“وامعتصماه”.. صرخة امرأة تفتح أقوى مدن الروم


الدار/ فردوس الزعيم

 في أواخر القرن الثاني الهجري، سنة (192هـ) ظهرت في بلاد فارس وأذربيجان حركة باطنية خبيثة، كانت تدعو إلى مفاهيم باطلة ومنحرفة، مثل الإيمان بالحلول وتناسخ الأرواح، والدعوة إلى الإباحية الجنسية، والتي كان زعيمها هو “بابك الخرميّ”.

تمثلت أهداف هذه الحركة في تحطيم النظام الاجتماعي والديني القائم، وخلق فوضى وفتنة بين الناس، وتشويه الصورة الحقيقية للإسلام من خلال تبنيها لمبادئ وتصورات باطلة ومنحرفة.

هذه الحركة شغلت الخلافة العباسية لمدة تصل إلى عشرين عامًا، حيث جمعت حولها عددًا كبيرًا من الغوغائيين والمجرمين وقطاع الطرق، بالإضافة إلى الزنادقة والفساق.

وكان من نتائج هذه الفتنة أنِ اتَّصل قادتها وعلى رأسهم بابك بإمبراطور الروم “تيوفيل”  يستحثُّونه، ويطلبون منه مهاجمة الخلافة الإسلامية العباسية التي انشغلت بقتالهم، وكان مما قالوه له: إنَّ المعتصم لم يُبْقِ على بابه أحدٌ، فإنْ أردت الخروج إليه فليس في وجهك أحدٌ يمنعك.

فاستجاب ملك الروم “توفيل ميخائيل” لاستغاثة بابك ، وجهَّز جيشًا يزيد قُوامه على مائة ألف جندي، وسار به إلى بلاد الإسلام، فدخل حصن “زبطرة” وقتل خيرة أهلها، واسترق الباقي، وأخذ في الأسر ألف امرأة من المسلمات، وكان يمثِّل بالمسلمين فيقطع آذانهم وأُنوفهم، ويَسْمِلُ أعينهم.

وكان من بين الأسيرات امرأة هاشمية استغاثت بالخليفة المعتصم في أسرها، حيث صرَخت صرْخة مستغيثة لما أخذت في الأسر “وااامعتصماه”.

فلما بلغ المعتصم ذلك استعظمه وكبر لديه حيث بلغه أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: وامعتصماه! فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، ثم ركب دابته… وجمع جيشه، فجلس في دار العامة، وأحضر قاضي بغداد وهوعبد الرحمن بن إسحاق، وشعبة بن سهل، ومعهما 328 رجلاً من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع، فجعل ثلثًا لولده، وثلثًا لله تعالى، وثلثًا لمواليه”.

ولما أراد “المعتصم” الخروج حذره المنجمون من الخروج وإنّ ذلك طالع نحس، وإنه يهزم ويكسر، فلم يلتفت لذلك، وعزم على الخروج وغزو الروم، فأظفره الله عليهم.

ولم يكن خليفة المسلمين ليسكت على ما حلَّ بالمسلمين، وكيف يسكت وأصوات الاستغاثات ما زالت تتردَّد أصداؤها في أذنيه، وأسرى المسلمين مع الروم؛ ولذا جمع الأمراء وسألهم: أيُّ بلاد الروم أمنع وأحصن؟ قالوا: عمُّوريَّة، لم يعرض لها أحدٌ من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عندهم أشرف من عاصمتهم القسطنطينية (بيزنطة). فقال: هي هدفنا.

وكانت “عمورية” مدينة حصينة في الأناضول تقع جنوبي غربي مدينة أنقرة، وتسمى اليوم “سيفلي حصار”.

وبدأ الخليفة يستعدُّ، فاستدعى الجيوش وتجهَّز جهازًا قيل: إنَّه لم يتجهَّز قبله بمثله، ولا غرو في ذلك، فالهدف عظيم، وقد أراد الله أن يجعلها حاسمة لا تقوم للروم بعدها قائمة، بل إنَّ أهدافه تعدَّت مجرَّد الأخذ بالثأر وتأديب الروم إلى فتح بلادهم كلها وضمِّها للمسلمين.

خرج المعتصم إلى عمُّوريَّة في 223هـ ، ولم تكن من عادة الحملات الكبرى الخروج في ذلك الوقت، غير أنَّ الخليفة كان متلهِّفًا للقاء، ورفض قبول توقيت المنجِّمين الذين تنبَّئوا بفشل الحملة إذا خرجت في هذا التوقيت.

وسار المعتصم في جحافل أمثال الجبال، وبعث الأمراء إلى مناطق الثغور، ووصل إلى قُرب طرطوس، وعند (سروج) قَسَّمَ المعتصم جيشه الجرَّار إلى فرقتين؛ الأولى بقيادة الأفشين، ووجهتها أنقرة، وسار هو بالفرقة الثانية، وبعث “أشناس” بقسم منها إلى أنقرة، ولكن من طريقٍ آخر، وسار هو في إثره، على أن يلتقي الجميع عند أنقرة.

وأثناء ذلك، علم المعتصم من عيونه المنتشرين في المنطقة أنَّ إمبراطور الروم قد كمن شهرًا لملاقاة الجيش الإسلامي على غرَّة، وأنَّه ذهب لمفاجأة الأفشين، وحاول الخليفة أنْ يُحَذِّرَ قائده، لكنه لم يستطع، واصطدم الأفشين بقوات الإمبراطور عند “دزمون”، فكانت معركة “دزمون”، حيث ألحق الأفشين بإمبراطور الروم هزيمة مدوِّية في (25 من شعبان 223هـ)، ولم يَحُلْ دون النصر الضباب الكثيف الذي أحاط بأرض المعركة أو المطر الغزير الذي انهمر دون انقطاع، وهرب الإمبراطور إلى القسطنطينية، وبقي قسم من جيشه في عمُّوريَّة بقيادة خاله “مناطس” حاكم “أناتوليا”.

دخلت جيوش المعتصم أنقرة التي كانت قد أُخليت بعد هزيمة الإمبراطور، وتوجَّهت إلى عمورية فوافتها بعد عشرة أيام، وضربت عليها حصارًا شديدًا،  بدأ ا في (6 رمضان 223هـ)، وكانت عمورية مدينة عظيمة جدًّا، ذات سور منيع وأبراج عالية، وقد تحصَّن أهلها تحصُّنًا شديدًا، وملئوا أبراجها بالرجال والسلاح، ولكنَّ ذلك لم يَفُتَّ في عضد المسلمين.

فما كان الله االى ان وفق المعتصم وجنده فدخلوا مدينة عمورية في (17 رمضان)، وتكاثر المسلمون في المدينة وهم يكبرون ويهلِّلون، وتفرَّقت الروم عن أماكنها، فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان، ولم يبقَ في المدينة موضعٌ محصَّنٌ سوى المكان الذي يجلس فيه نائبها مناطس، وهو حصن منيع، فركب المعتصم فرسه، وجاء حتى وقف بحذاء الحصن، فناداه المنادي: ويحك يا مناطس! هذا أمير المؤمنين واقف تجاهك. فقالوا: ليس بمناطس ههنا مرتين. فرجع الخليفة ونصب السلالم على الحصن، وطلعت الرسل إليه، وقالوا له: ويحك! انزل على حكم أمير المسلمين. فتمنَّع، ثم نزل متقلدًا سيفه، فوضع السيف في عنقه، ثمَّ جيء به حتى أُوقف بين يدي المعتصم، فضربه بالسوط على رأسه، ثمَّ أمر به يمشي إلى مضرب الخليفة مهانًا.

وهكذا فتح المسلمون مدينة عمورية، وأخذوا منها أموالاً كثيرة، وأسروا أعددًا من الروم افتُدِيَ بها أسرى المسلمين.

وجاء في خبر هذه الموقعة أن المعتصم قتل قرابة 30 ألفًا من الروم، وأسر 30 ألفًا، وسار عائدًا إلى “طرسوس” في غنائم كثيرة. ويقال بعدها أحضر المعتصم الأعربي الذي أبلغه باستغاثة المرأة المسلمة، وطلب منه أن يأخذه إلى مكانها، ولما وصل إليها قال لها: هل لبى المعتصم نداءك، وملكها سيدها، والرجل الذي لطمها، وعادت حرة كما كانت بفضل المعتصم، وكان نداء هذه المرأة هو السبب في فتح عمورية.

تاريخ الخبر: 2024-04-09 18:25:09
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

مسؤول أمريكي: التوغل الحالي في رفح لا يمثل عملية عسكرية كبر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:22:14
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

عن مشروع اتفاق كباشي والحلو – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:23:05
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

"سنحرق البلاد".. عائلات الأسرى يهددون نتنياهو ويطالبون بوق

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:22:09
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 66%

"لن يوجد يهودي آمن حتى يصبح الجميع آمنا"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:15
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 95%

استراتيجية بايدن المتهورة قد تؤدي لحرب خطرة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:16
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 96%

معركة بالأكياس بين الطلاب الأميركيين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:17
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 99%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية