القسوة هي غِلَظ القلب، وشدَّته، والقَسْوَةُ الصلابة في جميع شيء، وأصل هذه المادة يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَصَلَابَةٍ. والفرق بين القسوة والصلابة: حتى القسوة تستعمل فيما لا يقبل العلاج، ولهذا يوصف بها القلب، وإن لم يكن صلبًا.

نطق ابن منظور: (القسوة في القلب، ذهاب اللين، والرحمة، والخشوع منه). ونطق الجاحظ: (القساوة: وهوخلقٌ مركبٌ من البُغض، والشَّجَاعَة، والقساوة، وهوالتهاون بما يلحق الغير من الألم والأذى)..

والقسوة والشدة والغلظة والفظاظة أسماء وصفات بمعانٍ متقاربة، فالغلظة بكسر الغين وضمِّها وفتحها، وشخص غليظ أي: غير لين ولا سلس، وذوغلظةٍ وفظاظةٍ وقساوةٍ وشدةٍ، وأَغْلَظَ له في القول، والغلظ ضد الرِّقة في الخلق، والطبع، والعمل، والمنطق، والعيش، ونحوذلك.ونطق الشوكاني: (غلظ القلب: قساوته، وقلة إشفاقه، وعدم انفعاله للخير).

والفَظَاظَةُ: إذا غلظ حتى يهاب في غير موضعه، ورجل فَظٌّ شديد، غليظ القلب، وذوفظاظةٍ: أي غلظٍ في منطقه وتجهمٍ. والفظاظة والفظظ: خشونة الكلام. نطق الفيروزآبادي: (الفَظُّ: الغليظ الجانب، السيِّئ الخلق، القاسي الخشن الكلام).

وبينما يرى البعض أنَّ الغِلْظَة والفَظَاظَة بمعنى واحد، ويرى آخرون أنَّهما يختلفان من وجوه: -أنَّ الفظاظة في القول، والغلظة في العمل، كما نطق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.png. -الفظ: هوسيئ الخُلُق، وغليظ القلب: هوالذي لا يتأثر قلبه عن شيء. وتختلف القسوة عن الصبر، إذ يقول ابن القيم: (الفرق بين الصبر والقسوة: أنَّ الصبر خُلُقٌ كسبي يتخلق به العبد، وهو: حبس النفس عن الجزع، والهلع، والتشكي، فيحبس النفس عن التسخط، واللسان عن الشكوى، والجوارح عما لا ينبغي عمله، وهوثبات القلب على الأحكام القدريَّة والشرعيَّة. وأما القسوة: فيبس في القلب يمنعه من الانفعال، وغلظة تمنعه من التأثير بالنوازل، فلا يتأثر لغلظته وقساوته لا لصبره واحتماله).

مواضع ذِكر القسوة في القرآن

نطق تعالى: ((فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) ~[الأنعام: 43].

نطق ابن عاشور: (ولكن اعتراهم ما في خلقتهم من المكابرة وعدم الرجوع عن الباطل كأنَّ قلوبهم لا تتأثر فشبهت بالشيء القاسي -والقسوة: الصلابة- وقد عثر الشيطان من طباعهم عونًا على نفث مراده فيهم فحسَّن لهم تلك القساوة وأغراهم بالاستمرار على آثامهم وأعمالهم). ونطق ابن كثير: (نطق الله تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ) أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أي: ما رقَّت ولا خشعت وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ أي: من الشرك والمعاصي). ونطق الألوسي: (ومعنى قَسَتْ إلخ، استمرت على ما هي عليه من القساوة، أوازدادت قساوة).

نطق تعالى: ((ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) ~[البقرة: 74].

نطق السعدي: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم (أي: اشتدت وغلظت، فلم تؤثر فيها الموعظة، مِّن بَعْدِ ذَلِكَ أي: من بعد ما أنعم عليكم بالنعم العظيمة وأراكم الآيات، ولم يكن ينبغي حتى تقسوقلوبكم، لأنَّ ما شاهدتم، مما يوجب رقة القلب وانقياده، ثم وصف قسوتها بأنها كَالْحِجَارَةِ التي هي أشد قسوة من الحديد، لأنَّ الحديد والرصاص إذا أذيب في النار، ذاب بخلاف الأحجار. وقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً أي: إنها لا تقصر عن قساوة الأحجار).

ونطق الطبري: (فقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً يعني فقلوبكم كالحجارة صلابةً، ويبسًا، وغلظًا، وشدةً، أوأشد قسوة).

ونطق الشوكاني: (القسوة: الصلابة واليَبَس، وهي: تعبير عن خلوها من الإنابة، والإذعان لآيات الله، مع وجود ما يقتضي خلاف هذه القسوة).

نطق تعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) ~[آل عمران: 159].

نطق العز بن عبد السلام: ( "فَظًّا" الفظ: الجافي، والغليظ: القاسي القلب، معناهما واحد، فجمع بينهما تأكيدًا). ونطق ابن كثير: (نطق تعالى: "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ" الفظ: الغليظ، والمراد به هاهنا غليظ الكلام؛ لقوله بعد ذلك: غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: لوكنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وهجروك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفًا لقلوبهم).

وقوله تعالى: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)) ~[الحديد: 16].

نطق ابن كثير: (وقوله: (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) نهى الله المؤمنين حتى يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب قبلهم من اليهود والنصارى، لما تطاول عليهم الأمد بدَّلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنًا قليلًا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المتنوعة والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظةً، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ أي: في الأعمال، فقلوبهم فاسدة، وأعمالهم باطلة). ونطق الطبري: (وقوله: (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) عن الخيرات، واشتدت على السكون إلى معاصي الله).

ونطق تعالى: ((أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) ~[الزمر: 22].

مواضع ذِكر القسوة في السُّنة

عن أبي هريرة رضي الله عنه، حتى رجلًا شكا إلى رسول الله قسوة قلبه، نطق: ((إن أردت حتى يلين قلبك، فأطعم المسكين، وامسح برأس اليتيم)).

نطق القاري في شرحه للحديث: (أي: قساوته، وشدته، وقلة رقته، وعدم ألفته، ورحمته، نطق: امسح رأس اليتيم، لتتذكر الموت، فيغتنم الحياة، فإنَّ القسوة منشؤها الغفلة، وأطعم المسكين لترى آثار نعمة الله عليك حيث أغناك، وأحوج إليك سواك، فيرق قلبك، ويزول قسوته، ولعل وجه تخصيصهما بالذكر أنَّ الرحمة على الصغير والكبير موجبة لرحمة الله تعالى على عبده، المتخلق ببعض صفاته، فينزل عليه الرحمة، ويرتفع عنه القسوة، وحاصله أنَّه لا بد من ارتكاب مسببات تحصيل الأخلاق بالمعالجة الفهمية، أوبالعملية، أوبالمعجون المركب منهما).

عن أبي مسعود نطق: أشار النَّبي بيده نحواليمين ونطق: ((الإيمان هاهنا -مرتين- ألا وإنَّ القسوة وغلظ القلوب في الفدادين -حيث يطلع قرنا الشيطان- ربيعة ومضر)).

نطق الخطابي: (إنمَّا ذم هؤلاء، لاشتغالهم بمعالجة ما هم عليه عن أمور دينهم، وتلهيهم عن أمر الآخرة، وتكون منها قساوة القلب).

وعن حارثة بن وهب أنه سمع النَّبي يقول: ((ألا أدلكم على أهل الجنة،يا ترى؟ كلُّ ضعيفٍ متضعفٍ، لوأقسم على الله لأبره. ونطق: أهل النار جميع جواظٍ عتلٍ مستكبرٍ)).

فسر بعض الفهماء العٌتٌل: بأنَّه الفظ الشديد من جميع شيء، والغليظ: العنيف، والجواظ: بالفظ الغليظ، والجعظري: بالفظ الغليظ .

وعن عبد الله بن عمرونطق عن صفة النَّبي في التوراة: (نطق: والله إنه لموصوفٌ في التوراة ببعض صفته في القرآن: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظٍ ولا غليظٍ).

نطق المناوي: (ليس بفظ. أي: شديدًا، ولا قاسي القلب على المؤمنين. ولا غليظ. أي: سيئ).

في أقوال الفهماء والحكماء

- ونطق سهل بن عبد الله: (كل عقوبة طهارة، إلا عقوبة القلب فإنها قسوة).

- ونطق عبد الله الداري: (كان أهل الفهم بالله يقولون:...إن الشَّبَع يقسي القلب، ويفتر البدن).

- وسئل ذا النون: (ما أساس قسوة القلب للمريد،يا ترى؟ فنطق: ببحثه عن علوم رضي نفسه بتعليمها دون استعمالها، والوصول إلى حقائقها) .

- نطق مالك بن دينار: (أربع من فهم الشقاوة: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا).

- ونطق أبوعبد الله الساجي: (الذكر لغير ما يوصل إلى الله قسوة في القلب).

- ونطق ابن القيم: (ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله).

- ونطق الأوزاعي: (إنَّ معاني معالي المسائل تحدث قسوةً في القلوب، وغفلة وإعجابًا).

أسباب قسوة القلب

1- الانغماس في الدنيا والمنافسة عليها:

لحديث أبي مسعود، عن النَّبي وفيه: ((وإنَّ القسوة وغلظ القلوب في الفدادين -حيث يطلع قرنا الشيطان- ربيعة ومضر)). نطق الخطابي: (إنَّما ذمهم لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمر دينهم، وذلك يفضي إلى قسوة القلب). نطق ابن القيم: (متى رأيت القلب قد ترحل عنه حب الله والاستعداد للقائه، وحلَّ فيه حب المخلوق، والرضا بالحياة الدنيا، والطمأنينة بها، فافهم أنه قد خُسِف به).

2- التفريط في التزام أوامر الله والاعتداء على المحرمات:

نطق الله تعالى: ((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً)) [المائدة: 13] وبيَّن ذلك بقوله تعالى: ((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [النساء: 155].

3- كثرة الذنوب والمعاصي دون توبة:

عَنْ أَبِي هُــرَيْــرَةَ، قَالَ: نطق رسول الله : ((إنَّ المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر، صقل قلبه، وإن زاد زادت، حتَّى يعلوقلبه ذاك الرَّان الذي ذكر الله عزَّ وجلَّ في القرآن: "كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [المطففين: 14])). نطق المحاسبي: (افهم أنَّ الذنوب تورث الغفلة، والغفلة تورث القسوة، والقسوة تورث البعد من الله، والبعد من الله يورث النار، وإنَّما يتفكر في هذا الأحياء، وأما الأموات فقد أماتوا أنفسهم بحب الدنيا). فـ(قسوة القلوب من ثمرات المعاصي).

4- الغفلة عن الله وعن تدبر القرآن، وعن التأمل بخلق الله وعظيم قدرته:

نطق تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" [طه: 142]. نطق أبوالسعود في قوله تعالى: "لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" ~[الحشر: 21]: (أُريدَ به توبيخ الإنسانِ على قسوةِ قلبهِ، وعدم تخشعِه عندَ تلاوتِه، وقلةِ تدبرِه فيه).

5- المراء وكثرة الجدال والتّعصب للرأي:

نطق تعالى: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)) [الجاثية: 23].

نطق الشافعي: (المراء في الفهم، يقسي القلوب، ويورث الضغائن) . 

6- الكسل والفتور عن الطاعات: نطق المناوي: (الكسل.. والفتور عن القيام بالطاعات الفرضية، والنفلية، الذي من ثمراته قسوة القلب)<.

7- عدم الإحسان للناس، الرحمة بهم والعطف عليهم:

عن عائشة، رضي الله عنها نطقت: اتى أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ فنطق: تقبِّلون الصِّبيان،يا ترى؟ فما نقبِّلهم، فنطق النَّبيُّ : ((أوأملك لك حتى نزع الله من قلبك الرَّحمة)).

8- الإكثار والتوسع من الملذّات المباحات، وكثرة الاختلاط بالناس:

ونطق الفضيل بن عياض: (ثلاث خصال تقسي القلب: كثرة الأكل، وكثرة النوم، وكثرة الكلام). نطق أبوسليمان الداراني: (إنَّ النفس إذا جاعت وعطشت، صفا القلب ورقَّ، وإذا شبعت ورويت، عمي القلبُ).

9- طول الأمل وكثرة الأماني: نطق المناوي: (طول الأمل غرور وخداع، إذ لا ساعة من ساعات العمر إلا ويمكن فيها انقضاء الأجل، فلا معنى لطول الأمل المورث قسوة القلب، وتسليط الشيطان، وربما جرَّ إلى الطغيان).

مؤشرات ودلالات قسوة القلب

1- جمود العين وقلة دمعها من خشية الله:

نطق تعالى مادحًا المؤمنين من أهل الكتاب: ((وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ~[المائدة: 83]. نطق ابن القيم: (متى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى، فافهم أنَّ قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي).

2- عدم التأثر بالقرآن:

نطق تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) ~[الزمر: 23]. يقول ابن كثير: (هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبار، المهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد. والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف، "ثمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه).

3- عدم الاكتراث بما يصيب الآخرين من أذى أوألم:

فقد قيل في بيان معنى القساوة: أنها (التهاون بما يلحق الغير من الألم والأذى)

4- التّكَبُّر وعدم قبول الحق:

كما في حديث حارثة بن وهب وفيه أنه سمع النَّبي يقول: ((أهل النار جميع جواظٍ عتلٍ مستكبرٍ)). ونطق المناوي: (إذ القلب القاسي لا يقبل الحق، وإن كَثُرَت دلائله).

5- عدم الاتعاظ بالموت والغفلة أوالضحك عند القبور بلا اعتبار أوتفكر:

نطق الغزالي: (الآن لا ننظر إلى جماعة يحضرون جنازة إلا وأكثرهم يضحكون، ويلهون، ولا يتحدثون إلا في ميراثه، وما خلفه لورثته، ولا يتفكر أقرانه وأقاربه إلا في الحيلة التي بها يتناول بعض ما خلفه، ولا يتفكر واحد منهم إلا ما شاء الله في جنازة نفسه، وفي حاله إذا حمل عليها، ولا سبب لهذه الغفلة إلا قسوة القلوب، بكثرة المعاصي والذنوب، حتى نسينا الله تعالى واليوم الآخر، والأهوال التي بين أيدينا، فصرنا نلهو، ونغفل، ونشتغل بما لا يعنينا).

نتائج وآثار قسوة القلب

1- ضعف الإيمان، وسرعة قبول الشبهات، والوقوع في الفتنة والضلال، نطق تعالي: ((لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)) ~ [الحج: 53].

فمعنى قوله: "وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ" (أي: الغليظة، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان، جعلوه حجة لهم على باطلهم، وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله، ولهذا نطق: "وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ" أي: مشاقة لله، ومعاندة للحق، ومخالفة له، بعيد من الصواب، فما يلقيه الشيطان،قد يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين، فيظهر به ما في قلوبهم، من الخبث الكامن فيها).

2- الفتور عن الطاعة، والوقوع في المحرمات، وهجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- شيوع الكراهية والبغضاء والتنافر بين قلوب الناس. نطق تعالى: "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ" ~[آل عمران: 159].

4- الوحشة والخوف الدائم، والكآبة. 5- تحريف كلام الله، وذلك من سوء الفهم، وسوء القصد وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب. ونسيان ما ذكر به، وهوهجر ما أمر به فهمًا وعملًا .

نطق تعالى: ((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ)) ~[المائدة: 13].

6- زوال النعمة ونزول المصائب: نطق تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ" ~[الأنعام: 42-44].

فمعنى قوله: "وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ": أنه (لم يكن فيها لين يوجب التضرع، ولم ينزجروا وإنما ابتلوا به "وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" أي: من الشرك. فالاستدراك على المعنى لبيان الصارف لهم عن التضرع. وأنه لا مانع لهم إلا قساوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم المزينة لهم) .

المراجع

  1. ^ مقاييس اللغة لابن فارس، المصباح المنير
  2. ^ الفروق اللغوية، للعسكري
  3. ^ لسان العرب، لابن منظور
  4. ^ تهذيب الأخلاق
  5. ^ لسان العرب، لابن منظور. مختار الصحاح
  6. ^ قتح القدير، للشوكاني
  7. ^ العين، للخليل بن أحمد. ومختار الصحاح للرازي
  8. ^ القاموس المحيط
  9. ^ زاد المسير لابن الجوزي
  10. ^ مفاتيح الغيب، للرازي
  11. ^ الروح، لابن القيم
  12. ^ التحرير والتنوير لابن عاشور
  13. تفسير ابن كثير
  14. ^ روح المعاني، للألوسي
  15. ^ تفسير السعدي
  16. جامع البيان، للطبري
  17. ^ فتح القدير، للشوكاني
  18. ^ تفسير ابن عبد السلام
  19. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير
  20. ^ رواه أحمد والبيهقي والمنذري، وحسَّنه الألباني
  21. رواه البخاري ومسلم
  22. ^ عمدة القاري، للعيني
  23. رواه البخاري
  24. ^ فتح الباري، لابن حجر
  25. ^ [سورة الأحزاب: 45]
  26. ^ التيسير بشرح الجامع الصغير
  27. حلية الأولياء، لأبي نعيم
  28. ^ الزهد وصفة الزاهدين، لابن عرابي
  29. ^ الفوائد ، لابن القيّم
  30. ^ شعب الإيمان ، للبيهقي
  31. فيض القدير للمناوي
  32. ^ بدائع الفوائد، لابن القيم
  33. ^ رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي وأحمد، وابن حبان والبيهقي، والحاكم
  34. ^ رسالة المسترشدين، للمحاسبي
  35. ^ تفسير أبي السعود
  36. ^ الاعتقاد، للبيهقي
  37. ^ الجوع،لابن أبي الدنيا
  38. ^ بدائع الفوائد لابن القيم
  39. ^ تهذيب الأخلاق، للجاحظ
  40. ^ فيض القدير
  41. ^ إحياء علوم الدين للغزالي
  42. ^ تيسير الكريم الرحمن
  43. ^ شفاء العليل، ص1/106
  44. ^ تفسير القاسمي
تاريخ النشر: 2020-06-02 11:20:28
التصنيفات: قسوة, أخلاق إسلامية, أخلاقيات اجتماعية, إساءة, عدوان, معاناة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, بوابة علم النفس/مقالات متعلقة, بوابة أخلاقيات/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

فرنسا تفتح تحقيقا في مقتل مواطن فرنسي في اعتداء جربة

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:22:34
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

سامح شكرى يؤكد على أهمية العمل من أجل احتواء الوضع فى قطاع غزة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:22:52
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 45%

أول صور لطفل روبرت دى نيرو السابع بعد إنجابه فى سن الـ 80 عاما

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:05
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 49%

رغم صعوبة المهمة العقبي يبقي على امل البقاء للساحل السعودي

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:22:39
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

بنك إنجلترا يرفع الفائدة 0.25% لكبح التضخم

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:00
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 38%

تركيا.. مرشح حزب "البلد" محرم انجه ينسحب من السباق الرئاسي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:15
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

"معجزة".. إنقاذ طفلين عائمين على ساحل بحيرة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:24
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

التعاون الإسلامي تدعو إلى توفير الحماية الدولية للشعب الفلسط

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:34
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 51%

السعودية تمدد مدة الإقامة للمعتمرين السودانيين

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:20
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

الكويت تمنع دخول 25 وافداً من العمالة الفلبينية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:10
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

الرئيس السيسى يتابع الموقف التنفيذى للمبادرات القومية بقطاع الصحة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:06
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 46%

زيلينسكي: أوكرانيا في حاجة لمزيد من الوقت قبل شن هجوم ضد الق

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:29
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

إصابة شرطيين و10 رجال إطفاء فى انفجار بأحد المنازل فى ألمانيا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:22:50
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 40%

عرض منزل قضت فيه جاكلين كينيدى طفولتها للبيع.. مش هتصدق سعره

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:23:03
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 40%

الدستورى الحر يدين اعتداء جربة

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-11 15:22:32
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 70%

تحميل تطبيق المنصة العربية