أعادت النقاشات الدائرة حاليا حول تعديلات مدونة الأسرة، إلى الأذهان ما كان عليه الوضع قبل عقدين من الزمن، حينما انتفض الإسلاميون ولجأوا إلى الشارع في مسيرات “مليونية”، رفضا لما أطلق عليه حينها “الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”، معتبرين أن “مضامينها تخالف قواعد الشرع”.
كما أثارت آخر خرجة للأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، نهاية الأسبوع الماضي، والتي هاجم من خلالها مقترحات التيارات اليسارية بخصوص تعديلات مدونة الأسرة، وخاصة مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ملوحا بـاللجوء إلى الشارع في “مسيرة مليونية”.
يأتي هذا قبل أقل من شهر على انتهاء المهلة المحددة للجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لرفع خلاصتها إلى الملك محمد السادس، وهو ما يطرح معه تساؤلات كثيرة حول إمكانية “لجوء الأطراف المختلفة حول هذا الموضوع خاصة “المحافظة” منها، إلى استخدام ورقة النزول إلى الشارع من أجل ممارسة ضغطها و”فرض” تصوراتها في مقتضيات النص القانوني المرتقب.
تعليقاً على هذا الموضوع، قال صالح النشاط، أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، إنه “يحتمل لجميع الأطراف المختلفة حول رؤية تعديلات مدونة الأسرة استخدام أوراقها للضغط بشكل يضمن لها المسارات التي تود أن تسير فيها الدولة المغربية في موضوع تعديلات مدونة الأسرة، وهذا طبيعي ومفهوم في دولة ومجتمع يؤمن بالاختلاف والتنوع ويمارسه عبر قنوات الديمقراطية المتاحة”، مشيراً إلى أن “غير المفهوم هو تجاوز سلطة الدولة وسيادتها والاستقواء بالخارج والمنظمات الدولية، لمزيد من الضغوطات على القرار السيادي المغربي، وهذا ما سيؤجج شرارة الاحتجاج والاحتماء بالشارع قصد إحداث توازن في آليات الضغط على صانع القرار في هذا الموضوع”.
وأورد النشاط، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “الملاحظ من بعض الجهات والمنظمات التي لم يؤخذ باقتراحاتها في تغيير مدونة الأسرة عام 2003، والمسيرة المليونية التي شهدتها مدينة الدارالبيضاء، فضلت في هذه المحطة الاحتماء بالخارج والاستقواء به من أجل مزيد من الضغط على الدولة المغربية في تقديم تنازلات في هذا الموضوع ضدا على ثوابتها الدينية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يدفع ببعض الهيئات السياسية المغربية الأخرى، سواء الممثلة في البرلمان أو غير الممثلة فيه، إلى جانب العديد من الجمعيات والمنظمات المدنية، والتي غالبا ما تنعت بـ”الجهات المحافظة” إلى الدعوة لاستخدام ورقة الخروج الى الشارع على غرار مسيرة الدار البيضاء”.
وأضاف المتحدث ذاته أنه “إذا كانت الدولة المغربية قد حسمت اختياراتها السياسية والدينية والمذهبية في دستور 2011، فإن المنطق يؤكد على أن التعديلات ستكون في بعض الأمور الإجرائية وبعض التدابير التي ستحقق العدل للأسرة وأفرادها، دون المساس بجوهر الشريعة الإسلامية، والفقه المالكي، والاجتهاد العلمي والمصلحي”.
وأشار المحلل السياسي إلى أن “قبول الدولة المغربية للضغوطات الأجنبية، وسماحها للانتقاص من سيادتها التشريعية، من شأنه أن يؤجج الاحتقان في المجتمع المغربي، ويزيد من التوتر على غرار ما كان في مسيرتي الدار البيضاء والرباط عام 2002 بخصوص تعديلات مدونة الأحوال الشخصية والتي توجت بإصدار مدونة الأسرة بموجب قانون 70.03”.
“كما أن الدولة المغربية، وبحكم ثوابتها الدستورية والدينية، ستجد نفسها في حرج شديد أمام هذه الضغوطات الأجنبية التي تمارس على سيادتها التشريعية بحكم التوافق مع كونية القيم ومفهوم “الحداثة”، كما أن المنطق يفرض نفسه على النخب وشرائح المجتمع في الدفاع، بكل الوسائل القانونية، عما يعتقدونه جزء من هويتهم ومشروعيتهم الدينية والحضارية، فأحكام الشريعة الإسلامية التي مازالت تؤطر مدونة الأسرة إلى حدود الساعة، هي ذلك الحصن الذي مازال يصون وجودهم الديني والحضاري، والقيمي”، يقول المتحدث.
وخلص النشاط حديثه بالقول: “على كل من يفكر في معاكسة هذا التوجه الدولتي والمجتمعي في حماية الثوابت الوطنية والدينية، الانتباه إلى العواقب المحتملة، وقيمة الهدايا الثمينة التي ستقدم لخصوم وحدة المغرب”.
