حوار.. أوخليفا لـ”الأيام 24″: رد الاتحاد الاشتراكي على تقرير مجلس الحسابات تغليط للرأي العام


 

أحدث التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، المتعلق بـ”تدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص صحة نفقاتها برسم الدعم العمومي لسنة 2022″، زوبعة داخل المؤسسات الحزبية، بعدما رصد عدة اختلالات متعلقة بـ”طريقة تمويل الأحزاب للأبحاث العلمية والدراسات”، والتي أثارت جدلا واسعا خلال الأيام الأخيرة.

 

وعلى الرغم من أن مضامين تقرير مجلس “العدوي” وضع مجموعة من الأحزاب في ورطة “تضارب المصالح”، وجد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نفسه وحيدا في فوهة البركان، خاصة بعدما ردت قيادات الحزب على المجلس الأعلى للحسابات في بيان مطول تم نشره في جريدة “الاتحاد الاشتراكي” لسان حزب “الوردة”، معتبرة أن “المجلس تجاوز حدود الاختصاصات المنوطة به”.

 

وفي الوقت الذي يحاول فيه إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وباقي رفاقه الخروج من دائرة الشبهات بأقل الأضرار، وذلك عن طريق نهج سياسة “الصمت”، لا تزال جهات محسوبة على نفس المؤسسة الحزبية تطالب أعضاء مكتبها السياسي تقديم توضيحات قانونية بخصوص ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات.

 

منير اوخليفا، أستاذ القانون بالكلية متعددة التخصصات بتازة ـــ جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، كشف في حوار مع “الأيام 24” مدى صحة الردود التي تقدمت بها قيادات حزب “الوردة” في سياق التفاعل مع مؤخذات مجلس “العدوي”، مبينا في الوقت ذاته الأسباب الحقيقية وراء انزعاج الأحزاب السياسية من تقارير المجلس الأعلى للحسابات.

 

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

 

 

جاء في الرد الأخير لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن المجلس الأعلى للحسابات لا يدخل في اختصاصاته إعطاء تقييمات للأبحاث والدراسات التي تقوم بها الأحزاب، وفق الفصل 32 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية. بناء على هذه المعطيات التي جاء بها حزب “الوردة”، هل يمكن القول بأن مجلس “العدوي” تجاوز حدود اختصاصاته مع الأحزاب السياسية؟

 

من وجهة نظري، أعتقد أن المادة 3 من مدونة المحاكم المالية واضحة حيث تعطي الاختصاص العام للمجلس الأعلى للحسابات في تدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وبالتالي فمجلس “العدوي” لم يتجاوز حدود اختصاصاته بل بالعكس هو مارس اختصاصاته التي خولها له القانون، ويعتبر رد الاتحاد الاشتراكي تغليطا للرأي العام والتلاعب بالمصطلحات القانونية لإعطاء المشروعية لما هو باطل أساسا. وللتوضيح أكثر نعتقد أن الجواب عما ورد في رد الحزب يمكن التصدي له من زاويتين الأولى قانونية والثانية أخلاقية:

 

من الناحية القانونية:

 

فالمادة 32 تشير إلى أنه “….. يصرف دعم سنوي إضافي لفائدة الأحزاب السياسية المشار إليها أعلاه يخصص لتغطية المصاريف المترتبة على المهام والدراسات والأبحاث التي تنجز لفائدتها من طرف الكفاءات المؤهلة بهدف تطوير التفكير والتحليل والابتكار في المجالات المرتبطة بالعمل الحزبي والسياسي…. ” في قراءة سطحية لهذه الفقرة من المادة 32 يمكن للكاتب الأول أن يعين نجله الذي هو عضو المكتب السياسي للحزب للقيام بهذه المهام، ويعتقد حزب الاتحاد الاشتراكي في شخص كاتبه الوطني إلى أن الفرق بين تدقيق الحسابات وفحص النفقات ومراقبة التسيير لا يخول للمجلس الأعلى للحسابات إلا صلاحية وحيدة وهي التأكد من توجيه المال العام الممنوح للأحزاب إلى الهدف المخصص له دون أن يكون له الحق في النبش في التفاصيل.

 

لكن هذا الاعتقاد يجرنا للحديث عن المفهوم القانوني لتعارض المصالح والذي يمكن أن نعرفه من وجهة نظرنا على أنه ينشـأ عـن الوضعيـة الـي تكـون فهيـا جهة معينة لها مصلحــة شخصية مــن شأنها أن تؤثــر ظاهــرا عــلى الممارسة المحايدة والموضوعية لمهامها الرسمية وتشمل المصلحة الشخصية كل المزايا المتعلقة بــشخصية تلك الجهة (حزب الاتحاد الاشتراكي في واقع الحال) ، أو بأسرة تلك الجهة (هنا الكاتب الوطني للحزب في شخص ابنه وفي نفس الوقت عضو المكتب السياسي)، وتشمل المصلحة الشخصية أيضـا كل الـتزام مالي أو مدني تتحمـل تلك الجهة عبئـه.

 

وبالتالي فمصطلح التدقيق الوارد في المادة 3 من مدونة المحاكم المالية هو مفهوم واسع أي بإمكان للمجلس الأعلى للحسابات التدقيق في حسابات الأحزاب السياسية في الشق المرتبط بالدعم الذي يتلقاه الحزب من الدولة، وبما أن الدولة منحت لحزب الاتحاد الاشتراكي دعما ماليا من أجل القيام بالدراسات والأبحاث لفائدة الحزب، وهو ما يعتبر من المال العام يجب صرفه بالطرق القانونية، ومن هنا أقول أن تدقيق المجلس الأعلى للحسابات يجب أن يكون شاملا ومراقبا لطرق صرف هذه الأموال العمومية المرصودة للأحزاب ومنه نقول بأحقية هذا المجلس في إعداد تقرير يشير فيه إلى إشكالية نعارض المصالح والذي يسيء للتدبير المالي لحزب الاتحاد الاشتراكي.

 

ومن جهة أخرى يجب التذكير بالمادة 44 من القانون التنظيمي للأحزاب فهي تحمل مقتضيات واضحة، تجعلنا نفند ما ذهب إليه تصور رد حزب الاتحاد الاشتراكي، على اعتبار أن المادة 44 أعطت صلاحيات واسعة لفحص صحة نفقات الأحزاب السياسية.

 

من الناحية الأخلاقية:

 

يمكن القول بأن حزب الاتحاد الاشتراكي له مرجعية تاريخية لا يمكن تمريغها في متاهات تسيء للمرجعية الأخلاقية في ممارسة العمل السياسي، بما يقتضيه ذلك من تجنب كل الشبهات ونكران الذات ورفض تحويل سياسة الحزب وارثه النضالي وبما قدمه للشعب المغربي من تضحيات كبيرة، إلى مجرد حزب يتفنن في الاسترزاق ونشر ثقافة الريع التي ناضل ضدها هذا الحزب في فترات سابقة وخصوصا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.

 

 

في نفس سياق الموضوع، ما الذي يزعج الأحزاب السياسية في تقارير المجلس الأعلى للحسابات؟

 

في اعتقادي ما يزعج الأحزاب السياسية في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، هي الخروقات التي تشوب صرف ميزانيات هذه الأحزاب السياسية وما يشوبها من تلاعبات خطيرة، تستلزم من جميع الجهات المعنية التدخل من أجل إيقاف العبث التدبيري لأموال الأحزاب وحتى النقابات والجمعيات حيث تشهد الممارسة السياسية الحالية تمييعا غير مسبوق ساهم في انتشار ثقافة الريع والاسترزاق، فمخاوف هذه الأحزاب تتمثل أساسا في عدم رغبتها في ربط المسؤولية بالمحاسبة والتي يؤكد الدستور على ضرورة تفعيلها وهي أيضا توجهات الخطب الملكية السامية التي يؤكد جلالته من خلالها على ضرورة تكريس دولة الحق والقانون بربط المسؤولية بالمحاسبة.

 

وفي اعتقادنا، فالتوجه نحو تكريس هذا الأمر سيضع مجموعة من الأحزاب والنقابات والجمعيات في مأزق سيؤدي حتما إلى حلها وتحريك المتابعات الجنائية الشخصية ضد مسؤولي هذه المؤسسات السياسية، وهو الأمر الذي تخشاه هذه الأحزاب من خلال تقارير المجلس الأعلى للحسابات.

 

 

هناك من يطرح سؤال “لماذا لا يشتغل مجلس الحسابات على مالية باقي المؤسسات الأخرى خاصة تلك التي تسير ميزانيات ضخمة؟”، ما رأيكم في هذا القول؟

 

القول بأن معظم تقارير المجلس الأعلى للحسابات اشتغلت فقط أو في أغلبها على مالية الأحزاب، هو قول مجانب للحقيقة، حيث بالرجوع إلى جميع التقارير الصادرة عن هذا المجلس فهي تقارير جد متنوعة لا تستني أي أحد من مستعملي الأموال العمومية، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر التقارير المرتبطة بتنفيذ قانون المالية لكل سنة مالية مضت، ومن خلاله مراقبة جميع المؤسسات العمومية التي تستفيد من ميزانيات التسيير والاستثمار المرصودة من طرف الدولة لكل قطاع عمومي كيفما كان.

 

 

في خضم هذا النقاش الجاد حول الرقابة المالية لمؤسسات الدولة، من يراقب مالية مجلس الحسابات نفسه، علما أن ميزانيته السنوية تقدر بملايير السنتيمات؟

 

إجابة على سؤالكم هذا يمكن لنا طرحه بصيغة أخرى، هل تخضع الميزانية المرصودة للمجلس الأعلى للحسابات للمراقبة؟

 

جوابا على هذا الاشكال وبقراءة المادة 112 من قانون المحاكم المالية ليست هناك أية مراقبة قبلية ولكن نستشف من هذه المادة وجود مراقبة بعدية على المحاسب العمومي الذي تم تكليفه بقرار من الوزير المكلف بالمالية للسهر على تنفيذ هذه الميزانية وفق الصالحـيات المسندة إلـى المحاسبين العموميين طبقا للـقوانين والأنظمة الجاري بها العمل وهذا على اعتبار أن ميزانية المحاكم المالية تدرج فـي الميزانية العامة للدولة.

 

وبالتالي القول بغياب مراقبة الميزانيات المرصودة للمحاكم المالية هو نقاش سياسوي محض بعيد كل البعد عن القانون وعن دستور المملكة المغربية ل 2011 والذي يكرس مبادئ الحكامة الجيدة فلا يعقل تصور جهاز رقابي للمال العام يقوم بصرف ميزانيات بشكل غير قانوني، واعتبر هذا النقاش بمثابة النقاش الفارغ والذي لا أساس له في القانون المغربي، وبالتالي فأي تصور بهذا الشكل من شأنه اضعاف المؤسسات الدستورية وعلى رأسها مؤسسة المجلس الأعلى للحسابات باعتبارها الجهة العليا المنوطة بها مراقبة المالية العمومية.

تاريخ الخبر: 2024-03-19 00:09:43
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 70%
الأهمية: 84%

آخر الأخبار حول العالم

سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 00:25:27
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه “البيرييه” من الاسواق

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 00:25:39
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية