أورنكزيب عالم كير

عودة للموسوعة

أورنكزيب عالم كير أوأورانجزيب ( 1618 م - 1707 م )، هوالسلطان أبوالمظفر محيي الدين محمد أورنك زيْب عالمكير سلطان مغول الهند ، كان أورنكزيب عالم كير أخر سلاطين مغول الهند العظماء في الهند، بل يعد أعظمهم على الإطلاق. كان الابن الثالث للشاه جيهان، فلما فرض أبوه سنة 1657م، نجح في تنحية اثنين من إخوته الكبار وأخيه الأصغر، بحيث يتسنّى له حتى يحكم باسم أبيه. ثم سجنَ الرجل المريض يموت، وكان في تلك الأثناء قد بات الحاكم المطلق للهند. وقد تميّز حكم أورنكزيب عالم كير بالأزدهار، ولكن مركزه كان طوال الوقت غير مستقر لأن الكثيرين من الشخصيات المهمة كانوا على فهم بتصرّفه تجاه أسرته . وكان رزيناً، وكئيباً، ويفتقر إلى العطف[]

. ومع كونه في أفضل حالات السرور في المعسكرات مع جنوده، أوفي ساحات الوغى، فإنه لم يتقرب كثيراً منهم . وبعد حياة طويلة طردته عن العرش قبيلة المهراتا.

أورنك زيب : معناها بالفارسية "زينة المُلك". عالمكير : معناها بالفارسية "جامع زمام الدنيا أوالعالم". فهي ألقاب وليست أسماء، نطق عنه الشيخ علي الطنطاوي : " بقية الخلفاء الراشدين ".

ولادته ونشأته

ولد السلطان أورنكْ زيْب في بلدة "دوحد" في كجرات بالهند في (15 من ذي القعدة 1028هـ = 24 من أكتوبر 1619م).

نشأ في بيت عز وترف وشرف، فأبوه هو"السلطان شاه جيهان" أحد أعظم سلاطين دولة المغول المسلمين في الهند، وهوبانى مقبرة تاج محل الشهيرة التي تعد الآن من عجائب الدنيا السبع الحديثة، تم بناؤها في 20 عاماً، وعمل على إنشائها أكثر من 21.000 شخص، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هكذا صرف أبوه في آخر أيامه جميع جهده في إنشاء مقبرة لزوجته المحبوبة، وظل مفتوناً بها، فضعف أمر السلطنة، وظهرت بوادر الفتن والثورات مما اضطر أورنك زيب إلى حتى ينتزاع السلطنة من أبيه.

ظهر في "أورنك زيْب " منذ صغره علامات الجد والإقبال على الدين والبعد عن الترف والملذات، وكان فارساً شجاعاً لا يشق له غبار، ويروى في ذلك سيرة، كان مع إخوته في يوم بحضور أبيه "السلطان شاه جيهان" في احتفال وكان في الاحتفال فقرة لحلبة أفيال، فشرد فيل من الحلبة وجرى نحو"أورنك زيْب " وهوآنذاك ابن 14 عاماً، فضرب الفيل الفرس الذي يمتطيه (أورنك زيب) بخرطومه وطرح أورنك زيْب أرضاً وأقبل نحوه، فثبت أورنك زيْب في مكانه واستل سيفه وسط ذهول الناس وإكبارهم لهذا الأمير الصغير وظل يدافع عن نفسه أمام الفيل الضخم حتى اتى الحرس وطردوا الفيل.

ونشأ وترعرع محبّاً لممضى أهل السنة واستقى الدين على ممضى الإمام أبي حنيفة[] ، فنشأ وتربّى تربية إسلاميّة خالصة لا تشوبها شائبة.

فقد كان أبوجده "جلال الدين أكبر" في أواخر أيامه حمل الناس على دين حديث يجمع بين الديانة الهندوسيّة والإسلام ومنع الجزية عن الهندوس وغير المسلمين، فأتى بذلك أمراً لم يسبقه إليه أحد من سلاطين المسلمين من قبل، ولم يقم في وجه هذا السلطان أحد، وظلّ الأمر كذلك، ولكن أبى الله إلا حتى يتم نوره، فظهر هذا الرجل الضعيف الجسم، القوي الإيمان، الغيور على دينه، الشيخ الجليل أحمد السرهندي وأخذ يدعوالأمراء وقواد الجيش، وذكّرهم بالله، وأحيا في نفوسهم حميّة الدين، ولما توفي السلطان (أكبر) اتى من بعده السلطان "جهانكير"، تولّى الشيخ محمد معصوم السرهندي ابن الشيخ أحمد السرهندي تربية طفل صغير وبذل له رعايته كلّها، فنشأ نشأة دينية وقرأ القرآن فجوّده، والفقه الحنفيَّ وبرع فيه، والخط فأتقنه، ورُبّيَ على الفروسية والقتال...

فكان هذا الطفل هو"أورنك زيْب "

ونشأ محبّاً للشعر فكان شاعراً، ونشأ محبّاً للخطّ فكان خطّاطاً بارعاً، وتعلّم اللغة العربيّة والفارسيّة والهجريّة.

هكذا جمع كلّ صفات الملوك العظماء في سن صغير.

أورانك زيب أميراً

كان أورنك زيْب الأخ الثالث بين ثلاثة أبناء هم "شجاع" و"مراد بخش"، فتولّى "شجاع" إمارة البنغال وتولّى "مراد بخش" إمارة الكُجُرات، وتولّى "أورنك زيْب " إمارة الدَّكْن في وسط الهند.

فتعلّم "أورنك زيْب " الإدارة وأتقنها وسبر أغوارها فكان من ملوك المسلمين القلائل الذين برعوا في إدارة الدولة، ومع ذلك قاد الجيوش بنفسه في عهد أبيه، فقمع الثورات وطهّر البلاد وأظهر في الأرض العدل، وكانت له هيبة وسمت الملوك، وظلّ الأمر كذلك حتّى كان ما كان من وفاة أُمِّهِ "ممتاز محل" التي بوفاتها انشغل السلطان "شاه جيهان " ببناء مقبرة يُخَلِّد فيها ذكراها وصرف لذلك الأموالَ الطائلة، وحمل الناس على العمل الشاق، فأهملت السلطنة، وظهرت بوادر الفتن والثورات، ولم يكن للسطان يومها من همّ إلا النظر إلى ضريح امرأته وكان قد أمر ببناء ضريح أسود اللون له، مماثل لضريح زوجته، ولكن وثب الأخ الأكبر لأورنك زيب على أبيه فاستولى على كلّ شيء إلا الاسم فظل يحكم باسم أبيه.

ولكن كان هذا الأخ الأكبر مائلاً للدنيا، يريد إرجاع الهند على ماكانت عليه في عهد أبي جدّه "جلال الدين أكبر"، فرفض بذلك أورنك زيْب المسلم الورع التقيُّ وقام معه أخوه الآخر فاستطاع أورنك زيْب حتى يأخذ الحكم لنفسه وقمع الثورات التي شنّها إخوته عليه، وحبس أباه في حصن أجرا، وكانت له شرفة تطلّ على ضريح زوجته فكان دائم النظر إليه، وظلّ كذلك حتى مات، وبذلك أعرب أورنك زيب نفسه سلطاناً على البلاد، وكان وقتها في الأربعين من عمره. وابتدأ عهد العدل والحقّ، فقد آن الأوان حتى يرى المسلمون فيهِ ما يذكّرُهُمْ بسيرةِ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم أجمعين.

أورانك زيب سلطاناً على البلاد

لم يركن أورنك زيْب إلى الدعة والراحة بل لبس لأمة الحرب من أول يوم وظل في جهاد دام 52 سنة حتى خضعت له شبه القارة الهندية كلها من مرتفعات الهيمالايا إلى المحيط ومن بنغلاديش اليوم إلى حدود إيران.

شهدت إمبراطورية المغول الإسلامية في الهند في عهد أورنك زيْب (1658 : 1707) أقصى امتداد لها وذلك بفضل الجهود العسكرية التي بذلها السلطان أورنك زيْب حيث لم يبق إقليم من أنطقيم الهند إلا خضع تحت سيطرة السلطان، فاستطاع أورنك زيْب تحويل شبه القارة الهندية إلى ولاية مغولية إسلامية ربط شرقها بغربها وشمالها بجنوبها تحت قيادة واحدة، خاض المسلمون في عهده أكثر من 30 معركة قاد هوبنفسه منها 11 معركة وأسند الباقى لقواده.

أبطل أورنك زيْب 80 نوعا من الضرائب، وفرض الجزية على غير المسلمين بعدما أبطلها أجداده، وأقام المساجد والحمامات والخاناقات والمدارس والبيمارستانات، وأصلح الطرق وبنى الحدائق، أصبحت "دهلى " في عهده حاضرة الدنيا، وعين القضاة وجعل له في جميع ولاية نائب عنه وأعرب في الناس أنه "من كان له حق على السلطان فليحمله إلى النائب الذي يحمله إليه".

وأظهر أورنك زيْب تمسكه بالإسلام والتزامه بشرائعه، فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية مثل عيد النيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه والانحناء له، ومنع الخطب الطويلة التي تنطق لتحية السلطان واكتفى بتحية الإسلام، كما منع دخول الخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه، وروى في ذلك سيرة : أنه كان يوما خارج قصره فرأى الموسيقيين والقينات يلبسون السواد ويبكون ويحملون نعشا، فسأل ماهذا ؟، نطقوا : هذا الغناء والمعازف نمضى لدفنها، فنطق : إذن أحسنوا دفنها لئلا تقوم مرة أخرى

وحفظ السلطان القرآن الكريم كله بعد ما أصبح سلطانا، وعين للقضاة كتابا يفتون به على الممضى الحنفي، فأمر بتأليف الكتاب تحت نظره وإشرافه واشتهر الكتاب باسم "الفتاوى الهندية" أو"الفتاوى العالمكيرية" يعهده جميع طلبة الفهم.

وبنى مسجد "بادشاهى" في لاهور بباكستان الآن، المسجد الذي ظل إلى الآن شاهدا على عصر عز المسلمين وتمكينهم، وقضى على فتنة البرتغاليين في المحيط، وكان يصوم رمضان كاملا ولا يفطر إلا على أرغفة من الشعير من كسب يمينه من كتابة المصاحف لا من بيت مال المسلمين

لم يستطع حتى يحج إلى بيت الله الحرام فاستعاض بذلك حتى خط مصحفين بخط يده وأوفد واحدا إلى مكة والآخر للمدينة

وكان صاحب عبادة عظيمة، ويخضع للمشايخ ويقربهم ويستمع إلى مشورتهم ويعظم قدرهم وأمر قواده حتى يستمعوا إلى مشورتهم بتواضع شديد، حتى أنه سمع حتى نائبه بالبنغال اتخذ مثل العرش يجلس عليه فنهره وعنفه وأمره حتى يجلس بين الناس كجلوس عامتهم

وكان يصوم الإثنين والخميس والجمعة من جميع أسبوع لا يهجرهم أبدا ويأبى إلا حتى يصلى الفرائض كلها في وقتها جماعة مع المسلمين، وكان يصلى التراويح إماما بالمسلمين، ويعتكف العشر الأواخر في المسجد، فكان أعظم ملوك الدنيا في عصره.

وخصص موظفين يخطون جميع ما يقع من أحوال رعاياه ويحملونها إليه، وأبطل عادة تقديم الهدايا إليه كما كان يعمل من قبل مع أسلافه، وكان يجلس للناس ثلاث مرات يوميًا دون حاجب يسمع شكاواهم.

أهم أعماله

الأول : أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أوراتبا إلا طالبه بعمل، بتأليف أوبتدريس، لئلا يأخذ المال ويتكاسل، فيكون قد جمع بين السيئتين، أخذ المال بلا حق وكتمان الفهم !!

الثاني : أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية في كتاب واحد، يُتخذ قانونا فوضعت له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية – العالمكيرية" على الممضى الحنفي

دخل ملايين من المنبوذين في الهند في الإسلام ووقف حائلا مانع للمد الشيعى الصفوى على البلاد، وألّف كتابا شرح فيه أربعين حديثا شريفا – على غرار الأربعين النووية – وكان يخط بخطه المصاحف ويبيعها ويعيش بثمنها لما زهد في أموال المسلمين وهجر الأخذ منها !!

سيرته

أورنگزيب (بالفارسية: اورنگ‌زیب، (لقبه الكامل: السلطان الأعظم والخاقان المكرم أبومظفر محيي الدين محمد أورنگزيب بهادر عالم گير الأول، پادشاه غازي) (3 نوفمبر، 1618 – ثلاثة مارس، 1707)، ويُعهد أيضاً بلقبه الملكي الذي اختاره لنفسه عالم گير الأول (المنتصر على العالم) (بالفارسية: عالمگیر )، كان سلطان مغول الهند من 1658 حتى وفاته. وكان سادس حكام المغول بعد بابر، همايون، أكبر، جهانكير، وشاه جهان.

المولد والنشأة

ولد أورنجزيب في بلدة "داهود" في گجرات بالهند في (15 من ذي القعدة 1028هـ = 24 من أكتوبر 1619م)، ونشأ في بيت جاه وسلطان، فأبوه شاه جهان أحد سلاطين دولة الهند العظام، وأمه "أرجمند بانو" المعروفة باسم "ممتاز محل" صاحبة مقبرة "تاج محل"، إحدى روائع الفن المعماري في العالم، وبلغ من وفاء شاه جهان لهذه السيدة النبيلة حتى عزف عن الزواج بغيرها بعد وفاتها على الرغم من امتداد حياته من بعدها خمسة وثلاثين عاماً، وأقام لها هذه التحفة المعمارية التي دفنت فيها.

وقد عني شاه جهان بتربية ابنه تربية إسلامية على يد كبار الفهماء، حتى برع في كثير من العلوم الإسلامية وتبحر فيها، وأتقن الفارسية والعربية والهجرية، وشب متمسكاً بالإسلام حريصاً على الالتزام به، غيوراً عليه، وصاحب تلك الروح الفتية خبرة إدارية وعسكرية اكتسبها من خوضه المعارك مع أبيه، وتوليه شئون بعض الولايات، فلما تولى الحكم كان قد نضجت خبراته واستوت ملكاته الإدارية، فظهر أثر ذلك على الفور، وقدم لدولته على طول عمره المديد ما يشهد على ذلك من قوة وإخلاص وعزيمة وصبر، وتطلع إلى المعالي والرقي.

الصراع على الحكم

أصيب الملك "شاه جهان" أحد السلاطين العظام لدولة المغول الإسلامية في الهند بسقم عضال أقعده عن مباشرة الحكم سنة (1068هـ = 1657م)، فاستدعى "داراشكوه" أكبر أبنائه لينهض بشئون الدولة ويصرّف أمورها، فلما أمسك بزمام الحكم أخفى نبأ سقم أبيه عن إخوته الثلاثة: أورنكزيب، ومراد، وشجاع، وكان جميع منهم يحكم ولاية من مملكة أبيهم، فثاروا على أخيهم وتجهزوا لإقصائه عن الحكم، فلما أفاق أبوهم من سقمه ساءه ما عملوه، وأوفد إليهم ينصحهم بالهدوء، غير أنهم لم يلتزموا بالنصيحة، وأفقد بريق السلطان رشدهم ولبهم، فاحتكموا إلى السيف، ودارت بينهم عدة معارك أشعل ضراوتها الرغبة في الحكم والانفراد بالسلطة ولوكان ثمن ذلك آلاف القتلى من المسلمين، وتقطيع أواصر الرحم وصلة الدم بينهم، وانتهت هذه الفتنة بفوز أورنكزيب ودخوله مدينة أكرا عاصمة الدولة، فأوفد إليه أبوه المريض يهنئه بالنصر وبعث له بسيف مرصّع بالجواهر ونقش عليه اللقب الذي منحه إياه وهولقب "عالم كير" أي آخذ العالم وسيده.

صوره من سنة 1637 للإخوان (من الشمال إلى اليمين ) شجى، أورنكزيب، ومراد بكش، وهم شباب.

ولما استقر الأمر لأورنكزيب أمسك بزمام الحكم واستبد بالسلطة دون أبيه الذي وضعه في القلعة، وأحاطه بكل أنواع التقدير، دون حتىقد يكون له يد في مباشرة الدولة، وشاء الله حتى تطول مدة مكثه في هذه القلعة، فظل حبيس السقم والاعتنطق ثماني سنوات حتى قضى نحبه، غير حتى فوز أورنكزيب ودخوله إلى العاصمة لم يسلس له الحكم، وعاود إخوته منازعته ولم يدينوا له بالخضوع والطاعة، وقضى عامين في حروب معهم، حتى نجح في القضاء على خطرهم والانفراد بالحكم دون منازع، وأقام لذلك احتفالاً بجلوسه على العرش وإعلان نفسه ملكاً خلفاً لأبيه وذلك في (رمضان 1096هـ = 1659م).

إصلاح شئون الدولة

عمد أورنكزيب إلى شئون الدولة للنهوض بها بعد حتى قضى على ثورة أخيه واستتب له الحكم، وكانت البلاد تعاني من آثار القحط الذي أصابها بسبب حروب الوراثة، وما نشأ عن ذلك من اضطراب في اقتصاد الدولة، فحمل كثيراً من الضرائب التي أثقلت كاهل الناس، وشجعهم على زراعة الأراضي وعاونهم على إصلاح البور منها.

وأظهر أورنكزيب تمسكه بالإسلام والتزامه بشرائعه، فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية مثل عيد النيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه والانحناء له، كما منع دخول الخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه، وأمر بتعمير المساجد ومدها بالفهماء والوعاظ، وأجرى الرواتب عليهم وعلى طلابهم، وعني بإقامة نظام الحسبة ودعمه بما يكفل قيامه بوظيفته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت هذه السياسة ضرورية لإنقاذ الدولة مما أصابها من عوامل الضعف والتفكك، وإصلاح أحوال المسلمين بعد حتى ساد بينهم منذ عهد السلطان "أكبر" تهاون شديد في أمور العقيدة.

واتبع أورنجزيب سياسة متشددة مع الهندوس فأعاد فرض الجزية عليهم، وكان السلطان الهندي "أكبر" قد ألغاها عنهم، متمشياً مع سياسته التي أبعدها عن دائرة الدين. وفي الوقت نفسه تمتع الهندوس مع المسلمين بإلغاء الضرائب عليهم، كما أبعد طائفة كبيرة من الهندوس عن المناصب الرفيعة والوظائف الكبرى في دولته.

القضاء على الفتن والثورات

ولم تخل حياة السلطان أورنكزيب من المتاعب والحروب بل كانت حياته سلسلة مع المعارك والغزوات يقودها بنفسه أحياناً أويرسل أحد قادته بجيوشه تارة أخرى، حتى نجح في إقرار السلام في سلطنته الواسعة، فقضى على فتن البرتغاليين في المناطق الشرقية، وعلى ثورات قبائل البطهان والأفغان التي كانت تغير على حدود الهند الشمالية، وسير جيوشه إلى "قندهار" و"بدخشان" لهذا الغرض.

وثار عليه الهندوس وانضم إليهم طائفة الستناميين وهم متصوفة الهندوس، والراجبوتيون، ولم يتغلب على هذه الثورات إلا بعد حروب طويلة وخسائر فادحة، وطالت الحروب بينه وبين جماعة "المرهتها" وهي جماعة من الطبقات الدنيا في المجتمع الهندي يقودها "شيواجي بن شاهجي"، وكانت تسعى إلى إنشاء ما أسمته "مهاراشترا" أي المملكة الهندية الكبرى، وكان مقامها في الدكن، وظل أورنجزيب يحاربها عشرين عامًا، ويرسل الجيوش إلى أماكن نفوذها وثوراتها حتى ألحق بها خسائر فادحة، بعد حتى أثارت القلاقل وخربت القرى وهدمت المساجد، حتى نجح في القضاء عليها سنة (1097هـ=1686م)، واسترد منها بيشاور، واستولى على "راج كره" عاصمة دولة مرهتها.

وبانتهاء هذه الفتنة وما سبقها من ثورات وقلاقل نجح السلطان أورنجزيب في إحكام قبضته على شبه القارة الهندية بعد جهاد دام ستة وعشرين عامًا.

الامبراطور أورنكزيب يجلس على عرش من المضى، ويحمل في يده صقراً

علاقاته مع الإنجليز

كان الإنجليز في عداء مع المرهتها فاستعان أورنكزيب بهم في حروبه معهم، وكافأهم على ذلك بفتح وكالات تجارية في الهند تشرف على مراكزهم التجارية، واستغل الإنجليز هذه السماحة فمدوا نفوذهم إلى بومباي بالساحل الغربي، وعمدوا إلى مناهضة الدولة، فاستولى أورنكزيب على مراكزهم وأموالهم، لكنه تراجع وسمح لهم بالعودة؛ نظراً لما كانت تجبيه الدولة منهم من رسوم، فأنشئوا مركزاً صغيراً عند قرية تسمى "كلكتا"، وأخذت هذه القرية تتسع حتى أصبحت عاصمة الإمبراطورية الهندية البريطانية قبل أنتنطق العاصمة إلى "دلهي". ووحد الإنجليز جهودهم التجارية على ساحل الهند في شركة واحدة هي شركة الهند الشرقية، وخلال نصف قرن حرصوا على البعد عن التدخل في أمور الدولة الداخلية حتى ثبتت أقدامهم في البلاد.

ولم يكن يدري السلطان بما أقدم عليه من سماحة وتساهل مع الإنجليز أنه يمهد الطريق لهم للاستيلاء على الهند جملة، وهم الذين لم يتورعوا عن أحط السبل وأدناها للاستيلاء على هذه البلاد وتحقيق أطماعهم.

إسهاماته الحضارية

في وقت لاحق من حياته، كان أورنكزيب يصور نفسه دائماً على أنه إنسان متواضع برأس محنية في جميع لوحاته.

تميز عهد أورنكزيب بإضفاء الصبغة الإسلامية على شئون الحياة، حيث كان مسلماً مخلصاً، ملتزماً بأحكام الإسلام، عني بإقامة المساجد الكبيرة، ولا يزال المسجد الذي بناه في لاهور المعروف بـ"مسجد بادشاه" قائماً حتى اليوم شاهداً على حضارة عصره، وازدهار دولته. ولم يكتف بإنشاء المساجد بل عمرها بالفهماء وطلبة الفهم والخطباء والوعاظ؛ وازدهر التعليم في عهده، فكثرت المدارس على نحولم يسبق له مثيل من قبل، وأنشأ دوراً للعجزة والمستشفيات وأقام الحمامات والاستراحات لأبناء السبيل.

وعهد أورنجزيب إلى جانب مقدرته الحربية اشتغاله بالفهم، فتحت إشرافه وبأمره ألّفت الهند موسوعة قيمة في الفقه الحنفي عهدت باسم "الفتاوى الهندية" أوالعالمكيرية قام بإعدادها نخبة من كبار الفقهاء الأحناف، ولم يمض على ظهورها أكثر من قرن حتى طبعت بمصر سنة (1282هـ=1865م) وبحاشيتها كتابان من أبرز المصادر التي اعتمدت عليها، وهما: الفتاوى الخانية، والفتاوى البزازية.

أورنكزيب في التاريخ

القرن السابع عشر مسجد بادشاه بناه الامبراطور المغولي أورنكزيب في لاهور
واحدة من البوابات الثلاث عشرة في قلعة الباكستان، بناها الامبراطور المغولي أورنكزيب

ينظر المسلمون إلى هذا السلطان نظرة إجلال وتقدير ؛ لجليل أعماله والتزامه قبل غيره بشرائع الإسلام، وحرصه على نشر الإسلام، وقد جر عليه هذا حقد المؤرخين الأوروبيين والهنود فرموه بالتعصب والبعد عن السماحة، نظرًا لجهاده الطويل ضد طوائف الهندوس، وهذا الاتهام غير سليم ؛ لأنه لم يحارب تلك الطوائف إلا لخروجها على النظام وإثارتها للفتن والقلاقل لا ليرغمها على التخلي عن عقائدها، وكما حاربها وقاتلها قاتل غيرها من المسلمين لخروجهم عن طاعته وإعلانهم التمرد والعصيان، بل إنه قاتل إخوته من أجل الاستقرار.

وإذا كان قد اتبع سياسة متشددة مع الهندوس وأعفى كثيراً منهم من مناصبهم، فالمعروف أنه استعان بهم وبالراجبوت والمرهتها في كثير من المناصب المهمة، بل إذا بعض قادة جيوشه كانوا من الهندوس، ولوكان متعصباً لهدم كثيراً من المعابد القديمة في الهند. وعندما فهم أنه في ملتان وثاتا، ولا سيما في فاراناسي، حتى تعاليم البراهمة الهندوسية قد جذبت الكثير من المسلمين. وأمر حكام هذه المحافظات بهدم مدارس ومعابد غير المسلمين. وأمر أورنكزيب عالم كير حكام المحافظات بمعاقبة المسلمين الذين يرتدون ملابس غير المسلمين. وكان لأحداث مثل إذا إعدام الصوفي سرمد كاشاني والغوروالسيخي التاسع تيج باهادور يشهدان على سياسة أورنكزيب عالم كير الدينية؛ وقام أورنكزيب عالم كير في حملات قسرية للتحول إلى الإسلام.

لكن سعي أورنكزيب إلى جعل الهند وحدة إسلامية واتباع سياسة ملتزمة بتعاليم الإسلام، وفرض الجزية على غير المسلمين هوالذي خلق له هذه المتاعب، وألّب عليه هذه القوى، فقابلها بعزيمة وإيمان حتى فرض سيطرته على شبه القارة الهندية، غير حتى هذا البناء الذي أقامه لم يجد من حلفائه من يحافظ عليه ويقويه، فضعف وانهار، وسقط في قبضه الإنجليز الذين كانوا ينتظرون هذه الفرصة.

وفاته

توفي السلطان في (28 من ذي القعدة 1118 هـ= 20 من فبراير 1707م) بعد حتى حكم 52 سنة، وكان قد بلغ من تقواه أنه حين حضرته الوفاة أوصى بأن يُدفن في أقرب مقابر للمسلمين وألا يعدوثمن كفنه خمس روبيات !!

بذلكقد يكون عمر السلطان حين وفاته 90 سنة !!، ولم يمنعه سنه بقيادة الجيوش أوقراءة القرآن، هكذا كانوا أجدادنا، لم يركنوا إلى الدعة والراحة بل كانت حياتهم كلها لله، وبوفاة السلطان أبوالمظفر محى الدين محمد أورنك زيْب عالمكير، انتهت عظمة دولة المسلمين في الهند فاتى من بعده حكاما ضعافا وظل الأمر كذلك حتى انتهت تماما بسقوط آخر سلطان "بهادر شاه الثانى " عام 1857 بواسطة الإنجليز، ولم تقم للإسلام قائمة منذ ذلك الزمن في تلك البلاد الشاسعة.

يذكر لأورنكزيب أنه عيّن في جميع ولاية نائباً له، وأعرب في الناس أنه "من كان له حق على السلطان فليحمله إلى النائب الذي يحمله إليه" وخصص موظفين يخطون جميع ما يقع من أحوال رعاياه ويحملونها إليه، وأبطل عادة تقديم الهدايا إليه كما كان يعمل من قبل مع أسلافه، وكان يجلس للناس ثلاث مرات يوميًا دون حاجب يسمع شكاواهم.

وكان يحيا حياة زاهدة متقشفة، فقضى على الأبهة والفخامة التي كانت تحيط بالملك في قصره، وألغى المبالغات المخالفة للشرع في استقبال السلطان وتحيته، واكتفى بتحية الإسلام، وبلغ من تقواه أنه حين حضرته الوفاة أوصى بأن يُدفن في أقرب مقابر للمسلمين وألا يعدوثمن كفنه خمس روبيات، وتوفي السلطان في (28 من ذي القعدة 1118 هـ الموافق لـ 20 من فبراير 1707م) بعد حتى حكم 52 سنة، تاركاً ذكرى عطرة لحاكم مسلم لم تشغله دنياه وحروبه المتوالية عن دينه وآخرته، فكان إمبراطوراً لم تشهد الهند مثله في اتساع ملكه وصلاح خلقه، وحسن سيرته وسريرته.

معرض صور

مراجع

  1. ^ "معلومات عن أورنكزيب عالم كير على مسقط d-nb.info". d-nb.info. مؤرشف من الأصل في 01 يناير 2020.
  2. ^ أورنكزيب عالم كير على إذا إن دي بي
  3. ^ "معلومات عن أورنكزيب عالم كير على مسقط britannica.com". britannica.com. مؤرشف من الأصل في 28 مارس 2019.
  4. ^ Mukhia, Harbans (2004). The Mughals of India. صفحة 25. ISBN . learnt that in Multan and Thatta in Sind, and especially at Varanasi, Brahmins attracted a large number of Muslims to their discourses. Aurangzeb ... ordered the governors of all these provinces 'to demolish the schools and temples of the infidels'.
  5. ^ Claude Markovits. A History of Modern India, 1480-1950. Anthem Press.
  • https://web.archive.org/web/20180714172531/https://islamonline.net/
  • Captive Princess-Zeb-un-Nissa, Annie Krynicki Kreiger pub by Oxford University Press
  • Essays on Islam and Indian History, Richard M. Eaton. Reprint. New Delhi, Oxford University Press, 2002 (ISBN 0-19-566265-2). -- Eaton's essay "Temple Desecration and Indo-Muslim States", which attempts to comprehend Aurangzeb's motivation in destroying temples, has generated much recent debate
  • The Peacock Throne, Waldemar Hansen (Holt, Rinehart, Winston, 1972). -- a very British accounting of Aurangzeb's reign, but filled with excellent references and source material
  • A Short History of Pakistan, Dr. Ishtiaque Hussain Qureshi, University of Karachi Press.
  • Delhi, Khushwant Singh, Penguin USA, Open Market Ed edition, February 5, 2000. (ISBN 0-14-012619-8)
  • صانعوالتاريخ - سمير شيخاني .

انظر أيضا

  • إمبراطورية مغول الهند
  • زيب النساء
  • قائمة سلاطين مغول الهند

وصلات خارجية

  • Quran hand-written by the emperor- بي بي سي
  • Article on Aurganzeb from MANAS group page, جامعة كاليفورنيا
  • Aurangzeb: Bad ruler or bad history?
  • Aurangzeb- بي بي سي
  • The Tragedy of Aureng-zebe Text of جون درايدن's drama, based loosely on Aurangzeb and the Mughal court, 1675
  • Legends on Indian Coins
  • [1]
سبقه
شاه جهان
سلطان مغول الهند

1659–1707

تبعه
بهادر شاه الأول


تاريخ النشر: 2020-06-02 00:24:32
التصنيفات: وفيات 1707, مواليد 1618, سلاطين مغول الهند, أحناف, أشخاص من أغرة, أشخاص من مقاطعة داهود, تيموريون, ماتريدية, مجددون, مسلمون سنة, مسلمون هنود, ملوك هنود من القرن 17, ملوك هنود من القرن 18, مواليد 1027 هـ, مواليد في داهود, هنود من أصل إيراني, وفيات 1118 هـ, صفحات تستخدم خاصية P18, صفحات بها بيانات ويكي بيانات, مواليد 4 نوفمبر, صفحات تستخدم خاصية P3373, صفحات تستخدم خاصية P106, صفحات تستخدم قالب:صندوق معلومات شخص مع وسائط غير معروفة, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P214, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P213, صفحات تستخدم خاصية P227, صفحات تستخدم خاصية P906, صفحات تستخدم خاصية P268, صفحات تستخدم خاصية P245, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, بوابة الإسلام في الهند/مقالات متعلقة, بوابة أفغانستان/مقالات متعلقة, بوابة بنغلاديش/مقالات متعلقة, بوابة باكستان/مقالات متعلقة, بوابة السياسة/مقالات متعلقة, بوابة الهند/مقالات متعلقة, بوابة أعلام/مقالات متعلقة, بوابة ملكية/مقالات متعلقة, بوابة دولة المغول الهندية/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات بها شريط بوابات بأكثر من 10 بوابات, الصفحات التي تستخدم وصلات ISBN السحرية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

طقس الأربعاء.. رياح قوية مع تناثر غبار بهذه المناطق

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:11:33
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 83%

بايدن يجدد انتقاد تصريحات ترامب حول "الناتو"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:08:53
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 88%

محافظ أسيوط يشيد بحملة “قريتي هى بيتي”

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:22:09
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

افتتاح "ألعاب المستقبل 2024" في روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:08:59
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 94%

مقابل 6 ملايين يورو.. راموس يعرض على مبابي منزلا في مدريد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:09:06
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 98%

توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:13:02
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

الخارجية الروسية: لا نلمس اهتمام واشنطن بتسوية أزمة أوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:08:54
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 86%

الانتهاء من تجهيز 9 معارض أهلا رمضان بقنا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:21:59
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 68%

ألا تجوز إذن الرحمة على كارل ماركس؟

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:09:10
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 88%

بعد حادثة الطعن في ألمانيا.. وفاة لاعب أوكراني ثان

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:09:03
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 86%

تكريم إحدى عظيمات اسوان

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-21 09:22:04
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

تحميل تطبيق المنصة العربية