استثمارات قطرية هامة بالجزائر: تــوافــــق سـيــاســي وشــراكــة اسـتــراتـيـجـيــة

 انتقلت العلاقات الجزائرية- القطرية إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية، وامتدت التفاهمات من الشق السياسي بالنظر للتوافق الحاصل بين مواقف البلدين في عديد القضايا الإقليمية والدولية، لتشمل الجانب الاقتصادي مع توسع الاستثمارات القطرية في مجالات عديدة على غرار الطاقة والسياحة والحديد والصناعات الغذائية، في ظل رغبة مشتركة على أعلى مستوى لتسريع وتيرة إنجاز المشاريع الاستثمارية القطرية بالجزائر.

تشهد العلاقات الجزائرية القطرية تطورا لافتا في مجال الاستثمار والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري الكبير، بالموازاة مع التقارب السياسي الكبير والذي فتح المجال واسعا أمام التعاون الاقتصادي وتوسع الاستثمارات القطرية، حيث عمل رئيس الجمهورية على تعزيز العلاقات بين الجزائر والدوحة لتكتسي الطابع "الاستراتيجي"، ويتجلى هذا التقارب في إبرام اتفاقيات في مختلف المجالات وتبادل الزيارات بين قائدي البلدين في عدة مناسبات سياسية ورياضية.
وكانت قطر، المحطة الأولى في الجولة التي قام بها الرئيس تبون العام الماضي والتي شملت روسيا والصين، للتأكيد على العلاقات الاستراتيجية والأخوية التي تربط البلدين، خاصة في الشق الاقتصادي الذي شهد تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة، لاسيما مع توسع الاستثمارات القطرية بالجزائر، على غرار إنشاء المستشفى الجزائري-القطري- الألماني وكذا توسيع نشاط الشركة الجزائرية- القطرية للحديد والصلب بالمنطقة الصناعية بلارة، حيث أصبحت قطر أكبر مستثمر عربي في الجزائر، وتستحوذ على 74 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية بالجزائر.
وفد منح التقارب السياسي بين البلدين دفعا قويا للاستثمارات القطرية في الجزائر، حيث تفرّعت عن هذا التقارب السياسي في أعلى مستوى زيارات بين رجال أعمال ورؤساء رابطات ومجموعات اقتصادية واستثمارية، أفضت إلى إبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم، وآخرها الاتفاق الذي تم التوقيع عليه الأربعاء الماضي بين وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والشركة القطرية "بلدنا" لإقامة مشروع متكامل لإنتاج الحليب المجفف بالجنوب الجزائري وبالضبط ولاية أدرار.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى إنجاز مشروع منظومة  زراعية صناعية متكاملة  لتربية الأبقار وإنتاج الحليب المجفف ومشتقاته عن طريق الشراكة بين شركة بلدنا القطرية و الصندوق الوطني للاستثمار، لتربية الأبقار الحلوب وإنتاج مسحوق الحليب بقيمة تتجاوز ال 3.5 مليار دولار. ويتربع المشروع على مساحة إجمالية قدرها 117 ألف هكتار مكونة من ثلاثة أقطاب في الجنوب الجزائري لاسيما بولاية أدرار ، تحتوي كل منها على مزرعة لإنتاج الحبوب و الأعلاف و مزرعة لتربية الأبقار و إنتاج الحليب و اللحوم ، ومصنع لإنتاج مسحوق الحليب.
ويعد هذا المشروع الثاني الذي يجرى تنفيذه منذ زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى الدوحة في 2022، حيث جرى العام الماضي التوقيع على اتفاق لبدء تنفيذ مشروع إنجاز مستشفى عصري، بسعة 400 سرير، يستوفي المعايير الدولية في مجال الهندسة الاستشفائية والتسيير العصري، وكان الرئيس تبون قد وجّه تعليمات إلى الحكومة في فيفري 2022 عقب زيارته إلى الدوحة، بإنشاء لجنة متابعة لتنفيذ ورفع العراقيل عن المشاريع الاستثمارية القطرية، وتوفير مناخ مرافق لتنفيذ المشاريع الاستثمارية التي جرى الاتفاق عليها.
المشروع سيوفر 50 بالمائة من احتياجات الجــزائر
وسيسمح المشروع الجزائري القطري لإنتاج مسحوق الحليب، بتوفير 50 بالمائة من احتياجات الجزائر من هذه المادة، وبقيمة استثمار تبلغ 3.5 مليار دولار. حيث تنص الاتفاقية بين وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والشركة القطرية "بلدنا"، على إقامة مشروع متكامل لا نتاج مسحوق الحليب المجفف كهدف أولي في المرحلة الأولى، على أن يتم في المراحل اللاحقة إنتاج الأعلاف والحبوب واللحوم الحمراء.
وحسب وزارة الفلاحة، فان انطلاق الإنتاج سيكون بداية من سنة 2026، ويهدف لإنتاج  33 ألف طن سنويا من مسحوق الحليب في المرحلة الأولى، على أن يصل في العام السادس من إطلاق المشروع إلى 90 ألف طن، ويصل في السنة التاسعة إلى 194 ألف طن، وهو ما يعني توفير 50 بالمائة من احتياجات الجزائر من مسحوق الحليب.
وسيسمح هذا المشروع الضخم الذي تقدير قيمته بـ 3,5 مليار دولار، بتقليص فاتورة الواردات، واقتصاد العملة الصعبة، وكذلك خلق 5 ألاف منصب عمل مباشر، ومناصب عمل أخرى غير مباشرة، بالإضافة إلى خلق جو من المنافسة بين المنتجين المحليين، وتوفير جودة عالية من الحليب ومشتقاته للمواطن.
وأكدت وزارة الفلاحة، بأن هذا المشروع الاستراتيجي الذي يدخل في إطار تطوير الاستثمار بالجنوب، حُددت له مساحة إجمالية مقدرة بـ117 ألف هكتار، حيث تم اختيار ولاية أدرار لتكون القطب الأول في هذا المشروع، في حين سيتم اختيار مناطق أخرى بالجنوب مستقبلا لتكون ضمن هذا المشروع، وفق معايير أساسية تتمثل في جودة التربة وتوفر المياه.
استثمارات قطرية بمليارات الدولارات
وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد أشرف، رفقة أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على هامش القمة العربية التي احتضنتها الجزائر قبل عامين، على إطلاق مشروع بناء المستشفى الجزائري-القطري-الألماني، وكذا مشروع توسعة مركب الشركة الجزائرية-القطرية للحديد والصلب بمنطقة بلارة، بولاية جيجل. وهو ما يسمح برفع قدرة إنتاج المصنع، بفضل مشروع التوسيع، من 2 مليون طن إلى 4 مليون طن سنويا.
وتزايد اهتمام المستثمرين القطريين بالجزائر بشكل لافت منذ الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى الدوحة، والتي تم خلالها تحديد مشاريع هامة يجري التفاهم حولها للشروع في تجسيدها في اقرب وقت، فيما تحرص الجزائر على متابعة يومية ودقيقة لتلك المشاريع وإزالة العراقيل التي تعترضها، حيث تتولى لجنة حكومية، متابعة المشاريع ورفع العراقيل الإدارية وتوفير مناخ مرافق لتنفيذها.
كما استقبل رئيس الجمهورية، رئيس رابطة رجال الأعمال القطريين الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني. الذي أشاد بتحسن مناخ الاستثمار في الجزائر، بفضل الإطار القانوني الجديد الذي "يخدم المستثمرين". وأكد أن مناخ الاستثمار في الجزائر "مختلف عن السابق"، مشيرا إلى قانون الاستثمار الجديد الذي قال أنه "يخدم المستثمرين". وأعرب عن رغبته في أن تتجسد المشاريع المشتركة على أرض الواقع "في أقرب وقت". وأشاد ذات المسؤول بالمؤهلات الاقتصادية الكبيرة التي تزخر بها الجزائر، مشيرا إلى مشروع توسيع شبكة السكك الحديدية وكذا إستراتيجية رفع قدرات الموانئ.
وتأتي هذه الاتصالات والزيارات، تنفيذا لتفاهمات بين البلدين تم التوصل إليها خلال المفاوضات الرسمية بين كبار المسؤولين في البلدين، لتنفيذ مشاريع استثمارية قطرية، تشمل مشروع مد خطوط السكة الحديدية، وتوسيع شبكتها من الشمال إلى الجنوب الكبير، بين العاصمة ومدن الشمال، إلى تمنراست وأدرار في أقصى الصحراء، على مسافة تقارب ألفي كيلومتر، وتمتد إلى خارج الوطن باتجاه دول الساحل كالنيجر. إضافة إلى استثمارات قطرية كبيرة في مجال تجديد واجهات المدن وتجديد ميناء جن جن بجيجل، وهو المشروع الذي يهدف لجعله أحد أبرز الموانئ في أفريقيا، فضلا عن مشاريع استثمارية كبيرة في قطاع الزراعة لإنتاج الحليب واللحوم الحمراء والزيوت والسكر.
وتشمل المشاريع القطرية التي جري التفاوض بشأنها، بالإضافة إلى بناء مستشفى عصري، بشراكة جزائرية قطرية ألمانية، مشاريع سياحية تشمل تجديد الواجهة البحرية للعاصمة، وتحديث النسيج العمراني لأربع مدن جزائرية هي سكيكدة وعنابة وقسنطينة ووهران، وهي مشاريع تعهدت قطر بتقديم وضخ استثمارات بشأنها، إضافة إلى مشاريع في قطاع الزراعة.
استثمار قطري لتطوير فنادق وإطلاق مشاريع صناعية
 وتُعدّ قطر أكبر مستثمر عربي في الجزائرالتي أصبحت من الوجهات الاستثمارية التي تلقى اهتمام رجال الأعمال القطريين، فقد أنشئ في السنوات الأخيرة عدد من المشاريع الاستثمارية القطرية بالجزائر. فإلى جانب وحدة إنتاج الحديد "بلارة بولاية جيجل، على مساحة تبلغ نحو 216 هكتارا، وبتكلفة ملياري دولار تقريبا، هناك مجموعة "أُوريدو" القطرية للاتصالات، التي تحقق نجاحا معتبرا .
كما توجد عشرات الشركات القطرية الجزائرية المشتركة العاملة في السوق القطرية، ومن المنتظر زيادة أعدادها في الفترة المقبلة، خصوصا مع توفر العديد من الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية، لا سيما الصناعات الصغيرة والمتوسطة. من بينها التوقيع على اتفاقية إطار بين الجزائر وقطر، في جانفي 2023، تقضي بتعزيز التعاون والإستثمار في مجال تطوير وتسيير وحدات فندقية تابعة للمجمع العمومي “فندقة سياحة وحمامات معدنية” من قبل الشركة القطرية “رتاج” للفنادق والضيافة، وهو مجمع تتبع إليه كل الفنادق العمومية المنتشرة عبر التراب الوطني وعدة مؤسسات وفروع سياحية، وكان يشهد، بالرغم من الإصلاحات والمجهودات، صعوبات في إقامة نموذج سياحي يستقطب السائح المحلي والأجنبي، فيما يتعلق بالأسعار والخدمات.
وتنص هذه الاتفاقية على “تعبئة الاستثمارات اللازمة للارتقاء بالوحدات الفندقية، تماشيا مع المعايير المعمول بها دوليا والرفع من جودة الخدمات في هذا المجال”. وستعمل شركة “رتاج” القطرية للفنادق والضيافة، في إطار هذه الاتفاقية على دعم الفنادق التابعة للمجمع والبالغ عددها 73 فندقا في مجال التسيير والتأهيل وتحسين الخدمات لاستقطاب السياح.
وكشف وزير الخارجية أحمد عطاف، أن حجم الاستثمارات القطرية في الجزائر تفوق ما تستثمره الدول الأوروبية مجتمعة. وقال عطاف خلال استضافته عبر برنامج  بث على منصة "أثير"القطرية، إن العلاقات الأكثر نجاحا هي التي لا يتم الكلام بشأنها كثيرا ومنها العلاقات مع دولة قطر التي وصفها بالأكثر نجاحا نظرا لحجم الاستثمارات والمبادلات القائمة بين البلدين. وقال عطاف “الناس تتكلم عن علاقات الجزائر بإسبانيا وفرنسا.. أؤكد أن الاستثمارات القطرية في الجزائر خارج المحروقات تقارب أو تتجاوز الاستثمارات الأوروبية مجتمعة”.
وتبدو آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري المستقبلي واعدة بين قطر والجزائر في ضوء قدرات وإمكانات الدولتين، حيث تعد الجزائر بوابة أفريقيا، نظراً لموقعها الجغرافي الهام بين القارتين الأوروبية والأفريقية، وتربطها علاقات متميزة مع دول المجموعتين. ولهذا يتوقع محللون أن ترتفع وتيرة الشراكة القطرية الجزائرية وتشهد منحنى تصاعديا، متجاوزا الكثير من الشراكات التقليدية التي ظلت متواجدة في السوق الجزائرية،. لتشمل مجالات مختلفة في ظل وجود رغبة مشتركة لدى قادة البلدين وممثلي أرباب العمل لتعزيز التعاون و تهيئة المناخ الملائم لتعزيز الاستثمارات المتبادلة.
ع سمير

تاريخ الخبر: 2024-04-29 00:24:11
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 57%

آخر الأخبار حول العالم

القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-14 00:25:18
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية