ثيوصوفية

عودة للموسوعة
الثيوصوفيا Theosophia
شعار الـثيوصوفية لا دين أسمى من الحقيقة
صنف فرعي من
غنوصية باطنية روحانيات فلسفة حكمة
يمتهنه
مشاع لكل إنسان يبحث عن الحقيقة
فروع
ثيوصوفية حديثة
التاريخ
1875

الثيوصوفيا (الحكمة الإلهية/ بالإنجليزية: Theosophia) أوالثيوصوفية تتكون هذه الحدثة من مبترين هما (ثیو) بمعنى (إله أوإلهي)، و(سوفوس) التي تعني الحكمة، وبذلكقد يكون معناها (الحكمة الإلهية). الثيوصوفيا مصطلح ديني فلسفي ظهر في جذوره الأولى كممارسات روحية في الشرق الأقصى القديم بشكل خاص، ولكنه، مصطلحٌ، ظهر على يد أمونيوس ساکاس في العصر الهيلنستي، وهومؤسس الأفلاطونية الحديثة، الذي كان أستاذٌ للفيلسوف أفلوطين أحد أكبر أعلامها. وظل التيار حيا في الجمعيات الدينية الفلسفية السرية حتى قامت هيلينا بتروفنا بلافاتسكي، التي وضعت مبادئ الحكمة الأزلية، وترى حتى الأديان واحدة في جوهرها مختلفة في شكلها، ولكنها، وهي تنبثق من الحقيقة الإلهية الواحدة، وعلى الرغم من أنها ترى حتى الثيوصوفيا لا علاقة لها بدين محدد ومعروف، فهي ترى أنها (دین الحكمة)، التي تسميها الأدبيات الثيوصوفية بـ: الفلسفة الباطنية.

والحقيقة حتى الثيوصوفيا تؤسس لها عالما روحانيا خاصا بها، على الرغم من وجود المؤثرات الأفلاطونية، والبوذية، والهندوسية، والغنوصية فيه، فهي جمع لهذه الاتجاهات الروحية، والفلسفية، والدينية، وإعادة إنتاج لها.

لقد كانت الحياة الحافلة لبلافاتسكي المليئة بالمغامرة الروحية، عمليا ونظريا، واتصالها بالأديان الهندية، ومعهدتها الواسعة للأديان والمذاهب الباطنية في العالم، أكبر الأثر في صياغة الثيوصوفيا تيارا روحيا جديدا نلمح في جذوره أصداء مدارس روحية قديمة ووسيطة.

والثيوصوفية حدثة مركبة من حدثتين يونانيتين معناهما الحكمة الإلهية استُعملت منذ ألف وستمئة سنة للدلالة على معتقد أهل الفلسفة الذين يقولون أنَّ في الإنسان جوهراً روحيَّا من الجوهر الإلهي المُنبَثِّ في الكون. وهذا المعتقد كان شائعا قبل ذلك في بلدان المشرق وجرى على رسوم الأديان الشائعة فيه كما جرى معتقد فلاسفة المغرب على رسوم الديانة المسيحية. ويُسمَّى في المشرق بالفهم الروحي (أتمافديا) والفهم السري (غبتافديا) ونحوذلك من الأسماء. ويدَّعي أصحابُه حتى جميع الحكماء والمتشرعين مثل مانووبوذا وكنفوشيوس وفيثاغورس وأفلاطون كانوا من نادىته واقتبسوا معارفهم منه، ولذلك يسمَّى بديانة الحكمة.

تعريف الثيوصوفيا

الثيوصوفيا هي ذلك المحيط من الفهم الممتد من ساحل من سواحل تطور الكائنات المُحِسِّة إلى آخر. ومع أنها في أعماقها التي لا يُسبَر غورُها تفسح لأعظم الأذهان مجالها الأوسع، فهي عند شواطئها من الضحالة بما لا يُغرِق فهم طفل. هي الحكمة عن الله عند الذين يؤمنون أنه الكل في الكل، وهي الحكمة عن الطبيعة عند المرء الذي يقبل التصريح الوارد في الكتاب بأن الظلمة تكتنف سرادقه. ومع كونها تتضمن بالاشتقاق حدثة الله، وبذلك قد تبدومشتملة على الدين وحده، فإنها لا تهمل الفهم أيضًا؛ ذلك لأنها فهم العلوم، ولذا دُعِيت بدين الحكمة. فما من فهم تام يغفل أيَّ قطاع من قطاعات الطبيعة، مرئيًّا أوغير مرئي؛ والدين، باستناده إلى الوحي المزعوم وحسب، وضربه كشحًا عن الأمور وعن القوانين التي تنتظمُها، ليس إلا مجرد أضلولة وعدوًّا للتقدم وحاجزًا في سبيل سعي الإنسان نحوالسعادة. أما الثيوصوفيا فهي، باشتمالها على الفهم والدين جميعًا، دين فهمي وفهم ديني.

أصرت مؤسّسة الثيوصوفيا، الروسية هيلينا بلافاتسكي، على أنَّ الثيوصوفيا ليست ديانة على الرغم من أنها أشارت إليها على أنها تحول حديث "للدين العالمي" الذي زعمت أنه كان موجودًا في عمق التاريخ البشري. إذا عدم وصف الثيوصوفيا بالدين هوانادىء تمت المحافظة عليه من قبل المنظمات الثيوصوفية، الذين يعتبرونه بدلاً من ذلك نظامًا يحتضن ما يرونه "الحقيقة الأساسية" للدين والفلسفة والفهم. ونتيجة لذلك، تسمح المجموعات الثيوصوفية لأعضائها بتبني معتقدات دينية أخرى والبقاء عليها، إذ هناك ثيوصوفيون يعهدون كمسيحيين أوبوذيين أوهندوس.

أما فهماء الدين الذين درسوا الثيوصوفيا وصفوها بأنها دين. وفي تأريخه للحركة الثيوصوفية، أشار بروس كامبل إلى حتى الثيوصوفيا روجت "نظرة دينية للعالم" باستخدام "مصطلحات دينية جليَّة" وأن معتقداتها المركزية ليست حقيقة لا لبس فيها، ولكنها تعتمد على الإيمان. وقد وصفها أولاف هامر وميكائيل روثستين بأنها "واحد من أبرز التنطقيد الدينية في العالم الحديث". وقد أشار فهماء مختلفون إلى طبيعتها الانتقائية (الاصطفائية)؛ ووصفها جوسلين جودوين بأنها "حركة دينية اصطفائية عالمية"، بينما وصف الباحث ج. جيفري فرانكلين الثيوصوفيا بأنها "دين هجين" لمزيجها التوفيقي بين عناصر من مصادر مختلفة. وبشكل أكثر تحديدًا، تم تصنيف الثيوصوفية كحركة دينية جديدة.

وقد صنف الفهماء أيضًا الثيوصوفية كشكل من أشكال الباطنية الغربية. وأشار كامبل، على سبيل المثال، إلى أنها "تقليد ديني باطني"، بينما أطلق عليها المؤرخ جوي ديكسون اسم "دين باطني". وبشكل أكثر تحديدًا، تُعتبر شكلاً من أشكال الباطنية (الغنوصية والمسارية). ومثلها مثل مجموعات أخرى مثل النظام المحكم للفجر المضىي، ينظر إلى الجمعية الثيوصوفية على أنها جزء من "إحياء ديانات الأسرار والحكمة القديمة" حدثت في البلدان الغربية خلال أواخر القرن التاسع عشر. وأشار مؤرخ الدين ووتر هانيغراف إلى حتى الثيوصوفيا ساعدت على تثبيت "الأسس الأصلية لمعظم الحركات الباطنية في القرن العشرين".

شعار الجمعية الثيوصوفية فيه مختلف الرموز القديمة.الحدثة العلوية (أوم)، والصليب المعقوف (سواستيكا)، الأفعى (أوروبوروس)، نجمة داوود، والشعار: لا دين أسمى من الحقيقة.

الثيوصوفيا، ببساطة، تجمع بين الغنوصية (فهم الباطن)، والفهم الظاهر (الفهم والفلسفة). تری بلافاتسكي حتى الحكمة الإلهية (ثيوصوفيا) أشبه بالضوء الأبيض المتكون من ألوان الطيف السبعة، التي هي الأديان الأخرى، فهي دين الحكمة، الذي نسميه، أيضا، الفلسفة الباطنية (Esoteric Philosophy)، التي تجمع الأديان كلها، حيث تخلع عنها رداءها الخارجي الظاهر، وتكشف عن جذرها المشهجر، الذي يضم الفهم المتراكمة عبر العصور بفضل الرائين، والعارفين بالأسرار.

وتجمع المعاجم والموسوعات الروحية المتخصصة على حتى (الثيوصوفية) Theosophical إحدى الاتجاهات أوالديانات أوالنزعات التي تجمع في بنيتها المعهدية بين الفهم والقيم الروحية والفلسفة في سياق واحد، وتربط كذلك بين المعارف الحسية التجريبية والتصورات العقلية والاستشراقات الإلهامية المجردة في تحصيل الحقائق من جهة وتقويم السلوك الإنساني من جهة أخرى.

ويرى الدكتور حسين علي حمد بأنها: هي فهم الله عن طريق الكشف الصوفي أوالتأمل الفلسفي أوعن الطريقين معا، وقد عهدتها الأديان منذ القديم، أما في العصر الحديث فهي محاولة تفسير المعاني الباطنية للمعتقدات الدينية على أساس عقلاني.

وتُعتبَر الثيوصوفيا فهماً وفناً مقدسين. وهي قديمة قدم الكون نفسه! يمكننا حتى نعرِّف بها من خلال اشتقاقها اللغوي: الحكمة الإلهية، ولنا أيضاً حتى نضيف إذا الثيوصوفيا فن حياة يمكن لمن يعمل به حتى ينمِّي بفضله قدراته الكامنة ويجعل روحانيته تتفتح. وفي الوقت نفسه، يُعتبَر فن الحياة هذا تحقيقاً للجانب غير المرئي من الكون، أي لوجهه الباطن. الثيوصوفي يرى حتى الكون لايُحَدُّ بظاهر الأمور التي تكشفها لنا حواسنا، فينظر إلى السهول والجبال وسائر الكائنات المتحركة هنا وهناك كمجرد ظهورات أوتجلِّيات لحقيقة أسمى. إنها، على نحوما، في نظره، أفق ظاهر، يمكننا – عبر تطوير مواهب معينة – حتى نكتشف تحته أفقاً باطناً. هنالك حقائق خفية تمنح معنى ومغزى عميقين للحركة السطحية برمتها، ولكل الظواهر التي نتحسسها بحواسنا الجُرمانية [الفيزيائية].

الثيوصوفيا، إذن، فلسفة، بمعنى أنها لا تألوجهداً في الولوج إلى قلب العالم من جهة، وإلى أعماق الإنسان من جهة أخرى. لذا فإنها تُعتبَر أيضاً فناً. ويمكننا حتى نقول إذا للثيوصوفيا وجهاً دينياً، بما أنها تشتمل بما لا ريب فيه على مظهر أخلاقي وميتافيزيائي. وتشير الثيوصوفيا، باعتبارها ديناً، إلى ضرورة عدم التقيُّد بتصور عن ألوهة قَصِيَّة جداً، لا صلة بينها وبين حياتنا اليومية. علينا، إذن، بكل تأكيد، حتى نبصر الألوهة في جميع مكان، "كما في السماء كذلك على الأرض". غير حتى من واجبنا، قبل جميع شيء، حتى نبصر الله في أرواح إخوتنا البشر - إذا كنا لا نريد لحياتنا حتى تغرق في الأوهام.

تاريخ الثيوصوفيا

بلافاتسكي وأولكوت، اثنان من الأعضاء المؤسسين للجمعية الثيوصوفية.

يُرجع أنصارها ظهورها کنحلة فطرية إلى تاريخ هبوط الإنسان على الأرض حيث اعتماده في أول أمره على ذلك القبس النوراني الذي استمده من عالم الربوبية أوالعقل الفعال (العقل الإلهي) قبل انفصاله عنه الأمر الذي جعل أنصار الثيوصوفية يوحدون بين هذا المصطلح والكثير من المصطلحات المتداخلة مثل: دين الفطرة، والدین الطبيعي، والتصوف العقلي، والروحية الفهمية، ويجعلون منها (أي الثيوصوفية) أصل جميع المعارف (الدين - الفلسفة - الفهم) والجوهر الأسمى لكل المعتقدات السماوية والوضعية.

وینكر الثيوصوفيون حتى عقيدتهم أوفلسفتهم مجرد أفكار ورؤى وتصورات مختلفة قد جمعت وصیغت على نحوأقرب إلى الأيدلوجيات التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة.

ويؤكدون حتى ما تحتويه من أفكار وقيم ومعتقدات متعارضة في الظاهر ما هي إلا وجه من وجوه الحقيقة الإلهية فالكمال كما يرى الفيلسوف الإغريقي هيرقليطس (535 - 475 ق.م) هوالذي يحوي الأضداد وتتآلف في جوهره المتناقضات.

تاريخ المصطلح

ويُرد مصطلح الثيوصوفية في بنيته اللغوية إلى الحدثتين اليونانيتين (ثیو)، (صوفية) ويعني الحكمة الإلهية، أما كمصطلح فلسفي فقد ظهر في مدرسة الإسكندرية ولاسيما في كتابات الفيلسوف السكندري (أمینیوس ساکاس) (175 - 242 م) وكان يشير على الجمع بين الفهم الإلهية والفلسفات العقلية والرؤى الروحية والحدسية والإلهام. وقد ساهمت فلسفة فيلون السكندري (25ق.م - 50م) - من قبله - في التوفيق بين نصوص الكتاب المقدس والفلسفة الإغريقية باعتمادها على التأويل الرمزي، وقد نحى نفس المنحى الفيثاغوريون المتأخرون إذ جمعوا في فلسفتهم بين القيم والمعتقدات الدينية والعلوم الرياضية والطبيعة والنظريات الفلسفية والروحية في سياق واحد. ويعهدها معجم ویبستر بأن "الثيوصوفية هي فن التواصل والاتصال وإدراك الحقائق العلوية الإلهية وهي آلية راقية للحوار بين الإنسان والإله". ويمضى فوجان في دائرة المعارف البريطانية إلى حتى الثيوصوفي هوالفيلسوف أوالعالم أوالراهب أوالنبي الذي يستطيع ببصيرته نقل الحكمة الإلهية من عالم الربوبية إلى البشر وذلك ليهذب من سلوكهم ويصلح من شئونهم.

أصل الثيوصوفية

أما دیوجانس اللايرتي (180 - 240) يُرجع النحلة الثيوصوفية إلى الفكر المصري القديم حيث حديث الكاهن بوت آمون عن الإلهامات الروحية والحكمة الإلهية. ثم تلقف الغنوصيون المسيحيون الأوائل التعاليم الثيوصوفية العهدانية في الفترة الممتدة من القرن الثاني إلى القرن الثامن الميلادي، ولعل الاعتقاد بإمكانية التواصل الروحي المباشر مع العقل الفعال (الرب) - عن طريق الفهم والتحلي بالفضائل - وأن هناك أفراد أطهار يتميزون بامتلاك ومضات سماوية حدسية - تمكنهم من محاورة الإله واستلهامه - شأنهم في ذلك شأن المسيح الحي الذي لم يصلب ولم يمُتْ؛ لأنه مخلص البشرية من شرور الشيطان (ديميرج) كان القاعدة الرئيسة التي انطلقت منها جل المعتقدات الثيوصوفية المسيحية.

وقد عبر أمينيوس ساکاس والأفلوطونيون المحدثون في مدرسة الإسكندرية عن هذه البشارات والتعاليم وطوروا بنيتها المعهدية وأسسوا جماعة أطلقوا عليها (محبوالحقيقة) في حين حتى المدرسيين الأوائل أطلقوا على هذه الجماعة (المفسرون) أوالمؤولون Analogists وذلك لاطلاعهم لتفسير وتأويل الرؤى والأحلام والأساطير المقدسة ولقاءة تأويلاتهم بالأحداث الواقعية ذلك فضلا عن دعوة هذه الجماعة لوحدة الأديان في عبادة واحدة تؤمن بإله واحد مجرد صانع للعالم ومدبر للكون وتخليص الخط المقدسة والأساطير من الخرافات التي لا يقبلها العقل وتتعارض في الوقت نفسه مع القيم الأخلاقية. كما نادى أمينيوس ساکاس وتلاميذه إلى نبذ الخلاف والشقاق والصراع بين البشر آملا حتى ينعم الناس بالسلام الاجتماعي والسياسي ويسود الحب بينهم لتتحقق السعادة على الأرض.

وتعد هذه الجماعة أولى الجماعات الفلسفية التي حاولت التأليف بين الديانة المصرية القديمة والبوذية والزرادشتية وآلهة الأوليمب والرواقية وفلسفة أفلوطين واليهودية في سياق واحد، وذلك استنادا على حتى الحقيقة الإلهية واحدة وأن مواطن الخلاف في جميع هذه الأديان يرجع إلى تباین وسائل الاتصال بعالم الربوبية وتفاوت قدرة الملكات التي تستقبل الوحي والإلهام والنور الإلهي.

وقد انتخبوا من بينهم مفهما أكبرا أومفسرا أعظما لهذه الديانة السرية وذلك على غرار الكاهن الأكبر في سائر الديانات القديمة. وتعتقد هذه الجماعة الروحية حتى الإله واحد مجرد محايث للعالم أي مباطن له. عقل محض غير أنه لا يؤثر في طبائع الموجودات بل إذا جميع الموجودات تتشكل بموجب استعدادها الفطري للاتصال به ومدى عشقها وحبها لذاته لتفني فيه وهومن هذا المنطلق لم يخلق العالم وليس له أدنى تأثير على اختيارات الأفراد وتوجيه سلوك الموجودات.

وتعتقد الثيوصوفية المبكرة بتناسخ الأرواح والتقمص والاتصال بالعالم الروحاني (الملائكة - أرواح البشر - الجن والعفاريت) ويجعل أتباعها نقاء النفس ورجاحة العقل وطهارة البدن واستقامة الأخلاق شرطا لا تستطيع الروح الإنسانية بدونها الانطلاق إلى عالم الروح والحقائق الكلية في الحضرة الربوبية. وأن القليل من أولئك الأبرار الأطهار هم الذين يكتسبون ملكات ومهارات وقدرات خاصة من معايشتهم أوفناءهم في الحكمة الإلهية فمنهم یكون الأنبياء والفلاسفة والفهماء والسحرة وأصحاب المعجزات وأصحاب القوى الخارقة والمبدعين والمخترعين ذلك فضلا عن قدرتهم على استشراف المستقبل والتنبؤ بالأحداث وقد تجاوزوا ذلك إلى زعم بعضهم برؤية الإله عيانا.

ولعل كتابات الآباء في العصر المدرسي من أمثال - (سيمون الماجوسي الساحر 465م) و(فالينتينيوس 269جم) و(بروکلوس 4319م) وغيرهم من المتأثرين بالفكر الغنوصي والهرمسي من الفلاسفة القدامى وكذا (مایستر أيكهارت 1220 - 1338) و(نیكولاس أوفكوسا 1401 - 1464) من فلاسفة العصر الوسيط و(باراسيليوس 1493 - 1541م) و(جيوردانوبرونو1548 - 1600) ومن فلاسفة عصر النهضة وغيرهم من الذين قد اضطلعوا بالتوفيق بين الدين والفهم والفلسفة والمباحث الروحية والتصوف في سياق واحد. قد أسسوا للبنية الفلسفية للثيوصوفية.

طبقات الثيوصوفيين

وقد قسم الثيوصوفيون أنفسهم إلى ثلاث طبقات عهدانية أعلاها طبقة الكهنة والمرشدين والأساتذة ثم طبقة الطلاب والمريدين وأخيرا طبقة المبتدئين، ولا يجوز بوح طبقة الأساتذة إلى من هم أقل من مراتبهم أوأدنى منهم عهدانیا بعالم الأسرار أي تلك التعاليم التي تلقوها أثناء اتصالهم بالحضرة الإلهية وكذا مشاهداتهم في عالم الأرواح. ويبرر ذلك الثيوصوفيون بأن طبيعة التلقي والاستيعاب والاستجابة ليست واحدة عند جميع البشر الأمر الذي يميز بين الأفراد فيجعل منهم العالم الذي يتلقى الوحي ويستوعبه عن طريق الحدس ومنه من يقف عند حدود المعارف العقلية والمنطق والاستدلال المباشر وأخيرا من لا يقنع إلا بالمشاهدات الحسية في عالم الموجودات الطبيعية.

ولما كان الانتنطق من طبقة إلى أخرى في الثيوصوفية يحتاج إلى مران وتأمل ومجاهدة وإرشادات كان لزاما على أرباب جميع طبقة الاحتفاظ بعلومهم ومعارفهم ومشاهداتهم في مكنونات أنفسهم وقد نبه على ذلك الفيلسوف السكندري بلوتونيوس منذ توليه قيادة الثيوصوفية الكلاسيكية.

الثيوصوفيون المحدثون

وقد تأثر الثيوصوفيون المحدثون بهذه الكتابات وأفصحت عن ذلك الفيلسوفة الروسية هيلينا بلافاتسكي (1831 - 1891) المؤسسة لأولى الجمعيات الثيوصوفية في الفكر الحديث والمعاصر بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1875، وتعدها الموسوعات الروحية أكبر المنظرين للنزعة الثيوصوفية وذلك نظرا لغزارة كتاباتها عنها سواء في إرساء الأسس الفلسفية التي بنيت عليها أوالجانب التاريخي الذي يؤصل لأفكارها أوالقيم والمعتقدات التي تدين بها وذلك من خلال أشهر خطها (الممضى السري 1888 - صوت الصمت 1879 - مفتاح التصوف 1889 - حكایات کابوس الذي نشر بعد وفاتها). وقد تعددت مشارب ومطاعم هيلينا فوقفت على معظم الفلسفات الشرقية ولاسيما المصرية والهندوسية وكذا التراث الصوفي لليهودية والمسيحية والإسلام ذلك فضلا عن الفلسفة الإغريقية والهيلينستية مثل فلسفة هيرقليطس وفيثاغورث وأفلاطون من الفترة الهيلينية وأفلوطين ثم الرواقية ومدرسة الإسكندرية (الأفلاطونية المحدثة) والفلسفة الصينية حيث حكمة لاوتسي التاوية. ويرجع لهيلينا الفضل في تأسيس الكثير من الجمعيات في الهند سنة 1882، وفي لندن. وقيل إنها زارت مصر في عهد الخديوي إسماعيل وأسست مدرسة تحمل تعاليمها داخل الكثير من المحافل الماسونية آنذاك. وقد تأثر الكثير من المفكرين والفلاسفة المحدثين بارائها نذكر منهم (غاندي - محمد إقبال - عبدالقادر الجزائري - أحمد زكي أبوشادي) ذلك بخلاف أعضاء الجمعيات الروحية المصرية من أمثال (أحمد فهمي أبوالخير - حسان حليم دموس - نصيف إسحق - زكي العزيزي - فيكتوريا داوود - عزيزة عزب - مصطفى الكيك - صابر جبرة - علي عبدالجليل راضي - کامل نخلة - عزیز جورجي المنقبادي - رابح لطفي جمعة - عبدالرزاق نوفل - إسماعيل مظهر).

قيادة الجمعية الثيوصوفية

وقد خلف هیلینا في قيادة الجمعيات الثيوصوفية المتصوف الأمريكي ویلیام جدج (1896 - 1851 William Q. Judge). ثم خلفته السيدة کاترین تينجلي (1847 - 1929)، وقد نجحت الأخيرة في تحويل النزعة الثيوصوفية من التصورات الخطابية والرؤى الفلسفية إلى مشروعات عملية وفلسفة تطبيقية وذلك في إطار الفهم الحدسية والمسحة الأخلاقية وقد نجحت كذلك في صبغ تعاليم الجمعيات بالمبادئ الماسونية راغبة بذلك عن الفلسفات الهندية بوجه عام.

الثيوصوفية الهندية

بيسانت مع الطفل كريشنامورتي.

أما الثيوصوفية الهندية فقد احتفظت بتراثها الكلاسيكي وذلك بفضل جهود المتصوفة آني بيزنت (1847 - 1933). وفي عام 1909 أسس المتصوف الأمريكي روبرت کروسبي المقر العالمي للثيوصوفية في لوس أنجيلوس، وفي نفس الآونة أنشأ جراس اف نوخ جمعية للدراسات الثيوصوفية في كاليفورنيا. وفي عام 1911 نصب المتصوف (جیدوکیرشامورتي) (1895 - 1986) نفسه مرشدا عالميا للفلسفة الثيوصوفية الهندوسية وأعرب أنه أضحى من كبار المتصلين بعالم الربوبية وملهما يوحى إليه من قبل الإله الأعظم الأمر الذي ساهم في انتشار تعاليمه وذيوع كتاباته بين سائر الجمعيات الروحية ذلك فضلا عن أثر تعاليمه في تطور الكثير من المذاهب والمعتقدات مثل البوذية والجينية وحركة الأنا The I am Movement والممضى الروسیكروثي Rosicrucianism وهوأحد المذاهب الروحية المفسرة للكون، وفلسفة العقل والفلسفة الشخصانية والنحلة المسيحية الليبرالية، في أوروبا وأمريكا.

اليهودية الباطنية

ولا تخلوالجمعيات الحسيدية اليهودية الباطنية من تأثير الفلسفة الثيوصوفية من أمثال جماعة الخليستي التي تأسست في القرن السابع عشر، وحركة حماد التي تأسست عام 1788م في بيلاروسيا وجماعة أجوداث التي تأسست عام 1912م في الولايات المتحدة الأمريكية.

مراكز الثيوصوفيا

وقد أضحى للثيوصوفية الكثير من المراكز الفهمية والجمعيات وجامعة أكاديمية ومؤسسة إعلامية تعبر عن رسالتها وتنشر كلاسيكياتها من خلال مطبوعاتها ودورياتها (ولاسيما مجلة شروق الشمس الأمريكية، والمجلة الثيوصوفية) وما يزال الجناح الثيوصوفي الغربي يعمل في فلك المحافل الماسونية ويدين لها بالولاء والاحترام والتبجيل في شتى أنحاء العالم. وقد استعانت أجهزة المخابرات الأمريكية والألمانية ببعض رجالات الثيوصوفية المخضرمين في إعادة تشكيل العقل الباطن والتلصص على الأفكار المخزونة في المخ وكذا تفسير الأحداث غير الطبيعية. ولا ريب في حتى اشتغال بعض الثيوصوفيين بالسحر وتحضير الجن قد ألصق بهم الكثير من التهم والجرائم وعلى رأسها الشعوذة وأدناها استعداء الأرواح الشريرة على البشر.

وقد أجمل الدكتور خزعل الماجدي تاريخ الثيوصوفيا في عدة نقاطٍ، وهي:

  • يمكن النظر إلى الكثير من الأديان الشرقية القديمة، كالسومرية، والبابلية، والمصرية، والهندية، والصينية، والفارسية، كجذور أولى للثيوصوفيا، بما تحمله من أسرار، ومعارف روحية ومادية معا.
  • أمونيوس ساکاس (القرن الثالث الميلادي، توفي نحو245م) الملقب بـ: (تلميذ الآلهة)، ومفهم أفلوطين أول من استخدم مصطلح (ثيوصوفيا) للدلالة على التراث الروحي الباطني، وأسس النظام الثيوصوفي المصطفى (Electic Theosophical system) حاول فيه الجمع بين العقائد الظاهرة والباطنة في عصره على أسس أخلاقية معهدية. كان أقرب ماقد يكون إلى حتىقد يكون نبيا، حيث لقب بـ(الملهم من الله)، فقد تفهم نقديًا فلسفة أفلاطون وأرسطو، وحاول التوفيق بينهما، ومنح فلسفته مذاقا سريا، وقد استقى منه أفلوطين فلسفته، ولكنه يعد مؤسسا للأفلاطونية الحديثة في ذلك الزمان.  
  • الأسينيون: وهم رهبان يهود معتزلون خطوا مخطوطات البحر الميت، التي حفلت بالآراء الثيوصوفية والغنوصية.  
  • الغنوصيون المسيحيون: ومن خطهم إنجیل توما الغنوصي.  
  • إخوان الصفا: وهم الفلاسفة المسلمون، الذين اشتهروا برسائلهم الفلسفية الروحية الفهمية.  
  • جماعة الصليب الوردي.
  • الشعراء الجوالون (التروبادور).
  • جماعة (أوفياء المحبة)، ومنهم دانتي.
  • بلافاتسكي: مجددة الثيوصوفيا في القرن التاسع عشر، ومن أبرز أتباعها هنري أولكوت، ووليم يدج (W.Judge).
  • کرشنا مورتي، وهوفيلسوف وثيوصوفي هندي يدعوإلى تغيير الفرد لنفسه من الداخل أولا.

المفهمون

من الأمور المركزية في الاعتقاد الثيوصوفي فكرة حتى مجموعة من الأتباع الروحيين المعروفين بالسادة ليسوا موجودين فقط بل كانوا مسؤولين عن إنتاج النصوص الثيوصوفية المبكرة. بالنسبة لمعظم الثيوصوفيين، يعتبر هؤلاء الأساتذة هم المؤسسون الحقيقيون للحركة الثيوصوفية الحديثة. في الأدب الثيوصوفي، يُشار إلى هؤلاء الأساتذة أيضًا باسم المهاتما، والأتباع، وأساتذة الحكمة، وأساتذة التراحم، والأخوة الأكبر سنًا. يُنظر إليهم على أنهم أخوة من الرجال البشريين الذين تطوروا بشكل كبير، سواء من حيث الحصول على التطور الأخلاقي المتقدم والتحصيل الفكري. يُزعم أنهم حققوا فترات حياة طويلة جدًا، واكتسبوا قوى خارقة للطبيعة، بما في ذلك استبصار والقدرة على إخراج أرواحهم على الفور من أجسادهم إلى أي مكان آخر (طي الأرض). هذه هي القدرات التي يزعم أنهم حصلوا عليها خلال سنوات عديدة من التدريب. وفقًا لبلافاتسكي، بحلول أواخر القرن التاسع عشر، كان محل إقامتها الرئيسي في مملكة التبت في جبال الهيمالايا. كما زعمت حتى هؤلاء الأساتذة هم مصدر الكثير من كتاباتها المنشورة.

يُعتقد حتى الأساتذة يحافظون على الفهم الروحية القديمة في العالم، ويمثلون جماعة الإخوان البيض العظمى أولودج الأبيض التي تراقب البشرية وتوجه تطورها. من بين أولئك الذين ادعوا حتى الثيوصوفيين الأوائل كانوا أساتذة وشخصيات إنجيلية مثل إبراهيم وموسى وسليمان ويسوع وشخصيات دينية آسيوية مثل يعقوب بوهمه واليساندروكاليوسترووفرانز أنطون ميسمر. ومع ذلك، فإن أبرز الأساتذة الذين يظهرون في الأدبيات الثيوصوفية هم كوت حومي أوهومي Koot Hoomi، وموريا Morya ، الذي ادعت بلافاتسكي أنها على اتصال به. وفقًا للاعتقاد الثيوصوفي، يقترب من الأساتذة أوالمفهمين من يعتبرون قد شرعوا في المجاهدة والرياضة الروحية. ويخضع المتدرب بعد ذلك لعدة سنوات من الاختبار، حيث يجب حتى يعيشوا حياة من النقاء الجسدي، ويظلون عفيفين، ويمتنعون عن اللذات والشهوات، ولا يبالون بالرفاهية الجسدية. وقد شجعت بلافاتسكي على رسم صور تخيلية تجسد أشكال المفهمين الأوائل، وقد لاقى ذلك استحسانا بين أوساط الثيوصوفيين، وقد اعتبرت هذه الصورة مقدسة. وقد رسمها الرسام هيرمان شميتشين (22 يوليو1855 - ج .1923 أو1925) الألماني الثيوصوفي.

دين الحكمة القديم

وفقًا لتعاليم بلافاتسكي، فإن الكثير من أديان العالم لها أصولها في دين قديم عالمي، "عقيدة سرية" كانت معروفة لأفلاطون والحكماء الهندوس الأوائل والتي لا تزال تدعم مركز جميع دين. وقد أشاعت فكرة حتى المجتمعات القديمة أظهرت وحدة الفهم والدين التي فقدتها البشرية منذ ذلك الحين، إذ تجاوزت معهدتم بما يفوق بكثير ما يعتقده ويعهده الفهماء الحديثون عنها. فهمت بلافاتسكي أيضًا حتى الأخوة السرية حافظت على دين الحكمة القديم هذا على مر القرون، وأن أعضاء هذه الأخوة يحملون مفتاح فهم المعجزات، والآخرة، والظواهر النفسية، علاوة على ذلك، هؤلاء الأتباع أنفسهم لديهم قوى خارقة.

وذكرت حتى هذا الدين القديم سيتم إحيائه وانتشاره في جميع أنحاء البشرية في المستقبل، ليحل محل الأديان العالمية السائدة مثل المسيحية والإسلام والبوذية والهندوسية. تميل الثيوصوفيا إلى التأكيد على أهمية النصوص القديمة على الطقوس والعادات الشعبية الموجودة في التنطقيد الدينية المتنوعة. ومع ذلك، فقد أثار التصوير الثيوصوفي للبوذية والهندوسية انتقادات من ممارسي التنطقيد البوذية الأرثوذكسية والهندوسية، وكذلك من الفهماء الغربيين لهذه التنطقيد، مثل ماكس مولر، الذين اعتقدوا حتى الثيوصوفيين مثل بلافاتسكي كانوا يسيئون تمثيل التنطقيد الآسيوية.

مبادئ الثيوصوفيا

بنية الإنسان الثيوصوفية.

أما مبادئ الثيوصوفيا، فيمكننا رصدها في (الممضى السري) لبلافاتسكي، وهومؤلف من ثلاثة مجلدات يمكننا تلخيص أبرز مبادئها كما يأتي نقلا عن درس ديمتري أفييريتوس (الحكمة الإلهية، ومبادئها الأساسية الثلاثة).

الإله، الذي في الإنسان، يمكن الوصول إليه عن طريق الحكمة، وإقامة علاقة عميقة مع الكون، وهذا هوالخلاص الثيوصوفي، وهوجوهر الغنوصية، لكنها تستبدل بالعهدان الحكمةَ، على الرغم من دلالتهما الواحدة.

أما أبرز المبادئ، التي نادت بها الثيوصوفيا، فهي:

  • بنية الإنسان: ينقسم الإنسان إلى بنيتين أساسيتين هما:
  • البنية الفردية (الروحية)، التي تتكون من الروح (أتما)، والجسم الإشراقي (بودهي)، والجسم العقلي (ماناس). وهذه البنية خالدة لا تموت بموت الإنسان، وتحمل معها خبرات الأعمار السابقة.
  • البنية الشخصية (الدنيا)، التي تتكون من جسد الرغبات (کاماربا)، وجسد العواطف، وجسد الأثير (برانا)، وجسد المادة. وهذه البنية فانية تعود ذراتها إلى العالم الأصلي ليعاد هجريبها وعودتها في تجسد جدید. 464
  • (الكارما السبب والنتيجة): وهوالقانون الكلي، الذي يقود ويوجه القوانين، ويصنع نتائجها؛ لأن لكل نتيجة سببا، والنتائج هي مسببات لنتائج قادمة.
  • الأخوة الكاملة بسبب من حضور الإله الواحد الكامل في جميع واحد منا، ولذلك لا بد من أخوة شاملة بين جميع البشر دون تمييز عرقي، وديني، وثقافي، وسياسي.
  • دورة الخير والشر متتابعة في الإنسان، وعلى الإنسان فهم الغاية من وجوده، وفهم النفس والاتجاه بها نحوالخير، وتخطي الشر.


المبادئ العامة للثيوصوفيا، كما بسطتْها السيدة بلافاتسكي في مؤلفاتها الغزيرة، ولاسيما في موسوعتها الباطنية العقيدة السرية:

  • الثيوصوفيا هي الحكمة المتراكمة عبر العصور، بدون حتى يختص بها عصر دون عصر أوأمة دون أخرى.
  • هنالك مبدأ أصلي إلهي متجانس في ذاته، يصدر عنه العالم المنظور في فيض أبدي. هذا المبدأ تطلق عليه الثيوصوفيا اسم الكينونة Be-ness.
  • الكون المادي الذي نحيا فيه هوالتجلِّي الدوري لحقيقة غير مادية، وهوحلقة ضمن سلسلة لامتناهية من الأكوان التي تظهر وتختفي في حركة مدٍّ وجزر من الدفق والانحسار أوالانطواء والانبساط.
  • الكون، بكلِّ ما فيه، عابر وزائل بالقياس إلى ديمومة المبدأ الأصلي.
  • كلُّ ما في الكون، عبر ممالكه قاطبة، واعٍ؛ أي حتى وعيًا يسري في كلِّ مكوَّن من مكوَّناته يتناسب ومستواه من التفتح أودرجة إفصاحه عن المبدأ الأصلي.
  • يتشكَّل الكون ويوجَّه من الباطن إلى الظاهر، أومن الأعلى إلى الأدنى؛ وهوليس حصيلة الصدفة العمياء، بل نتاج مبادئ داخلية قائدة تبطِّن تجلِّيه (بالمصطلح الحديث "ذاتي الانتظام" auto-organized).
  • نظام الطبيعة ككل يقيم الدليل على السببية والغائية معًا في التطور الطبيعي.
  • بين صور الحياة السارية في الكون علاقاتٌ متداخلة تداخلاً ديناميًّا حيًّا.
  • يتماثل كلُّ فرد، من حيث الماهية والجوهر، مع الكينونة أوالمبدأ الأصلي المطلق، وإن كان يمرُّ عبر دورات متوالية من التجسُّد امتثالاً لناموس كرما karma، أوقانون السببية الكوني، باتجاه بلوغ المزيد من تفتُّح الوعي.


المعتقدات الروحية

هيرمان شميتشين 1884 تصوير للمفهمين الذين ادعت بلافاتسكي أنها على اتصال بهما، كوتي حومي (يسار) وموريا (يمين).

يقولون إذا في معتقدهم قواعد فلسفية وفهمية. ونادىته منتشرون على وجه البسيطة. والنادىة الذين في بلاد التبت فهموا مدام بلافتسكي جميع الحقائق الثيوصوفية، وقد بلغ منعم التصوُّف مبلغاً عظيماً جداً. فقويت طبيعتهم الروحية حتَّى خضعت لها أجسادهم وعقولهم ولذلك تسلطوا على قوى الطبيعة، وصاروا قادرين على عمل العجائب واجتراح المعجزات.

وأساس معتقدهم أنه يوجد إله مجرَّد واجب الوجود لذاته لا يدرك الإنسان كنهه. وإنَّ الحياة والوجدان والكون نفسه من مظاهره أوتجلياته. فإنه هوأزليٌّ ولكن الكون زائل يبقى مدة ملايين من السنين ثم يزول، ويعود الخالق فيخلق كونا آخر وهلم جرًّا. ويصدر الكون منه باتحاد الهيولى بالجوهر أوالنفي بالإيجاب لا لأنَّ الهيولى والجوهر منفصلان أحدهما عن الآخر بل لأنهما مفترقان كافتراق القطب الإيجابي عن القطب السلبي في المغناطيس مع أنهما موجودان في جميع ذرة.

ويتدرج الهيولى والجوهر على سبع صور هي مراتب النشوء السبع وكل مرتبة يقل الجوهر فيها ظهورا عن التي قبلها، ويزيد الهيولى الى المرتبة السابعة ثم ينقلب الأمر فيقل الهيولى ويزيد الجوهر رويدا رويدا حتى يعود الجسم روحا مجردا كما كان أوَّلًا. وهذه المراتب السبع موجودة في الإنسان وثلاث منها روحية وهي: الروح والنفس والعقل. وأربع منها هيوليَّة وهي: العواطف والحياة والجسم الفلكي والجسم الطبيعي.

فعند موت الإنسان ينفصل الجسم الفلكي عن الجسم الطبيعي وتعود الحياة الى الحياة العامة وتبقى العواطف في الأثير مدة طويلة أوقصيرة حسب ما كانت خاضعة للطبيعة العليا ولكنها تزول أخيرًا.

وأما الثلاث الباقية وهي الروح والنفس والعقل فتكون من حياة الانسان في هذه الدنيا متصلة بطبيعته الأرضية بواسطة العقل وهذا العقل قسمان علوي وسفلي فالعلوي يحاول الصعود الى الاعلى والسفلي مختلط بالعواطف ويطلب الحياة الدنيا. وعند الموت تطلب هذه الثلاث الانفصال عن طبيعة الانسان الدنيا ويعود العقل السفلي الى مصدره وهوالمثل العلوي حاملا معه ما تفهمه بالاختبار مدة حلول النفس في الجسد. وترتاح هذه الثلاث مع ما اكتسبه العقل بالاختبار في حالة من الوجدان مستقلة عن الجسم الطبيعي وعن حدوده وعوائقه الكثيرة.

وتدوم هذه الحالة بحسب درجة الإرتقاء التي بلغها الانسان وهوعلى الأرض وتنتهي بعود هذا الوجدان الى جسم آخر. فان أهل هذا الممضى يعتقدون بالحلول أوالتجسد أوالتقمص، ويقولون حتى العقل يحاول ترقية الجسم الذي يحل فيه والافكار التي بفتكرها هي أشياءٌ حقيقية ولكن مادتها لطيفة جدا وهي من مادة الأثير وإن أفكار جميع حلول تنتهي في جسم فكري هونتيجة ذلك الحلول أوالتجسد وهذا الجسم الفكريقد يكون كنطقب يُفرغ فيه الجسم المادي الذي تحلُّ النفس فيه في التجسد التالي. وعندهم حتى الغرائز التي يولد بها الطفل وتظهر في الدماغ والمجموع العصبي هي نتيجة الحالة التي كان فيها وهوفي الجسم السابق لهذا الجسم.

والنفس التي تطلب الحلول تنجذب إلى الأمة أوالعائلة التي تجهزها بما يلزم لها من المواد الطبيعية والوسائط العقلية ولذلك تكون المواد الطبيعية مطبوعة بخواص تلك الأمة وتلك العائلة جسدا وعقلا ولكنها تهجرب بحسب الجسم الفكري المشار اليه آنفا. ولذلك تُرسَّخ الملكات العقلية والأدبية التي يحصل عليها الإنسان مدة حلوله في الجسد مرة أومرارًا وهذا هوسبيل الإرتقاء ويعبر عنه عندهم بكل (كرْما) ومعناها باللغة السنسكريتية العمل. فكل الأفكار الصالحة والطالحة تهجر لها أثرا في الجسم الفكري ثم تظهر في الحياة التالية التي يحياها الإنسان ولا مناص له من ذلك ولكنه يستطيع حتى يزيد هذه الآثار أويزيلها فإذا عمل بمقتضى الأثر الرديء زاد رداءة في الحياة التالية وإذا عمل ضده أبطل عمله وأزاله وإذا عمل بمقتضى الأثر الجيد زاد جودة وإذا عمل ضده أضعفه أوأزاله. فالحياة التالية تتوقف على الحياة الحاضرة.

والناس أخوة ومن مصدر واحد وعليهم حتى يعيشوا كذلك لكي يعم الخير والنفع. وستزول جميع الفروقات التي بين طوائف الناس على تمادي الأزمان. ومن غرض الجمعية الثيوصوفية أولا حتى تكون مركزا لأخوية عامة تضم جميع نوع الإنسان، وثانيا حتى تعضد تفهم علوم المشرق وأديانه وعلومه، وثالها حتى تبحث في نوامیس الطبيعة التي لم تبسط حتى الآن بسطا كافيا وفي قوى الانسان الطبيعية. هذه خلاصة هذا الممضى الفلسفي ويظهر لنا أنه شبيه ببعض المذاهب الباطنية التي انتشرت في المشرق والمغرب من قديم الزمان.

تری بلافاتسكي حتى فكرة الله في الثيوصوفيا تختلف عما هي موجودة في باقي الأديان، فهي تقول: إذا الله «هوباني الكون الأزلي، الذي لا يني يتطور، وليس خالقه ذلك الكون عينه المتفتح عن ماهيته، وليس المصنوع. إنه، في رمزيته، دائرة لا محيط لها، ليس لها إلا صفة واحدة فاعلة أبدًا تحيط بكل الصفات الموجودة، أوالمعقولة الأخرى. إنه القانون الأوحد، الذي تنبثق عنه القوانين المتجلية؛ الأبدية، والثابت، ضمن ذلك القانون غير المتجلي أبدًا؛ لأنه القانون المطلق، الذيقد يكون، في فترات تجليه، الصيرورة الأبدية» (بلافاتسكي: 1889م: 54).

وهي ترى حتى الشرارة الإلهية في الإنسان؛ إذ هي واحدة ومتماثلة في جوهرها مع الروح الكاملة، فإن «ذاتنا الروحية، عليمة عمليا بكل شيء، بيد أنها لا تستطيع حتى تبين معهدتها نظرة إلى عراقيل المادة؛ لذا فإننا حدثا أزلنا هذه العراقيل، وبعبارة أخرى، حدثا شُلَّ الجسم الجرماني فيما يختص بنشاطه ووعيه المستقلين، كما في النوم، أوالسبغة العميقين، أوكما في السقم، أيضا، تجلت الذات الباطنة تجليا أكمل على هذه المرتبة» (بلا فاتسكي: 1889م: 27). وهي ترى حتى جميع فرقة دينية، أوفلسفية، كان لها تعالیم باطنية، أوسرية تحت تعاليمها العلنية الظاهرة، وتضرب أمثلة كثيرة على ذلك في الشعوب القديمة، وترى حتى الثيوصوفيا امتداد للحكمة الباطنية هذه، وتجسيد لها.

ومن أبرز الأفكار والمعتقدات التي تشكل بنيتها: فيمكن إيجازها في:

  • تؤمن الفلسفة الثيوصوفية بوحدة الأديان. فالحقائق الإلهية لا تختلف من دين إلى آخر لأنها الأصل والمنبع. أما الأديان السماوية والوضعية قد تتعاقب وتتشكل وتتأثر بالثقافات التي تنشأ فيها الأمر الذي يبتر بأن لا دين أعلى من الحقيقة الإلهية. وقد تأثرت في ذلك بالكثير من النظريات الصوفية وعلى رأسها نظرية وحدة الأديان والنور المحمدي وكذا آراء بعض الفرق الباطنية وعلى رأسها فرقة الإسماعيلية ذلك فضلا عن تأثرها بنظرية الفيض الأفلوطينية.
  • أن للإنسان والإله کیان واحد فروح الرب حلت في الشكل الإنساني فأضحي بشرا وحلت كذلك في باقي الكائنات فأخذت صورها المادية المتباينة والمتعددة (الجبال - الأنهار - الكواكب - الحيوانات - الأرض - الكائنات الروحية الجن والعفاريت) وعليه يصبح الإنسان إحدى صور الإله المتجسدة وأن هذا الجسد يبلى ويتحول إلى صورة أخرى في حين تظل الروح محتفظة بماهيتها السرمدية. وتتفق الثيوصوفية في ذلك مع التصورات التي اتىت في الفلسفة الهندية ولاسيما في نظرية الكارما ووحدة الوجود وكذا عند الصوفية القائلين بالاتحاد والحلول.
  • إن سر تفوق الفلاسفة الأقدمين في الشرق على غيرهم يرجع إلى قدراتهم الفائقة على استقبال الإلهامات الإلهية التي هبطت في صورة43 جامعة للفهم والأخلاق والدين والفن في سياق واحد الأمر الذي يبرر تخلف الأجيال اللاحقة وعجزها عن استيعاب تلك الإلهامات الحدسية الباطنية فجنحوا عن الطريق وضلوا وشوشت عقولهم وفسدت أخلاقهم وتعددت رؤاهم وتفسيراتهم للكون وانقسم الفلاسفة في ضوء ذلك التخبط إلى وضعیین ماديين ومثاليين عقليين وروحيين حدسيين وسوف يأتي يوما يدرك فيه الإنسان إذا ما كان يعتقد في ماديته لا يخلومن الروح وأن ما كان يظن أنه وليد الحس يفترض أن يكتشف حتى خلفه الشعور والحدس وعليه فالجمادات لا تخلومن الحياة والجن والعفاريت ليست أوهاما خرافية بل موجودات حقيقية. وفي هذا السياق توحد الثيوصوفية بين الوحي والإلهام والرؤى الحدسية فهي لا تميز بين العالم المبدع والفيلسوف المتأمل والنبي المصطفى والصوفي العارف والولي صاحب الفتوحات والإشراقات والفنان الملهم والأديب العبقري، فكلهم اتصل بالعقل الفعال وحلت فيهم الروح الإلهية الخلاقة ولكن بدرجات متفاوتة تبعا لنقاء سرائرهم وقدرتهم على استيعاب ما يرونه من حقائق وأنوار علوية ومواقعهم (بعدا أوقربا من الحجب والحضرة الإلهية).
  • أن الصوفية وحدهم هم الذين يدركون بقلوبهم وعقولهم وحواسهم ذلك اللقاء الذي يحدث بين أرواحهم الجزئية والروح الكلي في صورتي الاتحاد والحلول، والمتصوفة يعهدون أيضا حتى الروح الإلهي حاضرة في جميع الموجودات وفي سائر الكائنات وقد فطن حکماء الهند والفلاسفة الرواقيين ومن قبلهم جميعا كهنة مصر وآشور وبابل فالوجود عندهم لا يتجزأ والحكمة الإلهية هي الحقيقة الأزلية التي لا تتبدل.

تقول بلافاتسكي:

أن الفهم الإشراقية الحدسية الإلهامية لا تتكشف لكل البشر لأنها محاطة بحجب وأسرار وموانع لا يستطيع تخطيها إلا نفر قليل من البشر اجتمعت فيهم صفات أخلاقية وعقلية وإدراكية حسية خاصة جدا الأمر الذي ميزهم عن غيرهم من الفلاسفة والفهماء والعرافين والكهنة وغيرهم من المریدین الذين يسألون عن الحقائق الكلية وينشدون الكمال.

ولا تختلف هذه الأفكار في جملتها عن تصورات الفلاسفة القائلين بالدين الطبيعي والطبيعة الطابعة والطبيعة المطبوعة وكذا جل الفلاسفة الحدسيين والروحيين من جهة وأصحاب الفكر الماسوني من جهة أخرى.

كوسمولوجيا العقيدة السرية

وفقًا للتعاليم الثيوصوفية، فإن جميع نظام شمسي هوانبثاق عن "الحدثة" أو"إله شمسي"، حيث يشرف جميع واحد من الأرواح الكوكبية على أحد الكواكب.

شرح مبسط لكوسمولوجيا العقيدة السرية على شكل نقاط:

  • الكون المتجلِّي متأصل في مبدأ صمداني، قيوم، أزلي، مطلق (يطلق عليه الهندوس اسم بربرهمن Parabrahman)، هوالأحدية المطلقة والحق الأسمى، لا يتجلَّى أبدًا ويتعالى عن ملكات الفهم البشري.
  • الوعي Consciousness والطاقة Energy، أوالروح Spirit والمادة Matter، حقيقتان مستقلتان من حيث الظاهر؛ لكنهما، من حيث الباطن، وجهان للمطلق أومظهران له؛ وهما أول تمايز عن المبدأ الأصلي وأساس عمل التجلِّي الكوني.
  • عن الثالوث السابق – أي المطلق (وقد تعيَّن) والروح والمادة – تنبثق كلُّ الأكوان التي تظهر وتختفي عبر دورة لا نهاية لها من أطوار "التجلِّي" (شرشتي shrishti) و"التحلُّل" (بـرَلَـيا pralaya).
  • المنظومات الشمسية التي تتألف منها المجرَّات والكون إجمالاً تعبيرات عن الحق الأسمى؛ ويشكل كلٌّ منها نظامًا مستقلاً، لكنه متأصل في المطلق غير المتجلِّي أبدًا.
  • كلُّ منظومة شمسية هي تعبير عن بنيان تام التنظيم، لا توجِّهه قوانين طبيعية سرمدية وحسب، بل تُعَدُّ تجلِّيًا لعقل كلِّي متعالٍ يدعى الحدثة Logos.
  • جرم الشمس وأجرام الكواكب التابعة لها إنما هي الجانب الأظْهَر، أوقُلْ الأكثف، من منظومتنا الشمسية؛ إذ إذا ثمة عوالم غير منظورة عديدة مكوَّنة من مادة أرقَّ متداخلة مع العالم الجسماني.
  • المنظومة الشمسية، بكواكبها وتوابعها قاطبة، منظورةً وغير منظورة، مسرح واسع للتطور، تتفتح فيه الحياة على مراحل مختلفة ومتدرِّجة، في صور لا عدَّ لها، نحوكمال متسامٍ.
  • تتم هذه السيرورة برمَّتها بحسب "خطة" محددة، حاضرة في العقل الإلهي؛ وتضبطها وتوجهها مراتب hierarchies من الكائنات الفائقة الرقيِّ التي تنتمي إلى مختلف درجات التطور.
  • تتفتح الحياة تدريجيًّا، شوطًا بعد شوط، مرورًا بالممالك المعدنية والنباتية والحيوانية والإنسانية؛ ويتواصل التطور المتصاعد حتى بعد بلوغ كمال الحياة الأرضية.
  • تقود التطور الإنساني على مستوى الكرة الأرضية "أخوية" من البشر المتطورين الذين بلغوا كمال الحياة الأرضية وطوَّروا في أنفسهم قدرات وملكات معهدية يتعذر علينا تصورها ونحن من التطور على ما نحن عليه؛ وهم على اتصال وثيق فيما بينهم وعلى اطِّلاع تامٍّ على قضايا العالم الذي يوجِّهونه، طبقًا للخطة الإلهية، بحكمة ودراية لانهائيتين.
  • كلُّ إنسان، من حيث ماهيَّته، كائن إلهي، وهوينطوي في ذاته، بالقوَّة in potentia، على كلِّ القدرات والملكات التي تتصف بها الألوهة؛ وتتفتح هذه القدرات وتلك الملكات تدريجيًّا، وصولاً إلى كمال للوعي وسعة متناميين لا حدَّ لهما.
  • يتم تفتح هذه القدرات وتلك الملكات الكامنة عبر سيرورة "التقمُّص" (أو"العَوْد للتجسُّد" reincarnation)، بحيث تعاود النفس التجسد باستمرار، في أزمنة مختلفة وأمكنة متباينة وظروف متنوعة، كي تغتني بخبراتها، مارَّة بين كلِّ تجسد وآخر بفترة من الراحة الذهنية في العوالم ما فوق الجسمانية اللطيفة (التي يُصطلَح في الأدبيات الثيوصوفية على تسميتها بالـديفاخان Devachan أو"مقام الآلهة") لكي "تهضم" هذه الخبرات وتتمثل خلاصتها.(1)
  • كلُّ مظاهر الحياة البشرية تنتظمُها نواميس طبيعية، يعمل كلٌّ منها ضمن فلكه الخاص؛ وهذه النواميس جميعًا ينتظمُها، بدوره، ناموسٌ واحد يُعرَف عمومًا باسم كرما karma، يسود على كلِّ شيء جاعلاً الإنسان سيد قدره ومصيره والمسؤول الأوحد عن سعادته وشقائه.(2)
  • كما يمكن لتطور الأشكال في المملكتين النباتية والحيوانية حتى يتسارع بالاستفادة من قوانين البيولوجيا، كذلك يمكن للتطور البشري حتى يتسارع تسارعًا فائقًا بتطبيق القوانين الفكرية والروحية الفاعلة، كلٌّ منها في عالمه.
  • تنهض العلوم الباطنية الرامية إلى حثِّ التطور الروحي للإنسانية على تطبيق هذه القوانين الطبيعية على شأن التطور البشري؛ وهي تماثل في فاعليتها ومصداقيتها القوانين الفاعلة في العالم الجسماني في حقل الفهم الوضعي من حيث الحصول على نتائج محدَّدة بدقة بالغة.

المبادئ الثلاثة الأساسية

المبدأ الأساسي الأول

المبدأ الأساسي الأول، كما ينص عليه :(3)

تمثال بلافاتسكي وأولكوت في أديار.

مبدأ كلِّي الحضور، أزلي، غير محدود، سرمدي، يستحيل تذهُّنه لأنه يتعالى عن ملكة التصوُّر البشري وليس من شأن أيِّ تعبير أوتشبيه بشريين إلا حتى يقلِّصه. فهويتخطى مجال الفكر ومداه.

هناك، إذن، حقٌّ واحد مطلق، سابق على كلِّ موجود متجلٍّ ومحدود؛ وهذه العلَّة اللانهائية والأزلية هي الأصل الذي لا أصل له "لكلِّ ما كان، وما هوكائن، وما سيكون أبدًا". لذا تفضل السيدة بلافاتسكي حتى تطلق عليه اسم الكينونة Be-ness (بالسنسكريتية سَتْ Sat) على "الكائن" being.

يُرمَز إلى هذه الكينونة في العقيدة السرية بطريقتين: هنالك، من جهة، الفراغ المجرد المطلق الذي يعجز أيُّ فكر بشري عن سبره أوتكوين أيِّ تصور عنه أوتذهُّنه مجرَّدًا؛ وهنالك، من جهة أخرى، الحركة المجرَّدة المطلقة ("المحرِّك الساكن" بحسب تعبير أرسطو) التي تمثل الوعي الطليق غير المحدود.

عن هذه الأحدية أوالكينونة المطلقة يحدث أول تمايز (يدعى بـالواحدية في العهدان الإسلامي) ينطوي على أول ثنائية، هي ثنائية الروح والمادة (بوروشا purusha وبركريتي prakriti في المنقول الهندوسي) التي لا يعتبر فهم الباطن حدَّيها حقيقتين مستقلَّتين إحداهما عن الأخرى، بل وجها المطلق Parabrahman، أومظهراه اللذان يشكِّلان معًا كلَّ كيان مقيَّد، ذاتيًّا كان أم موضوعيًّا.(4)

فكما حتى الفكرة ما قبل الكونية Pre-cosmic Ideation هي أصل كلِّ وعي فردي، كذلك فإن الجوهر ما قبل الكوني Pre-cosmic Substance هوأصل المادة بكلِّ درجات تمايزها. يتضح مما تقدم حتى التضاد الظاهري بين مظهريْ المطلق هوالعلة الأولى للكون المتجلِّي: فلولا الجوهر الكوني Cosmic Substance لما كان بمقدور الفكرة الكونية Cosmic Ideation حتى تتجلَّى كوعي فردي؛ إذ ليس للوعي حتى ينبجس لينغلق على نفسه، كما سنرى، إلا من خلال وعاء أوقاعدة مادية ضرورية كبؤرة يهجرز فيها شعاعٌ من العقل الكلِّي على مستوى معيَّن من التعقيد. ولولا الفكرة الكونية لظل الجوهر الكوني تجريدًا خاويًا لا يهيِّئ لانبثاق أيِّ وعي، كقشرة بيضة خالية من المحِّ والآح.

من الفكرة الكونية، أوالروح، وعيُنا؛ ومن الجوهر الكوني، أوالمادة، الأوعيةُ التي ينثني فيها الوعي على ذاته، مباشِرًا رحلة تفتحه عبر ممالك الكون طرَّا، وصولاً إلى فترة الذات أوالوعي المنعكِس المدرِك لذاته؛ بينما يعبِّر مبدأ فوهة Fohat، في تجلِّياته الكثيرة، عن الصلة السرية بين العقل والمادة، أوالمبدأ الفاعل الذي يُكَهْرِب كلَّ ذرة في الكون، باعثًا فيها الحياة.

تأسيسًا على ما تقدَّم، يمكننا إيجاز تراتبية عمل التجلِّي في أربع مراتب وجودية هي الآتية:

  1. الأحدية المطلقة (بربرهمن الـفيدنتا Vedanta) أوالحق الأحد (سَتْ Sat
  2. الواحدية، أول تعيُّن للمطلق، أوالحدثة Logos اللاشخصي، أو"العلة الأولى"؛
  3. الروح–المادة، الحياة؛ "روح الكون"، ثنائية بوروشا–بركريتي، الحدثة الثاني؛
  4. مَهَة Mahat، أوالنفس الكلِّية؛ الجوهر الهيولاني (كأصل للمادة وأساس لكلِّ العمليات والسيرورات الذكية في الطبيعة) الذي يدعى أحيانًا بـمَهابودِّهي Maha-Buddhi.

الإنسان، في قصوره عن تكوين أيِّ مفهوم بغير لغة الظواهر المحسوسة، عاجز عن حمل النقاب الذي يحجب عنه سرَّ الألوهة في سذاجته المطلقة: وحدها الروح المنعتقة تستطيع حتى تدرِك "طبيعة" المصدر الذي عنه انبثقت وإليه ستُرجَع. أما العقل (نوس Nous عند أفلاطون) – سيد مملكة المادة ومحرِّكها والنَّفَس المحايث immanent لكلِّ ذرة والباعث فيها الحياة، متجلِّيًا في الإنسان وكامنًا في الحجر – فله مراتب مختلفة من الحَوْل والقدرة.(5)

العلة الأولى

الختم الثيوصوفي كزينة باب في بودابست، المجر.

ما من أمة أوشعب أوقبيلة بدائية، منذ فجر البشرية حتى يومنا هذا، إلا وينطوي حتى الجانب الظاهر من معتقداته على وجود "علَّة أولى" من وراء نواميس الطبيعة وخلود النفس (العليا). ولم يستطع أيُّ معتقد بالٍ أوأية فلسفة زائفة أوسلطة قاهرة، دينية أوزمنية، القضاء على هذا الشعور الأصيل في الإنسان، الأمر الذي يجعلنا نبتر بأنه إرث مشهجر للإنسانية قاطبة.

يعلِّمنا المنقول الباطني بأن العلَّة الحقيقية للوجود ككل تظل مستترة أبدًا وعصيَّة على العاقلة البشرية، وبأن أول تجلِّياتها هوأكمل تجريد يستطيع الإنسان حتى يتذهَّنه. لذا نفترض حتى هذه التجلِّيات هي علَّة الكون المادي؛ منها تتفرع القدرات الثانوية التي تعبَّد الإنسانُ لها وأسْلَسَ قياده بوصفها "الإله" أو"الآلهة"، بما يتوافق مع روح كلِّ عصر، بعد حتى خلع عليها صورة شخصية هي خلاصة مكثفة لاختباره لها(6)؛ إذ يتعذر تذهُّن شيء لا علَّة له؛ ومحاولة القيام بذلك تبلغ بالفكر أقصى تخومه الممكنة حتى فراغه التام من كلِّ الموضوعات: تلكم هي الحال التي يبلغها الذهن أخيرًا عندما يحاول حتى يقتفي إلى الوراء سلسلة العلل والمعلولات.(7)

"اللاهوت سعة غير محدودة ولانهائية"، كما تقول حكمة باطنية كثيرًا ما تورِدها السيدة بلافاتسكي في كتاباتها؛ والوحدة القصوى المبطِّنة لكلِّ جزء من أجزاء الطبيعة – من النجم إلى ذرة المادة، ومن أعلى دْهِـيَـن تشوهَن Dhyan Chohan (كائن ملائكي من مرتبة رفيعة) إلى أصغر جرثومة – إنما هي الناموس الأساسي الأوحد في فهم الباطن، سواء طُبِّق على العالم الروحاني، أوالعالم الذهني، أوالعالم الجسماني.

إن تصورات الإنسان عن الألوهة تتطور بتطور فكره وتفتُّحه. في ضوء هذا، يصح حتى أنبل المُثُل التي تلامسها الروح الدينية في تحليقها في عصر ما قد تبدوباهتة أمام العقل الفلسفي لعصر يليه؛ وقِسْ على ذلك نضج المُثُل التي يتخذها الإنسان هاديةً له في حياته في مختلف مراحل هذه الحياة. من هنا ضرورة المسارَرة Initiation في مجال الخبرة الروحية. فتلك (إن توفَّر للمسارَر الاستعداد والأهلية) هي العصمة للمرء كيلا يسقط في شباك الوهم والتجريدات الذهنية البحتة؛ وبدونها لا بدَّ حتى يبقى جناحا الفكر مهيضين للحؤول دون تحليق أعلى قد يحدث وبالاً على صاحبه.

عندما يصرِّح الثيوصوفيون بأن الله ليس موجودًا لأنه عدم محض، لاشيء – أي لا-شيء No-thing – فإنهم يكنُّون للاهوت إجلالاً وخشوعًا أعظم بكثير ممَّن يشخِّصون الله، جاعلين إياه ذَكَرًا ضخمًا، يغضب ويندم، يعاقب ويثيب. من هنا، يتطلَّب تخطِّي التصورات التشخيصية عن الألوهة اقتفاء أثر الحدثة (أوالعقل الأول) في كلِّ دين حتى أصله النهائي وماهيَّته القصوى. والألوهة المثلَّثة العماء-الإله-الكون Chaos-Theos-Kosmos إنما هي الكل في الكل، وهي سلسلة أشفاع الصفات كلِّها(8)؛ لذا ينطق إنها ذكر وأنثى في آنٍ معًا، إيجاب وسلب، نشر وطَيْ، نور وظلمة، إلخ. أما علَّة العلل التي لا علَّة لها، "المجهول الأسمى" (التعبير لطاغور)، فيجب على الإنسان حتى يُعِدَّ لها مقامًا ومذبحًا في قدس أقداس نفسه، في القلب منه والسرِّ، وأن تكون روحه هي الوسيط الأوحد بينه وبين الروح الكلِّية، جاعلاً من أعماله الصالحة كهنة ومن نواياه السيئة قرابين!

المبدأ الأساسي الثاني

تشارلز ويبستر ليدبيتر (1847-1934)، الجمعية الثيوصوفية.

تشدد العقيدة السرية على أزلية الكون ككل، باعتباره، كما أسلفنا، مجالاً شاسعًا لعوالم لا عدَّ لها، تتجلَّى وتحتجب بغير انقطاع. فالفرضية الثانية للعقيدة السرية إذن هي الشمولية المطلقة لقانون الدورية، قانون المدِّ والجزر أوالدفق والانحسار، الذي نشهده في الطبيعة قاطبة؛ وإن تناوبًا، كتناوب النهار والليل، أوتناوب الحياة والموت، أوتناوب الصحووالنوم، لهوواقع مألوف وشامل، لا يُستثنى منه شيءٌ على الإطلاق، الأمر الذي يجعلنا نبصر فيه ناموسًا أساسيًّا من نواميس الكون.

بذا ينجلي لبصيرتنا كمالُ المقايسة بين سيرورة الطبيعة في الكون، من جهة، وفي الإنسان الفرد، من جهة أخرى. فالإنسان، شأنه شأن الكون، يحيا دورة من دورات حياته ثم يموت بانتهاء أجَلِه. وتتحلَّل "مركبات" الإنسان أو"المبادئ" المؤلِّفة لبنيانه الباطن مع الوقت، فتستعمل الطبيعة "المواد" التي كانت تشكِّلها لتشكيل مبادئ جديدة؛ وهذه السيرورة عينها تتم في تحلُّل العوالم وإعادة تشكيلها. القياس analogy، إذن، هوأضمن هادٍ للباحث في مسعاه لفهم التعاليم الباطنية، من حيث إذا قانون ولادة كلِّ ما في الكون ونموِّه وموته، من الشموس حتى ديدان الأرض، قانون واحد؛ وهولا يني يسير بالكون إلى المزيد من الاكتمال، مع كلِّ ظهور أوتجلٍّ جديد، ساريًا على كلِّ جرم من أجرام الكون، صَغُر أم كَبُر.

وحده الحكيم المسارَر Initiate يستطيع حتى يكتنه الكمال المطلق الذي تبلغه الموجودات لدى اختتام فترة عظمى من التجلِّي الكوني، أومَـهامَـنْـفَـنْـتَـرا Mahamanvantara، مستريحة إبان الفترة التالية من الاحتجاب (بْـرَلَـيَـا Pralaya). بيد حتى هذا الكمال، وإن يكن مطلقًا، فهو"مطلق نسبيًّا" لأنه ينبغي، بدوره، حتى يفسح المجال للمزيد من الكمال المطلق، وفقًا لمعيار أرقى من التَجَوْهُر، إبان الفترة التالية من النشاط أوالتجلِّي – مثلما حتى على الزهرة الكاملة حتى تذوي مفسحة المجال للثمرة الكاملة.(9)

تعلِّم الحكمة قانونًا سرمديًّا دوريًّا في الطبيعة والكون، لا يُستثنى من سلطانه أيُّ موجود، على مراتب وجوده كافة. يدعى هذا القانون بقانون كرما karma أوقانون السببية الكونية.(10) ولما كان التطور الروحي للإنسان الباطن يشكِّل من علوم الغيب محورَها فإن السعي إلى فهم سيرورة هذا التطور يحتاج من التوَّاق حتى يضع بعين اعتباره أمرين:

  • الحياة الواحدة الكاملة، الموجودة بمعزل عن وجود المادة الكثيفة؛ و
  • العقول الفردية العليا التي تحرك التجلِّيات المتنوعة لذلك المبدأ الحيِّ الواحد.

ذلك حتى الحياة وثيقة الصلة بالناموس الواحد – ناموس كرما – الذي يحكم مراتب الوجود حتى عالم الروح. ويشير هذا الناموس، من الوجهة الظاهرية، إلى "العمل"، أوبالأحرى إلى العلة المنطوية على معلولها.

إن هذا الناموس لا يقدِّر شيئًا على أحد أوعلى أيِّ شيء؛ فهوقائم منذ الأزل وفيه، ويُعتبَر خير تصور عن الأزل. وبما أنه ليس ثَمَّ "عمل" يكافئ الأزلية فأصح من قولنا إنه "يعمل" قولُنا إنه "العمل" بامتياز.(11)الإنسان لا يعاقَب على خطاياه بل يعاقَب "بها"، على حد قول كرِسْتمس هَمْفرِز، فرديًّا وجماعيًّا (كما في حالة أمم بأسرها أحيانًا). فالبشر هم الذين يولِّدون الأسباب التي تحرِّض، بدورها، القوى الموافقة التي تنشدُّ تلقائيًّا إلى مولِّديها وترتدُّ عليهم فكرًا وعملاً.

هنري ستيل أولكوت (1832 - 1907)، الجمعية الثيوصوفية.

وفي محاولة لتقريب عمل ناموس كرما في التجدُّدات الدورية للكون إلى فكر المتأمِّل في أصل الإنسان والمغزى من وجوده، يجدر بنا حتى نلفت انتباهه إلى التطبيقات الباطنية للدورات الكَرْمية (نسبة إلى كرما) على الأخلاق بالمعنى الكوني. لقد عرَّف الفيلسوف الهندي س. رادهاكرشنان بناموس كرما بوصفه "قانون مصونية الطاقة الأخلاقية". وإننا لنتساءل إذا كانت للتقسيمات الغامضة التي أسماها الإغريق "حلقات" و"دوائر"(12) تطبيقات مباشرة على الحياة البشرية أوصلات بها. إذا الفهم الظاهر يقرُّ بوجود أدوار خاصة تنتظم السيرورات المادية؛ لكن ثمة أيضًا أدوارًا خاصة بالتطور الروحي تنتظم حياة الأعراق والأمم والأفراد. فهل للفلسفة الباطنية حتى تتيح لنا المزيد من فهم عمل هذه الأدوار؟

إن الأنية العليا Higher Ego، أوالمبدأ المتجسِّد، هي التي تسود على الأنية الدنيا Lower ego وتحكمها عندما لا تحيِّد الثانيةُ المؤثراتِ القادمةَ من الأولى بتأثير جمحاتها. وباختصار، فإن الرباعي الأدنى المكوَّن من "المركبات"(13) المؤلِّفة لـلشخصية Personality لا يعرقل الفردية Individuality في سيرها الحثيث على درب تطورها الصاعد إلا حينما تلدغ أنانيةُ الشخصية وأثرتُها الإنسانَ الباطنَ بنابها المسموم لدغة تشلُّ قواه، وبذلك تفقد قوةُ الجذب إلى أعلى كلَّ سلطانها على الإنسان العاقل.

وحدها فهم عقيدة التقمص reincarnation المتكرر للفردية نفسها عمرًا بعد عمر، مع الاستيقان حتى على الجوهر الفرد حتى يجتاز دورة الضرورة Cycle of Necessity، مُثابًا بالتقمص على الألم الذي عاناه، أومُعاقَبًا على الألم الذي تسبَّب فيه، في أعمار سابقة – نقول: وحدها فهم هذه العقيدة تعلِّل مسألة الخير والشر وتُصالِح الإنسان مع ظلم الحياة الرهيب في ظاهره؛ إذ لا شيء إلا اليقين الداخلي، القائم على الفهم، بوسعه حتى يهدِّئ من روع إحساسنا المتمرد بالعدالة.

إننا نقف مذهولين أمام سرِّ صنعتنا وأحاجي الحياة التي يُعجِزنا حلُّها، فنتَّهم "وحش طيبة" الرهيب بافتراسنا، كما عبَّرت أسطورة أوديب.(14) لكنْ ما من شيء حادث في حياتنا، وما من حظٍّ عاثر إلا وبالوسع اقتفاء أثره حتى أفعالنا في هذه الحياة أوفي حياة سابقة. إذا خرق أحدهم نواميس التناغم الكوني ترتَّب عليه حتى يستعد للوقوع أسير الفوضى التي تسبَّبَ في إحداثها.

ما الكون إلا التجلِّي الدوري للمبدأ المطلق. ههنا سرُّ القاعدة العيسوية الواردة في "الصلاة الربية": "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض." والإنسان هوالشاهد الحيُّ على هذا الناموس الكامل وعلى سيرورة عمله الكوني. فلا مراء حتى كلَّ حركة، أوإيماءة، إرادية أوتلقائية، عضوية أوذهنية، ناجمة عن إحساس أوانفعال، عن إرادة أومشيئة، عن تفكير أوتعقُّل، أومسبوقة بها. وكما حتى كلَّ حركة أوتغيير في الإنسان الظاهر لا يتم ما لم يتحرَّض بباعث داخلي عبر واحدة من الوظائف الثلاث المذكورة، كذلك الأمر مع الكون الظاهر أوالمتجلِّي. وكما حتى كوكبنا يدور حول الشمس مرة كلَّ سنة، وفي الوقت نفسه يدور حول نفسه مرة كلَّ 24 ساعة، ويبتر بذلك أدوارًا صغرى ضمن أدوار أكبر، كذلك تتم الفترات الدورية الصغرى وتتعاقب.

يشرف على دوران العالم الجسماني، بحسب الحكمة القديمة، دورانٌ مقايس في عالم الفكر – هوفي الواقع التطور الروحي للعالم الذي يتم، مثله في ذلك كمثل التطور الجسماني، وفقًا لأدوار. وبذلك نشهد في التاريخ تناوبًا متواصلاً بين المدِّ والجزر في التقدم البشري. فكم من ممالك وأمم، إذ بلغت أوج سؤددها، دالت دولتُها وانحدرت إلى الحضيض امتثالاً للقانون عينه الذي أوصلها إلى الذروة. والبشرية، متى بلغتْ نهايتَها الحدية الدنيا، تعود لتنهض مجددًا وترتقي، بحيثقد يكون العلوُّ الذي تبلغُه، وفقًا لقانون التدرُّج الصاعد عبر الأدوار، أرقى، نوعًا ما، من علوِّ النقطة التي تجاوز لها حتى انحدرت منها.

بيد حتى هذه الأدوار لا تؤثر في البشرية كلِّها في وقت واحد؛ إذ إذا الدور الأول يشتمل على تدرُّج البشرية منذ ظهور الإنسان الأول في صورته الأثيرية، ويجري طوال الأدوار الصغرى لتطوره التدريجي، من الأثيري نزولاً حتى نصف الأثيري، فالجسماني الصرف، حتى الإفلات من "القميص" المادي، والعودة بعدئذٍ ومواصلة المسار نزولاً، فصعودًا من حديث حتى الملأ الأعلى plêroma.

وعلى المرتبة الإنسانية يرتبط قانون التقمص أوالعَوْد للتجسُّد بقانون كرما ارتباطًا لا تنفصم عراه. وتتلخص عقيدة التقمص باكتساء الفردية الإنسانية بسلسلة طويلة تكاد لا تنتهي من الشخصيات، هي الأزياء والأدوار التي "يتقمَّصها" الممثل ويتواحد معها، مثلما يواحِده معها جمهورُ المشاهدين، مدة بضع ساعات هي مدة استمرار المسرحية؛ أما الإنسان الباطن الذي "يشخِّص" هذه الأدوار فهوعلى فهم تام أنه ليس هملت أوياغوأوجولييت أوالليدي مكبث إلا إبان هذه المدة وحسب، وأنه والمبدأ المطلق واحد في صميم كيانه.

المبدأ الأساسي الثالث

السيدة بلافاتسكي.

كلُّ ما في الكون، كما أشرنا، واعٍ؛ أي أنه مزود بوعي من نوعه وعلى مستواه الخاص من التفتُّح. فلا ننسينَّ، نحن البشر، أننا، وإن لم يكن بمقدورنا بعد حتى نبصر إرهاصات الوعي في الحجر مثلاً، لا يحق لنا – ولا يليق بنا – حتى نقول إذا الحجر خلومن الوعي. فكما أنه ليس في الكون ثمة قانون "أعمى" أو"غير واعٍ"، كذلك ليس فيه مادة "ميتة" أو"صمَّاء"؛ فهذه حدثات لا مكان لها في قاموس الفلسفة الباطنية التي لا تكتفي بمظاهر السطح الخارجي لأن الماهيَّات النومينية أشد واقعية، في نظرها، من نظيراتها الجواهر الفينومينية.

إن نظام الطبيعة بأسره يتكشَّف عن مسيرة متدرِّجة نحوحياة أرقى. فهناك خطة مُحكمة تبطِّن عمل ما يظهر لنا في الظاهر قوى عمياء؛ وما سيرورة التطور كلُّها، في كلِّ مآتيها، إلا برهان على وجود عقل كوني مدبِّر يعمل بواسطة نواميس سرمدية لا تُخرَق.

يتجلَّى الكون دوريًّا في سبيل غايات تتعلق بالتقدم الجماعي الكلِّي لحيوات فردية لا حصر لها – هي أنفاس من الحياة الواحدة وشرارات من النار الكلِّية – كي تتمكن كلُّ ذرة من ذرات هذا الكون اللانهائي، عبر الصيرورة الأبدية، من الصعود مجددًا مع كلِّ "فترة عالمية" جديدة، مارة من اللاشكلاني وغير المحسوس، عبر الطبائع المتمازجة لنصف الأرضي، نزولاً حتى المادة في تشكُّلها التام، ثم عائدة من حديث إلى المصدر الذي أتت منه. والآخذون بالتقمُّص وكرما، ناموسه التوأم، يدركون – وإنْ إدراكًا مبهمًا – حتى سرَّ الحياة كلَّه قائم في السلسلة غير المنبترة لتجلِّياتها، إنْ في الأجسام أوبمعزل عنها. وتعلِّمنا العقيدة السرية وحدة كلِّ النفوس مع النفس الكلِّية، ورحلة الحج الإلزامية لكلِّ نفس، عبر دورات التجسُّد، بما يتوافق مع القانون الدوري والكَرْمي؛ وبعبارة أخرى، ما من نفس يمكن حتىقد يكون لها وجودٌ مستقل واعٍ قبل حتىقد يكون بمقدور الشرارة الصادرة عن النفس الكلية

  • أن تجتاز كافة الأشكال العنصرانية elemental للعالم الفينوميني لهذا الـمَـنْـفَـنَـتَـرا؛ و
  • أن تحوز على فردية، بالدافع الطبيعي أولاً، ومن بعدُ بفضل جهودها الذاتية التحريض والذاتية التخطيط، المنظومة بـكرمـاها؛ وبذلك تتوقَّل درجات الذهن كافة، من العقل الأدنى، كاما مَنَس kama-manas، إلى العقل الأحمل، بودِّهي مَنَس buddhi-manas، من المعدني والنباتي، صعودًا حتى أحمل الملائكة.

فالعقيدة المحورية للفلسفة الباطنية، كما تقول السيدة بلافاتسكي في العقيدة السرية، لا تُجيز منحَ الإنسان امتيازاتٍ أومواهب مجَّانية، إلا ما حاز عليه منها بجهوده واستحقاقاته طوال سلسلة طويلة من التقمصات. تعلِّمنا هذه العقيدة حتى على العقول الأولى، حتى تصير "آلهة" كلِّية الوعي، إذا جاز التعبير، حتى تمر بالفترة البشرية(15)؛ ذلك حتى على كلِّ كيان حتى يفوز بحق الألوهية بنفسه عبر خبرته الذاتية.

ما من عالِم بالغيبيات إلا ويؤكد حتى الإنسان، في تشكُّله الجسماني، هو، بما لا يقل عن أيِّ كائن أرضي آخر، أبسط نتاج للقوى التطورية الطبيعية عبر سلسلة من التحولات لا حصر لها؛ لكنه يطرح المسألة طرحًا يختلف عن طرح العالِم الوضعي لها، من حيث إنه يفهم حتى العنصرانيات elementals نصف العاقلة وغير العاقلة الدنيا ستصير يومًا في عِداد البشر. وما امتياز العاقلة البشرية بالفطنة إلا برهان عالِم الغيب حتى الإنسان حصَّل الفهم والفطنة عبر الدورة البشرية. ليس في الكون إلا فهم مطلق واحد بكلِّ شيء وعقل مطلق واحد، لا يتجزأ، يسطع في كلِّ ذرة أونقطة لا متناهية الصغر من نقاط الكون، يدعوه الناس فراغًا باعتباره بمعزل عن كلِّ ما يحتوي. قد يحدث هذا سرًّا مستعصيًا على فهم "البرَّاني"، لكنه في الواقع حقيقة اختبارية في الفلسفة الباطنية.

بذا يتضح لنا وجود خطة تطورية مثلَّثة، أوبالأحرى ثلاث خطط متمايزة للتطور في الطبيعة، لكنها متداخلة في منظومتنا ومتمازجة تمازجًا مُحكمًا في كلِّ نقطة من نقاط الفراغ، ألا وهي:

  • التيار المونادي monadic أوالروحاني؛
  • التيار الذهني؛
  • التيار الجسماني.

وهذه التيارات الثلاثة إنما هي المظاهر أوالانعكاسات للحقِّ الواحد غير المحدود بحيث:

  • يُعنى التيار المونادي، كما يشير اسمُه، بنموالجوهر الفرد (= الموناد) وتفتُّحه، وصولاً إلى مراتب وجودية أرقى فأرقى، بالاقتران مع –
  • التيار الذهني الممثَّل بـ"واهبي الفطنة والوعي للإنسان"، أوما يُعرَف في المنقول الهندوسي بـمَنَسا بوترا manasa-putra، و–
  • التيار الجسماني الذي تَبَلْوَر من حوله الجسمُ الجُرْميُّ الراهن.

وينهض هذا الجسم الأخير بدور مركبة أووعاء للنمو، إذا جاز التعبير، وكذلك بالتحول بواسطة الذهن (مَنَس manas)، بفضل تراكم الخبرات، من المنتهي إلى اللامنتهي، من العَرَض إلى الجوهر، من الفاني إلى الأبدي. ولكلِّ منظومة من هذه المنظومات ناموسُها؛ وكلٌّ منها ممثَّل في تكوين الإنسان – وهوالكون الصغير الذي يلخِّص الكون الكبير كما أسلفنا؛ وإن اجتماع هذه التيارات التطورية الثلاثة الكبرى فيه هوما يجعله على ما عليه من تعقيد وإبداع صنعة.

ليس للطبيعة أوالقدرة التطورية الجسمانية حتى تتمخض وحدها عن الذهن بغير مساعدة؛ فهي، بمفردها، لا تستطيع حتى تبدع إلا أشكالاً. لذا فإن العقول الإلهية هي التي تملأ الفجوة، ممثِّلة القوة التطورية للفطنة والعقل وصلة الوصل بين "الروح" و"المادة". ففي أثناء طفولة الذُرِّية البشرية الأولى،(16) في بدء الدور البشري الحالي، تشكَّلتْ مركبةٌ مهيأة وتامة لتجسُّد أهالي الأفلاك العليا ممَّن اتخذوا تلك الأشكال، المولودة من المشيئة الروحية والقدرة الإلهية الطبيعية في الإنسان، مساكنَ لهم.

في البدايات الأولى لوجود الإنسان على كوكب الأرض كان الذهن النفساني والجسماني هاجعًا، وكان الوعي ما يزال غافيًا وغير نامٍ، وكانت التصورات الروحية – بالتالي – غير متصلة بالمحيط المادي، من حيث إذا الإنسان الإلهي كان مقيمًا في صورته الحيوانية (وإن كانت تبدوبشرية من الخارج)؛ ومع حتى هذا الإنسان كان يتَّصف بالغرائز لم يكن أيُّ وعيٍ للذات ينير الظلمة التي كانت تكتنف وجوده. وحين نفخ فيه أربابُ العقل، امتثالاً لقانون التطور، شرارة العقل، كان أول شعور استيقظ فيه إحساسًا فطريًّا بالتواحد مع "خالقيه" الروحيين؛ وكأول إحساس ينتاب الطفل نحوأمه وسقمعته كذلك كان أول أشواق الوعي المستيقظ لدى الإنسان البدائي نحوالذين كان يشعر بعنصرهم ينموفيه – على كونهم خارجه.(17)

تعتبر الثيوصوفيا الإنسانيةَ صدورًا وفيضًا عن حالة من "الألوهية" في طريقه إلى العودة إلى المبدأ الذي صدر عنه. وفي شوط متقدم جدًّا من درب التفتح الإنساني الطويل يبلغ المرء مرتبة النطاسة Adeptship التي لا يرقى إليها إلا من نَذَرَ عدة أعمار متوالية لبلوغها.(18) وقد يحدث عدد الرجال والنساء ممَّن باشروا، منذ عدة أعمار سابقة، النهوض بهذا العمل الصعب، الرامي إلى تحقيق الإشراق الروحي الأسمى، عددًا لا يستهان به؛ غير أنهم ما يزالون، من جراء أوهام حياتهم الراهنة، إما جاهلين بذلك أوفي سبيلهم إلى تفويت كلِّ فرصة متاحة لهم في حياتهم هذه لإحراز بعض التقدم. فهم يشعرون بانجذاب لا يعانَد إلى فهم الباطن والسرَّانية وإلى الحياة العَلَيانية، لكنهم من التمركز حول شخصياتهم ومن التعلق بالحياة الدنيوية، بزيفها وأوهامها وملذَّاتها الزائلة، بحيث يقفون عاجزين عن الزهد والفقر الروحيين،(19) وبذلك يضيعون على أنفسهم كلَّ فرصة في هذه الحياة للتحول إلى حياة أجمل وأعمق. بيد حتى الموناد في كلِّ كائن بشري هي، بحدِّ ذاتها، فردية روحية، واحدة، بما هي كذلك، مع الروح الكلِّية، وعليها معقد كلِّ راتى في الخلاص والانعتاق.(20)

هذا وإن القلب الإنساني لم يفصح بعد عن مكنوناته كلَّ الإفصاح، ومازلنا بعيدين كلَّ البعد عن بلوغ أوحتى استشفاف مدى قدراته. أفكثير علينا – والحالة هذه – حتى نؤمن بأن في مكنة الإنسان حتى ينمِّي في نفسه إمكانات جديدة ويعقد علائق أوثق وأنبل مع الطبيعة والكون – علائق قائمة عملاً، لكنه لا يلقي إليها بالاً،يا ترى؟ إذا في جعبة منطق التطور الكثير الكثير مما يمكن، لا بل يجب حتى نتعلَّمه، على حتى نتابعه حتى تخومه القصوى. وعندئذٍ لا بدَّ لنا حتى نعهد، كشفًا وإلهامًا، حتى ثمة، عند نقطة معينة من الدرب الصاعد، من المعدني والنباتي حتى أنبل البشر، حيث تتفتح نفس موهوبة بالخصائص الذهنية، ملكةً إدراكية عليا، يمثِّلها القلب، تستيقظ في الإنسان وتمكِّنه من اكتناه أسرار حقائق تتخطى مدى إدراكنا العادي.

يبقى حتى الإحجام عن قبول حتى في منظومتنا الشمسية كائنات سوانا، عاقلة وقادرة على التفكير على المرتبة الإنسانية، هومن قبيل العناد المحض. فما لأحد حتى ينكر سلفًا (وخصوصًا حتى معطيات الفهم الحديث باتت تؤيِّد ذلك) إمكان وجود عوالم ضمن عوالم في شروط مختلفة عن الشروط التي تكوِّن طبيعة عالمنا؛ وما لأحد حتى ينكر علينا إمكان قيام اتصال بين هذه العوالم وعالمنا الأدنى.

انظر أيضًا

كتاب العقيدة السرية

هيلينا بلافاتسكي

ديانات الأسرار

كشف الحلقة المفقودة

ثيوصوفية مسيحية

هوامش

1. راجع مؤلَّفنا الصغير منطقة في التقمص، سلسلة الحكمة 2، ولاسيما ص 63-65.

2. راجع منطقة في التقمص، ولاسيما ص 22-25، 31-33، 39-42، 93-111.

3. مقتطفات من كتاب مفتاح الثيوصوفيا للسيدة بلافاتسكي – وهوعرض مبسَّط للمبادئ الأساسية للحكمة القديمة على شكل محادثة شائق بين "سائل" و"ثيوصوفي":

  • "إن ثلاثتهم [الله والنفس والإنسان] من حيث الأصل والأزلية، مثلهم كمثل الكون وكلِّ ما فيه، واحد مع الوحدة المطلقة أوالجوهر الإلهي الذي لا يرقى إليه فهم [...]. نحن لا نعتقد بأيِّ خلق، إنما بالظهورات الدورية المتوالية للكون، من المرتبة الذاتية للوجود حتى المرتبة الموضوعية، في فواصل زمنية منتظمة تشغل فترات شاسعة من الزمان[...]
  • "هبنا مسلَّمتنا بأن الله مبدأ كلِّي السريان ولانهائي، كيف من الممكن أنقد يكون للإنسان وحده ألاقد يكون متشربًا للاهوت، قائمًا به وفيه،يا ترى؟ [...]
  • "نحن ندعو"أبانا الذي في السموات" ذلك الجوهر اللاهوتي الذي نتعرَّفه فينا وفي قلبنا وفي وعينا الروحي والذي لا يمتُّ إلى التصور المشبِّه الذي قد نشكِّله في دماغنا الجسماني أوفي شطحاته. [...]
  • إن لاهوتنا ليس في فردوس ولا في شجرة، لا في جبل ولا في مبنى خاص: إنما هوفي كلِّ مكان، في كلِّ ذرة من ذرات الكون، منظوره وغير منظوره، فوق وحول وفي كلِّ ذرة وكلِّ جزيء مرئيين [...]. إنه القدرة السرية للتطور وللانغلاق، والكمون المبدع الحاضر والقدير والعليم أيضًا."

4. المرتبة "الذاتية"، بالمصطلح الثيوصوفي، تشير إلى العالم غير المنظور بمختلف مستوياته، والمرتبة "الموضوعية" هي العالم المنظور؛ يقابلهما في العقيدة الإسلامية مصطلحا "عالم الغيب" و"عالم الشهادة"، على التوالي.

5. هذه الفكرة عن "نفس" تتخلَّل الطبيعة بأسرها من أقدم المفاهيم الدينية التي مازالت بقاياها ماثلة في المعتقدات الشعبية الأحيائية animistic السائدة إلى يومنا هذا لدى بعض الأقوام: إنها أقدم خبرة دينية عهدها الإنسان، وهي الأساس الأول لمفهوم محايثة الألوهة للعالم immanence.

6. من هنا على جميع معتقِد بـ"إله شخصي" مفارق ألا ينسى حتى كلَّ إنسان إله "بالقوة"، وقبس صاف من نور المطلق، وشعاع سماوي صادر عن المبدأ الأول، وأن يُبقي في ذهنه حتى "إلهه"، بالتالي، في الداخل أيضًا وليس في الخارج وحسب!

7. يقفز الدين والفهم إلى هذه الحالة قفزًا بـ"حرق المراحل"، فلا يفهمانها، فتبقى في نظر الفكر تجريدًا ذهنيًّا بحتًا لا يمتُّ إلى التحقُّق الروحي بصلة.

8. "إن الله لا يُعرَف إلا بالجمع بين الأضداد." (أبوسعيد الخراز)

9. إذا فكرة حتى بمستطاع الأمور حتى تنعدم وتبقى مع ذلك موجودة فكرةٌ أساسية في مبادئ الحكمة؛ إذ تختبئ تحت هذا التناقض الظاهري بين مدلولي لفظتي الوجود existentia والكينونة esse حقيقة كونية كبرى. فمثلما حتى الهيدروجين والأوكسجين ينعدمان لدى اجتماعهما لهجريب الماء، ويبقيان مع ذلك موجودين، لكنْ في حالة أرقى من حالة وجودهما الغازي، كذلك حال الكون عندما "يهجع" أوينعدم قبل حتى يصحوويعاود الظهور.

10. كرما حدثة سنسكريتية مشتقة من جذر كْرِ kri الذي يعني "العمل". راجع: ديمتري أفييرينوس، منطقة في التقمص، سلسلة الحكمة 2.

11. إنه، على سبيل المثال، ليس الموجة التي تُغرِق أحدهم بل هوالعمل الشخصي لذلك المسكين الذي وضع نفسه عامِدًا تحت العمل اللاشخصي للقوانين التي تنتظم حركة البحر.

12. تقابلها الـيوغا yuga والـكَـلْـبا kalpa في العقائد الهندوسية، و"الأدوار" و"الأكوار" في العهدان الإسلامي. فيما يخص بمبدأ الدورية في الطبيعة والكون راجع: منطقة في التقمص، ص 25-27.

13. "المركبات" أو"المبادئ" المكوِّنة للشخصية Personality هي البدن، والجسم النجمي astral body، والمبدأ الحيوي prana المتخلِّل لها جميعًا، والجسم الرغائبي kama-rupa؛ بينما المبادئ المؤلِّفة للفردية Individuality هي الذهن manas بشقَّيه: الفكر (الأقرب إلى طبيعة الشخصية) والعقل (الأقرب إلى طبيعة الفردية)، والعقل الأحمل buddhi والروح atma. يؤلف مجموع العقل الأحمل والروح atma-buddhi ما يُعرَف بـالجوهر الفرد Monad، ويصل بين الفردية والشخصية جسرُ أو"برزخ" من المادة الذهنية يُسمى أنتسكارنا antaskarana.

14. جواب الأحجية التي يطرحها الوحش على أوديب هوالإنسان؛ فالإنسان هوالكائن الذي تَحْسُنُ العودة إليه لفهم كلِّ أسرار الكون وقوانينه لأنه ينطوي عليها جميعا:

«وتحسب أنك جرمُ صغيرٌ - وفيك انطوى العالم الأكبر»

15. صفة "بشرية" هذه لا تنطبق مبدئيًّا إلا على البشرية الأرضية وحسب؛ إنما يمكن، مجازًا، توسيع مدلولها ليضم الكائنات التي مرت بالحالة البشرية في أيِّ عالم كانت تقيم، بمن فيها العقول التي بلغت التوازن الدقيق الضروري بين المادة والروح.

16. راجع: جهاد الياس الشيخ، "دراسات ثيوصوفية 2"، معابر، الإصدار العاشر، باب "منقولات روحية".

17. من ذلك الشعور وُلِد الوفاء الذي غدا المحرِّك الأول والأهم في طبيعته، من حيث إنه الشعور الطبيعي الأوحد في قلب الإنسان – الشعور الذي جُبِل عليه والذي يشهجر فيه الطفلُ مع صغار الحيوان.

18. لا يغيبنَّ لنا عن بال حتى الوصول إلى هذه المنزلة لا يتم بين ليلة وضحاها وأن أعمارًا عديدة ضرورية لذلك حالما تُستوعى الغاية المرجوَّة ويُضطَّلع، من بعدُ، بالتدريبات الشاقة التي لا مندوحة عنها لبلوغها.

19. ليس المقصود بالزهد والفقر نبذ المادة والاعتكاف في برج عاجي بمنأى عن العالم، بل تحويل ملذات الحسِّ، عن طريق الاعتدال، إلى متع روحية. ترقَّبْ درس "اليوغا: الانعتاق والاتحاد"، فقرة "اليوغا وغبطة الوجود" الموضوع في خطة نشر معابر.

20. اللهم إلا إذا كسر الانحطاطُ الخُلُقي الأقصى صلة الوصل بينها وبين المبادئ الدنيا التي تفلت حينئذٍ من عنطقها وتنطلق هائمة "على غير هدى على الدرب القمري"، بحسب التعبير الباطني.

مراجع

  1. ^ خزعل الماجدي (الطبعة الأولى: 2016). فهم الأديان: تاريخه، مكوناته، مناهجه، أعلامه، حاضره، مستقبله. ص 464: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. CS1 maint: location (link)
  2. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 35. CS1 maint: location (link)
  3. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 35: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  4. ^ Goodrick-Clarke, Claire and Nicholas (2005). G. R. S. Mead and the Gnostic Quest. North Atlantic Books. صفحات 9, 19 and 32. ISBN .
  5. ^ Сабанеев, Леонид Л., المحرر (2000). Воспоминания о Скрябине. Москва: Классика-XXI. صفحات 63, 173, 241.
  6. ^ [1] نسخة محفوظة 19 يوليو2011 على مسقط واي باك مشين.
  7. ^ Faivre 1994, p. 24; Lachman 2012, p. 132.
  8. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 35. CS1 maint: location (link)
  9. خزعل الماجدي (الطبعة الأولى: 2016). فهم الأديان: تاريخه، مكوناته، مناهجه، أعلامه، حاضره، مستقبله. ص 464: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. CS1 maint: location (link)
  10. ^ مجلة المقتطف: جريدة فهمية صناعية زراعية. مجلد 17، لسنة: 1893. ص 518. CS1 maint: location (link)
  11. ^ William Q. Judge. The Ocean of Theosophy. p 1: The Theosophy Company, Los Angeles, 1987. CS1 maint: location (link)
  12. ^ Lachman 2012، صفحة 137.
  13. ^ Franklin 2018، صفحة 193.
  14. ^ Campbell 1980، صفحة 196.
  15. ^ Santucci 2012، صفحة 234.
  16. ^ Campbell 1980, p. 196; Dixon 2001, p. 4.
  17. Dixon 2001، صفحة 4.
  18. ^ Campbell 1980, pp. 38, 72; Godwin 1994b, p. xix; Hammer & Rothstein 2013, p. 2; Franklin 2018, p. 192.
  19. ^ Campbell 1980، صفحات 72, 196.
  20. ^ Hammer & Rothstein 2013، صفحة 2.
  21. ^ Godwin 1994b، صفحة xix.
  22. ^ Franklin 2018، صفحات xiv, 192.
  23. ^ Lowry 2019، صفحة 70.
  24. ^ Hanegraaff 2013، صفحات 130–31.
  25. ^ Campbell 1980، صفحة 38.
  26. ^ Dixon 2001، صفحات 3, 5.
  27. ^ Carlson 1993، صفحة 3.
  28. ^ Dixon 2001، صفحة 8.
  29. ^ Hanegraaff 2013، صفحة 131.
  30. ^ خزعل الماجدي (الطبعة الأولى: 2016). فهم الأديان: تاريخه، مكوناته، مناهجه، أعلامه، حاضره، مستقبله. ص 465: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. CS1 maint: location (link)
  31. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 35: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  32. ^ حسين علي حمد. قاموس المذاهب والأديان. ص 71: دار الجيل/بيروت. CS1 maint: location (link)
  33. ^ http://www.maaber.org/forth_issue/theosophy.htm#_ftn1 نسخة محفوظة 2020-04-12 على مسقط واي باك مشين.
  34. ^ مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص35: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  35. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص36: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  36. ^ مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 37: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  37. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 37-38: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  38. ^ Faivre 1994، صفحة 24.
  39. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 39: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  40. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 40-41: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  41. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 41-42: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  42. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص42: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  43. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 42: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  44. ^ خزعل الماجدي (الطبعة الأولى: 2016). فهم الأديان: تاريخه، مكوناته، مناهجه، أعلامه، حاضره، مستقبله. ص 466: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. CS1 maint: location (link)
  45. ^ Campbell 1980، صفحة 61.
  46. Campbell 1980، صفحة 53.
  47. Campbell 1980، صفحة 54.
  48. ^ Campbell 1980، صفحات 55–56.
  49. ^ Campbell 1980، صفحة 55.
  50. Introvigne 2018، صفحة 212.
  51. ^ French 2000، صفحة 609.
  52. Campbell 1980، صفحة 36.
  53. ^ Campbell 1980، صفحة 37.
  54. ^ Campbell 1980، صفحات 37–38.
  55. ^ خزعل الماجدي (الطبعة الأولى: 2016). فهم الأديان: تاريخه، مكوناته، مناهجه، أعلامه، حاضره مستقبله. ص 465: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. CS1 maint: location (link)
  56. ^ خزعل الماجدي (الطبعة الأولى: 2016). فهم الأديان: تاريخه، مكوناته، مناهجه أعلامه، حاضره مستقبله. ص466: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. CS1 maint: location (link)
  57. ^ خزعل الماجدي (الطبعة الأولى: 2016). فهم الأديان: تاريخه، مكوناته، مناهجه أعلامه، حاضره مستقبله. ص:465: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. CS1 maint: location (link)
  58. ^ خزعل الماجدي (الطبعة الأولى: 2016). فهم الأديان: تاريخه، مكوناته، مناهجه أعلامه، حاضره مستقبله. ص:466: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. CS1 maint: location (link)
  59. ^ أفييرينوس, ديمتري. "الحكمة الإلهية ومبادئها الأساسية الثلاثة مدخل إلى دراسة العقيدة السرية". معابر. مسقط معابر. مؤرشف من الأصل في 13 أبريل 2020. اطلع عليه بتاريخ 13 أبريل 2020.
  60. ^ Dixon 2001، صفحات 3–4.
  61. ^ يعقوب صروف، فارس نمر. مجلة المقتطف: جريدة فهمية صناعية زراعية. مجلد 17، لسنة: 1893. ص 529-530. CS1 maint: location (link)
  62. ^ خزعل الماجدي (الطبعة الأولى: 2016). فهم الأديان: تاريخه، مكوناته، مناهجه أعلامه، حاضره مستقبله. ص 472: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. CS1 maint: location (link)
  63. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 44-45: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  64. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 45: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  65. ^ عصمت نصار. مراجعات فلسفية في الفكر العربي الحديث. ص 45: نيوبوك للنشر والتوزيع. CS1 maint: location (link)
  66. ^ أفييرينوس, ديمتري. "مبادئ الثيوصوفيا". مسقط معابر. مؤرشف من الأصل في 13 أبريل 2020. اطلع عليه بتاريخ 13 أبريل 2020.
  67. ^ أفييرينوس, ديمتري. "المبدأ الأساسي الأول". معابر. مؤرشف من الأصل في 13 أبريل 2020. اطلع عليه بتاريخ 13 أبريل 2020.
  68. ^ أفييرينوس, ديمتري. "المبدأ الأساسي الثالث". معابر. مؤرشف من الأصل في 13 أبريل 2020. اطلع عليه بتاريخ 13 أبريل 2020.
  69. ^ أفييرينوس, ديمتري. "المبدأ الأساسي الثالث". معابر. مؤرشف من الأصل في 13 أبريل 2020. اطلع عليه بتاريخ 13 أبريل 2020.

وصلات خارجية

  • مـكـتبة الثيوصوفية الاكترونية
  • تاريـخ الثيوصوفية
  • الثيوصوفية الحديثة
  • بحث مشروح عن الثيوصوفيا
تاريخ النشر: 2020-06-01 20:45:47
التصنيفات: ثيوصوفية, حركات دينية جديدة, روحانيات, فلسفة دينية, كتب فلسفية, مدارس الفكر الروحانية, هيلينا بتروفنا بلافاتسكي, صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, CS1 maint: location, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, CS1: long volume value, صفحات بها وصلات إنترويكي, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P227, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, بوابة كتب/مقالات متعلقة, بوابة الأديان/مقالات متعلقة, بوابة البوذية/مقالات متعلقة, بوابة الهندوسية/مقالات متعلقة, بوابة علم الأساطير/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

القباج: دعم مصري كامل للبنان الشقيق تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:58
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

«النقابة» تقيم حفلا لأعضاء هيئة التمريض المتقاعدين في بورسعيد

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:18:03
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

تداول 68139 طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:49
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

الجولة الثانية للمشاورات السياسية بين مصر ولاتفيا بعد عامين

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:18:02
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

الكركارات.. إجهاض محاولة لتهريب أزيد من طنين من مخدر الشيرا

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:18:36
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 67%

طه إسماعيل: ما حدث مع الأهلي «خيانة»

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:37
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 48%

إنشاء أول قاعدة بيانات علمية قومية عن أمراض العيون في مصر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:55
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

القوى العاملة: تعيين 852 منهم 7 «قادرون باختلاف» في قنا

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:18:00
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

غدًا .. آخر موعد لقبول طلبات وظيفة أخصائي خدمات مالية بالوادي الجديد

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:59
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 51%

ختام البرنامج التدريبي المشترك لمعهد بحوث البترول

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:50
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 53%

استقبال 63 ألف طن قمح فرنسي بميناء سفاجا

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:51
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 51%

تغييرات بالجملة في تشكيل الأهلي المتوقع لمباراة المصري بالسلوم

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:38
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 47%

اليوم إعلان الكشوف الأولية بأسماء المرشحين لمجالس إدارة 29 نقابة عامة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:57
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 59%

«الشيوخ» يواصل مناقشة خطة التنمية ..ويحيل 9 اقتراحات جديدة للحكومة‎‎

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-12 12:17:52
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 69%

تحميل تطبيق المنصة العربية