أبوالحسن الحراني
أبوالحسن الحراني ( 283 - 365 هـ ) ، هوأبوالحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني كان طبيباً فاضلاً كثير الدراية وافر الفهم بارعاً في الصناعة موفقاً في المعالجة مطلعاً على أسرار الطب وكان مع ذلك ضنيناً بما يحسن.
تاريخه
نقل من خط إبن بطلان في منطقته في علة نقل الأطباء المهرة ، تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد. نطق عبيد اللّه بن جبرائيل ولهما أحاديث كثيرة حسنة منها حديث قلاّء الكبود ، وذلك أنه كان بباب الأزج إنسان يقلي الكبود فكانا إذا إجتازا عليه نادى لهما وشكرهما وقام لهما حتى ينصرفا عنه ، فلما كان في بعض الأيام إجتازا فلم يرياه فظنا أنه قد شغل عنهما ومن غد سألا عنه فقيل لهما إنه الآن قد توفي فعجبا من ذلك ونطق أحدهما للآخر له علينا حق يوجب علينا قصده ومشاهدته فمضيا جميعاً وشاهداه ، فلما نظرا إليه تشاورا في فصده وسألا أهله حتى يؤخروه ساعة واحدة ليفكروا في أمره فعملوا ذلك ، وأحضروا فصاداً ففصده فصدة واسعة فخرج منه دم غليظ وكان حدثا خرج الدم خف عنه حتى تحدث وسقياه ما يصلح وإنصرفا عنه ولما كان في اليوم الثالث خرج إلى دكانه فكان هذا من المعجز لهما فسئلا عن ذلك فنطقا سببه أنه كان إذا قلى الكبود يأكل منها وبدنه ممتلئ دماً غليظاً وهولا يحس حتى فاض من العروق إلى الأوعية وغمر الحرارة الغريزية وخنقها كما يخنق الزيت الكثير الفتيلة التي تكون في السراج فلما بدروه بالفصد نقص الدم وخف عن القوة الحملُ الثقيل وإنتشرت الحرارة وعاد الجسم إلى الصحة وهذا الإمتلاء قد يحدث من البلغم أيضاً.
وقد ذكر أسبابه الفاضل جالينوس في كتابه في تحريم الدفن قبل أربع وعشرين ساعة نطق عبيد اللّه بن جبرائيل ، ومن أحسن ما سمعت عن أبي الحسن الحراني أنه ولج إلى قرابة الشريف الجليل محمد بن عمر رحمه اللّه وكان إنساناً نبيل القدر قد عارضه ضيق نفس شديد قاسي فأخذ نبضه وأشار بما يستعمله فشاوره في الفصد ، فنطق له لا أراه وإن كان يخفف السقم تخفيفاً بيناً وإنصرف. واتىه أبوموسى المعروف ببقة الطبيب وأبصر نبضه وقارورته وأشار بالفصد ، فنطق له الشريف قد كان عندي أبوالحسن الحراني الساعة وشاورته في الفصد فذكر أنه لا يراه صواباً فنطق بقة أبوالحسن أعهد وإنصرف فاتىه بعض الأطباء الذين هم دون هذه الطبقة فنطق يفصد سيدنا فإنه في الحال يسكن ، وقوى عزمه على الفصد ولم يبرح حتى فصده فعندما فصده خف عنه ما كان يجده خفاً بيناً ونام وسكن عنه وإغتذى وهوفي عافية فعاد إليه أبوالحسن الحراني آخر النهار فوجده ساكناً قاراً ، فنطق له لما رآه في تلك الحال قد فصدت فنطق كيف من الممكن أن كنت أعمل ما لم تأمرني به نطق ما هذا السكون إلا للفصد ، فنطق له الشريف لما فهمت بهذا لم لا تفصدني نطق له أبوالحسن الحراني إذ قد فصد سيدنا فليبشر بحمى ربع سبعين دوراً ولوحتى أبقراط وجالينوس عنده ما تخلص إلاَّ بعد إنقضائها وإستدعى دواة ودرجاً ورتب تدبيره لسبعين نوبة ودفعه إليه ونطق هذا تدبيرك فإذا إنقضى ذلك جئت إليك وإنصرف فما مضى حتى اتىت الحمى وبقيت كما نطق فما خالف تدبيره حتى برئ.
نطق عبيد اللّه بن جبرائيل ومن أخباره أنه كان للحاجب الكبير غلام وكان مشغوفاً به وإتفق حتى الحاجب خلق دعوة كبيرة كان فيها أجلاء الدولة ولما إشتغل بأمر الدعوة حم الغلام حمى حادة فورد على قلب الحاجب من ذلك مورداً عظيماً وقلق قلقاً كثيراً. وإستدعى أبا الحسن الحراني فنطق له يا أبا الحسن أريد الغلام يخدمني في غداة غد تعمل جميع ما تقدر عليه وأنا أكافئك بما يضاهي عملك. فنطق له يا حاجب إذا هجرت الغلام يستوفي أيام سقمه عاش وإلا فيمكنني من ملازته حتى يقوم في غد لخدمتك ولكن إذا كان في العام المقبل في مثل هذا اليوم يحم حمى حادة ولوكان من كان عنده من الأطباء لم تنجع فيه مداواته ويموت إما في البُحران الأول أوالثاني فأنظر أيهما أحب إليك فنطق له الحاجب أريد حتى يخدمني في غداة غد وإلى العام المقبل فرج ظناً منه حتى هذا القول من الأحاديث المدفوعة فلازمه أبوالحسن ولما كان في غد أفاق وقام في الخدمة ومنح الحاجب لأبي الحسن خلعة سنية ومالاً كثيراً وصار يكرمه غاية الإكرام فلما كان في العام المقبل في مثل اليوم الذي حم فيه الغلام عاودته الحمى فأقام محموماً سبعة أيام ومات فعظم في نفس الحاجب وجماعة من الناس قول أبي الحسن وكبر لديهم محله وكان هذا منه كالمعجز.
ونطق هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابئ المحرر حدثنا أبومحمد الحسن بن الحسين النوبختي نطق حدثني الشريف أبوالحسن محمد بن عمر بن يحيى أنه أراد إبتياع جارية عاقلة من دور بني خاقان بأحد عشر ألف درهم وكان الوسيط في ذلك أبوالمسيب فهد بن سليمان فنطق لأبي المسيب أحب حتى تستثير لي في أمرها أبا الحسن الحراني بعد حتى تكلفه مشاهدتها فمضى إليه وسأله الركوب معه إلى دار القوم ليرى الجارية وكانت متشكية وشاهدها أبوالحسن الحراني وأخذ مجسها وتأمل قارورتها ثم نطق له سراً إذا كانت أكلت البارحة من سماقي أوحصرمية وقثاء أوخيار فاشترها وإلا فلا تعترض لها فسألنا عما أكلته في ليلتها فقيل لنا بعض ما نطقه أبوالحسن فابتاعها فعجبنا من ذلك وعجب من سمع ونطق المحسن بن إبراهيم كان أولاد أبي جعفر بن القاسم بن عبيد اللّه يشنعون على أبي الحسن الحراني عمنا بأنه اغتال أباهم فسألت أبا إسحاق إبراهيم بن هلال والدي عن ذلك فنطق كان أبوجعفر عدواً لأبي الحسن عمي وعازماً على قتله لأمور نقمها عليه وقد قبض عليه وحبسه ، فأتفق حتى إعتل أبوجعفر علته التي توفي فيها فأشير عليه بمشاورة أبي الحسن وهوفي حبسه فنطق لا أثق به ولا أسكن إليه مع ما يفهمه من سوء رأيي فيه وعول على غيره من الأطباء فدخل بعض إخوان أبي الحسن إليه وشرح له ما يدبر به أبوجعفر في سقمه ، فنطق أبوالحسن وكان يأتمنه أنت تعهد رأي هذا الرجل في ومتى إستمر على هذا التدبير هلك بلا محالة وكفينا كفاية عاجلة فأحب حتى تمنعه مشاورتي وتصوبه على رأيه في العدول عني. وإشتدت العلة بأبي جعفر ومضى لسبيله بعد قبض القاهر باللّه عليه بعشرة أيام. ونطق المحسن أيضاً أصابتني حمى حادة كان هجومها علي بغتة فحضر أبوالحسن عمنا وأخذ مجسي ساعة ثم نهض ولم يقل شيئاً ، فنطق له والدي ما عندك يا عمي في هذه الحمى فنطق له سرا لا تسألني عن ذلك إلى حتى يجوزه خمسين يوماً فواللّه لقد فارقتني في اليوم الثالث والخمسين.
وحكى أبوعلي بن مكنجا النصراني المحرر نطق لما وافى عضد الدولة في سنة 364 هـ إلى مدينة السلام إستنادىني أبومنصور نصر بن هارون وكان قد ورد معه إذ ذاك ، وسألني عن أطباء بغداد فإجتمعت مع عبد يشوع الجاثليق وسألته عنهم فنطق ها هنا جماعة لا يعول عليهم ، والمنظور إليه منهم أبوالحسن الحراني وهورجل عاقل لا مثل له في صناعته وهوقليل التحصيل ، وأبوالحسن صديقي وأنا أبعثه إلى الخدمة وأوافقه عليها وأشير عليه بالملازمة لها ، وخاطب الجاثليق أبا الحسن على فصد أبي منصور نصر بن هارون ففصده وتقدم إليه بأن يحضر دار عضد الدولة ويتأمل حاله وما يدبر به أمره ، فتلقى ذلك بالسمع والطاعة وشرط حتى يعهد صورته في مأكله ومشربه وبواطن أمره وطالع أبومنصور عضد الدولة بالصورة وحضر أبوالحسن الدار وعهد جميع ما سأل عنه وتردد أياماً ثم انبتر واجتمع مع الجاثليق فعاتبه على انقطاعه وعهده وقوع الإنكار له فنطق له لا فائدة في مضيي ولست أراه صواباً لنفسي وللملك أطباء فضلاء عقلاء فهماء وقد عهدوا من طبعه وتدبيره ما يستغني به عن غيرهم في ملازمته وخدمته فألح الجاثليق عليه وسأله عن علة ما عليه في هذا العمل والإحتجاج فيه بمثل هذا العذر. فنطق له هذا الملك متى أقام بالعراق سنة فسد عقله ولست أوثر حتى يجري ذلك على يدي وأنا مدبره وطبيبه ومتى أنهى الجاثليق هذا القول عني جحدته وحلفت باللّه والبراءة من ديني ما قلته وكان عليك في ذلك ما تفهمه فأمسك الجاثليق وكتم هذا الحديث فلما عاد عضد الدولة إلى العراق في الدفعة الثانية كان الأمر على ما أنذر به فيه. ولأبي الحسن الحراني من الخط إصلاح منطقات من كناش يوحنا بن سرابيون جوابات مسائل سئل عنها.
