لن يتم احتساب فوائد على أرصدة المحافظ الرقمية .. والقانون يُحدد المفاهيم الأساسية

تختبر البنوك المركزية الكبرى حول العالم إمكانية إصدار عُملتها الوطنية الرقمية، فى مواجهة العُملات الرقمية المُشفرة التى لا تخضع لسُلطة نقدية مركزية كالـ “بيتكوين” والـ “إثيريوم” و”الدوجكوين” .. وتُعول البنوك المركزية – فى كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة والهند.. وغيرهما – على الكثير من الفرص والفوائد حال إصدار عُملتها الرقمية التى سيتم تخزينها في محافظ إلكترونية.

هذا وأعلنت النائبة الأولى لرئيسة البنك المركزي الروسي ، أولجا سكوروبوجاتوفا، أن 13 بنكًا روسيًا بدأت تنفيذ عمليات بالروبل الرقمي، وقالت سكوروبوجاتوفا : “تلك البنوك الـ 13 بدأت بالفعل في تقديم خدمة لعملائها لفتح محفظة بالروبل الرقمي وإجراء العمليات، لقد أجرينا بالفعل آلاف العمليات والتحويلات، ولدينا بالفعل عمليات دفع في مؤسسات التجارة والخدمات بالروبل الرقمي”.. وفي وقت سابق، وقع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مرسومًا بشأن إطلاق الروبل الرقمي وإنشاء منصة إلكترونية بهذا الشأن، ونُشرت الوثيقة على البوابة الرسمية للمعلومات القانونية.

هذا ودعت رئيسة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا إلى تسريع إطلاق تجربة استخدام عملات مشفرة في المدفوعات الدولية واعتماد مشروع بهذا الشأن، وقالت “نابيولينا”، خلال كلمة ألقتها بمجلس الدوما، إن التجربة يمكن أن تصبح حافزًا مهمًا للاقتصاد الروسي ووسيلة لتجاوز العقوبات والقيود الغربية المفروضة على البلاد.

وأكد مصرف “في تي بي”، ثاني أكبر بنك روسي، أنه اختبر بنجاح التعاملات المالية باستخدام الروبل الرقمي في تطبيقه على الهواتف المحمولة، حيث يهدف دخول موسكو عالم العملات الرقمية للحد من تأثير القيود الدولية على نظامها المالي.

وسعت موسكو لفك ارتباط تعاملاتها المالية بالدولار وتطوير أنظمة دفع بديلة بعدما تم استبعاد العديد من المصارف الروسية من نظام “سويفت” المستخدم عالميا بعد اندلاع النزاع الأوكراني العام الماضي.

هذا وسيتمكن الروس من إجراء المدفوعات والتحويلات من محافظهم الرقمية التي ستكون ضمن منصة البنك المركزي أو أحد البنوك الشريكة التي سيعمل معها، إلا أن التقارير ذكرت أنه لا يمكن استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية “CBDC” إلا للدفع أو التحويلات، وليس الإقراض أو الودائع، وفقًا للبنك المركزي، وهناك العديد من الآثار المحتملة لإطلاق روسيا لعملتها الرقمية بشكل عام ، من ناحية يمكن أن تساعد في استقرار الاقتصاد الروسي، الذي تضرر بشدة من العقوبات الغربية، كما يمكن أن يوفر CBDC أيضًا وسيلة للروس للالتفاف على العقوبات، مما يسمح لهم بإجراء معاملات دولية دون قيود، ويمكن أن تُعرّض CBDC خصوصية الروس للخطر، نظرًا لأن الحكومة الروسية ستتمتع بقدر أكبر من الرؤية في المعاملات الرقمية، فقد يكون من السهل عليها تتبع الأنشطة المالية للأفراد والشركات، إلا أن CBDC لا تخلو من المخاطر، حيث يمكن أن تكون عرضة للإختراق، ويمكن أن تؤدي إلى المزيد من التضخم.

الرويل الرقمى اختيارى

وعدل نص مشروع القانون المدني الروسي للسماح باستخدام العملة الرقمية للبنك المركزي للمدفوعات، مع تمكين “المركزي” من السماح للمواطنين الحقيقيين بإستخدام العملة اعتباراً من 1 أغسطس المقبل، وستتم إدارة حسابات الروبل الرقمي مباشرة من قبل البنك المركزي، بدلاً من البنوك التجارية، وفي بيان نشرته وسائل الإعلام الروسية، أوضحت محافظ البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، أن استخدام العملة اختياري بحت، مؤكدة أن روسيا مُستعدة لبدء تجرية الروبل الرقمي، وبعد الإصدار التجريبي سيكون بالإمكان طرح الروبل الرقمي للجميع.

وسيصبح “الروبل الرقمي” في روسيا تابع للعملة الوطنية، وسيكون الروبل الرقمي أساسي كوسيلة أخرى للمدفوعات والتحويلات، لذلك لن يتسنى فتح وديعة أو الحصول على قرض به، ولن يتم احتساب أي فائدة على الأرصدة في المحافظ الرقمية، ويقدم القانون المفاهيم الأساسية، ويحدد الصفة القانونية للروبل الرقمي والتعامل به، والعلاقة بين المركزي الروسي، الذي سيكون المشغل لمنصة الروبل الرقمي، والمشاركين فيها.

الشفافية .. والتعاملات الخارجية

من جانبه قال رئيس لجنة السوق المالية في مجلس الدوما الروسي، أناتولي أكساكوف: أن المفاوضات جارية مع عدة دول لاستخدام “الروبل الرقمى” في التعاملات التجارية الخارجية، وأوضح “أكساكوف” أنه لا شيء يدعو للقلق بشأن انخفاض سعر صرف الروبل، وقال: “لست قلقًا بشأن انخفاض سعر صرف الروبل مقابل الدولار واليورو، سعر الصرف في رأيي طبيعي جدًا مقارنة بمعدل التضخم الحالي”، وقال: إن الواردات تعود للحجم الهائل لصادرات روسيا من المواد الأساسية والطاقة.

ووفقًا لمسودة وثيقة تم نشرها مؤخرًا تحدد الاتجاهات الرئيسية لسياسته النقدية في السنوات الثلاث من البنك المركزي للاتحاد الروسي، سيبدأ بنك روسيا في ربط جميع مؤسسات الائتمان تدريجيًا بمنصة الروبل الرقمية وزيادة عدد خيارات الدفع المتاحة والمعاملات بإستخدام العقود الذكية، خلال عام 2024، وأنه من خلال هذا النهج التدريجي، ستتاح للاعبين الماليين فرصة للتكيف مع الظروف الجديدة.

وترى ألكسندرا بروكوبينكو المستشارة السابقة بالبنك المركزي الروسي والتي تعمل حالياً باحثة غير مقيمة لدى مركز “كارنيغي روسيا أوراسيا” ببرلين، أن الروبل الرقمي يُعتبر نظام دفع محلياً ضمن برنامج تحصين الاقتصاد الروسي، إذ يستطيع أن يجعل المعاملات أكثر ملاءمة داخل البلاد وأنه من المحتمَل أيضاً أن يجعل المعاملات أكثر شفافية في المناطق التي ضمتها روسيا من أوكرانيا، إذ يُوفر بديلاً من الاعتماد الحالي على النقود الورقية”.

صندوق النقد .. وعمل تنظيمي مشترك للعملات الرقمية

من جهة أخرى، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إن الصندوق يعمل على إنشاء منصة لعملات رقمية خاضعة للبنوك المركزية لتيسير المعاملات بين الدول، مؤكدة خلال مؤتمر شاركت فيه بنوك مركزية أفريقية بالعاصمة المغربية “الرباط”، أن “العملات الرقمية الخاضعة للبنوك المركزية يجب ألا تكون مقترحات وطنية متفرقة للتمتع بمعاملات أكثر كفاءة ونزاهة، نحتاج لأنظمة تربط البلدان”.

وأضافت: إن 114 بنكًا مركزيًا في مرحلة ما من استكشاف العملات الرقمية “واستكملت 10 منها المهمة بالفعل، منوهة أن عملات البنوك المركزية الرقمية قد تساعد أيضًا في تعزيز الشمول المالي وخفض كلفة التحويلات، وقالت: “إن كلفة تحويل الأموال بلغت نحو 44 مليار دولار سنويًا.”

وأضافت جورجيفا: “لهذا السبب نعمل في صندوق النقد الدولي على تصور حول منصة عالمية لعملات رقمية للبنوك المركزية”، منوهة أن عدم الاتفاق على منصة مشتركة قد يخلق فراغًا ستملؤه على الأرجح العملات المشفرة، مؤكدة أن سوء تطوير العملات الرقمية للبنك المركزي قد يؤدي لتحديات قضائية، ومخاطر على الاستقرار المالي وسرية المعطيات والنزاهة المالية، وترى أنه إذا طورت الدول عملات رقمية للبنوك المركزية للاستخدام المحلي فقط، فبذلك لا يُستفيد من كامل قدرتها”، هذا ويريد صندوق النقد من البنوك المركزية الاتفاق على إطار عمل تنظيمي مشترك لعملات رقمية قابلة للتبادل عبر العالم.

بلوكشين لإنشاء العملات الرقمية

ويرى موقع ” روسيا بريفينج/ Russia Briefing ” أنه كان هناك إرتباك حول الإختلافات بين العملة الرقمية والعملة المشفرة ، حيث أدركت كل من روسيا والصين أن النمو السريع لحلول التكنولوجيا المالية – من قبل الشركات الناشئة واللاعبين الحاليين في القطاع المصرفي – يحتاج إلى شكل من أشكال العملة يكون أكثر سهولة في الإستخدام للتحويلات الإلكترونية من مجرد الإحتفاظ بالأرقام ، ومع ذلك لا يرغب أي من البنوك المركزية في البلدان في إنشاء هيكل بلوكشين لإنشاء العملات الرقمية وتداولها ، وأضاف : أنه قبل أسبوعين أصدر البنك المركزي الروسي ورقة بعنوان ” الروبل الرقمي ” بخصوص احتمالات إصدار عملة رقمية ، حيث صرح أليكسي زابوتكين نائب محافظ البنوك المركزية ، أن ” وجود الروبل الرقمي سيحد من مخاطر استخدام حلول دفع أخرى أقل موثوقية في الفضاء الرقمي ، كما أنه سيؤدي لإنشاء بنية تحتية إضافية للدفع بالروبل الرقمي “.

من ناحية أخرى أطلقت الصين عملتها “اليوان الرقمي” وسجلت نجاحًا جيدًا، كما شرعت مجموعة من 7 بنوك مركزية كبرى، من بينها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في تحديد الشكل الذي قد تبدو عليه العملات الرقمية ، وذلك في مسعى للحاق بدور الصين الريادي والتفوق على مشاريع خاصة على غرار عملة “ليبرا” التابعة لفيسبوك.

الجدير بالذكر أن البنك المركزي الروسي أعلن لأول مرة عن مشروع الروبل الرقمي في أكتوبر 2020 عندما نشر ورقة استشارية تحدد التصاميم المحتملة له، وأشار لاحقًا إلى أن المشروع يُمكن أن يُساعد في تقليل اعتماد الاقتصاد الروسي على الدولار الأمريكي والتخفيف من تأثير العقوبات الأجنبية على روسيا.