الانتقال الأفقي للجينات في التطور

عودة للموسوعة

يقابل الفهماء الذين يحاولون إعادة تأسيس وبناء التاريخ التطوري للكائنات الحية حقيقة حتى الجينات قد تنتقل أحيانًا أفقيًا بين الأفرع البعيدة لشجرة الحياة، ويحدث هذا الانتنطق عن طريق «الانتنطق الأفقي للجينات»، مما يشوش المعلومات التي يعتمد عليها الفهماء في إعادة بناء شجرة الحياة وفهم أصول الكائنات الحية، ولكن على الرغم من ذلك فإن الانتنطق الأفقي للجينات قد يساعد الفهماء في إعادة بناء وتأريخ شجرة الحياة. في الواقع يُمكن استخدامه كعلامة مميزة لتتبع التاريخ التطوري للكائنات الحية بشجرة الحياة، وبالتالي يساهم في إثبات وفهم الكائن الحي الذي منح هذا الجين لكائن حي آخر كمستقبل له، وفهم أنواع الكائنات الحية التي تعرضت للانقراض.

الانتنطق الأفقي للجينات ظاهرة تطورية لا تحدث بشكل متكرر على مستوى أفراد الكائنات الحية، ولكنها تحدث على نطاق أعظم وأضم من مستوى الفرد على مدار التاريخ التطوري بشكل منتظم، وبالتالي يتخلى الفهماء عن استخدام جينات الأفراد كعلامة مميزة يمكن تتبعها على مدار التاريخ التطوري، مما يعرض مصدرًا كبيرًا جدًا للمعلومات كجينات الأفراد لعدم الاستخدام والاستفادة القصوى منها.

ثلاثة نطاقات رئيسية للحياة

هناك ثلاثة أنواع رئيسية مبكرة لشجرة الحياة دُرست بواسطة فهماء الميكروبيولوجيا لأن الكائنات الحية الأولى كانت كائنات دقيقة، ولأول مرة بقيادة كارل ويس قدم فهماء البيولوجيا مُصطلح (نطاق) للثلاثة فروع الرئيسية لشجرة الحياة، وهومصطلح مشابه في معناه خلال دراسة شجرة الحياة لمعنى (مملكة) في فهم الأحياء. ولإعادة بناء شجرة الحياة، فإن التتابع الجيني المشفر المسؤول عن تكوين الوحدة تحت الوحدة الصغيرة للرنا الريبوزومي الصغيرة (SSU rRNA, 16s rRNA) أثبت فعاليته في إعادة بناء شجرة الحياة، وتعتمد الشجرة على معلومات من ذلك التتابع الجيني.

تمثل النطاقات الثلاث للحياة الأصول التطورية للحياة الخلوية الأولى، وتتضمن تلك النطاقات حاليًا البكتيريا، والعتائق (كائنات حية وحيدة الخلية، تشبه مظهريًا البكتيريا)، وحقيقيات النواة. وتتضمن حقيقيات النواة الكائنات الحية التي تحتوي على أنوية داخل خلاياها مثل الفطريات، والطلائعيات، وكل الكائنات الحية في مملكتي الحيوان والنبات. يعتبر الجين المسؤول عن تكوين الوحدة الريبوزومية الريبسومية الصغيرة هوأكثر الجينات استخدامًا في تأسيس شجرة الحياة وفهم العلاقات التطورية بين الكائنات الحية الدقيقة؛ حيث إذا ذلك التتابع الجيني متشابه لحد كبير بين الكائنات الحية القريبة من بعضها على شجرة الحياة، وظهور أي اختلافات في ذلك الجين يسهل معهدتها ورصدها.

أول من قدم التتابع الجيني (SSU rRNA) كمقياس للتغيرات التطورية بين الكائنات الحية هوكارل ويس، وذلك عند قيامه بأول محاولة لتكوين أول شجرة حياة حديثة، وكنتيجة لمحاولته تلك اعتُبرت العتائق من نطاق ثالث للكائنات الحية الأولى، وذلك على الرغم من الاعتقاد حديثًا بأن جين (SSU rRNA) يمكن انتنطقه أفقيًا بين الكائنات الحية، ويفرض هذا الاعتقاد وجوب التمحيص في صلاحية ومصداقية شجرة الحياة التي تعتمد في إنشاءها على هذا التتابع الجيني.

دفعت الاكتشافات الحديثة المنتشرة عن وجود الانتنطق الأفقي الجيني بين الكائنات الحية الدقيقة، وحتى وجوده من خلال الوحدة تحت الوحدة الصغيرة للرنا الريبوزومي الصغرى الفهماء إلى التساؤل عن مدى دقة الفروع الأولى لشجرة الحياة، ومدى صلاحية المعلومات التي تحتويها عن كيفية حدوث التطور. في الحقيقة فإن حدوث التطور في مراحله الأولى بدأ من مجتمع الطلائعيات التي كانت قادرة على تبادل الجزيئات الكبيرة من ذلك التتابع الجين عن طريق الانتنطق الأفقي مُتخطية الحواجز الداروينية وآلية انتنطق الجينات رأسيًا.

تشير مقارنة التتابع الجيني المشفر الخاص بالوحدة تحت الوحدة الصغيرة للرنا الريبوزومي الصغرى بوجود انتنطق أفقي لبعض الجينات بين أنواع مختلفة من الكائنات الحية مُتخطية الحواجز على مستوى النطاقات خلال شجرة الحياة، وبالتالي فإن تحديد التاريخ العرقي للكائنات الحياة لا يمكن القيام به بالاعتماد حصرًا على جين واحد. وبالتالي فإن الانتنطق الأفقي للجينات تعبير عن عامل متغير في الاعتماد عليه لإنشاء شجرة الحياة من خلال حصرها على تتابع جيني واحد، عملى سبيل المثال إذا تبادل نوعان متباعدان من البكتيريا جينًا ما (جين اعتُمد عليه في إنشاء شجرة الحياة)، فإن شجرة الحياة ستظهرهما متقاربان بالرغم من وجود تباعد جيني بينهما كبير؛ ولذلك السبب فمن الضروري استخدام معلومات أخرى لتأسيس شجرة الحياة مثل وجود أحد الجينات أواختفاءها، أودراسة عدد كبير من الجينات بين الكائنات الحية، دون الاقتصار على جين واحد.

استعارة الشكل (شجرة، شبكة، حلقة)

يناقش (فورد دوليتل) في منطقته (اقتلاع شجرة الحياة) السلف المشهجر للكائنات الحية (أصل شجرة الحياة) والمشاكل التي تتعلق بهذا المفهوم من خلال الانتنطق الأفقي للجينات، فيصف الكائن الحي الدقيق (Archaeoglobus fulgidus) بالشذوذ مقارنة بشجرة الحياة وذلك إذا ما دُرس من خلال الكود المسؤول عن تكوين إنزيم (HMGCoA reductase). فعند دراسة الدهون الخلوية وهجريبها، بالإضافة لعمليات النسخ في ذلك الكائن، فسوف ينتمي إلى نطاق العتائقيات، ولكن عند دراسته من خلال الكود المسؤول عن تكوين إنزيم (HMGCoA reductase) فسوف ينتمي لنطاق البكتيريا. فمن خلال ذلك الموضوع يوضح (دوليتل) أنه بينما تُقبل أصول الميتوكندريا الموجودة في حقيقيات النواة حاليًا من خلال الخلايا البكتيرية الاولى، فإن البلاستيدات الخضراء تعود بأصولها أيضًا إلى البكتيريا الخضراء المزرقة.

«لم يعد من الصواب افتراض حتى الانتنطق الأفقي للجينات وقع بعد ظهور حقيقيات النواة، فتوصلنا حديثًا لوجود بعض حقيقيات النواة التي تحظر استخدام ذلك النوع من الانتنطق الجيني، مثل بعض الخلايا الجرثومية المنفصلة والمحمية. إذا لم يكن هناك أي انتنطق أفقي للجينات، فكل أشجار الحياة التي تعتمد في تأسيسها على جين واحد سيكون لها نفس الهيكل والأسلاف عند جميع نقطة تفرع للشجرة، وسيحتوي السلف المشهجر القديم لتلك الأشجار على نفس الجينات القديمة (وهوخلية واحدة قديمة). ولكن النقل المتعدد للجينات فسوف تختلف الجينات داخل شجرة الحياة (بالرغم من وجود بعض التفرعات لها نفس الجينات والهيكل)، ولن تكون هناك خلية قديمة واحدة كسلف مشهجر كالحالة الأولى».

يعتقد (دوليتل) بأن السلف المشهجر الأول لم يكن كائنًا وحيدًا ولكنه تعبير عن مجموعة خلايا حية متنوعة تطورت معًا، فهذه الخلايا الأولى ذات الجينات المحدودة، اختلفت بعد ذلك في نواحي عدة وتبادلت جيناتها بحرية، ومن تلك الخلايا المُحددة نشأت الثلاث نطاقات المعروفة اليوم وهي البكتيريا والعتائق وحقيقيات النواة. تلك النطاقات أصبحت اليوم متمايزة عن بعضها البعض؛ حيث انتقلت الكثير من الجينات بين كائنات النطاق الواحد ولم تنتقل من نطاق إلى أخر. دعم عالم الأحياء التطورية بيتر جورجاتن تلك الانادىءات، وافترض حتى المعلومات القادمة من الأبحاث الجينومية الأخيرة لا تتناسب مع شكل شجرة الحياة الحالية. اقترح بدلًا من ذلك حتى «يُستخدم هيكل مناسب لشجرة الحياة لوصف الارتباطات التاريخية بين جينات الأفراد، وذلك عن طريق شبكة متداخلة توضح التبادلات الجينية الكثيرة، وتأثير الانتنطق الأفقي للجينات بين الكائنات الدقيقة.»

استخدام الانتنطق الأفقي للجينات في دراسات البيولوجيا التطورية

بالرغم من حتى الانتنطق الأفقي للجينات بين الكائنات الحية يُعتبر عائقًا لإعادة بناء شجرة الحياة، إلا حتى هناك وجهة نظر مغايرة ومختلفة؛ حيث يعتقد داعميها حتى الانتنطق الأفقي للجينات وفر الكثير من المعلومات القيمة المفيدة التي ساهمت في إعادة بناء شجرة الحياة.

أولًا فالكائن الذي يستقبل الجينات عن طريق الانتنطق الأفقي للجينات يُعامل معاملة الكائن ذوالطفرة الجينية بحمضه النووي، وبالتالي يساهم بشكل ما في فهم أصل الكائنات الحية وإعادة بناء شجرة الحياة.

ثانيًا من الضروري على الكائن الحي الذي يستقبل الجينات عن طريق الانتنطق الأفقي للجينات، حتى يقوم بدوره كمانح للجينات بنفس الطريقة سواء خلال فترة استقباله لتلك الجينات أوبعدها. بناءً على ذلك تُستخدم تلك المعلومات لفهم تاريخ حدوث ذلك الانتنطق بالإضافة لنشوء أنواع جديدة من الكائنات الحية. جميع ذلك ضروري لفهم تاريخ الحياة على سطح الأرض، وذلك مع غياب السجل الأحفوري للكائنات الحية وعدم اكتماله، خصوصًا حتى فرص حدوث الانتنطق الأفقي للجينات متوفر بكثرة خلال الكائنات الدقيقة.

ثالثًا يوفر معلومات حول الانقراضات التي تعرضت لها الكائنات الحية، لأنه من الوارد حتى تنتقل الجينات من بعض الكائنات الحية قبل حتى تنقرض.

انظر أيضًا

  • نقل الجينات الأفقي

مراجع

  1. ^ Woese C, et al. (1990). "Towards a natural system of organisms: proposal for the domains Archaea, Bacteria, and Eucarya". PNAS USA. 87 (12): 4576–9. Bibcode:1990PNAS...87.4576W. doi:10.1073/pnas.87.12.4576. PMC 54159. PMID 2112744. مؤرشف من الأصل في 27 يونيو2008.
    • Woese C, Fox G (1977). "Phylogenetic structure of the prokaryotic domain: the primary kingdoms". PNAS USA. 74 (11): 5088–90. Bibcode:1977PNAS...74.5088W. doi:10.1073/pnas.74.11.5088. PMC 432104. PMID 270744.
  2. ^ Yap, WH; Zhang, Z; Wang, Y (1999). "Distinct types of rRNA operons exist in the genome of the actinomycete Thermomonospora chromogena and evidence for horizontal transfer of an entire rRNA operon". Journal of Bacteriology. 181 (17): 5201–9. PMC 94023. PMID 10464188.
  3. ^ Simonson, AB; Servin, JA; Skophammer, RG; Herbold, CW; Rivera, MC; Lake, JA (2005). "Decoding the genomic tree of life". Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America. 102 Suppl 1: 6608–13. Bibcode:2005PNAS..102.6608S. doi:10.1073/pnas.0501996102. PMC 1131872. PMID 15851667.
  4. ^ Woese, C. (1998-06-09). "The universal ancestor". Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America. 95 (12): 6854–6859. doi:10.1073/pnas.95.12.6854. ISSN 0027-8424. PMC 22660. PMID 9618502.
  5. ^ Woese, Carl R. (2002-06-25). "On the evolution of cells". Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America. 99 (13): 8742–8747. doi:10.1073/pnas.132266999. ISSN 0027-8424. PMC 124369. PMID 12077305.
  6. ^ Horizontal Gene Transfer, Oklahoma State
  7. ^ Doolittle, WF (2000). "Uprooting the tree of life". Sci Am. 282 (2): 90–5. Bibcode:2000SciAm.282b..90D. doi:10.1038/scientificamerican0200-90. PMID 10710791.
  8. ^ Gogarten JP 'Horizontal Gene Transfer – A New Paradigm for Biology' PhD thesis
    • Zhaxybayeva, O; Gogarten, JP (2004). "Cladogenesis, coalescence and the evolution of the three domains of life" (PDF). Trends in Genetics. 20 (4): 182–7. doi:10.1016/j.tig.2004.02.004. PMID 15041172. مؤرشف من الأصل (PDF) في 03 مارس 2016. نسخة محفوظة 21 يوليو2012 على مسقط واي باك مشين.
  9. ^ Abby, Sophie S.; Tannier, Eric; Gouy, Manolo; Daubin, Vincent (2012-03-27). "Lateral gene transfer as a support for the tree of life". Proceedings of the National Academy of Sciences. 109 (13): 4962–4967. Bibcode:2012PNAS..109.4962A. doi:10.1073/pnas.1116871109. PMC 3323970. PMID 22416123.
  10. ^ Huang, Jinling; Gogarten, Johann Peter (2009). Horizontal Gene Transfer. (باللغة الإنجليزية). 532. Humana Press. صفحات 127–139. doi:10.1007/978-1-60327-853-9_7. ISBN . PMID 19271182.
  11. ^ Davín, Adrián A.; Tannier, Eric; Williams, Tom A.; Boussau, Bastien; Daubin, Vincent; Szöllősi, Gergely J. (2018-04-02). "Gene transfers can date the tree of life". Nature Ecology & Evolution (باللغة الإنجليزية). 2 (5): 904–909. doi:10.1038/s41559-018-0525-3. ISSN 2397-334X. PMC 5912509. PMID 29610471.
  12. ^ Szöllősi, Gergely J.; Tannier, Eric; Lartillot, Nicolas; Daubin, Vincent (2013-05-01). "Lateral Gene Transfer from the Dead". Systematic Biology (باللغة الإنجليزية). 62 (3): 386–397. arXiv:1211.4606. doi:10.1093/sysbio/syt003. ISSN 1063-5157. PMC 3622898. PMID 23355531.
تاريخ النشر: 2020-06-01 18:54:25
التصنيفات: علم الأحياء التطوري, علم الوراثة, CS1: long volume value, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, صفحات بها مراجع بالإنجليزية (en), مقالات يتيمة منذ نوفمبر 2019, جميع المقالات اليتيمة, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, بوابة علم الوراثة/مقالات متعلقة, بوابة طيور/مقالات متعلقة, بوابة علم الأحياء التطوري/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تقارير/ كريم بنزيما يرفض دعوة الرئيس الفرنسي لحضور نهائي كأس العالم

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-12-18 15:16:46
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

بيكهام: "أعجبني الأداء الرائع للاعبي خط وسط المنتخب المغربي"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-12-18 15:16:48
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 61%

باريس ترجىء محاكمة متطرفين خططوا لمهاجمة مشجعين مغاربة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-18 15:15:36
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 41%

مباشر: نشرة خاصة بنهائي مونديال قطر 2022 بين فرنسا والأرجنتين

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-18 15:17:03
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 88%

فيليب لام: "الفيفا يواصل فقدان مصداقيته وإنفانتينو يفتقد للنزاهة"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-12-18 15:16:40
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

تحميل تطبيق المنصة العربية