وضعية قانونية

الوضعية القانونية هي مدرسة خاصة بالتشريع التحليلي، تطورت إلى حد كبير عبر المفكرين القانونيين في القرنين الثامن والتاسع عشر، أمثال جيرمي بنتام وجون أوستن. وبينما كان بنتام وأوستن يطوران نظرية وضعية قانونية، كانت التجريبية تضع الأصول النظرية لتفعيل تلك التطورات. ويُعد إتش. إل. إيه. هارت من أكثر الكتاب شهرة في الوضعية القانونية بالإنجليزية، إذ إنه عثر على استخدامات مشهجرة للوضعية كما طُبقت في القانون لتضم تلك المزاعم:

القوانين هي تعليمات الكائنات البشرية
لا يوجد ارتباط بالضرورة بين القانون وبين الأخلاق، أي بين القانون كما هوكائن بالعمل وبين ما ينبغي عليه حتىقد يكون
تحليل (أودراسة معنى) المفاهيم القانونية هوأمر ذوأهمية، ويجب تمييزه عن تاريخ أوسوسيولوجيا القانون، بالإضافة غلى نقد وتقييم القانون، على سبيل المثال فيما يتعلق بقيمته الأخلاقية أووظائفه أوأهدافه الاجتماعية.
النظام القانوني هونظام منطقي مغلق، إذ يمكن للقرارات السليمة حتى تُستنبط من قواعد قانونية محددة سلفًا دون الرجوع إلى الاعتبارات الاجتماعية.
الأحكام الأخلاقية تختلف عن تقارير الواقع، فلا يمكن تأسيسها أوالدفاع عنها من خلال حجة أومرشد أوبرهان عقلي (النزعة غير الإدراكية في الأخلاق)

وتوضع الوضعية المنطقية من الناحية التاريخية، في لقاء نظريات تشريع القانون الطبيعي، مع خلاف خاص يدور حول زعم رجل القانون الطبيعي عن ضرورة وجود ارتباط بين القانون والأخلاق.

الأصل اللغوي

اشتُق مصطلح الوضعية من اللغة اللاتينية ponere positum، والتي تعني (وضع). والقانون الوضعي هوالقانون الذي يصنعه أويضعه الإنسان، أي هوالمنصوص عليه رسميًا.

الشرعية القانونية ومصادر القانون

مصدر القانون في المنظور الوضعي، هوالسلطة القانونية المعترف بها اجتماعيًا والتي تؤسس هذا القانون. أما مزايا هذا القانون فهوموضوع منفصل: فربماقد يكون هذا القانون سيئًا وفقًا لبعض المعايير، لكن إذا أضافته السلطة التشريعية إلى النظام القانوني، فسيظل هوالقانون المعمول به. وتلخص موسوعة ستانفورد للفلسفة الفرق بين المزايا والمصدر على هذا النحو: حقيقة حتى السياسة ستكون عادلة أوحكيمة أوكفؤ أومتعقلة، لا تشكل سببًا كافيًا أبدًا للاعتقاد بأنها تمثل القانون بالعمل، وحقيقة حتى تكون غير عادلة أوحكيمة أوكفؤ أومتعقلة، لا تشكل سببًا كافيًا أبدًا للشك فيها. القانون وفقًا للوضعية، هوالمادة المطروحة (المطلوبة، المُقرَرة، المُطبَقة، المقبولة، إلخ)؛ إذا أردنا التعبير بمصطلح أكثر حداثة، فالوضعية هي الرؤية التي تعتبر القانون بناء اجتماعي.

لا تزعم الوضعية القانونية بأنه ينبغي اتباع أوطاعة القوانين المُحددة بوضوح، أوحتى هناك قيمة في تميز القواعد بالوضوح والقابلية للتحديد (على الرغم من حتى بعض الوضعيين قد يتبنوا تلك المزاعم أيضًا). قد تكون قوانين النظام القانوني غير عادلة تمامًا بالتأكيد، وقد تكون الدولة غير شرعية تمامًا. وكنتيجة لذلك فربما لاقد يكون هناك إلزام بطاعة تلك القوانين. علاوة على ذلك فحقيقة حتى المحكمة هي التي تحدد القانون الصالح من عدمه، لا تقدم إرشادًا حول ما إذا كان ينبغي على المحكمة حتى تطبقه في حالة معينة. وكما نطق جون جاردنر فإن الوضعية القانونية ليست فعالة بشكل معياري؛ إنها نظرية للقانون وليست نظرية في الممارسة القانونية أوالأحكام القضائية أوالطاعة السياسية. ويعتقد الوضعيون القانونيون حتى الوضوح الفكري هوأفضل إنجاز، والذي يتم عن طريق هجر هذه الأسئلة لبحث منفصل.

الوضعية القانونية والواقعية القانونية

تختلف الوضعية القانونية عن الواقعية القانونية. والاختلافات ذات أهمية من الناحية التحليلية والمعيارية. ويعتبر كلا النظامين حتى القانون هوبناء إنساني. ويعتقد الوضعيون في الكثير من الحالات، على عكس الواقعيون القانونيون في أمريكا، حتى القانون يعطي إرشادًا محددًا بطريقة معقولة لموضوعاته وأحكامه، على الأقل في قاعات المحاكم. ويؤكد نيكلاس لومان على إمكانية اختزال القانون الوضعي في الصيغة التي لاقد يكون فيها القانون مطروحًا فقط من خلال القرار (أي مختارًا)، ولكن أيضًا حتىقد يكون شرعيًا من خلال سلطة القرار (وبالتاليقد يكون مشروطًا وقابل للتغير). ولا يؤكد الوضعيون مع ذلك، على حتى القانونقد يكون شرعيًا من خلال قرار أي شخص. ويرى هارت حتى شرعية القانون هي مسألة تخص الممارسات العهدية والجمعية للمحاكم. ويؤكد جميع من الوضعيين والواقعيين على حتى المسألة المتعلقة بالشرعية الأخلاقية للقانون، ما هي إلا مسألة مبادئ أخلاقية. وليس لسلطة القرار دورًا أساسيًا في جميع منهما، لأن القرار الفردي نادرًا ما يكفي لخلق ممارسة اجتماعية تحظى بالاعتراف، وسيكون من غير المعقول افتراض حتى المبادئ الأخلاقية تُصنع هكذا بقرار من أي شخص.

التاريخ

أصول الوضعية القانونية

يعتبر الممضى التجريبي هوالأصل الأساسي للوضعية القانونية، إذ ينتشر مفكري هذا الممضى على مدى زمني واسع، أمثال سيكستوس إمبيريكوس وتوماس هوبز وجون لوك وجورج بركلي ودافيد هيوم وأوجست كومت. والقضية المركزية بالنسبة للتجريبية هي الزعم بأن كافة أشكال فهم الحقيقة، يجب حتى تُشرع أوتؤسس بناءً على الخبرة الحسية أويُستدل عليها من القضايا المشتقة بشكل واضح من المعطيات الحسية. وتقف التجريبية علاوة على ذلك موقفًا مضادًا من الميتافيزيقا؛ عملى سبيل المثال يرفض هيوم الميتافيزيقا لأنها مجرد تأملات أوتخمينات تتجاوز ما يمكن تفهمه من الخبرة الحسية. ومثلت تعاليم التجريبيين نذيرًا لتيار وضعي ذومنهجية تقارب مشكلات الفهم والتحليل، والتي انعكست لاحقًا في الوضعية القانونية. مهد الوضعيون المناطقة أمثال رودلف كارناب وألفريد جولز آير، الطريق لممضى آخر هام في الوضعية القانونية، ويعني أنه يجب فحص القضايا والحدثات المستخدمة لكي نفهم الواقع. فيكون للجملة دلالة، إذا وفقط إذا كانت تعبر عن شيء إما حتىقد يكون تحصيل حاصل (القضايا الرياضية) وإما قابل للتحقق التجريبي (القضايا الإخبارية).

منهجية الوضعية القانونية

يظهر جوهر الوضعية القانونية، مع الأخذ في الاعتبار التأثيرات النظرية للتجريبية والوضعية المنطقية، بوصفها بحثًا وصفيًا حول قواعد قانونية معينة، مثلما خط بيتر كرزون عنها: تستخدم المنهج الاستقرائي في استقصائها أوبحثها (أي البدء من ملاحظات لحقائق معينة والوصول لتعميمات متعلقة بكل تلك الحقائق). ويُستبعد خلال تلك الاستقصاءات موضوعات فهم الأخلاق والسياسات الاجتماعية والأخلاقية؛ فكما خط يوليوس ستون: يتعلق الأمر بشكل أساسي بتحليل المصطلحات القانونية وبحث العلاقات المنطقية للقضايا القانونية. ويُنظر للقانون وسلطته بالإضافة إلى ذلك، على أساس المصدر؛ أي حتى شرعية المعيار القانوني لا تعتمد على القيمة الأخلاقية المرتبطة به ولكن تأتي من مصادر يحددها القواعد والتنطقيد الاجتماعية في المجتمع.

جيرمي بنتام

يُعد الفيلسوف والفقيه الإنجليزي جيرمي بنتام أعظم شخصية تاريخية مختلف عليها في حركة الوضعية القانونية البريطانية. وضع بنتام في كتابه (مقدمة في مبادئ الأخلاق والتشريع) الأساس الخاص بنظرية القانون بوصفها تعبير عن إرادة السيادة. ويفرق نبتام بشكل وضاح بين نوعين من الأشخاص كما يلي:

الشُراح أوالمفسرون: وهم أولئك الذين يفسرون القانون خلال تطبيقه
المراقبون: وهم أولئك الذين ينتقدون القانون خلال تطبيقه ويقارنونه مع مفاهيمهم حول ما ينبغي حتىقد يكون عليه.

ونُظر إلى فلسفة القانون بشكل صارم، على أنها تمثل تفسيرًا للقوانين الطبيعية كما يقدمه المفسرون، عوضًا عن حتى تكون نقدًا كما يقدمه المراقبون. واشتهر بنتام أيضًا بقوله عن القانون الطبيعي أنه كلام فارغ يستند على ركائز.

المراجع

^ H. L. A. Hart, "Positivism and the Separation of Law and Morals" (1958) 71 Harvard Law Review 593, 601–602.
^ Green, Leslie (2009). Zalta, Edward N. (المحرر). (الطبعة Fall 2009). Metaphysics Research Lab, Stanford University. مؤرشف من الأصل في 17 مارس 2019.
^ Green, Leslie, "Legal Positivism" in the Stanford Encyclopedia of Philosophy نسخة محفوظة 25 أكتوبر 2019 على مسقط واي باك مشين.
^ Luhmann, 1987
^ Gowans, Chris (2016). Zalta, Edward N. (المحرر). (الطبعة Winter 2016). Metaphysics Research Lab, Stanford University. مؤرشف من الأصل في 18 مارس 2019.
^ Markie, Peter (2015-01-01). Zalta, Edward N. (المحرر). (الطبعة Summer 2015). مؤرشف من الأصل في 18 مارس 2019.
^ Curzon, Peter (1998). Jurisprudence Lecture Notes. Cavendish Publishing. صفحة 82.