائيلية، وتأتي الحروب العديدة على هذه المنطقة مما أثر سلباً على البيئة منذ القدم، ووتتابع الجمعية في تصريحاتها” نحن الان في صدد الحرب الأخيرة التي تدور ضد الشعب الفلسطيني، فمن يستعمل الطائرات والصواريخ والدبابات فانه يحارب ويدمر ويكسر ويقتلع ويلوث.

ولهذه الحرب آثار مدمرة على البيئة بشكل عام. البيئة ذلك النظام الديناميكي الذي يتكون من اندماج المكونات الطبيعية والمكونات الاجتماعية، فالبيئة الطبيعية تتكون من عناصر حيوية: حيوانات ونباتات، وأخرى عير حيوية مثل الماء والهواء والتربة، وهنالك البيئة الاجتماعية التي تضم المجموعات البشرية والمرافق الأساسية المادية الناتجة عن النشاط الإنساني وتضم أيضاً علاقات الإنتاج والنظم المؤسساتية.، حاول الاحتلال تدمير هذا النظام البيئي بمكوناته الطبيعية والاجتماعية من دون الرجوع الى المفاهيم والاتفاقيات الدولية والإنسانية.

منع خطوط المياه

وتضيف جمعية الحياة البرية: تعمد الاحتلال سوء توزيع المياه في المناطق المحتلة، إضافة الى عدم إعطائه أي ترخيص لحفر بئر بهدف الزراعة منذ 1967 حيث حكمت مصادر المياه في الضفة الغربية والقطاع من قبل ضبط المياه الإسرائيلي. وعلى الرغم من ان السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه تتضمن السيطرة على مياه المناطق التي تندرج تحت تصنيفات “أوسلو” اتفاقية الفصل بين الأراضي الفلسطينية والاسرائيلية برعاية أمريكية، إلا أن لم تتردد في قصف الخطوط الرئيسية للمياه لمنعها عن السكان الفلسطينيين في مناطق السلطة الفلسطينية، ومثال على ما حدث في منطقة بيت لحم في الفترة الأخيرة، هذا عدا عن تلوث مصادر المياه من المياه العادمة للمستوطنات الإسرائيلية حيث تصب في الأراضي التي يستعملها الفلسطينيون مما يلوث المياه والتربة، وهذا التلوث اخذ كل اشكاله السلبية في الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في انتفاضة القدس، فالرصاص والصواريخ والقذائف مواد غريبة عند وصولها الماء أو الهواء أو التربة مما يجعلها غير نقية وغير صالحة للاستخدام الآدمي، وخطر على صحة الإنسان، وكذلك تلوث الهواء بما تسببه من غبار وغازات .

تدمير اشجار الزيتون

فضلاًعن قطع كميات كبيرة من الأشجار خاصة الزيتون والحمضيات، وعملية تدمير الأشجار من قبل الاحتلال يتبعها تدمير الموئل والتجمعات النباتية والحيوانية البرية في المنطقة والتي تتناقض اعدادها سنوياً. بالإضافة الى إرهاب الحيوانات والطيور البرية نفسها والعمل على هجرتها أو ابعادها عن المناطق التي يطلق منها واليها النيران والقذائف، وهذا يدمر اقتصاد الفلاح الذي حرم من الوصول الى محصوله لقطفه وبالتالي عدم استقراره اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، فالشجرة التي تقلعها الجرافة (البلدوزر) الإسرائيلية هب ابن الفلاح والتي سعى على تربيتها وتغذيتها وتكبيرها كالطفل الذي حضنه اباه ليمنع عنه حقد الاحتلال لكنه قُتل في أحضان ابيه، هذا الإرهاب للإنسان والحيوان والشجر والحجر الذي لا يعرف حدوداً معينة هذا الدمار للبيئة بكل مكوناتها الطبيعية والاجتماعية، يحدث ذلك في الوقت الذي تهتم الدول العالمية والإقليمية في مجال البيئة المتقدمة بأن تكون الطائرات المدنية أكثر ملاءمة للبيئة بتميزها باستهلاك أقل للوقود وانبعاث أدنى للعادم على حد سواء، وكذلك متابعة حركة طيرانها في السماء وفقاً لوقت هجرة الطيور من قارة الى قارة.

ومن الآثار البيئية للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين والحصار على المناطق أنها جعلت من الظروف الحياتية للإنسان الفلسطيني، ظروفا معقدة غير ملائمة للحياة، وانخفضت جودة الحياة الى ما دون الطبيعي بمراحل، نتيجة للأحوال الاقتصادية السيئة والتي جعلت اغلبية ساحقة في صفوف العاطلين عن العمل، وضربت جميع القطاعات بالشلل والخسائر، وبالتالي هذا شكل معاناة إنسانية اجتماعية اقتصادية ونفسية، هذه المعاناة والظروف القاسية التي يعيشها الانسان الفلسطيني تجعل من الاهتمام البيئي اهتماماً ثانويا حيث الظروف الحياتية الصعبة جعلت من المعيشة وتوفير لقمة العيش مطلباً اساسياً واهتماماً رئيساً حتى البرامج المدرسية التي تعنى بالوعي البيئي توقفت أو تأجلت بسبب الأضرار التي لحقت بالمناهج الرسمية.

فالتخطيط للبيئة لا ينحصر في منطقة محددة إنما من منظار شمولي لوضع بيئي متكامل وهذا يأتي من خلال وجود حل شامل في المنطقة وارجاع كافة الحقوق للشعب الفلسطيني بإقامة كيانه المستقل، وبعدها سيكون التعاون البيئي الإقليمي مع دول المنطقة بأسرها لأن ما يجري في المنطقة من اضرار للبيئة يؤثر على الجميع.

تاريخ الخبر: 2024-03-04 00:21:22
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

أحوال الطقس غدا الأحد.. أمطار مصحوبة برعد في هذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 15:25:58
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

أحوال الطقس غدا الأحد.. أمطار مصحوبة برعد في هذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 15:26:06
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

الرباط: اختتام فعاليات “ليالي الفيلم السعودي”

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 15:25:33
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية