مفتي

المفتي لقب للعالم المسلم المصرح له بإصدار فتوى في أمور الدين . وهوالعالم بالمسألة التي يفتي فيها، تأسيسا لا تقليدا، مع ملكة في النظر، وقدرة على الترجيح والنظر المستقل في اجتهاد من سبقوه، لا مجرد نقل وحكاية الأقوال.

والمفتي حسب عقيدة الإسلام "خليفة النبي في أداء وظيفة البيان"، والمفتي مسقط عن الله تعالى، "فإن أقدم على الفتوى بمجرد الخرص وما يغلب على الظن فهوآثم وعمله محرم"، فهوقول على الله وعلى رسوله بغير فهم، وهويتحمل وزر من أفتاه.

التعريف

المفتي عند فهماء أصول الفقه هو: الرجل المسلم العالم بأحكام الشرع الإسلامي، وفق شروط مخصوصة، تؤهله للوصول إلى درجة الإفتاء والقضاء. فالمفتي والقاضي درجة واحدة. لكن المفتي مخبر بالحكم، والقاضي ينفذ الأحكام. وفهم أصول الفقه هوالذي يشرح شروط القاضي والمفتي والمجتهد. ويحدد الأهلية لذلك.

الفتوى

الفتوى إخبار بالحكم بخلاف القضاء فإنه إصدار الحكم على وجه الإلزام، والفتوى في أمور الدين إخبار بحكم شرعي، والمستفتي هوالذي يطلب الفتوى في حكم أشكل عليه، وقد ورد في الشرع ذكر حدثة استفتاء، ولاقد يكون الاستفتاء غالبا إلا في أمر مأزق أوخفي غامض من دقائق المسائل، وبسبب جهل السائل بالحكم. والتجرأ على الفتوى من مسببات الخطأ، ولا يتصدر للإفتاء إلا من استجمع شروط الاجتهاد، حيث تعد الفتوى في أمور الدين من مهمات الفهماء المتخصصين للفتوى، وفي الحديث: «عن أبي هريرة نطق نطق رسول الله : من أفتي بغير فهم كان إثمه على من أفتاه». زاد سليمان المهري في حديثه: «ومن أشار على أخيه بأمر يفهم حتى الرشد في غيره فقد خانه». وهذا لفظ سليمان

والمعنى: حتى "من أفتي بغير فهم" بالبناء للمفعول أي: من سقط في خطأ بفتوى عالم فالإثم على ذلك العالم وهذا إذا لم يكن الخطأ في محل الاجتهاد، أوكان في محل الاجتهاد إلا أنه سقط لعدم بلوغه في الاجتهاد حقه. نطقه في فتح الودود. كما حتى الإفتاء لاقد يكون بالرأي الشخصي وإن وافق الحق وفي الحديث: «عن جندب نطق نطق رسول الله من نطق في كتاب الله عز وجل برأيه فأصاب فقد أخطأ». وسبب الخطأ تقديم الرأي على الشرع واتباع الهوى، وعدم وجود الأهلية. ومن تفهم أوقرأ شيئا من الفهم؛ لا يجوز له الإقدام على الإفتاء؛ لأن الأحكام الظاهرة قد تأخذ منحى آخر من الممكن يقصر فهمه عن إدراكة، فقد أصيب رجل بشج وصل إلى باطن رأسه، فأصابته جنابة فسأل عن الحكم، فقيل له: عليك الاغتسال بتعميم جميع البدن ولا مخرج لك من ذلك، وكانت الفتوى أخذا بظاهر الشرع، فاغتسل الرجل فوصل الماء إلى دماغه فمات.....الحديث.

الإفتاء بغير فهم

إذا لم يكن في المفتي أهلية الإفتاء فقد سقط في الخطأ، «عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه نطق قلت للزبير ما يمنعك حتى تحدث عن رسول الله كما يحدث عنه أصحابه فنطق أما والله لقد كان لي منه وجه ومنزلة ولكني سمعته يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».

«عن عبد الله بن عمروبن العاص نطق: سمعت رسول الله {{ يقول: "إن الله لا يقبض الفهم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض الفهم بقبض الفهماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير فهم فضلوا وأضلوا». وقد كان أئمة السلف وفضلاء الخلف يتورعون عن تولي مهمة القضاء والإفتاء؛ خشية الزلل.

أحكام الإفتاء

اهتم الفهماء بأحكام الإفتاء والمفتي وأفردوا خطا لذلك منهم على سبيل المثال: أبوالقاسم الصيمري شيخ صاحب الحاوي، ثم الخطيب أبوبكر الحافظ البغدادي ثم الشيخ أبوعمروبن الصلاح، وكل منهم ذكر نفائس لم يذكرها الآخران، وقد لخصها النووي، وأضاف إليها تفاصيل.

للإفتاء مكانة مهمة في الإسلام، وهوفرض كفاية، والمفتي وارث الأنبياء، ومتحدث بلسان الشرع، ومسقط عن الله، ولكنه معرض للخطأ. نطق النووي: «وروينا عن ابن المنكدر نطق: العالم بين الله تعالى وخلقه فلينظر كيف من الممكن أن يدخل بينهم. وروينا عن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة معروفة نذكر منها أحرفا تبركا، وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى نطق: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول». عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم من أفتى عن جميع ما يسأل فهومجنون. وعن الشعبي والحسن وأبي حصين بفتح الحاء التابعيين نطقوا: إذا أحدكم ليفتي في المسألة ولووردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر. وعن عطاء بن السائب التابعي: أدركت أقواما يسأل أحدهم عن الشيء فيتحدث وهويرعد، وعن ابن عباس ومحمد بن عجلان: إذا أغفل العالم (لا أدري) أصيبت مقاتله. وعن سفيان بن عيينة وسحنون: أجسر الناس على الفتيا أقلهم فهما . وعن الشافعي وقد سئل عن مسألة فلم يجب، فقيل له، فنطق: حتى أدري حتى الفضل في السكوت أوفي الجواب. وعن الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يكثر حتى يقول: لا أدري، وذلك فيما عهد الأقاويل فيه. وعن الهيثم بن جميل: شهدت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة فنطق في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري. وعن مالك أيضا: أنه من الممكن كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها، وكان يقول: من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب حتى يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب. وسئل عن مسألة فنطق: لا أدري فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة فغضب ونطق: ليس في الفهم شيء خفيف. ونطق الشافعي: ما رأيت أحدا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت منه عن الفتيا. ونطق أبوحنيفة: لولا الفرق من الله تعالى حتى يضيع الفهم ما أفتيت،قد يكون لهم المهنأ وعلي الوزر. وأقوالهم في هذا كثيرة معروفة.

نطق الصيمري والخطيب: قل من حرص على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها إلا قل توفيقه واضطرب في أموره. وإن كان كارها لذلك، غير مؤثر له ما عثر عنه مندوحة، وأحال الأمر فيه على غيره، كانت المعونة له من الله أكثر، والصلاح في جوابه أغلب، واستدلا بقوله في الحديث السليم: «لا تسأل الإمارة فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها».

شروط المفتي

يشترط فيمن يتولى الإفتاء والقضاء حتى يمتلك الأهلية والكفاءة الفهمية، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية، نطق النووي: «شرط المفتي كونه مكلفا مسلما وثقة مأمونا متنزها عن مسببات الفسق وخوارم المروءة، فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، سليم التصرف والاستنباط، متيقظا».

ونطق أبويوسف: حتى الفتوى لا تحل إلا لمجتهد. ونطق محمد: يكفي حتىقد يكون صوابه أكثر من خطئه. وقد ذكر الفهماء تفصيل ذلك بأنه لا يشترط بلوغ رتبة الاجتهاد المطلق، بل يجوز حتىقد يكون مقلدا لممضىه، ويكفي حتى يملك أهلية الاجتهاد والترجيح في مسائل الممضى وما يستجد من المسائل، وفق شروط محددة لذلك. ولا يفتى من ممضىه إلا بقول واحد إلا إذا دعت الحاجة.

بعد تدوين المذاهب الفقهية وعمل الناس عليها على مدى قرون من الزمن صار الإفتاء في جميع بلد وفق ممضى معين، والمفتي مقلد لممضىه ولا يجتهد فيما تقرر وجرى عليه التوافق والقبول، بلقد يكون فيما يعرض من المسائل.

انظر أيضا

صناعة الفتوى وفقه الأقليات

مراجع

^ آلية الإفتاء وفريق الفتوى نسخة محفوظة 03 مايو2009 على مسقط واي باك مشين.
↑ عون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، كتاب الفهم، (باب فضل نشر الفهم)، رقم: (3657) ص72. دار الفكر، 1415 هـ/ 1995 م.
^ عون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، كتاب الفهم، (باب فضل نشر الفهم)، رقم: (3652) ص67. دار الفكر، 1415 هـ/ 1995 م.
^ عون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، كتاب الفهم، (باب في التشديد في الكذب على رسول الله )، رقم: (3651) ص65. دار الفكر، 1415 هـ/ 1995 م.
^ سليم البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، كتاب الفهم، (باب كيف من الممكن أن يقبض الفهم)، رقم: (100)، ج1، ص50، دار ابن كثير، 1414 هـ/ 1993 م
^ المجموع شرح المهذب، يحيى بن شرف النووي، باب آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ج1 ص72 و73، مطبعة المنيرية، رقم الطبعة: د.ط : د.ت
^ المجموع شرح المهذب، يحيى بن شرف النووي، شروط المفتي، ج1 ص74، مطبعة المنيرية، رقم الطبعة: د.ط : د.ت
^ البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين إبراهيم ابن نجيم، كتاب القضاء، فصل في تقليد من شاء من المجتهدين للإفتاء، ج6 ص292، و293 و294، دار الكتاب الإسلامي، ط.2: د.ب