رغم الرسائل التي وجهها الملك محمد السادس لتخليق الحياة السياسية والبرلمانية، خاصة بعد تناسل المتابعات القضائية لعشرات البرلمانيين، وذلك عن طريق إقرار مدونة لـ”الأخلاقيات”، يبدو أن “أغلب نواب الأمة غير مستعدين للعمل على توفير شروط تخليق العمل البرلماني، بعد تسجيل غيابات وازنة وبالجملة في الجلسات العمومية الأخيرة بمجلس النواب.
وتعرض النواب البرلمانيين لانتقادات واسعة بعد مرور الجلسات العمومية التي خصصت لتجديد هياكل مجلس النواب بـ”كراسٍ فارغة”، الأمر الذي دفع بعض المراقبين إلى التساؤل عن “الكيفية التي سيتم بها تنزيل مدونة الأخلاقيات والسلوك”، في ظل هذا “الفراغ البرلماني”، خاصة وأن المؤسسة التشريعية مقبلة على مدراسة قوانين ذات أهمية كبيرة، لعلها تتجاوز الحصيلة التشريعية الهزيلة خلال الدورة البرلمانية الخريفية المنصرمة.
تأثيرات سلبية
تعليقا على هذا الموضوع، قال رضوان عميمي، أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “موضوع غياب البرلمانيين عن الجلسات العمومية، كان يحظى منذ سنوات بنقاشات سياسية ودستورية وقانونية”، مبينا أن أن “غياب البرلمانيين له تأثير سلبي ومباشر على الأداء التشريعي والرقابي وأيضا على صورة البرلمان ككل”.
وأضاف عميمي، في تصريح لـ”الأيام 24″، أنه “كانت هناك مجموعة من المضامين القانونية بمجلسي النواب والمستشارين لمحاربة هذه الظاهرة، وذلك عن طريق فرض اقتطاع من أجور البرلمانيين إضافة إلى بعض الإجراءات التأديبية”.
وأوضح أن عودة ظاهرة غياب البرلمانيين، تأتي في ظل الدعوة التي وجهها الملك محمد السادس بخصوص تخليق الحياة السياسية والبرلمانية، عن طريق إقرار مدونة الأخلاقيات، مؤكدا أن “الدعوة الملكية تندرج في هذا الإطار بغية أجل رد الاعتبار إلى المؤسسة التشريعية”.
وسجل المحلل السياسي، أن “مدونة الأخلاقيات ستكون مدخلا أساسيا لمحاربة هذه الظاهرة التي أصبحت مألوفة لدى المتتبع المغربي، خاصة مع تأكيد طابعها الإلزامي”.
استخفاف النواب
من جهته، يرى سمير شوقي، رئيس مركز أوميغا للأبحاث الإقتصادية و الجيوسياسية، أن “الجلسات العمومية بمجلس النواب، صارت عنوانا لاستخفاف عدد كبير من النواب بمهامهم النيابية، بشكل يعد نوعا من التحلل من التزاماتهم تجاه ناخبيهم”، مضيفا أن هذا “الموضوع صار متكررا بشكل جعل منه ظاهرة تستوجب التحليل السياسي والنفسي للنواب”.
وتساءل شوقي، في تصريح لـ”الأيام 24″، “لماذا كل هذا التساهل من طرف مكتب مجلس النواب، وعدم الضرب بيد من حديد على أيدي المتخاذلين، بالرغم من وجود عقوبات ضمن القانون الداخلي للبرلمان”، مردفا “لا أتحدث هنا عن الإقتطاع من التعويضات لأن الكثير من النواب لا يهمهم الجانب المالي بقدر ما يبحثون عن الوضع الاعتباري والمصلحي”.
وبعد أن لاحظ شوقي، “غيابا كبيرا وملفتا في السنوات الأخيرة”، نبه إلى أن هذا “الغياب الذي طال جلسات دستورية هامة تناقش قضايا مصيرية مثل مشروع قانون المالية”، شدد على أن هذا الغياب “يهدد جوهر العمل المؤسساتي تحت قبة البرلمان”.
وحمل شوقي، الأحزاب السياسية مسؤولية هذا الوضع الحالي بالبرلمان، متسائلا: “لماذا تستثمر الدولة في دعم الأحزاب وفي تنظيم انتخابات، بأموال طائلة لتفرز في النهاية هذا المشهد السياسي البئيس؟”.
وأردف أن الأحزاب السياسية “لم تعد تمارس السياسة كما عرفناها قبل سنة 2009 على الأقل”، مردفا: “ولاشك أنكم تعرفون ماحملت لنا هاته السنة من تشوهات سياسية جعلت الأعيان والأغنياء غير المتحزبين و”أصحاب الشكارة” الطبق المفضل لبعض الأحزاب وسرعان ما سارت على منوالها أحزاب أخرى”.
وزاد: أن “هذه الظاهرة أسقطت على مجلس النواب “كائنات” سياسية، مقابل إزاحة مناضلي الأحزاب الحقيقيين الذين يمارسون السياسة وليس التجارة بالشعارات”، مضيفا أنه من “الطبيعي أن يستفحل الغياب وأن تصبح الجلسات العمومية تمرينا مملا في غياب أي نقاش جاد، خاصة في ظل سيطرة أحزاب الأغلبية على قبة البرلمان بالطول والعرض وصارت هذه الأغلبية مجرد رقم يمرر قرارات الحكومة”.
وختم رئيس مركز أوميغا للأبحاث الإقتصادية و الجيوسياسية حديثه قائلا: “ليس هناك أية مفاجأة، في ظل هذا الواقع، في أن يصبح الغياب هو القاعدة والحضور (للتصويت) هو الإستثناء”.
