لاسلطوية ما بعد الكولونيالية

عودة للموسوعة

لاسلطوية (أناركية) ما بعد الكولونيالية، مصطلح صكّه روجر وايت تبعًا لتجربته كأناركيّ ملوّن في حركة الأناركية في أمريكا الشمالية. بين الأعوام 1994 و2004 خط وايت سلسلةً من الموضوعات الفاحصة لتجربته في الحركة الأناركية. يحدد وايت العُزلة العِرقية والقبول الرمزي كخصائص بارزة في تجارب الأفراد الملونين داخل الحركة الأناركية، ويعزوذلك إلى هيمنة فكرة الكونيّة الأوروبية ومقاربة تنظر للصراع الطبقي كعلاقة ثنائية بين العمال والرأسماليين في حين أنها تُغفِل الجوانب الثقافية من الإمبريالية.

تُعتبر الأناركية ما بعد الكولونيالية محاولة للتوفيق بين الجوانب والميول المتباينة ضمن الحركة الأناركية القائمة، وإعادة تأسيس تصوّراتها ضمن إطارٍ مناهضٍ للإمبريالية بشكلٍ لا مواربة فيه. في حين حتى الأناركية التقليدية هي حركة متأتّية من صراعات البروليتاريين في الدول الأوروبية الغربية الصناعية؛ ولهذا السبب ترى التاريخ من خلال وجهة نظرهم، إذ تقارب الأناركية ما بعد الكولونيالية نفس مبادئ التعاون المشهجر والصراع الطبقي ومناهضة التدرّج والهرميّة الاجتماعية والإدارة الذاتية على مستوى المجتمع المحلّي واستقلال البلديات الذاتي الليبرتاري، وحق تقرير المصير من منظور الشعوب المستعمَرة في جميع أراتى العالم. بتطبيقها هذا، فالأناركية ما بعد الكولونيالية توجه أشد الانتقادات لمساهمات حركة الأناركية القائمة، وتسعى بدلًا من ذلك لتزويد الحركة الأناركية بما تعتبره وجهة نظر فريدة وذات أهمية. تتأثر هذه النزعةُ الأناركية بشكلٍ جوهري بالأيديولوجيات المناصرة للشعوب الأصلية، وأشكال القومية المعادية للدولة، وحركة الأناركيين الملوّنين، وغيرها.

المسائل

من الملاحظ حتى لاسلطوية ما بعد الكولونيالية حركةٌ توفيقيّة ومتشعّبة، إذ تضمّ طيفًا واسعًا من المصادر، وهوالأمر المتوقّع من نزعةٍ تستقي أفكارها من عدة مشارب متنوّعة.

القومية

لكلّ من الأناركية والقومية تاريخ طويل، يعود امتداده للمنظّر البارز ميخائيل بوكانين ومشاركاته المبكرة في الحركة القومية السُلافية. كما شارك الأناركيون في الحركات القومية اليسارية في كلّ من الصين، كوريا، فييتنام، آيرلندا، بريتاني، أوكرانيا، بولندا، المكسيك، إسرائيل، وغيرها من الدول. تضمّ المنظمات الأناركية المعاصرة الناشطة في نضالات حروب التحرير القومي تنسيقية استقلال وتحرير بريتاني.

يجادل أنصار الأناركية ما بعد الكولونيالية بأن أحد الاستراتيجيات التي تتّبعها الإمبريالية هوشنّ المستعمِرين الحروب الثقافية ضد الأمم التي يُخضِعونها سعيًا منهم لتدمير هوية المهزومين وهوما يسهّل عملية حُكمهم. ولهذا السبب تسعى الأناركية ما بعد الكولونيالية إلى إلغاء الرأسمالية والدولة بالإضافة إلى كونها سعيًا دؤوبًا من قِبل الشعوب المستعمَرة لتعزيز ثقافاتهم وكرامتهم، وهويتهم القومية والحفاظ عليها والدفاع عنها. يبسط الناشط الأناركي آشاتني آلستون هذه الفكرة في كتابه «ما بعد القومية، لا بدونها»:

«بالنسبة لي، حتى فكرة القومية التي يتبنّاها لويس فرخان محمد تعني تحرير شعبي، رغم أنها متحيّزة جنسيّاً ورأسمالية ومعادية للمثليّين، وكما يحتمل حتى تكون فاشية. رغم ذلك، فقد أدت دورًا جزئيّاً مهمّاً في الحفاظ على روح حركة فخر السود، والمقاومة، والمناهضة للعنصرية نابضة بالحياة من خلال عملهم "على الأرض". بالنسبة لي كناشط أناركي أسود، فهذه هي بالتحديد المسائل التي يهمّني الالتفات إليها لأن المتضررين منها هم قومي. ولكن في نفس الوقت، يُظهِر هذا الأمر الفروق التي تميّز الأناركية عن القومية، ويتمثّل ذلك في عدم فهم الناشطين الأناركيين من غير السود لكون الشخص أسودَ في هذا المجتمع اللعين».

إلى غير ذلك فإن آشتاني يرى فائدةً في أمة الإسلام إذ إنها تعمل كقوة خيّرة تساعد الشعب الأسود في أمريكا ليعتمد على ذاته ويطالب بالمساواة، ولكنه أيضًا يدرك الآثار السلبية لأسلوب أمة الإسلام ويحثّ المجتمع الأسود للنهوض ومعارضتها وغيرها من الحركات القومية السوداء التي تتجاوز الحدّ في فخرها بالنفس ومطالبها القومية، فيؤول بها المطاف إلى المناداة بالهيمنة على غيرها من الأفراد، والجماعات، والهويات.

يكمن الخلاف في جوهره بين الأناركية والقومية المناهضة للدولة في حتى القومية تعتبر الوحدة السياسية الأولى هي الأمة، أوالمجموعة العِرقية، بينما في النظام الأناركي اللاسلطوي فالوحدة السياسية الأساسية هي المجتمع المحلي أوالمكان الذي يجري فيه العمل. لهذا السبب، فالأناركية ما بعد الكولونالية تتميّز عن أي شكلٍ من أشكال القومية في أنها لا تسعى إلى جعل الأمة وحدةً سياسية، ناهيك بأن تعتبرها الوحدة السياسية الأساسية. كما حتى الأناركيين الاشتراكيين يسعون لخلق اقتصاد اشتراكي ولكن يعارضون ديكتاتورية التطبيق الماركسي لاشتراكية الدولة، فأناركيّوما بعد الكولونيالية يعارضون ديكتاتورية الدولة القومية، ويجادلون بأن تحقيق تقرير المصير بصورة مُجدية لجميع دول العالم يستلزم نظامَا سياسياً أناركيّاً مبنيّاً على السلطة المحليّة، والفيدرالية الحرّة، والمعونة المشهجرة.

العِرق والعنصرية

حركة الأناركية ما بعد الكولونيالية هي حركة مناهضة للعنصريّة بصورة واعية، رغم حتى لكلّ جماعة من الجماعات المنضوية داخل هذه الحركة تعريفها الخاص لمعنى هذه المناهضة. على سبيل المثال، فالجماعات المنضوية تحت لواء حركة أناركية الملوّنين تسعى لتوحيد وجهات نظر الأفراد الملوّنين ضمن الحركة الأناركية ولهم التزام وثيق بمحاربة سيادة البيض. على العكس من ذلك، فمفكروالأيديولوجيات المناصرة للشعوب الأصلية، وارد تشرتشل مثلًا، يطرحون فكرة إظهار الدعم لهذه الحركات ودفع منهاضي العنصرية من البيض للاستكشاف والتعلّم من النضالات المناهضة للعنصرية التاريخية والقائمة في أوروبا. الأمر الذي تتفق عليه جميع الاتجاهات المتنوعة ضمن الأناركية ما بعد الكولونيالية هوالمعارضة والإدانة الصريحة لأي مزاعم تفوّق عِرقيّة لدى أي مجموعة سكانية، ويرون تقويض سيادة البيض وغيرها كهدفٍ جوهري للأناركية.

الأناركية الأفريقية

يزعم كلّ مِن سام مباه وآي إي إغاريوي في كتابهما «الأناركية الأفريقية: تاريخ الحركة» بأنه:

«إلى حد ما، تظهر جميع المجتمعات الأفريقية عناصر أناركية، والتي إذا نظرنا إليها بنظرة فاحصة، تُثبت الحقيقة البديهية التاريخية بأن الحكومات لم تكن شيئًا مسلّمًا به دوماً عبر التاريخ، بل هي ظاهرة حديثة ولهذا السبب فليست حتماً محتوماً على المجتمع البشري. سليم حتى بعض السِمات "الأناركية" للمجتمعات الأفريقية التقليدية كانت جزءاً من فترة تاريخية في تطوّرها، إلا حتى بعض هذه السمات ما تزال حاضرةً وبشدّة ليومنا هذا».

السبب الذي يجعل هذه المجتمعات تُصنّف على أنها "أناركية" هوهيكليتها السياسية الأفقية وغياب الطبقات الاجتماعية. والنظام القانوني في الصومال، المعروف باسم حير هومثال على ذلك.

حير، هونظام متعدد المراكز القانونية في الصومال. وفقًا لهذا القانون، يعمل كبار السن كقضاة ويساعدون في البتّ بالقضايا عبر النظر في سابقاتها. هذا النظام هوخير مثالٍ على كيفية عمل القانون العهدي في مجتمعٍ بلا طبقات وهومقاربة عادلة لما يُعتبر قانونًا طبيعيّاً. يُشير بعض الفهماء إلى حتى قانون حير رغم قِدَمه لقرون طويلة، يمكنه حتى يعمل كنظام قانوني في اقتصاد معاصر يعمل بشكل جيد.

رغم حتى الكثير من المجتمعات الأفريقية كانت مبنية على القيادة، والتي عادةً ما كانت مستندة إلى كبار القبيلة الموقّرين، ولكن هذه القيادة لم تكن تمتدّ لتضم الهيكل التطبيقي الذي يميز الدولة الحديثة. بدءاً من القرن الخامس عشر، أخذ النظام الطبقي بالتشكّل في آخر إمبراطوريات أفريقيا، رغم وجوده لألوف السنين في بعض الحضارات الأفريقية (مثل النوبة، ومصر، وأكسوم، وممالك الهوسا). على أيّ حال، فقد بقيت الكثير من المجتمعات حتى هذا اليوم بأنظمة يُطلق عليها «قبائل دون حكّام»، كشكلٍ من «الأناركية المنظّمة».

من وجهة نظر أناركية ما بعد كولونيالية، تشكّل الأناركية الأفريقية محاولةً لإعادة تصوّر السياسة الأناركية بناءً على مفهومٍ لا ينظر للأناركية على أنها يوتوبيا مستقبلية، بل شكل حقيقي ناجزٍ للمجتمع كان هوالمتعارف عليه قبل احتلال أفريقيا، تعرّض للتداعي بسبب العدوان الأوروبي والكولونيالية، ولكنه قدّم أفضل المخططات الأولية لتمكين المجتمعات الأفريقية من المضيّ قُدمًا لبناء مستقبلٍ أكثر عدلًا ومساواة.

المراجع

  1. ^ White, Roger. (PDF). Oakland California: Jailbreak Press. Archived from the original on 03 يناير 2006. اطلع عليه بتاريخ 09 فبراير 2017. صيانة CS1: BOT: original-url status unknown (link)
  2. ^ Ashanti Alston. Anarchist Panther Zine issue 1 نسخة محفوظة 2008-09-07 على مسقط واي باك مشين.
  3. ^ Post Colonial Anarchism, by Roger White. Anarchism, nationalism, and national liberation from an APOC perspective.
  4. ^ Peter Leeson. "Better Off Stateless" (PDF). مؤرشف من الأصل (PDF) في 26 أكتوبر 2019.
  5. ^ Louisa Lombard (October 2005). "Elder Counsel". Legal Affairs. مؤرشف من الأصل في 18 فبراير 2012. اطلع عليه بتاريخ 26 يونيو2009.
تاريخ النشر: 2020-06-01 18:49:33
التصنيفات: استعمار حديث, لاسلطوية حسب الشكل, ما بعد الاستعمارية, قضايا في لاسلطوية, صيانة CS1: BOT: original-url status unknown, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, مقالات يتيمة منذ ديسمبر 2019, جميع المقالات اليتيمة, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, بوابة لاسلطوية/مقالات متعلقة, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, بوابة مجتمع/مقالات متعلقة, بوابة الولايات المتحدة/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

إطلاق عملية “من الطفل إلى الطفل” في نسختها 15 للنهوض بالتعليم

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 21:15:16
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 41%

الشرطة تطيح بمتورط في سرقات محلات تجارية باستعمال مفتايح مزورة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 21:15:15
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 42%

فضيحة.. إلغاء صلاة الجمعة في مسجد معروف بمراكش في عز رمضان الفضيل

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 21:15:18
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 48%

اعتقال صيني في مدينة العيون يواجه قضية اختلاس أموال عمومية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 21:15:11
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 35%

الصيادلة متشبثون بخوض إضراب وطني رغم تدخل وزارة الصحة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 18:27:40
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

سياسي / الرئيس الصومالي يلتقي وفدًا فنلنديًا

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 18:28:56
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

طفل يضرم النار في منزل أسرته بأكادير

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 21:15:21
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 47%

الصيادلة متشبثون بخوض إضراب وطني رغم تدخل وزارة الصحة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 18:27:41
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 55%

وفاة طالب جامعي بعد إقدامه على حرق جسده بسطات في ظروف غامضة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 21:15:22
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 41%

تحميل تطبيق المنصة العربية