أبونصر بن المسيحي ( - 620 هـ) ، هوأبونصر سعيد بن أبي الخير بن عيسى بن المسيحي من المتميزين في صناعة الطب والأفاضل من أهلها والأعيان من أربابها.

حدثني شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي نطق سقم الخليفة الناصر لدين اللّه في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة سقماً شديداً وكان السقم بالرمل وعرض له في المثانة حصاة كبيرة مفرطة في الكبر واشتد به الألم وطال السقم وكان طبيبه أبوالخير المسيحي وكان شيخاً حسناً مسناً وقد خدمه مدة طويلة وكان خبيراً متقناً للصناعة ومات وقد قارب المائة سنة فامتد به السقم وضجر من المعالجات فأشار بأن تشق المثانة لإخراج الحصاة فسأل عن حذاق الجرائحين فأبلغ برجل منهم ينطق له ابن عكاشة من ساكني الكرخ بجانب بغداد الغرب فأحضر وشاهد العضوالعليل وأمره ببطه فنطق أحتاج حتى أشاور مشايخ الأطباء في هذا فنطق له من تعهد ببغداد من صالحي هذه الصناعة فنطق يا مولانا أستاذي وشيخي أبونصر بن المسيحي ليس في البلاد بأسرها من يماثله فنطق له الخليفة امضى إليه ومره بالحضور فلما جاء خدم وقبّل الأرض أمره بالجلوس فجلس ساعة ولم يحدثه ولم يأمره بشيء حتى سكن روعه فلما آنس منه ذلك نطق له يا أبا نصر مثل نفسك أنك قد دخلت إلى بيمارستان وأنت تباشر به مريضاً قد ورد من بعض الضياع وأريد حتى تباشر مداواتي وتعالجني في هذا السقم كما تعمل بمن هذه صفته فنطق السمع والطاعة ولكني أحتاج حتى أعهد من هذا الطبيب المتقدم مبادئ السقم وأحواله وتغيراته وما عالج به منذ أول السقم وإلى الآن‏.‏

فأحضر الشيخ أبوالخير وأخذ يذكر له ابتداءات السقم وتغيرات أحواله وما عالج به في أول الأمر إلى آخر وقت فنطق التدبير صالح والعلاج مستقيم فنطق الخليفة هذا الشيخ أخطأ ولا بد لي من صلبه فقام أبونصر المسيحي وقبل الأرض ونطق يا مولانا بحق نعمة اللّه عليك وبمن مضى من أسلافك الطاهرين لا تسن على الأطباء هذه السنة وأما الرجل فلم يخطئ في التدبير ولكن لسوء حظه لم ينته السقم فنطق قد عفوت عنه ولكن لا يعود يدخل علي فانصرف ثم أخذ أبونصر في مداواته فسقاه ودهن العضوبالأدهان الملينات ونطق له إذا أمكن نلاطف الأمر بحيث نخرج هذه الحصاة من غير بط فهوالمراد وإن لم تخرج فذلك لا يفوتنا فلم يزل كذلك يومين وفي ليلة اليوم الثالث رمى الحصاة فقيل إنه كان وزنها سبعة مثاقيل وقيل خمسة وقيل إنها كانت على مقدار أكبر نواة تكون من نوى الزيتون وبرأ وتتابع الشفاء ودخل الحمام فأمر حتى يدخل أبونصر إلى دار الضرب ويحمل المضى مهما قدر حتى يحمله فعمل به ذلك ثم أتته الخلع والدنانير من أم الخليفة ومن ولديه الأميرين محمد وعلي والوزير نصير الدين أبي الحسن بن مهدي العلوي الرازي ومن سائر كبار الأمراء بالدولة فأما أم الخليفة وأولاده والوزير والشرابي نجاح فكانت الدنانير من جميع واحد منهم ألف دينار وكذلك من أكابر الأمراء والباقين على قدر أحوالهم فأبلغت أنه حصل من العين الدنانير عشرين ألف دينار ومن الثياب والخلع جملة وافرة وألزم الخدمة وفرضت له الجامكية السنية والراتب والإقامة ولم يزل مستمراً في الحكمة إلى حتى توفي الناصر‏.‏

نطق وحدثني بعض الأطباء حتى ابن عكاشة الجرائحي كان قد نذر عليه أنه يتصدق في بيعة سوق الثلاثاء بالربع مما يحصل له وأنه حمل إلى البيعة مائتين وخمسين ديناراً وصرف أبوالخير المسيحي من الخدمة وقد كانت منزلته قبل هذا جليلة عنده ومحله مرتفع ووصله هبات وصلات عظيمة فمن جملتها أنه أعطاه خزانة خط الأجل أمين الدولة بن التلميذ وكان سقم الناصر مراراً وبرأ على يده فحصل له فيها جمل وافرة ثم توفي الشيخ أبوالخير في أيام الناصر فقيل له إنه قد توفي وهجر ولداً متخلفاً وجملة عظيمة من المال فنطق لا يعترض ولده فيما ورثه من أبيه فما خرج عنا لا يعود إلينا‏.‏

ولأبي نصر بن المسيحي من الخط كتاب الاقتضاب على طريق المسألة والجواب في الطب كتاب انتخاب الاقتضاب‏.‏ هوصاعد بن هبة اللّه بن توما نصراني من أهل بغداد وكان من الأطباء المتميزين والأكابر المتعينين حدثني شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي أنه كان طبيب نجم الدولة أبي اليمن نجاح الشرابي وارتقت به الحال إلى حتى صار وزيره ومحرره ثم ولج إلى الناصر وكان يشارك من يحضر من أطبائه في أوقات أمراضه ثم حظي عنده الحظوة التامة وسلم إليه عدة جهات يخدم بها وكان بين يديه فيها عدة دواوين وكتاب وقتل في سنة عشرين وستمائة وكان سببه أنه أحضر جماعة من الأجناد الذين كانت معايشهم تحت يده وأنه خاطبهم بما فيه بعض المكروه فكمن له منهم اثنان ليلاً فقتلاه بالسكاكين واعترضت هجرته فأمر الخليفة بأن يحمل ما فيها من المال إلى الخزانة ويبقى القماش والملك لولده نطق فأبلغني بعض البغداديين أنه حمل من داره إلى الخزانة من الدنانير العين ثمانمائة ألف وثلاثة عشر ألف دينار وبقي الأثاث والأملاك بما يقارب تتمة ألف ألف دينار فهجر لولده أقول ووجدت الصاحب جمال الدين بن القفطي قد حكى من أحوال صاعد بن توما المذكور ما هذا نصه نطق كان حكيماً طيباً حسن العلاج كثير الإصابة ميمون المعاناة في الأكثر له سعادة تامة في هذا الشأن وكان من ذوي المروءات والأمانات تقدم في أيام الناصر إلى حتى كان بمنزلة الوزراء واستوثقه على حفظ أموال خواصه وكان يودعها عنده ويرسله في أمور خفية إلى وزرائه ويظهر له في جميع وقت وكان حسن الوساطة جميل المحضر قضيت على يديه حاجات واستكفيت بوساطته شرور وسالمته الأيام مدة طويلة ولم ير له غير شاكر وناشر وكان الإمام الناصر في آخر أياه قد ضعف بصره وأدركه سهوفي أكثر أوقاته لأحزان تواترت على قلبه ولما عجز عن النظر في القصص والإنهائات استحضر امرأة من النساء البغداديات تعهد بست نسيم وقربها وكانت تخط خطاً قريباً من خطه وجعلها بين يديه تخط الأجوبة والرقاع وشاركها في ذلك خادم اسمه تاج الدين رشيق ثم تزايد الأمر بالناصر فصارت المرأة تخط الأجوبة بما تراه فمرة تصيب ومرة تخطئ ويشاركها رشيق في مثل ذلك واتفق حتى خط الوزير القمي المدعوبالمؤيد مطالعة وحلها وعاد جوابها وفيه اختلال بين فتوقف الوزير وأنكر ثم استدعى الحكيم صاعد بن توما وأسر إليه ما جرى وسأله عن تفصيل الحال فعهده ما الخليفة عليه من عدم البصر والسهوالطارئ في أكثر الأوقات وما تعتمده المرأة والخادم من الأجوبة فتوقف الوزير عن العمل بأكثر الأمور الواردة عليه وتحقق الخادم والمرأة ذلك وقد كانت لهما أغراض يريدان تمشيتها لأجل الدنيا واغتنام الفرصة في نيلها فحدسا حتى الحكيم هوالذي دله على ذلك فقرر رشيق مع رجلين من الجند في الخدمة حتى يغتالا الحكيم ويقتلاه وهما رجلان يعهدان بولدي قمر الدولة من الأجناد الواسطية وكان أحدهما في الخدمة والآخر بطالا فرصدا الحكيم في بعض الليالي إلى حتى أتى إلى دار الوزير وخرج عنها عائداً إلى دار الخلافة وتبعاه إلى حتى وصل باب درب الغلة المظلمة ووثبا عليه بسكينيهما فقتلاه وكان بين يديه مشعل وغلام وانهزم الحكيم لما سقط إلى الأرض بحرارة الضرب إلى حتى وصل إلى باب خربة الهراس والقاتلان تابعان له فبصرهما واحد وصاح خذوهم فعادا إليه وقتلاه وجرحا النفاط الذي بين يدي الحكيم وحمل الحكيم إلى منزله ميتاً ودفن بداره في ليلته ونفذ من البدرية من حفظ داره وكذلك من دار الوزير لأجل الودائع التي كانت عنده للحرم والحشم الخاص وبحث عن القاتلين فأمر بالقبض عليهما وتولى القبض والبحث إبراهيم بن جميل بمفرده وحملهما إلى منزله ولما كان في بكرة تلك الليلة أخرجا إلى موضع القتل وشق بطناهما وصلبا على باب المذبح المحاذي لباب الغلة التي جرح بها الحكيم وكان موت الحكيم وقتله في ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى سنة عشرين وستمائة‏.‏