الندم هوالحزن، أوشدة الحزن . وهوتعبير عاطفي لإحساس الشخص بالذنب بعد ارتكابه لعمل اعتبره الشخص عارًا أوخطأ، ويرتبط الندم بشكل وثيق بالاستياء الشخصي الناجم عن الإحساس بالذنب. والفرق بين الندم والهَمّ أنّ النّدمُ أخصُّ من الهمّ؛ لأنّ الهمّ قد يحدث بندامةٍ وبغير ندامة، ولا تكون النّدامة بغير همّ، فكلّ ندامةٍ همٌّ وليس كلّ همٍّ ندامةً، والنّدامَةُ في غالبِها عن تقصيْرٍ بخلاف الهمّ فإنّه قد يحصلُ بلا تقصيرٍ ولا سببٍ راجعٍ إلى المُصابِ به مِن حيث اختيارُه وتدبيرُه، والنّدامةُ نارٌ حطبُها الهُمُوم والمخاوفُ والأحزانُ.

الندم في النصوص الإسلامية

الندم شعور إنسانيٌّ له مسببات عديدة، إما عملُ ما يستوجب الندم، أوفوات ما يستوجب الندم، والشعور بالندم له مرارةٌ لا ينساها مَن يتجرعها، وأشد أنواع الندم هوماقد يكون على التقصير في حق الله تعالى، وفوات رحمته.

اتى في كتاب "الحاوي في تفسير القرآن الكريم": "التوبة مِن الندم، وذلك أنك قد تندم على الشيء ولا تعتقد قبحَه، ولا تكون التوبة من غير قبح، فكل توبة ندمٌ، وليس جميع ندم توبة". لذلك نجدُ حتى الله تعالى قد امتدح النفس اللوَّامة، وأقسم بها في كتابه العزيز، نطق تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾.

صور الندم في القرآن الكريم

لقد تعدَّدت صور الندم في القرآن الكريم، بدايةً من الندم على الإشراك بالله تعالى، وعدم اتباع ما اتى به الأنبياء عليهم السلام، مرورًا بالندم على موالاة الكافرين والظالمين والعصاة، انتهاءً بالندم على اقتراف المعاصي والذنوب التي توجب العذاب يوم القيامة. واستخدام لفظ "ليت" أو"يا ليت" إنما هوللتمني، ويدل -إذا استخدم لما مضى وفات- على الندم.

أ) الندم على الإشراك بالله تعالى:

نطق تعالى: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ .

ب) الندم على عدم اتباع الرسول :

نطق تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ .

ج) الندم على موالاة الكافرين والمنافقين والظالمين:

1- نطق تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ .

2- نطق تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ .

3- نطق تعالى: ﴿قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ .

4- نطق تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .

د) الندم على اتخاذ الصحبة السيئة:

نطق تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾ .

هـ) الندم على فوات الفضل والغنيمة والمكاسب:

نطق تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ .

و) الندم على التسرع في الحكم على المواقف والأشخاص دون بيِّنة:

نطق تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ .

ز) الندم على اقتراف الذنوب والمعاصي والأفعال والسلوكيات والقرارات الخاطئة:

نطق تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ .

ح) الندم على إقحام النفس في الذنوب التي تستوجب الخزي والعذاب يوم القيامة:

1- نطق تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

2- نطق تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ .

3- نطق تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ .

4- نطق تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾.

5- نطق تعالى: ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ .

6- نطق تعالى: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ .

بالتدقيق في هذه النماذج وغيرها، نجد أنها قد غطَّت معظم الجوانب التي تُقحِم صاحبها في المعاصي، التي تستوجب الندم في وقت لا ينفع فيه الندم.

في الأحاديث النبوية

1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حتى النبي نطق: ((لا حسدَ إلا في اثنتينِ: رجلٌ أعطاه اللهُ القرآنَ فهويتلوه آناءَ الليلِ (وآناءَ) النهارِ، فسمِعه رجلٌ فنطق: يا ليتَني أُوتيتُ بمثلِ ما أُوتِيَ هذا، فعملتُ فيه مثلَ ما يعملُ هذا، ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا فهويُهلكُه في الحقِّ، فنطق رجلٌ: يا ليتَني أُوتيتُ مثلَ ما أُوتِيَ هذا، فعملتُ فيه مثلَ ما يعملُ)).

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه حتى النبي نطق: ((لا تقومُ الساعةُ حتى يمرَّ الرجلُ بقبرِ الرجلِ، فيقول: يا ليْتَنِي مكانَه)).

3- وعن أبي هريرة أيضًا حتى النبي نطق: ((والَّذي نفسي بيدِهِ، لا تذهَبُ الدُّنيا حتَّى يمرَّ الرَّجلُ علَى القبرِ فيتمرَّغُ عليهِ، ويقولُ: يا ليتَني كنتُ مَكانَ صاحبِ هذا القبرِ، وليسَ بهِ الدِّينُ إلَّا البلاء)).

4- عن عائشة رضي الله عنها نطقت: نطق لي رسول الله : ((يا عائشةُ، إذا كنتِ ألمَمْتِ بذنبٍ، فاستغفِري اللهَ؛ فإنَّ التَّوبةَ مِنَ الذَّنبِ النَّدامةُ والاستغفارُ)).

5- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه حتى النبي نطق: ((كفارةُ الذَّنبِ النَّدامةُ، ولولم تُذنِبوا لأتَى اللهُ بقومٍ يُذنِبونَ لِيغفِرَ لهم)).

6- عن أنس بن مالك رضي الله عنه حتى النبي نطق: ((يُرسَلُ البكاءُ على أهلِ النارِ، فيَبْكُونَ حتى تنقطِعَ الدموعُ، ثُمَّ يبكونَ الدَّمَ، حتى يصيرَ في وجوهِهِم كهيئَةِ الأخدودِ، لوأوفدَتْ فيه السفنُ لجرَتْ)).

7- ذكر ابن بطال عن عمرَ رضي الله عنه أنه تناولَ تبنةً من الأرضِ، فنطق: يا ليتَني هذه التبنةُ، يا ليتني لم أكُ شيئًا، يا ليتَ أمِّي لم تلدني، يا ليتني كنتُ نسيًا منسيًّا، ونطق: لوكانَتْ لي الدنيا لافتديتُ بها من النارِ ولم أرَها.

بعض نماذج الندم والتوبة

إن الله يغفر الذنوب جميعًا ما لم يُشرَك به سبحانه وتعالى، ويَقبل التائبين، ويُقيل عثرات المذنبين، فلا يقنَطْ أحد من رحمة الله تعالى مهما بلغت ذنوبه؛ فرحمة الله وَسِعت كلَّ شيء، وهذه بعض من قصص توبة التائبين المشهورة.

1- امرأة ترغب فتنة الرَّبيع بن خُثيم:

"أمر قومٌ امرأةً ذات جمال بارع حتى تتعرَّض للربيع بن خُثَيْمٍ لعلها تفتِنُه، وجعلوا لها إذا عملَتْ ذلك ألف درهم، فلبِسَت أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيَّبت بأطيب ما قدرت عليه، ثم تعرَّضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها فراعه أمرُها، فأقبلت عليه وهي سافرةٌ، فنطق لها الربيع: كيف بك لوقد نزلت الحمى بجسمك، فغيَّرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف من الممكن أن بك لوقد هبط بك مَلَك الموت، فبتر منك حَبْل الوَتِين؟ أم كيف من الممكن أن بك لوسألك مُنكرٌ ونكير؟

فصرخت صرخة، فسقطت مغشيًّا عليها، فوالله لقد أفاقت، وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق".

2- سيرة توبة أبي مِحْجن الثقفي:

عن ابن سيرين نطق: "كان أبومحجن الثقفي لا يزال يُجلَدُ في الخمر، فلما أكثر عليهم سجَنوه وأوثقوه، فلما كان يوم القادسية، فكأنه رأى حتى المشركين قد أصابوا في المسلمين، فأوفد إلى أم ولد سعد -أوامرأة سعد- إذا أبا محجن يقول لك: إذا خلَّيتِ سبيله وحملتِه على هذا الفرس ودفعت إليه سلاحًا، لَيكونن أول مَن يرجع إليك إلا حتى يُقتل، فحلَّت عنه قيوده، وحمل على فرسٍ كان في الدار، وأعطي سلاحًا، ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل، فيقتله ويدق صلبه، فنظر إليه سعد فجعل يتعجب، ويقول: مَن ذاك الفارس،يا ترى؟ نطق: فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتى هزمهم الله، ورجع أبومحجن، ورد السلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان، فاتى سعد فنطقت له امرأته: كيف من الممكن أن كان قتالُكم، فجعل يخبرها ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلًا على فرس أبلق (فيه سواد وبياض)، لولا أني هجرت أبا محجن في القيود لقلتُ: إنها بعض شمائل أبي محجن، فنطقت: والله إنه لأبومحجن، كان أمره كذا وكذا، فقصَّت عليه قصته، فنادى به فحلَّ قيوده، ونطق: لا نجلدك على الخمر أبدًا، نطق أبومحجن: وأنا والله لا أشربها أبدًا، كنت آنف حتى أدعَها من أجل جَلْدِكم، نطق: فلم يشربها بعد ذلك".

3- سيرة توبة الفُضيل بن عِياض:

عن علي بن خشرم نطق: أبلغني رجل مِن جيران الفضيل بن عياض، نطق: كان الفضيل يبترُ الطريق وحدَه، فخرج ذات ليلةٍ ليبتر الطريق، فإذا هوبقافلةٍ قد انتهت إليه ليلًا، فنطق بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية، فإن أمامَنا رجلًا يبتر الطريق ينطق له: الفضيل، نطق: فسمع الفضيل، فأرعد، فنطق: يا قوم، أنا الفضيل، جُوزوا، واللهِ لأجتهدن ألَّا أعصي الله أبدًا، فرجع عما كان عليه".

وفيه أيضًا:

"روى ابن عساكر بسنده عن الفضيل بن موسى نطق: كان الفضيل شاطرًا يبتر الطريق بين أبيورد وسرخس (مدينتان بإقليم خرسان بإيران)، وكان سببُ توبته أنه عشِق جاريةً، فبينما هويرتقي الجدران إليها سمع تاليًا يتلو: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ...﴾الآية، نطق: يا رب، قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خربةٍ، فإذا فيها رفقة، فنطق بعضهم: نرتحل، ونطق قوم: حتى نصبح، فإن فضيلًا على الطريق يبتر علينا، نطق: ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ها هنا يخافونني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلتُ توبتي مجاورةَ البيت الحرام".

4- توية بشر الحافي:

وذكر غير واحد حتى بشرًا كان شاطرًا في بدء أمره، وأن سبب توبته أنه عثر رقعة فيها اسم الله عز وجل في أتون حمام فحملها وحمل طرفه إلى السماء ونطق: سيدي اسمك ههنا ملقى يداس ثم مضى إلى عطار فاقتنى بدرهم غالية وضمخ تلك الرقعة منها ووضعها حيث لا تنال، فأحيا الله قلبه وألهمه رشده وصار إلى ما صار إليه من العبادة والزهادة.

الندم من التوبة

الندم هوالركن الأعظم في التوبة، فقد صح حتى رسول نطق: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ". وليس هوالتوبة نفسها، ويتحقق الندم بلوم النفس عليه، ويتبعها من الحزن، أوشدة الحزن، والخوف، ونطق الراغب: الندم التحسر على ما فات، وفسَّر أيضًا بالأسف، وهوالحزن أوالمبالغة في الحزن. فتحصيل الندم ليس بالأمر الصعب فكل حزن يشعر به بعد عمل المعصية يحصل منه الندم المقصود للتوبة، وكذلك أي تألم للقلب على الذنب، وكل من فهم جنايته فخاف مقام ربه أوعاقبة ذنبه حصّل الندم. والحاصل حتى تحصيل الندم الذي يحمل على هجر المعصية، يتحصل عبرهل من هجر المعصية لكونها معصية لله تعالى، أومن هجرها خوفًا من الله، أوكره وقوعه فيها.

نطق ابن حجر: "... ونطق غيره شروط التوبة ثلاثة: الإقلاع والندم والعزم على حتى لا يعود، والتعبير بالرجوع عن الذنب لا يفيد معنى الندم بل هوإلى معنى الإقلاع أقرب ونطق بعضهم يكفي في التوبة تحقق الندم على وقوعه منه فإنه يستلزم الإقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه ومن ثم اتى الحديث (الندم توبة) وهوحديث حسن من حديث بن مسعود أخرجه بن ماجة وصححه الحاكم وأخرجه بن حبان من حديث أنس وصححه".

ونطق أبوحامد الغزالي: "افهم حتى التوبة تعبير عن معنى ينتظم ويلتثم من ثلاثة أمور مرتبة: فهم وحال وعمل، فالفهم الأول، والحال الثاني، والعمل الثالث، وَالْأَوَّلُ مُوجِبٌ لِلثَّانِي، وَالثَّانِي مُوجِبٌ، لِلثَّالِثِ إِيجَابًا اقتضاه اطراد سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، أَمَّا الْعِلْمُ فهوفهم عظم ضرر الذنوب وكونها حجاباً بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ كُلِّ مَحْبُوبٍ، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ مَعْرِفَةً مُحَقَّقَةً بِيَقِينٍ غَالِبٍ عَلَى قَلْبِهِ، ثَارَ مِنْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ تَأَلُّمٌ لِلْقَلْبِ بِسَبَبِ فَوَاتِ الْمَحْبُوبِ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ مَهْمَا شَعَرَ بِفَوَاتِ مَحْبُوبِهِ تَأَلَّم، َ فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِفِعْلِهِ تَأَسَّفَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُفَوِّتِ، فَيُسَمَّى تَأَلُّمُهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ الْمُفَوِّتِ لِمَحْبُوبِهِ نَدَمًا، فَإِذَا غَلَبَ هَذَا الْأَلَمُ على القلب واستولى وانبعث مِنْ هَذَا الْأَلَمِ فِي الْقَلْب، ِ حَالَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى إِرَادَةً وَقَصْدًا إِلَى فِعْلٍ لَهُ تَعَلُّقٌ بالحال والماضي وَبِالِاسْتِقْبَالِ، أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْحَالِ فَبِالتَّرْكِ لِلذَّنْبِ الَّذِي كَانَ مُلَابِسًا، وَأَمَّا بِالِاسْتِقْبَالِ فَبِالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الذَّنْبِ الْمُفَوِّتِ لِلْمَحْبُوبِ إِلَى آخِرِ الْعُمُرِ، وَأَمَّا بالماضي فبتلافي ما فات بالجبر والقضاء إذا كان قابلاً للجبر".

أصول الندم

أصولَ النّدم أربعةٌ، وهي:

1- تضييعُ الأموال والأوقات.

2- عدمُ القيامِ بالواجبات وعدمُ أداء الحقوق، أوالتّقصيرُ فيهما.

3- الدّخولُ فيما لا يعني.

4- عدمُ وجودِ هدفٍ حياتيّ سامٍ يُسعى إليه، أوالتّقصيرُ في تحصيلِه.

أمثال وأقوال الشعراء في الندم

  • سفيان الثوري: من لعب بعمره ضيّع أيام حرثِه ومن ضيع أيام حرثه ندم أيام حصاده.
  • نطق زهير بن أبي سلمى: ومن يجعل المعروف في غير أهله*** يكن حمده ذمّاً عليه ويندم.
  • نطق لقمان: من لا يملك لسانه يندم.
  • نطق ابن معصوم المدني:


دع الندامة لا يمضى بك الندم فلست أول من زلت به قدم
هي المقادير والأحكام جارية ٌ وللمهيمن في أحكامه حِكمُ
خفِّض عليك فما حالٌ بباقية هيهات لا نعمٌ تظل ولا نقم
قد كنت بالأمس في عز في دعة حيث السرور وصفوا العيش والنعم
واليوم أنتَ بدار الذلِّ مُمتهنٌ صفرُ اليدين فلا بأسٌ ولا كرمُ
كأن سيفك لم تلمع بوراقه وغيث سيبك لم تهمع له ديم
ما كان أغناكَ عن حِلٍّ ومرتحلٍ لولا القضاءُ وما قد خطَّه القلمُ


  • نطق المتنبي:


عُقبى اليَمينِ عَلى عُقبى الوَغى نَدَمُ ماذا يَزيدُكَ في إِقدامِكَ القَسَمُ
وَفي اليَمينِ عَلى ما أَنتَ واعِدُهُ ما دَلَّ أَنَّكَ في الميعادِ مُتَّهَمُ
  • نطق عمران بن حطان:

يندمُ المرءُ على ما فاتَه من لباناتِ إِذا لم يقضها وتراهُ فِرحًا مستبشرًا بالتي أمضى كأن لم يُمْضِها إِنها عندي وأحلامُ الكرى لقريبٌ بعضُها من بعضِها

  • نطق سقراط: قلة الدين وقلة الأدب وقلة الندم عند الخطأ وقلة قبول العتاب أمراض لا دواء لها.

مراجع

  1. ^ "لسان العرب" (1/79)
  2. ^ [سورة القيامة: 1، 2]
  3. ^ [سورة الكهف: 42]
  4. ^ ~[سورة الفرقان: 27]
  5. ^ ~[سورة المائدة: 52]
  6. ^ ~[سورة المؤمنون: 39، 40]
  7. ^ ~[سورة الشعراء: 155-157]
  8. ^ ~[سورة سبأ: 33]
  9. ^ ~[سورة الفرقان: 27، 28]
  10. ^ ~[سورة النساء: 73]
  11. ^ ~[سورة الحجرات: 6]
  12. ^ ~[سورة المائدة: 31]
  13. ^ [سورة الأنعام: 27]
  14. ^ [سورة يونس: 54]
  15. ^ [سورة الزخرف: 36-38]
  16. ^ [سورة الحاقة: 25]
  17. ^ [سورة النبأ: 40].
  18. ^ [سورة الفجر: 23 - 24].
  19. ^ (رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ونطق: رجاله رجال السليم).
  20. ^ (رواه البخاري)
  21. ^ (رواه مسلم).
  22. ^ (رواه الهيثمي في مجمع الزوائد)
  23. ^ رواه أحمد 2623، ونطق الأرنؤوط: حسن لغيره.
  24. ^ (حسنه الألباني)
  25. ^ (شرح البخاري لابن بطال)
  26. ^ كتاب "التوابين" لابن قدامة
  27. ^ كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر
  28. ^ [سورة الحديد: 16]
  29. ^ "سير أعلام النبلاء" للمضىي
  30. ^ البداية والنهاية لابن كثير
  31. ^ رواه ابن ماجة
  32. ^ "فتح الباري" (13/ 471)
  33. ^ "إحياء علوم الدين" (4/ 3)
  34. ^ مسقط الألوكة، منطق لعبد الرحمن آدم عبد الله نسخة محفوظة 27 أكتوبر 2018 على مسقط واي باك مشين.


تاريخ النشر: 2020-06-02 02:56:44
التصنيفات: اعتلال نفسي, مشاعر, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, صفحات تستخدم خاصية P227, بوابة علم الاجتماع/مقالات متعلقة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, بوابة أخلاقيات/مقالات متعلقة, بوابة علم النفس/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الدفاع الروسية: إسقاط مسيرتين أوكرانيتين فوق بريانسك وكورسك

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-27 09:07:25
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 86%

ترامب يجمع تبرعات قياسية بعد صورة سجن جورجيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-27 09:07:15
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 93%

تجريم مخالفي «هدف» بأنظمة الاحتيال المالي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-08-27 06:23:21
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

نصائح للحصول على بشرة ناعمة وصحية.. الأكل والنوم أبرزها

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 06:21:49
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 37%

بقيمة 200 مليون يورو.. دولة أوروبية تقرر التخلص من النبيذ!

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-27 09:07:20
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 92%

مشروعات خضراء نفذتها الدولة فى قطاع النقل.. تعرف عليها

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-27 06:21:48
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 39%

آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /27.08.2023/

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-27 09:07:24
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 100%

عائلات ضحايا 11 أيلول/سبتمبر 2001 أمام خيار صعب

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-27 09:07:10
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 99%

تحطم طائرة عسكرية أميركية خلال تدريبات مشتركة في أستراليا

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-27 09:07:05
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 89%

تحميل تطبيق المنصة العربية