جلال الدين منكبرتي

عودة للموسوعة

جلال الدنيا والدين أبوالمظفر منكبرتي حكم من (1220-1231) آخر سلطان خوارزمي تولى الحكم بعد أبيه السلطان علاء الدين محمد الخوارزمي بعد خسارته ملكه على يد المغول بقيادة جنكيز خان. أجبر على الرحيل للهند وهناك استجمع قواه واتجه راجعا لبلاده التي كان استرجعها أخوه غياث الدين فانتزعها منه وقام بحكمها فترة من الزمن.

بداية الحكم

الدولة الخوارزمية في أقصى اتساعها.

لم يعش من أسرة السلطان علاء الدين سوى ثلاثة من أبنائه نجوا من مذابح المغول بعد حتى سقطت أمه في أسر المغول، وقُتل نساؤه وأطفاله، وقضى في جزيرة نائية في بحر قزوين ، وقبل حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة في (13 شوال 617 هـ الموافق ل 17 ديسمبر 1220م) أوصى بالسلطنة من بعده لابنه جلال الدين الذي وُلي السلطنة في ظروف قاسية بحاجة إلى رجال أقوياء تزيدهم المحن صلابة، ولا يتطرق اليأس إلى قلوبهم، ويظل الأمل حيا في قلوبهم، وكان السلطان من هؤلاء، لكن الظروف التاريخية كانت أقوى منه فاعتلى الحكم والمغول يسيطرون على بلاد ما وراء النهر، وهي تعد أبرز أجزاء دولته المتداعية، وامتلكوا إقليم "مازندران" على حصانته ومناعته، وسيطروا على الري وقزوين وتبريز عاصمة أذربيجان وبلاد الكرج ( جورجيا اليوم ) . وبعد حتى أجهز جنكيز خان على بلاد ما وراء النهر وبلاد العراق وأذربيجان، شرع في السيطرة على خراسان وخوارزم حتى تتم له السيطرة على بلاد الدولة الخوارزمية قاطبة، فأعد لهذه المهمة جيشين سنة (618 هـ، 1220م) عبر أحدهما نهر جيحون وقصد مدينة بلخ فاستسلمت صلحا، ولم يتعرض لها المغول بالسلب والنهب على غير عادتهم، وواصل المغول تقدمهم في بلاد خراسان فسقطت مدنها واحدة بعد أخرى، ثم حاصروا مدينة مروحاضرة الدولة الخوارزمية حتى استسلمت، وأحدثوا فيها ما تشيب له الولدان من الأهوال التي حلت بها، وهلك سكانها جميعا رجالا ونساء وولدانا، وكانوا نحو700 ألف، ثم ساروا إلى نيسابور فاستولوا عليها وارتكبوا فيها من الفظائع ما ارتكبوه مع غيرها من المدن، وواصلوا زحفهم نحوطوس فأخذوها دون عناء ثم بسطوا سيطرتهم على هراة.

أما الجيش الآخر فقد اتجه إلى خوارزم، لكنه لقي مقاومة عنيدة من أهلها بعد حتى لبسوا ثياب الصبر والثبات فلم يؤثر في عزمهم ضراوة الهجوم وشدة الحصار، وصمد أهل خوارزم لهذا البلاء خمسة أشهر دارت خلالها معارك عنيفة قُتل من الفريقين أعداد هائلة، ولم يجد المغول بدا من طلب العون والمدد فأمدهم جنكيزخان بما يطلبون؛ فمكنهم ذلك من الاستيلاء على المدينة بعد جهد وعناء، وكان جزاء المدينة على هذا الصمود فظائع مهلكة حيث قام المغول بقتل أهلها جميعا، وفتحوا ماء جيحون على المدينة فأغرقها، فمن سلم من السيف غرق بالماء.

جلال الدين يحقق أول نصر

بدأ جلال الدين عهده بأن اتخذ من غزنة قاعدة للجهاد الإسلامي ضد المغول، وكان هوواليها من قبل في عهد أبيه السلطان محمد خوارزم شاه، وكان أهلها يجلونه ويقدرونه، واستطاع حتى يكوّن بها جيشا كبيرا بلغ سبعين ألف مقاتل من الفلول الهاربة من المغول، وممن أخذتهم الغيرة على الإسلام وحب الجهاد من المتطوعين، ونجح في حتى يؤلف بين قلوبهم ويوحد صفوفهم، واتىته الأموال من وجهاء المسلمين وحتى فقرائهم لإعداد تلك الجموع وتسليحها والانفاق عليها.

وكان المغول يتعقبون جلال الدين؛ لكونه أقدر الخوارزميين على جمع الناس ضدهم وأكثرهم جرأة على الحرب والقتال، حتى إذا بدأت طلائع الجيش المغولي تزحف نحوغزنة للاستيلاء عليها والقضاء على السلطان الجديد قبل حتى تشتد شوكته، فاجأها جلال الدين بهجوم خاطف في ربيع الأول (618 هـ= 1221م) لم تصمد له ولحقتها هزيمة كبيرة قُتل فيها ألف رجل منهم؛ فكان لذلك أثر عظيم في نفسه استرد به ثقته وثبّت قدمه، فلما التقى بقوات المغول الرئيسية التي أعقبت طلائعها صمد لها في القتال وألحق بها هزيمة مدوية وولّى فرسانها الأدبار، وجنود السلطان يتعقبونهم بالقتل والأسر. وما كادت أنباء هذا النصر تصل إلى بعض المدن التي في أيدي المغول حتى عمها الفرح والبشر، وظنت حتى ساعة الخلاص قد اقتربت فثارت في وجه المغول، وكانت "هراة" واحدة من تلك المدن، غير حتى فرحها تحول إلى مأساة محزنة؛ إذ قدم عليها جنكيزخان واستعاد سيطرته عليها وقتل أهلها. وبدلا من حتى يزيد النصر الذي حققه المسلمون وحدة إلى وحدتهم ويوثق عراهم أمام الخطر الذي لا يزال محدقا بهم، تنازعوا فيما بينهم على الغنائم التي حصلوا عليها، وعجز السلطان عن تدارك الانقسام الذي حدث، وترتب على ذلك حتى انسحب أحد القادة بقسم كبير من الجيش الخوارزمي دون تقدير للمسئولية، وغادر غزنة دون حتى يستجيب لتوسلات السلطان الذي بكى بين يديه ووجد نفسه في قوات لا تقدر على مقاومة إعصار المغول؛ فانسحب بها إلى سهل يقع غربي نهر السند حين فهم بقدوم المغول بقيادة جنكيزخان إلى إقليم غزنة للانتقام من جلال الدين منكبرتي والثأر لهزيمة جيشه على يديه. وجمع جلال الدين السفن ليعبر بها إلى نهر السند هووجنوده إلى الهند لعله يجد فيها مأمنه، ولكن بحّارة السفن لاذوا بالفرار حين فهموا بقدوم جنكيز خان تاركين السلطان وجنوده على الشاطئ، فاضطروا إلى خوض معركة لم يستعدوا لها ودارت معركة غير متكافئة ثبت فيها جلال الدين لهجوم المغول وحمل بنفسه حملة صادقة على قلب الجيش المغولي كادت تزلزله، ولكن ميسرة جيش جلال الدين لم تتحمل ضربات المغول فانكشفت وتبددت، ووقف السلطان على رأس 700 من رجاله يقاتلون في بسالة وثبات جحافل المغول، ولكن دون جدوى، واضطر حتى يولي وجهه شطر النهر وقذف بنفسه في النهر وتبعه ما بقي من رجاله وعبروا النهر إلى الضفة الأخرى، وسقط في الأسر ابن للسلطان وكان طفلا في الثامنة، ولكن جنكيزخان لم يرحم طفولته فقتله بيده، ولما عبر السلطان إلى الجهة الأخرى رأى والدته وأم ولده وحريمه يصحن بأعلى صوتهن: "بالله عليك اقتلنا وخلّصنا من الأسر"، فأمر بهن فأغرقن.

وهمّ كثير من المغول بعبور النهر واللحاق بجلال الدين، لكن جنكيزخان منعهم واكتفى بهذا النصر الذي أعاد للمغول هيبتهم، وحقق لهم الاستيلاء على غزنة التي كانت خالية من الجند.

جلال الدين في الهند

رسمة توضح اجتياز جلال الدين نهر السند الى الهند بعد مطاردته من المغول .

اتجه جلال الدين إلى الهند مع الناجين من رجاله وكانوا أربعة آلاف على هيئة مزرية، حفاة عراة كأنهم أهل النشور، وهاموا على وجوههم يبحثون عن مأوى لهم، غير أنهم في أثناء بحثهم اغاروا عل بعض البلاد وفرضوا إتاوات على أهلها. وقضى السلطان في الهند ثلاث سنوات جمع فيها قوة كبيرة من الجند الفارين من وجه المغول في الهند، وانضم إليه كثير من القادة الخوارزميين الذين قدموا إليه، وآلاف من المتطوعين الراغبين في الدفاع عن الإسلام، ونجح في مهاجمة بعض الأنطقيم الهندية الواقعة في حوض نهر السند وغنم منها غنائم كثيرة وأخضعها لسلطانه.

غير حتى ازدياد قوته واستفحال خطره جعل حكام السند يقفون في وجهه صفا واحدا ويطلبون منه مغادرة بلادهم، ولم يكن يستطيع حتى يحاربهم جميعا فآثر السلامة وقرر العودة إلى أراضي دولته؛ لأنه لم يكن طامعا في الهند، وكانت إقامته بها مؤقتة حتى يستعيد قوته وتواتيه الفرصة للانقضاض على المغول.

عودة جلال الدين

بعد رجوع جنكيزخان سنة (621 هـ= 1224م) إلى منغوليا انسحبت جيوشه من أنطقيم الدولة الخوارزمية التي كانت تحتلها؛ فانتهز غياث الدين بن محمد خوارزم شاه أخوالسلطان جلال الدين هذه الفرصة، ونجح في استرداد أنطقيم الدولة الخوارزمية ما عدا إقليم ما وراء النهر، غير أنه لسوء سياسته كانت تلك الأنطقيم يسودها الفوضى والاضطرابات، فلما عزم السلطان جلال الدين على مغادرة الهند زين له قادته انتزاع السلطة من يد أخيه غياث الدين؛ لأنه الخليفة الشرعي لأبيه فاستجاب لرغبتهم وعبر نهر السند في سنة (622 هـ= 1225م)، وأسرع إلى الأنطقيم الغربية من الدولة الخوارزمية الواقعة تحت سيطرة أخيه فاستولى على غزنة وكرمان، ثم نجح بالحيلة في هزيمة أخيه واسترداد ما كان تحت يديه من المدن والأنطقيم، وتوافد عليه قواد الدولة الخوارزمية الذين كانوا تحت إمرة أخيه وأعربوا تبعيتهم له ومبايعته سلطانا على الدولة الخوارزمية. وبعد حتى استقر جلال الدين عمل جاهدا على إعادة الأمن وإصلاح ما خربه المغول وتجهيز جيش للوقوف على أهبة الاستعداد، وامتد سلطانه على أنطقيم خوارزم وغزنة وكرمان وفارس وخراسان ومازندران.

الجهاد ضد المغول

انتهز جلال الدين فرصة انشغال المغول باختيار خليفة لجنكيزخان بعد وفاته سنة (624 هـ= 1227م)، واشتبك مع قوة من المغول قصدت الدولة الخوارزمية وتوغلت في أراضيها حتى أصبحت على مقربة من مدينة الري، ونجح السلطان في إبادتها تماما، ثم نشبت معركة أخرى قرب أصفهان سنة (625 هـ= 1228م) بين المغول وقوات جلال الدين كان النصر فيها حليفه.

وعلى الرغم من تحسن الأوضاع نسبيا لجلال الدين فإنها لم تكن كافية للصمود أمام المغول؛ فالدولة كانت منهكة من أثر التخريب والدمار الذي ألحقه المغول بالبلاد، والأحوال فيها مضطربة، والصلات والروابط التي تعين على لقاءة المحن قد تبترت بين شعوب تلك المنطقة، وغلب على الناس إيثار السلامة بعد الأهوال التي شاهدوها، ولكل هذا لم ينجح جلال الدين في وقف الهجمة المغولية التي بعثها "أوكتاي" خاقان المغول الجديد، وكان قد أوفد جيشا من 30 ألف مقاتل لشن حرب شاملة على جلال الدين، فعبر نهر جيحون ووصل بسرعة إلى الأنطقيم الغربية من الدولة الخوارزمية واستولى على الري وهمدان وما بينهما، ووصل إلى أذربيجان سنة (628 هـ= 1231م)، ولم يقدر جلال الدين على لقائهم وفر عبرهم وهم في إثره يطاردونه. وعندما رحل جلال الدين إلى تبريز كانوا وراءه، وأرغموه على التقهقر إلى سهل موقان المجاور للساحل الغربي من بحر قزوين قبل حتى يتمكن من جمع جيوشه، وحاول حتى يستنجد بالخليفة العباسي وأمراء ديار بكر ولكنهم تقاعسوا عن نصرته، وهجروه يلقى نهايته وحيدا دون معاون أونصير، فلما وصل إلى آمد في أعالي نهر دجلة لحق به المغول وهزموه شر هزيمة وقتلوا كثيرا من جنده واستولوا على ما بيده من سلاح.

نهاية السلطان جلال الدين

كان السلطان جلال الدين ممن ولوا الأدبار في هذه المعركة، ولجأ إلى جبال كردستان بعد حتى يئس المغول من تتبعه للقضاء عليه، وظل هناك هائما على وجهه حتى عثر عليه رجل كردي وأبلغه أنه هوالسلطان جلال الدين، فأخذه الكردي إلى منزله، وخرج ليدبر له بعض خيوله ليستعين بها السلطان في رجوعه إلى بلاده، وبينما كان الكردي غائبا عن منزله أتى كردي آخر لزيارته فلما ولج المنزل رأى السلطان فعهده، وكان قد اغتال أخًا له في إحدى غزواته، فضربه بحربته التي كانت في يده فنشبت بين أضلعه وسقط السلطان قتيلا، وذلك في (15 شوال 628 هـ=تسعة أكتوبر 1231م). وبمقتله سقطت الدولة الخوارزمية أمام المغول الذين سيطروا على أراضيها، وبدأت بعد ذلك فترة جديدة للغزوالمغولي قادها هولاكوحفيد جنكيزخان فقضى على الخلافة العباسية في بغداد وسقطت في يديه مدن الشام كحلب ودمشق.

مراجع

  1. ^ مسقط سيرة الإسلام
تاريخ النشر: 2020-06-01 19:21:42
التصنيفات: مواليد 1199, حكام ترك, خوارزميون, مواليد 596 هـ, وفيات 1231, صفحات تستخدم خاصية P18, صفحات بها بيانات ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P569, صفحات تستخدم خاصية P22, صفحات تستخدم خاصية P53, صفحات تستخدم خاصية P106, صفحات تستخدم قالب:صندوق معلومات شخص مع وسائط غير معروفة, بوابة أعلام/مقالات متعلقة, بوابة إيران/مقالات متعلقة, بوابة أوزبكستان/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الجيش الإسرائيلي يقتل فتى فلسطينياً بزعم رشقه السيارات بالحجارة

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:25:33
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 96%

«الصحة العالمية»: 900 إصابة محتملة بالتهاب الكبد الحاد لدى الأطفال

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:25:34
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 86%

أوكرانيا تطالب بـ«تكافؤ في قوة النار» مع القوات الروسية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:25:33
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 87%

1.6 مليون شخص عبروا من أوكرانيا إلى روسيا منذ فبراير

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:25:32
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 86%

بوريل في طهران لتخطي مأزق محادثات «النووي» الإيراني

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:25:25
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 85%

الرئيس الصيني يحضر مراسم الذكرى الـ25 لعودة هونج كونج إلى ال

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:24:23
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 54%

مطلِق النار في أوسلو نرويجي من أصل إيراني معروف للاستخبارات والشرطة

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:25:29
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 97%

توقعات أحوال الطقس اليوم السبت

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:24:37
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

قرينة زيلينسكي: المحتلون الروس ليسوا أفضل من «داعش»

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:25:28
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 85%

حملة تضامن مصرية تجمع مليوني دولار لإنقاذ حياة طفلة مريضة

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:25:26
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 86%

صواريخ روسية تصيب قاعدة عسكرية في غرب أوكرانيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-25 12:25:31
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية