أبوالقاسم محمد بن عباد
أبوالقاسم محمد بن عباد (1013م-1042م) القاضي الكبير ، أمير إشبيلية ومدبِّرُها وحاكمها ، أبوالقاسم محمد بن إسماعيل بن عباد بن قريش ، اللخمي ، من ذرية أمير الحيرة النعمان بن المنذر ، أصله من الشام من بلد العريش ، فدخل أبوه الأندلس ، ونشأ أبوالقاسم ، فبرع في الفهم ، وتنقلت به الأحوال ، وولي قضاء إشبيلية في أيام بني حمود العلوية ، فساس البلد ، وحُمِدَ ، ورَمَقَتْهُ العيون ، ثم سار يحيى بن علي بن حمود ، وكان ظلوما ، فحاصر إشبيلية ، فاجتمع الأعيان على القاضي ، وأطاعوه ، ثم نطقوا : انهضْ بنَا إلى هذا الظالم ، ونملِّكُكَ . فأجابهم ، وتهيأ للحرب ، وذكرنا حتى يحيى ركب إليهم سكرانَ ، فقُتِل ، وتمكَّن القاضي ، ودانت له الرعية ، ولُقِّبَ بالظافر ، ثم إنه تملك قرطبة وغيرها .
وقصته مشهورة مع الشخص الذي زعم أنه المؤيّد بالله المرواني ، وكان خبر المرواني قد انبتر من عشرين سنة ، وجرت فتن صعبة في هذه السنين ، فقيل لابن عباد : إذا المؤيَّد حي بقلعة رباح في مسجد ، فطلبه ، واحترمه ، وبايعه بالخلافة ، وصيَّر نفسه كوزير له . نطق الأمير عزيز : حُسِدَ ابن عبَّاد ، ونطقوا : قُتِلَ يحيى الإدريسي من أهل البيت ، وقتل ابن ذي النون ظلما ، فبقي يفكر فيما يعمله ، فاتىه رجل ، فنطق : رأيتُ المؤيَّدَ. فنطق: انظُرْ ما تقُول! نطق : إي واللهِ هوهو. ونطق تومرت -عبدٌ كان يخدِم المؤيّد-: وأنا إذا رأيتُ سيِّدي عهدتُه ، ولي فيه علامات . فأوفد رجلا مع ذلك الرجل إلى قلعة رباح ، فوجداه ، فقدم معهما ، فلما رآه تومرت ، وثب ، وقبل قدمه ، ونطق : مولاي والله ! فقبل حينئذ القاضي يده ، ثم بُويِعَ ، وأخرجه يوم الجمعة ، ومشوا بين يديه إلى الجامع ، ثم خطب المؤيد الناس ، وصلى بهم ، وبقي ابن عباد كالحاجب له على قاعدة الحاجب المنصور بن أبي عامر ، غير حتى المؤيد يخرخ إلى الجمعة دائما ، ودانت له أكثر المدن . نطق عزيز : هرب المؤيد من قرطبة عام أربع مائة متنكرا حتى قدم مكة ومعه كيس جواهر ، فشعر به حرامية مكة ، فأخذوه منه ، وبقي يومين لم يطعم ، ثم عمل في الطين وتقوت ، ثم توصل إلى القدس ، فتفهم نسج الحصر ، ثم عاد إلى الأندلس سنة 24 . نطق عزيز : هذا رواه مشايخ . ونطق ابن حزم : فضيحة! أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام يُسَمَّوْنَ أميرَ المؤمنين في وقت ; أحدهم خلف الحصري بإشبيلية على أنه المؤيد بالله . والثانيمحمد بن القاسم الإدريسي بالجزيرة الخضراء ، والثالثمحمد بن إدريس بن علي بن حمود بمالقة ، والرابع إدريس بن يحيى بن علي بن حمود بشنترين . فهذه أُخْلُوقَة لم يُسْمَعْ بمثلها! وخُطِبَ لِخَلَفٍ على المنابر ، وسفكت الدماء ، وتصادمت الجيوش ، فأقام في الأمر نيِّفًا وعشرين سنة ، وابن عبَّاد القاضي كالوزير بين يديه . قلت : توفي القاضي في جمادى الأولى ، سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة ، ودفن بقصر إشبيلية ، وخلفه ابنه المعتضد بن عباد فدامت دولته إلى سنة أربع وستين وأربع مائة . وقيل : بل بقي القاضي محمد إلى سنة تسع وثلاثين ، وكان يستعين بالوزير محمد بن الحسن الزبيدي ، وبعيسى بن حجاج الحضرمي ، وبعبد الله بن علي الهوزني ، وكان له ابنان : إسماعيل قُتل في مصاف والمعتضد الذي تملك بعده .