دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي (نحو30 ق هـ - 592م / 50 هـ - 670م) صحابي مشهور، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام. شهد غزوة أحد وما تلاها من غزوات الرسول محمد. وكان تاجرًا غنيًا، ويضرب به المثل في حسن الصورة.

بعثه الرسول محمد برسالته إلى القيصر هرقل إمبراطور الإمبراطورية الرومانية يدعوه إلى الإسلام. وحضر كثيرًا من الوقائع في فتوح الشام، وشهد معركة اليرموك فكان على كردوس. وشارك في فتح دمشق، وبعثه يزيد بن أبي سفيان إلى تدمر، فصالح أهلها على صلح دمشق. وتولى إمرة تدمر، ثم هبط دمشق، ووفد سنة 40 هـ الكوفة على الخليفة علي بن أبي طالب، وسكن المزة وتوفي ودُفن بها في خلافة معاوية بن أبي سفيان.

النسب

• هو: دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج، وهوزيد مناة بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن بن ثور بن كلب.
• أخته: شراف بنت خليفة بن فروة: قيل حتى النبي محمد تزوجها ولم يدخل بها.
• زوجته: درة بنت أبي لهب.

إسلامه

كان دحية من السابقين الأولين إلى الإسلام قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، والظاهر أنه سمع وهوبمنطقته في دومة الجندل بأمر ودعوة النبي محمد بمكة، فسار إليه، وأسلم، ثم عاد إلى منطقته ببلاد كلب يدعوإلى دين التوحيد، وفي ذلك نطق ابن سعد: «وأسلم دحية بن خليفة قديمًا، ولم يشهد بدرًا». واتى في الموسوعة العربية: «دحية بن خليفة بن فروة الكلبي، صحابي مشهور من السابقين الأولين إلى الإسلام».

ثم هاجر إلى المدينة المنورة وأخذ مكانه في الصفوف الأولى بين أصحاب رسول الله منذ أوائل السنة الثالثة للهجرة، وفي ذلك نطق القرطبي: «دحْية بن خليفة: كان من كبار الصّحابة». ومما يشير على زمن هجرته في سنة ثلاثة هـ أنه لم يشهد غزوة بدر - سنة 2 هـ - ولكنه كان من الصحابة الذين شهدوا غزوة أحد - في شوال ثلاثة هـ - وما بعدها من المشاهد، نطق ابن كثير: «دحية بن خليفة الكلبي: صحابي جليل، كان جميل الصورة...أسلم قديما ولكن لم يشهد بدرا، وشهد ما بعدها». لقد هاجر دحية الكلبي من دومة الجندل إلى رسول الله بالمدينة المنورة في السنة الثالثة للهجرة، وكان ممتطيا صهوة بغلته البيضاء، وكان إذا ولج المدينة لم تبق فتاة إلا خرجت تنظر إليه لأنه كان أحسن الناس صورة وجمالا وجلالا، وفي ذلك نطق ابن قتيبة: «كان دحية إذا قدم المدينة، لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه»، وعلق المضىي قائلًا: «ولا ريب حتى دحية كان أجمل الصحابة الموجودين بالمدينة».

وكان دحية الكلبي من الصحابة المدافعين عن الدعوة النبوية، فقد شهد مسقطة أحد، وغزوة بدر الآخرة، وغيرهما من المشاهد مع رسول الله، ومع زید بن حارثة، وفي ذلك نطق الواقدي: «وشهد دحية مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، المشاهد كلها بعد بدرٍ». ولما حشدت قريش أحلافها من الحجاز ونجد لغزوالمدينة المنورة في شوال سنةخمسة هـ في غزوة الخندق، كان دحية بن خليفة من الصحابة المهاجرين الذين تصدّوا لقريش في المعركة، إذ إنه في غزوة الخندق: كان لواء المهاجرين بيد زيد بن حارثة ولواء الأنصار بيد سعد بن عبادة، فكان ممن شهد الخندق من الصحابة المهاجرين بقيادة زيد بن حارثة: دحية بن خليفة، وحمل بن سعدانة، وأسامة بن زيد بن حارثة وغيرهم، وقد انسحبت قریش وأحزابها من المدينة، ورجع رسول الله إلى منزله يوم الخندق. نطقت عائشة بنت أبي بكر: «رجع النبي يوم الخندق، فبينا هوعندي إذ دق الباب، فارتاع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج، فخرج في إثره، فإذا رجل على دابة والنبي متكئ على مَعْرفَة الدابة يحدثه، فرجع فلما ولج قلت: من ذلك الرجل الذي كنت تکلمه،يا ترى؟ نطق: ورأيته،يا ترى؟ قلت: نعم. نطق: بمن تشبهينه،يا ترى؟ قلت: بدحية بن خليفة الكلبي. نطق: ذاك جبريل، أمرني حتى أمضي إلى بني قريظة».

وتروى مصادر السيرة النبوية حتى بنوقريظة قد تآمروا وحاولوا الغدر بالنبي والمسلمین بالمدينة، واتفقوا على ذلك مع قريش في أيام الخندق، فلم يتمكنوا من ذلك، فلما انسحبت قریش والأحزاب، أتى جبريل في صورة دحية الكلبي وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمسير لقتال بني قريظة، فأمر رسول الله المسلمین بالمسير إلى بني قريظة، فسار رسول الله إلى بني قريظة وذلك لسبع بقين من ذي القعدة سنة خمس للهجرة. واتى في السيرة النبوية لابن هشام: «ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه بالصورين قبل حتى يصل إلى بني قريظة، فنطق: هل مر بكم أحد،يا ترى؟ نطقوا: يا رسول الله، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي، على بغلة بيضاء عليها رحالة، عليها قطيفة ديباج. فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك جبريل، بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم»، ونطق أبوالعباس المبرد: «ثم مر دحيه بعد ذلك».

بعثه إلى دومة الجندل

كان لدحية بن خليفة الكلبي دور أساسي في إسلام الذين بدومة الجندل من قبيلة كلب القضاعية في السنة السادسة للهجرة، وذلك حتى القبيلة كانت تسكن منطقة دومة الجندل وما يليها من تبوك بأعالي الحجاز إلى أداني الشام، نطق أبوالفداء: «وكانت بنوكلب في الجاهلية ينزلون دومة الجندل وتبوك وأطراف الشام.»

وقد بعث رسول الله دحية الكلبي إلى قبيلة كلب بدومة الجندل - في الفترة ما بين جمادی الثاني وشعبانستة هـ - واتى في الطبقات الكبرى: «بعث رسول الله، دحية الكلبي سرية وحده». وبما أنه كان وحده فلا يمكن حتىقد يكون سرية حربية، وإنما كان مبعوثًا من رسول الله لدعوة قبيلة كلب بدومة الجندل إلى الإسلام، وهم بنوعلیم بن جناب، وبنوزهیر بن جناب، وبنوعدي بن جناب، فاستجاب لدحية بنوعليم وبنوزهیر بن جناب، وكان رئيسهم: حارثة بن قطن بن زابد بن حصن بن کعب بن علیم بن جناب الكلبي، وابنه قطن بن حارثة الكلبي، فأسلما مع قومهما، ووفد حارثة بن قطن الكلبي وكذلك ابنه قطن بن حارثة إلى رسول الله بالمدينة المنورة، وهما من الصحابة، وخط رسول الله كتاب عهد لحارثة بن قطن وطوائف کلب بدومة الجندل. وقد شهد على الكتاب دحية بن خليفة الكلبي.

وأما عشيرة بني عدي بن جناب فكانوا يدينون بالنصرانية وكان رئيسهم مسيحيًّا وهوالأصبغ بن عمروبن ثعلبة بن حصين بن ضمضم بن عدي بن جناب الكلبي، فبعث إليهم رسول الله سرية حربية بقيادة عبد الرحمن بن عوف فغزاهم - في شعبانستة هـ - ثم استجاب الأصبغ بن عمروبن ثعلبة إلى الإسلام - الذي كان دحية قد تجاوز حتى نادىه إليه - وبقي الكثير من قومه بني عدي على المسيحية وأقاموا على إعطاء الجِزية، وتزوج عبد الرحمن بن عوف بابنة الأصبغ وهي تماضر بنت الأصبغ أم أبوسلمة بن عبد الرحمن بن عوف.

وقد كان إسلام قبيلة كلب الذين بدومة الجندل في السنة السادسة للهجرة قوة للإسلام والمسلمين، فقد أخذ العشرات من فرسان ورجال قبيلة كلب أماكنهم في الصفوف المؤمنة مع أصحاب رسول الله له وكانوا في جيش رسول الله لما سار رسول الله في غزوة الحديبية، والتي تم فيها الصلح والمهادنة بين رسول الله وقريش في ذي القعدةستة هـ. وكان لدحية الكلبي دور في إسلام بني الضبيب من قبيلة جذام فيما يلي دومة الجندل وتبوك بأعالي الحجاز إلى آيلة (العقبة)، وكان أولهم إسلاما رفاعة بن زيد الضبيبي الجذامي وحسان بن ملة الضبيبي بعد صلح الحديبية في أواخر السنة السادسة، واتى في نبأ مرور دحية بأرض جذام عند عودته من مسيرة إلى هرقل بالشام - في جمادی الثانيسبعة هـ - أنه: «وقد كان حسان بن ملة الضبيبي قد صحب دحية ابن خليفة الكلبي قبل ذلك، عملمه أم الكتاب». ويدل ذلك على حتى دحية كان له دور في إسلام بني الضبيب الجذاميين ما بين صلح الحديبية وغزوة خيبر في مطلع سنةسبعة للهجرة.

بعث دحية إلى هرقل

ولقد كان من أجل وأخلد المواقف في سيرة دحية بن خليفة الكلبي حين بعثه الرسول محمد إلى القيصر هرقل إمبراطور الإمبراطورية الرومانية، ولذلك وصفته تراجم الصحابة وخط التاريخ بأنه «رسول رسول الله إلى هرقل ملك الروم»، واتى ذكره في كتاب الوثائق السياسية بلفظ:«دحية الكلبي سفیر النبي عليه السلام إلى هرقل». وقد أجمعت خط السيرة النبوية والمصادر التاريخية على حتى بعث دحية إلى هرقل كان بعد صلح الحديبية، وقد كان صلح الحديبية في ذي القعدةستة هـ، ورجع النبي والمسلمون من الحديبية إلى المدينة المنورة واستقروا بها - في ذي الحجةستة هـ - وبالتاليقد يكون زمن بعث دحية الكلبي في أوائل سنةسبعة هـ، وبالذات بعد العودة من غزوة خيبر - في صفرسبعة هـ - فيكون بعث دحية في شهر ربيع سنةسبعة هـ، وقد بعثه الرسول محمد مرة ثانية إلى هرقل، حيث اتى في مسند أحمد أنّه نطق: «قدم رسول الله في تبوك، فبعث دحية الكلبي إلى هرقل».

وكانت تبوك في رجبتسعة هـ، وليس هنالك تعارض بين التاريخين، إذ إننا أمام بعثين لدحية إلى هرقل، أولهما - في ربيعسبعة هـ - وثانيهما - في رجبتسعة هـ - ويؤكد ذلك وجود صيغتين لرسالة النبي إلى هرقل، وبتعبير أصح وجود رسالتين، لأن النبي خط إليه مرتين، وكان دحية هورسول النبي وفي المرتين مما يتيح وصفه بالسفير وقد اختاره رسول الله لتلك المهمة الكبيرة لأنه كان ذا شخصية فذة فقد كان أوسم وأحسن الناس صورة وله مهابة وبهاء، وهومن السابقين إلى الإسلام ومن كبار الصحابة فهوعارف بتعاليم الإسلام وبالقرآن والسنة فهم تتيح له تبيين ما قد يستلزم التبيين من أمور، ومناقشة ما قد يطرأ من نقاش بعد تسليم الرسالة، وربما كان يعهد أيضا اللغة السريانية فقد كانت السريانية الآرامية لغة الديانة المسيحية التي كانت منتشرة في القبائل العربية الشمالية ومنها قبيلة كلب التي كان فيها من يدين بالمسيحية سواء في دومة الجندل أوتبوك كما كانت السريانية منتشرة بالشام.

وقد شهد دحية بن خليفة غزوة خيبر في صفرسبعة هـ، ثم مضى من المدينة المنورة في ربيعسبعة هـ - وفي رواية الواقدي في محرمسبعة هـ - إلى بصرى ثم إلى مدينة حمص التي فيها كان يقيم القيصر هرقل إمبراطور الروم حينماقد يكون في الشام، نطق الواقدي: «فأخذ دحية كتاب رسول اللّه وتوجه إلى بصرى؛ لأن النبيّ أمره حتى يدفع الكتاب إلى عظيم بصرى وهوالحارث ملك غسان ليدفعه إلى قيصر. ولما انتهى دحية إلى بصرى كان حينئذ عظيم بصرى في حمص، فبعث رجلًا مع دحية ليبلغه إلى قيصر وقيصر ذاهب إلى إيليا؛ وهوبيت المقدس، لأنه لما كشف اللّه عنه جنود فارس سار من حمص إلى إيليا - شكرا للّه عز وجل - فيما أولاه من ذلك». وصل أخيرًا دحية من حمص إلى إيليا حيث كان هرقل فيها آنذاك، وقد وقف دحية بين يدي هرقل في بلاط قصره بحمص يقرأ - بثبات - الرسالة النبوية التي اتى حاملا إياها، وفيما يلي نصها الذي ورد في سليم البخاري: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدی. أما بعد: فإني أدعوك بنادىية الإسلام. أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى حدثة سواء بيننا وبينكم حتى لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط وأمر بنا فأخرجنا».

وتضيف بعض الروايات حتى هرقل أمر لدحية بمال وكسوة - وهوما يعمله الملوك غالبًا - ثم إذا دحية عاد من الشام في جمادى الأولسبعة هـ ومر بمنطقة جذام في أعالي الحجاز - صحراء حسمى - قاصدًا المدينة المنورة، وكان معه ما أجازه له هرقل من مال وكسوة، فأغار عليه الهنيد بن غوص وعشيرته الضلعيون، وفي ذلك اتى في الطبقات الكبرى أنه: «أقبل دحية بْن خليفة الكلبي مِن عند قيصر وقد أجازه وكساه. فلقيه الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد في ناس من جذام بحسمى. فبتروا عليه الطريق فلم يهجروا عليه إلا سمل ثوب. فسمع بذلك نفر مِن بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه». فمضی دحية الكلبي حتى قدم على رسول الله بالمدينة المنورة. فأبلغه بنتائج لقائه مع هرقل عندما سلمه کتاب رسول الله، كما أبلغه بحادثة بتر الطريق التي تعرض لها في أرض حسمى، فبعث رسول الله زید بن حارثة في خمسمائة رجل من الصحابة ومعه دحية الكلبي إلى أرض حسمى - بأعالي الحجاز - وذلك في جمادی الثاني سنة سبع للهجرة، فتم القضاء على الهنيد وعصابته. وتثبيت سلطة الإسلام في تلك المنطقة من أرض جذام.

سرية حسمى

بعث الرسول محمد دحية بن خليفة وزيد بن حارثة على سرية إلى حسمى في جمادى الآخرة من السنة السابعة الهجرية. وسبب بعث هذه السرية، نطق صاحب `عيون الآثار: «أقبل دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر وقد أجازه وكساه فلقيه الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد في ناس من جذام بحسمى، فبتروا عليه الطريق فلم يهجروا عليه إلا سمل ثوب. فسمع بذلك نفر من بني الضبيب، فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحية على النبي فأبلغه بذلك فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية».

وقدم دحية على النبي، فأبلغه بذلك، فبعثه النبي مع زيد بن حارثة في خمسمائة رجل، ورد معه دحية. وكان زيد يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دلیل من بني عذرة، فأقبل بهم حتى هجم بهم مع الصبح على القوم، فأغاروا عليهم وقتلوا فيهم فأوجعوا، وقتلوا الهنيد وابنه، وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم، فأخذوا من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف شاة. ورحل زید بن رفاعة الجذامي في نفر من قومه إلى رسول الله، فدفع إلى رسول الله كتابه الذي كان خط له ولقومه ليالي قدم عليه فأسلم، ونطق: يا رسول الله! لا تحرم علينا حلالا ولا تحل لنا حرام، فنطق: كيف من الممكن أن أصنع بالقتلى؟، نطق أبويزيد بن عمرو: اطلق لنا یا رسول الله من كان حيا، ومن اغتال فهوتحت قدمي هاتين، فنطق رسول الله : صدق أبويزيد.

وبعث النبي علي بن أبي طالب إلى زيد بن حارثة، يأمره حتى يخلي بينهم وبين محرمهم وأموالهم، فتوجه علي، فلقي رافع بن مَكيث الجُهَنيّ - بشیر زید بن حارثة - على ناقة من إبل القوم، فردها علي على القوم، ولقي زيد بالفحلتين، وهي بين المدينة المنورة وذي المروة، فأبلغه أمر رسول الله، فرد إلى الناس جميع ما كان أخذ لهم. وكان لغزوة زيد بن حارثة إلى حسمى وما جاورها من أرض جذام نتائج وآثار إيجابية، في القضاء على قطاع الطرق، وفي تثبيت وتأكيد انضواء أرض وقبيلة جذام في إطار الدولة والسلطة، كما كان اطلاق الأساری والأموال نهجا حكيمًا في تأكيد سماحة الإسلام، فأمر زید بن حارثة الجيش برد الأسرى والأموال والإبل لرفاعة بن زيد الجذامي وأصحابه، فتم ردهم جميعا، ولما اطمأن دحية وزيد إلى استتباب الأمر في أرض جذام عاد مع جيشه إلى المدينة المنورة.

البعث الثاني إلى هرقل ملك الروم

وكان دحية بن خليفة الكلبي من كبار الصحابة الذين شهدوا غزوة تبوك مع رسول الله، وكانت تبوك في رجبتسعة هـ، وقد اتى في السيرة النبوية أنه: «قدم رسول الله تبوك، فبعث دحية الكلبي إلى هرقل». وكان ذلك هوالبعث الثاني لدحية الكلبي إلى هرقل ملك الروم، وقد بعث معه رسول الله رسالة إلى هرقل تتميز عن الرسالة الأولى التي نطق له رسول الله لي فيها: «أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين». أما الرسالة النبوية التي حملها دحية الكلبي رسول النبي إلى هرقل في رجبتسعة هـ، وقرأها دحية على هرقل في قصره بمدينة حمص، فكان نصها كما يلي: «من محمد رسول الله إلى صاحب الروم: إني أدعوك إلى الإسلام، فإن أسلمت فلك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، فإن لم تدخل في الإسلام فأعط الجزية، فإن الله تبارك وتعالى يقول: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون". وإلا فلا تحل بين الفلاحين وبين الإسلام حتى يدخلوا فيه أويعطوا الجزية». وقد نسب أهل السيرة لدحية بن خليفة إنّه نطق حيث أتى قيصر الآبيات الآتية:

وتشير بعض الروايات إلى حتى دحية أوفده إلى ضغاطر وهومن أساقفة الروم عظيم الشأن، وقد اتى في الطبقات الكبرى: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ضغاطر الأسقف: «سلام على من آمن أما على أثر ذلك فإن عيسى بن مريم روح الله وحدثته ألقاها إلى مريم الزكية وإني أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون والسلام على من اتبع الهدى». وفي رواية أخرى حتى هرقل هومن أوفد دحية إلى ضغاطر وليس النبي، وقد شُكّك بها لأن بها شيئا من المبالغة.

زواج رسول الله بأخت دحية الكلبي

وقد تزوج رسول الله بالسيدة شراف بنت خليفة الكلبي أخت دحية الكلبي ولكن لم يدخل بها. نطق ابن سعد: «لمّا هلكت خَوْلة بنت الهُذَيل، تزوّج رسول الله شَراف بنت خليفة أخت دِحْيَة ... فبعث عائشة تنظر إليها، فمضىت ثمّ رجعت، فنطق لها رسول الله: "ما رأيت؟" فنطقت: ما رأيت طائلًا. فنطق لها رسول الله: "لقد رأيت طائلًا لقد رأيت خَالًا بِخَدِّها اقشعرّت كلّ شَعْرَة منكِ". فنطقت: يا رسول الله ما دونك سِرٌّ».

ونطق الطبراني في المعجم الكبير: «شراف بنت خليفة بن فروة الكلبية أخت دحية بن خليفة، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها». بينما نطق أبوجعفر الطبري: «لم تمت عند رسول الله في حياته من أزقابل غيرها - زينب بنت خزيمة - وغير خديجة وشراف بنت خليفة أخت دحية بن خليفة الكلبي». فكانت شراف من نساء النبي وأمهات المؤمنين.

دحية في فتوح تحرير الشام

لقد كان دحية الكلبي من كبار الصحابة الذين شهدوا فتوح الشام وخاضوا غمار معاركها ضد الرومان منذ انطلاق الجيوش العربية الإسلامية إلى الشام في صفر 13 هـ، وقد شهد دحية الكلبي معركة اليرموك على رأس ألف مقاتل غالبيتهم من فرسان قبيلة كلب، وقد اتى في ترجمته بكتاب الإصابة في تمييز الصحابة أنه: «وقد شهد دحية اليرموك، وكان على كردوس»، ونطق ابن عساكر: «وشهد اليرموك وكان أميرا على كردوس، ثم سكن دمشق»، واتى في سير أعلام النبلاء: «وقد شهد اليرموك، وكان على كردوس وسكن المزة». وقد كان جيش المسلمين في مسقطة اليرموك (36,000) فقُسّموا إلى 36 کردوسًا يضم جميع كردوس ألف مقاتل، وعلى جميع کردوس أمير قائد من الصحابة، فكان دحية الكلبي واحدًا منهم، نطق الطبري: «وخرج خالد في تعبية لم تعبها العرب قبل ذلك فخرج في ستة وثلاثين كردوسا إلى الأربعين ونطق إذا عدوكم قد كثر وطغى وليس من التعبية تعبية أكثر من رأى العين من الكراديس فجعل القلب كراديس وأقام فيه أبا عبيدة وجعل الميمنة كراديس وعليها عمروبن العاص وفيها شرحبيل بن حسنة وجعل الميسرة كراديس وعليها يزيد بن أبي سفيان ...وعلى فالة خالد ابن سعيد دحية بن خليفة على كردوس».

ثم كان لدحية الكلبي إسهامات في فتح دمشق بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، واستخلف أبوعبيدة على دمشق يزيد بن أبي سفيان حينما سار إلى حمص، نطق الطبري: «بقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان من قواد أهل اليمن عدد منهم عمروبن شمر ابن غزية، وسهم بن المسافر بن هزمه، ومشافع بن عبد الله بن شافع، وبعث يزيد دحية بن خليفة الكلبي في خيل بعد فتح دمشق إلى تدمر، وأبا الزهراء القشيري إلى البنية وحوران، فصالحوهما على صلح دمشق، ووليا القيام على فتح ما بعثا عليه». وبذلك كان دحية الكلبي هوفاتح تدمر والمناطق التابعة لها وأول أمير لتدمر في الإسلام، وكانت تدمر من أعمال دمشق في إطار ولاية الشام التي شهد دحية وفرسان كلب سائر فتوحاتها ومنها فتح حمص وفتح فلسطين سنة 16 هـ.

وقد تولى دحية الكلبي إمرة تدمر وأسس عصرها العربي الإسلامي. ثم سكن مدينة دمشق، وهومن الصحابة الذين نزلوا دمشق، وفي ذلك نطق ابن كثير: «ثم شهد اليرموك، وأقام بالمزة غربي دمشق». وذلك منذ خلافة عمر بن الخطاب، وولاية يزيد بن أبي سفيان على دمشق ثم على الشام، فلما توفي يزيد - سنة 18 هـ. استخدم عمر على الشام معاوية بن أبي سفيان، فكان دحية من كبار الصحابة بدمشق وأميرًا لتدمر في خلافة عمر وولاية معاوية للشام، وقد تزوج معاوية السيدة ميسون بنت بحدل، من قبيلة كلب، فأنجبت له يزيد بن معاوية سنة 26 هـ.

وفاته

وآخر الأخبار الموثوقة والمتوفرة هي حتى دحية بن خليفة وفد سنة 40 هـ الكوفة على الخليفة علي بن أبي طالب، وكان دحية مُحبًا ومقدرا من قبل علي، وقد عاتبه الإمام علي بأبيات محب، وقد اتى في العقد الفريد: «وفد دحية الكلبي على عليّ ، فما زال يذكر معاوية ويطريه في مجلسه؛ فنطق عليّ عليه السلام»:

ولم يزل دحية بن خليفة الكلبي ساكنا بدمشق إلى حتى بلغ من الكبر عتيا، وأما وفاته فكانت سنة 50 هـ / 661م؛ كما في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم والبداية والنهاية. وفي ذلك نطق أبوالفداء: «سنة خمسين، توفي دحية الكلبي». وقد توفي ودفن في المزة، وقبره معروف فيها إلى اليوم.

المراجع