رمضان كريم
رمضان كريم
شهر رمضان, هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان.. وفيه ليلة القدر, التي هي خير من ألف شهر..
وهو الشهر الذي يوقف فيه الإنسان كل عاداته القبيحة, ويمنع نفسه من أن يكون ترسا في عجلة الحياة, فقط, ليكون إنسانا واعيا, يمضي وقتا للتفكير في نفسه, وفي مجتمعه, وفي الناس, وفي الكون الفسيح من حوله!
وهو شهر يعتبر من مقومات الصحة الجسمانية, وهو تربية للإرادة, وتهذيب للنفوس, وهو تعاطف بين أفراد المجتمع, وإحساس واقعي بآلام الفقراء وحاجتهم..!
ودأب الكثيرون من المسلمين من أجل ذلك, علي أن يعدوا لأنفسهم خلال هذا الشهر برنامجا دينيا واجتماعيا وثقافيا كله علم وتقوي وحب ودين..
* * *
ونعود بعد ذلك للوراء قليلا, لنذكر كيف بدأت الاحتفالات بشهر رمضان..
والحقيقة أنها بلغت الذروة في العصر الفاطمي في مصر..
والخليفة الفاطمي كان حريصا كل الحرص علي إمامة المسلمين في الصلاة طوال شهر رمضان المبارك, والاحتفال به في جميع أنحاء البلاد, احتفالات يبدو فيها العمل علي بث روح المحبة بين الناس..
وقد أضاف المصريون في تاريخهم الحافل بالإيمان بعض الرتوش إلي الاحتفالات الدينية في رمضان, فقد كان أغنياؤهم في المدن والقري يحتفلون بهذا الشهر احتفالا يقوم علي تدعيم أواصر المحبة بين الناس, فالموائد تقام كل مساء ليحضرها الفقراء مع الأغنياء, والاجتماعات تعقد في المنادر لحل مشاكل الجماهير حلولا إيجابية, والزيارات تستمر بين العائلات لتمكين المحبة بين أفرادها, وزيادة التعاون في مختلف مجالات العمل بينهم..
ولم يكتف المصريون بذلك, بل لونوا إحياء ليالي رمضان بلون مثمر جدا, يرفع مستوي الجماهير وييسر سبل الحياة أمامهم, فقد أخذوا يعقدون ندوات في المساجد تشبه إلي حد كبير المحاضرات التي تلقي في الجامعات الآن, لأنها كانت تتضمن أحاديث العلماء المصريين أو الوافدين من المشرق أو المغرب العربي في مختلف ألوان العلوم الحديثة, بالإضافة إلي أحدايث تشمل ربط أسس الدين بالحياة نفسها..
ولم يقف تصور المصريين لما يمكن أن تؤديه احتفالات شهر رمضان للوطن ذاته عند هذا الحد, ففي أيام المماليك استغلت هذه الاحتفالات في بث روح القتال ضد الغزاة التتار وغيرهم من الذين استهدفوا الاستيلاء علي مقدرات مصر, والحقيقة كان لهذه الاحتفالات أثر واضح في إزكاء الحمية في النفوس, والدعوة إلي الدفاع عن العرض والدين..
وبدا واضحا جدا بعد ذلك الدور الذي يؤديه احتفال رؤية هلال شهر رمضان المبارك, في ربط أواصر الثقة والتعاون والمحبة بين الأيدي العاملة علي اختلاف ألوان عملها, فقد تعود الحرفيون علي إقامة موكب يضمهم, يسيرون فيه جنبا إلي جنب, معلنين في صورة جلية عن إيمانهم بالعمل, وتقديرهم لثمرته وجدواه لصالح الجميع, وتصميمهم علي زيادة الإنتاج خلال الشهر المبارك, شهر الخيرات والثمرات..
والتجار كانوا حريصين علي السير بأحسن معروضاتهم الجديدة ضمن الموكب الذي يطوف بشوارع القاهرة, معلنا بصورة عملية أن الدين هو العمل.. الدين هو التعاون.. الدين هو المحبة الصادقة.. الدين هو التعاطف مع الجميع بصدق وإخلاص..
وللجبرتي صفحات جميلة في وصف الرؤية وتاريخها, لأنه نفسه كان مشتغلا بالفلك والشرع وتحديد هلال رمضان!
ومهما يكن من أمر, فإن ليلة الرؤية والاحتفال بليالي رمضان كان لها دائما تاريخ مضيء, ارتبطت فيه الحياة الدينية بالحياة الثقافية والفكرية والدنيوية والعلمية..
وستكون احتفالاتنا هذا العام بالشهر الفضيل علي مستوي رفيع يخدم حاضرنا ومستقبلنا, لأنها سترتبط أوثق الارتباط بمعركة المصير, وستدعم بكل معاني الحب والأخوة جماهير شعب مصر وهي تقف متساندة متراصة صامدة في وحدة قوية لاسترداد الكرامة..