باحثان يعددان أسباب غياب ثقافة “الاستقالة” عند السياسيين المغاربة


 

أفرزت الأحداث الأخيرة التي عرفها المشهد الحزبي المغربي بعد أحداث المجلس الوطني لحزب “الاستقلال”، والتقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات الذي أحدث رجة قوية داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نقاشات مستفيضة، خاصة أنها لم تليها أي مبادرة تروم استقالة أي فاعل حزبي مسؤول، الأمر الذي يطرح إشكالية “غياب ثقافة الاستقالة عن المشهد السياسي الحالي”.

 

 

وأعطى مراقبون سياسيون عدة تصورات حول غياب تربية “الاستقالة” عند القيادات الحزبية، إذ ربطها البعض بعملية “الضَّوْمَنَة” و تأثيرها على باقي الفاعلين السياسيين، نظراً لأن أغلبية الأحزاب السياسية مكونة من عدة تيارات تتجاذب فيما بينها عند كل فضيحة، في حين ذهب آخرون إلى القول إن “القيادات الحزبية تحولت من مفهوم الزعيم المدافع عن مصالح المواطن المغربي إلى رئيس لمقاولة سياسية ريعية هدفها تحقيق أرباح مالية فقط”.

 

 

زكرياء بلحرش، باحث في العلوم السياسية، يقول إنه بـ”الرغم من أن جل الأحزاب السياسية المغربية تعرف مجموعة من الاختلافات على مستوى هندسة بنياتها التنظيمية وتوجهاتها الفكرية والسياسية، غير أن القاسم المشترك بينها هو ضعف وغياب الديمقراطية الداخلية، بالإضافة إلى ظاهرة تبقى ملازمة لها، تتجلى في تشبث قادة هذه الأحزاب وأمنائها العامين بالبقاء على رأسها كيفما كانت حصيلة أدائهم، وكيفما كان وضعهم الصحي وقدرتهم على أداء المهام المنوطة بهم”.

 

 

وأضاف بلحرش، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “هذه الوضعية غير الحكيمة، تضعنا أمام إشكالية جوهرية مفادها: “لماذا تغيب ثقافة الإستقالة لدى قادة هذه الأحزاب السياسية؟” فهؤلاء القادة لا ينزلون من فوق كراسي المسؤولية إلا إذا غيبهم الموت، أو لسبب من الأسباب داخل هيكلة الحزب السياسي، علما أن العديد من القيادات الحزبية والنقابية حولت هذه المؤسسات لشبه مقاولات عائلية قابلة للتوريث”.

 

 

وتابع المتحدث عينه: “من هذا المنطلق أرى بأن القيادات الحزبية تحولت من مفهوم الزعيم المدافع عن مصالح المواطن المغربي إلى رئيس لمقاولة سياسية ريعية، يراد منها تحقيق الربح المادي عبر توزيع المكاسب على المقربين والمريدين، سياسة جعلت الأحزاب والنقابات تعيش حالة من العزلة وتقزيم لقاعدتها الجماهيرية لتصبح مجرد ديكورات انتخابية لا أقل ولا أكثر”.

 

 

وأشار الباحث في العلوم السياسية إلى أن “الواقع المزري الذي وصلت إليه هذه المؤسسات الوسائطية ساهم فيه غياب الديمقراطية الداخلية وطغيان الأساليب البيروقراطية في جميع هياكلها وقراراتها مما ينتج عنها صعوبة في تداول النخب وهذا ما جعل نسبة كبيرة من الشباب يعرف نفورا عن الممارسة الحزبية والسياسية”.

 

 

وأردف أيضا: “فإذا كانت الأحزاب السياسية اليوم في وضعية حرجة بالنظر إلى اتساع الهوة بينها وبين المواطنين، وعجزها عن تجديد نخبها ودمقرطة طرق تدبيرها بما تقتضيه الحكامة الرشيدة، فإن سبل تجاوز هذه الوضعية والخروج من الأعطاب التي شلت دور الأحزاب وأدت إلى خفوت صوتها تكمن في أهمية تدوير النخب على مستوى القيادة، والإنتقال من مفهوم الزعيم الخالد إلى مفهوم القائد المجدد”.

 

 

وشدد المتحدث على أنه “ينبغي على قادة الأحزاب المغربية أن يتعلموا من نظرائهم في الدول الغربية كيف يسارعون إلى تقديم استقالاتهم كلما تراجعت نتائج أحزابهم الانتخابية، ليفسحوا المجال أمام غيرهم، ولذلك يمكن القول بأن ثقافة الاستقالة عند هؤلاء لا ينظر إليها كمعطى سلبي يربط الفشل بصاحبها، وإنما ينظر إليها بشكل إيجابي باعتبارها شجاعة سياسية وتقديرا للمسؤولية”.

 

 

“مما تنبغي الإشارة إليه بخصوص المشهد السياسي المغربي كونه أصبح في حاجة ماسة وضرورية لقوانين صارمة لمنع مثل هذه الممارسات داخل هذه المؤسسات الوسائطية، وترسيخ ثقافة ديمقراطية يكون عمادها تداول النخب، وفتح المجال أمام الشباب لتحمل المسؤولية، إلى جانب تشديد الرقابة والمحاسبة بخصوص التدبير المالي لميزانية الأحزاب، وتفعيل المساءلة والمحاسبة لزجر الاختلالات”، يقول المتحدث.

 

 

من جهته، يرى أسامة طايع، الباحث في العلوم السياسية، أن “خيار الاستقالة داخل المشهد السياسي المغربي غائب، خاصة في الآونة الأخيرة، نظراً لأن الفكرة المأخوذة عن الاستقالة خاطئة”، مشيرا إلى أن “الاستقالة لا تنقص من قيمة الفاعل السياسي سواء في الأغلبية أو المعارضة، هي فكرة صحية تنظف المشهد السياسي والحزبي أيضا”.

 

 

وأورد طايع، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “غياب ثقافة الاستقالة مرتبطة بعدة اعتبارات أخرى، كون أن الفاعل السياسي الحالي محكوم بما يسمى بـ”الكولسة” أي أن استقالته تؤثر على مجموعة من الفاعلين معه، وهذا يولد ضغطا متبادلا والأمر يطرح هذا السؤال المتشعب”.

 

 

وأردف المتحدث أن “الإفلات من العقاب سبب من أسباب عدم تقديم الفاعلين السياسيين الاستقالة، وهي تربية تغيب شمسها عن المشهد السياسي الحالي، عكس الدول الأجنبية، إذ تعتبر الاستقالة بعد أي فضيحة ضرورة يلتزم بها المعني بأمر فضيحة ما”.

 

 

تاريخ الخبر: 2024-03-18 18:09:57
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 67%
الأهمية: 76%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية