صولون

صولون (460 - 560)

صولون Solon Σόλων الشاعر والمشرع اليوناني الذي عاش بين القرنين السادس والسابع قبل الميلاد (640 - 560) ، وهوإلى جانب كونه شاعرا وحكيما من حكماء اليونان السبعة ، وكان أيضا من السياسيين اللامعين ، فقد انتخبه أهالي أثينا حاكما ، فقام بإصلاحات تشريعية وإدارية ، وسميت هذه التشريعات بإسم تشريعات صولون.

ولمقد يكون صولون حكيما وشاعرا وحاكما فحسب ، ولكنه كان من رواد الديموقراطية في أثينا ، وكان له الفضل في إلغاء نظام الرق الذي كان يسمح بإسترقاء الفلاحين إذا عجزوا عن سداد ديونهم ، وبذلك كسر شوكة النبلاء وتعامل معهم كما يتعامل مع الفقراء سواء بسواءز

وإلغاء نظام الرق يعد أول إصلاح دستوري في تاريخ اليونان ، فقد قام صولون بتحرير الأرقءا وحمى الحرية الشخصية للأجراء والبسطاء وضمهم بالإنتخاب ، ولمن تجاوز سن الصلاصين إلى مجلس الأعيان الذي يقوم بتصريف شئون الدولة التي يعرضها مجلس الولاة لدراستها دون حتىقد يكون لهم سلطان عليهم.

وبذلك وضع صولوا في أثينا أحد الاسس الديموقراطية التي تتيج للمواطن العادي حتى يشارك في السياسة والحكم.


النشأة

كان والد صولون من الأشراف الكرام المحتد ، ومن أحملهم بيتاً ، وأنقاهم دماً ، ينتهي نسبه إلى الملك كدروس ، بل إنه كان يتبع نسبه إلى بوسيدن نفسه. وكانت أمه ابنة عم بيسستراتس الطاغية الذي خرق دستور صولون في أول الأمر ثم عاد بعدئذ فثبت نادىئمه.


صولون شاعرا

لقد انغمس صولون في شبابه فيما كان ينغمس فيه أهل زمانه: فكان يقرض الشعر ويتغنى بملاذ "الصداقة اليونانية" ، وعمل ما عمله ترتاروس Tyrtaetus فأثار حماسة الناس بشعره ودفعهم إلى فتح سلاميس. ثم صلحت أخلاقه في سن الكهولة صلاحاً يتناسب تناسباً عكسياً مع شعره ، فأصبحت أشعاره فاترة ونصائحه جيدة.

انظر مثلاً إلى قوله في أشعاره: "إن الكثيرين من الناس أغنياء ، ولكنهم لا يستحقون هذا الغنى ، على حين حتى من هم خير منهم يقاسون آلام الفاقة. ولكنا لن نستبدل حال هؤلاء الأغنياء بحالنا ، لأن ميزتنا باقية دائمة ، أما ميزتهم فإنها تنتقل من إنسان إلى إنسان" ، وثروة الغني "ليست أعظم من ثروة من لا يملك إلا معدته ورئتيه وقدميه ، وهي الأعضاء التي تأتيه بالسرور ولا تأتيه بالألم ؛ وليست خيراً من محاسن الفتى أوالفتاة أونضرة شبابه أوشبابها ، أومن وجود ينسجم مع صروف الأيام".

ولما وقع في أثينا شقاق وانقسام بقي هوعلى الحياد ، وكان ذلك لحسن الحظ قبل حتى تقرر الشرائع المعزوة له حتى هذهِ الحيطة جريمة ، ولكنه لم يتردد قط في التشهير بالوسائل التي سلكها الأغنياء لإذلال الفقراء ، ودفعِهم إلى أحضان الفاقة. وإذا كان لنا حتى نأخذ بأقوال أفلوطرخس فإن والد صولون قد "بدد ثروته في التصدق على الناس والإحسان إليهم".


صولون حاكما

واشتغل صولون بالتجارة وأصبح من التجار الناجحين ذا مصالح كثيرة في أقطار بعيدة ، أكسبته خبرة واسعة وأمكنته من الأسفار والتنقل في بلاد بعيدة ، وكان يسير في عمله على المبادئ التي يدعوإليها في قوله ، واشتهر بين جميع طبقات الناس بالاستقامة. وكان لا يزال صغير السن نسبياً- في الرابعة والأربعين أوالخامسة والأربعين- حين أقبل عليه في عام 594 ممثلوالطبقات الوسطى يدعونه إلى قبول ترشيحهم إياه ليكون أركوناً بالاسم Teponymos ، على حتى يُمنح سلطة مطلقة لإخماد نار حرب الطبقات ، ووضع دستور حديث للبلاد ، وإعادة الاستقرار إلى الدولة.

ووافقت الطبقات العليا على هذا الاختيار وهي كارهة ، وكان الباعث لها على الموافقة ثقتها بأن رجلاً مثله من أصحاب المال لا بد حتىقد يكون رجلاً محافظاً. وكانت أعماله الأولى أعمالاً بسيطة ولكنها كانت من قبيل الإصلاحات الاقتصادية الكاملة ؛ وقد خيب آمال المتطرفين بإحجامه عن إعادة تقسيم الأراضي. ولوأنه عمل هذا لأدى ذلك إلى الحرب الأهلية وإلى الفوضى التي تدوم جيلاً كاملاً ، وإلى عودة الفوارق مسرعة.

قانون السيسكثيا

استطاع صولون بفضل قانونه الشهير قانون السيسكثيا Seisachtheia أو"حمل الأعباء" حتى يلغي كما يقول أرسطاطاليس "جميع الديون القائمة سواء أكانت للأفراد أم للدولة" ، إلى غير ذلك حرر أراضي أتكا من جميع الرهون بجرة قلم ؛ هذا إلى أنه أطلق سراح جميع مَن استرقوا أوالتصقوا بالأرض ، وكل مَن بيعوا رقيقاً في خارج البلاد وطلب إليهم حتى يعودوا إلى مواطنهم ، وحرم مثل هذا الاسترقاق في المستقبل.

وخليق بنا حتى نذكر من خصائص الخلق في هذا المقام حتى بعض أصدقاء صولون قد عهدوا ما يعتزمه من إلغاء الديون فاشتروا أراضي واسعة مرتهنة ثم احتفظوا بها فيما بعد من غير حتى يؤدوا ما عليها من رهون ويحدثنا أرسطاطاليس بأسلوب تهكمي بأن هذا كان منشأ ثروات طائلة كثيرة العدد "ظن الناس" فيما بعد "أنها ترجع إلى أزمنة لا يذكرها الناس لقدم عهدها". ونطق بعض الناس إذا صولون قد تغاضى عن هذا العمل وإنه استفاد منه حتى تبين بعدئذ أنه وهوالدائن الكبير قد خسر بقانونه الشيء الكثير. واحتج الأغنياء بأن هذا التشريع كان في حقيقة الأمر مصادرة لأموالهم ، ولكنه أصم أذنيه عن سماع احتجاجهم ؛ ولم تمضِِ عشرة أعوام على صدوره حتى أجمع الناس ؛ أوكادوا يجمعون ، على أنه أنجى أتكا من الثورة.


إصلاحات إقتصادية

ثمة إصلاح آخر من إصلاحات صولون لا نستطيع حتى نتحدث عنه حديثاً يقينياً واضحاً. وفيه يقول أرسطاطاليس إذا صولون قد "استبدل بالنقود الفيدونية "Phedonian"- أي النقود الأجنبية التي كانت مستعملة في أتكا حتى ذلك الوقت- "نظام عوبية النقدي على نطاق واسع وجعل قيمة المينا Mina مائة درخمة بعد حتى كانت من قبل سبعين". ويقول أفلوطرخس في بيانه عن هذا الإصلاح ، وهوأوفى من بيان أرسطاطاليس ، "إن صولون جعل المينا تصرف بمائة درخمة بعد حتى كانت ثلاثاً وسبعين ، وبهذا أصبحت قيمة البتر التي تدفع أقل مما كانت قبل وإن كان عددها واحداً ، وكان في هذا نفع كبير للذين يريدون حتى يوفوا بديونهم ، ولم يكن فيه خسارة على الدائنين".

إن أفلوطرخس الظريف الكريم وحده هوالذي استطاع حتى يجد طريقة لتضخم العملة ينقذ بها المدينين دون حتى يلحق الضرر بالدائنين- إلا هذا الضرر الوحيد وهوحتى نصف العمى في بعض الحالات خير بلا ريب من العمى كله.

دستور صولون

وبكل تأكيد فإن أبقى أعمال صولون هي تلك القرارات التاريخية التي أنشئ بمقتضاها دستور صولون. وقد قدم لها صولون بعفوعام أطلق به سراح جميع من سجن ، وأعاد إلى البلاد جميع من نفي منها لجرائم سياسية إذا لم تكن هذهِ الجرائم هي محاولة اغتصاب منطقيد الحكم في البلاد. ثم واصل عمله بأن ألغى إلغاءً صريحاً أوضمنياً معظم شرائع دراكون ؛ إلا أنه أبقى منها على القانون الخاص بعقاب القتلة وقد طبقت قوانين صولون على جميع السكان الأحرار بلا تمييز بينهم ؛ فأصبح الأغنياء والفقراء على السواء مقيدين بقيود واحدة تفرض عليهم عقوبات واحدة.

وإذ كان صولون قد عهد أنه لم يستطع تطبيق إصلاحاته إلا بمعونة طبقتي التجار والصناع ، ورغبة منه في حتى يجعل لهم حظاً في حكومة البلاد ، فقد قسم سكان أتكا أربع مجموعات على أساس ثروتهم: الأولى أصحاب الخمسمائة بشل Bushel وهوالذين يصل دخلهم السنوي إلى خمسمائة مكيال من الحاصلات أوما يعادلها Pentacosiomedemni ، والثانية هم الهبي الذين يتراوح دخلهم بين ثلاثمائة وخمسمائة بشل. والثالثة جماعة الزوجتاي Zeugitai الذين يتراوح دخلهم بين مائتين وثلاثمائة ، والرابعة جماعة الثيتي Thetes وتضم غير هؤلاء كلهم من الأحرار.

وكانت مظاهر الشرف والتكريم تتناسب مع ما يؤدى من الضرائب فلا يستمتع إنسان بالأولى دون حتى يتحمل عبء الثانية ؛ يضاف إلى هذا حتى الضرائب التي تؤديها الطبقة الأولى كانت تُفرض على ما يعادل دخلها السنوي اثني عشر مرة؛ والطبقة الثانية على ما يعادل دخلها عشر مرات، والثالثة على ما يعادل دخلها خمس مرات فقط؛ أي حتى ضريبة الأملاك كانت في واقع الأمر ضريبة ولج تصاعدية. أما الطبقة الرابعة فكانت معفاة من الضرائب المقررة.

وكانت الطبقة الأولى وحدها هي التي يمكن اختيار رجالها إلى الأركونية وإلى قيادة الجيش ؛ أما الطبقة الثانية فكان من حقها حتى يُختار أفرادها إلى المناصب وإلى فرق الفرسان في الجيش ، وكانت الطبقة الثالثة تختص بالعمل في فرق المشاة الثقيلة ؛ وأما الرابعة فكان يُطلب إليها حتى تمد الدولة بالجنود العاديين. وقد أضعف هذا التقسيم الفذ نظام القرابة الذي كانت تعتمد عليهِ قوة الألجركية ؛ وأحل محله مبدأ جديداً هومبدأ "التمقراسيه Timocracy" ، أي حكم ذوي الشرف أوالمنزلة ، ويحدد صراحة ما لهم من ثروة تُفرض عليها الضرائب. وكان حكم "بلوتوقراطي (يتولاه المثرون)" شبيه بهذا الحكم منتشراً خلال القرن السادس كله وبعض القرن الخامس في معظم المستعمرات اليونانية.

وقد أبقى دستور صولون على رأس الدولة مجلس الشيوخ القديم مجلس الأريوبجوس ، بعد حتى جرده من بعض ما كان له من سلطان وما كان يمتاز به من عزلة ، وبعد حتى أصبح مفتوح الأبواب لجميع أفراد الطبقة الأولى ، ولكنه ظل مع ذلك صاحب السلطة العليا المهيمن على سلوك الناس وعلى موظفي الدولة. ثم أنشأ بولا Boule أومجلساً جديداً مؤلفاً من أربعمائة عضويلي مجلس الشيوخ في السلطة تتخذ له جميع طبقة من الطبقات الأربع مائة عضو. وكان هذا المجلس يختار جميع الأعمال التي تُعرض على الجمعية ويبحثها ويعدها. ووضع صولون في منزلة أدنى من هذا النظام الألجركي الأعلى الذي استرضى به الأقوياء ، أنظمة ديمقراطية في أساسها ، ولعله كان مدفوعاً إلى ذلك بحسن النية ورغبة العمل على خير الطبقات الدنيا. فقد أعاد إلى الحياة الإكليزيا Iklesia ) الجمعية( القديمة التي كانت قائمة في أيام هومر ونادى جميع المواطنين إلى الاشتراك في مناقشاتها. وكانت هذه الجمعية تتخذ جميع عام من بين ذوي الخمسمائة بشل الأركونين الذين كانوا حتى ذلك الوقت يعينون من قبل مجلس الأريوبجوس ؛ وكان من حقها حتى تستجوب هؤلاء الموظفين في أي وقت ، وتتهمهم ، وتعاقبهم ؛ وإذا ما انقضت مدة توليهم مناصبهم، كانت تبحث في مسلكهم في السنة التي تولوا العمل فيها، وكان لها إذا شاءت حتى تحرمهم حقهم في حتىقد يكونوا أعضاء في مجلس الشيوخ.

وأهم من هذا الحق ، وإن لم يبدُ وقتئذ كذلك ، مساواة الطبقات الدنيا للطبقات العليا في حق الاختيار بالقرعة إلى الهيليائيا Heliaea ، وهي هيئة من خمسة آلاف من المحلفين تتألف منهم أنواع المحاكم التي تنظر في جميع القضايا عدا قضايا القتل والخيانة ، والتي يصح حتى تحمل إليها الشكاوى من أعمال الحكام على اختلاف أنواعها. ويقول أرسطوطاليس في هذا: "يظن البعض حتى صولون قد تعمد إدخال الغموض على قوانينهِ ليمكن العامة من استخدام سلطتهم القضائية لتقوية نفوذهم السياسي" ؛ ذلك أنه "لما كان الخلاف بينهم وبين الحكام لا يمكن تسويته بتطبيق حرفية القانون ، فقد كان عليهم حتى يعرضوا جميع منازعاتهم على القضاة ، وكان هؤلاء إلى حد ما سادة القوانين" كما يقول أفلوطرخس نفسه. وقد كان حق الاستئناف إلى المحاكم الشعبية الإسفين الذي وسع نطاق الدمقراطية الأثينية ، كما كان حصنها الحصين في مستقبل الأيام.


وأضاف صولون إلى هذا التشريع الأساسي ، وهوأبرز ما في تاريخ أثينة من تشريعات ، طائفة أخرى من الشرائع المتنوعة يقصد بها معالجة مشاكل الوقت التي لم تكن لها مثل ما للمسائل الأساسية السابقة من خطر. وكان أول ما عمله حتى جعل الثروة الفردية التي قررتها العادات قبل معترفاً بها قانونياً. وإذ كان للرجل أولاد كان عليه حتى يقسم ثروته بينهم قبل وفاته ، فإذا لم يكن له أولاد كان له حتى يوصي لأي إنسان بأملاكه التي كانت تؤول حتى ذلك الوقت ومن تلقاء نفسها لقبيلته. فبقوانين صولون بدأ حق الوصية وقانونها.

وإذ كان هومن رجال الأعمال فقد أراد حتى يشجع التجارة والصناعة بمنح حق المواطنية لجميع الأجانب الذين يحذقون حرفة ما والذين يأتون مع أسرهم ليقيموا بصفة دائمة في أثينة. وحرم تصدير الغلات الزراعية عدا زيت الزيتون ، وكان يرجوبهذا حتى يحول الناس من إنتاج المحصولات الزراعية الزائدة على الحاجة إلى الاشتغال بالصناعة. وسن قانوناً يقضي بأن الولد غير ملزم بمساعدة أبيه إذا كان هذا الأب لم يفهمه حرفة خاصة. ويرجع الفضل فيما نالته الصناعات من تشريف عظيم ومكانة سامية إلى صولون- لا إلى من اتى بعده من الأثينيين.

ولم يحجم صولون عن التشريع في ذلك الميدان الخطر. ميدان الأخلاق والآداب العامة. فقد كان يعد الإصرار على البطالة جريمة ، ولم يكن يسمح للرجل الذي يعيش عيشة النادىرة والفجور حتى يتقدم إلى الجمعية بطلب ، وجعل البغاء قانونياً وفرض على البغاة ضريبة ، وأنشأ مواخير عامة ، مرخصة من قبل الدولة وخاضعة لرقابتها. وشاد هيكلاً لأفرديتي بندموس من إيراد هذه المواخير.

وقد تغنى بمدحه رجل من معاصريه يدين بما يدين به لكي Lecky المؤرخ الأيرلندي المعروف فنطق: "مرحباً بك يا صولون! لقد ابتعت المومسات لخير المدنية ، ولوقاية أخلاق المدينة الغاصة بالشبان الأشداء ، ولولا تشريعكَ الحكيم ، لضايق هؤلاء الشبان فضليات النساء ونشروا في المدينة الفساد والاضطراب". وفرض غرامة قدرها مائة درخمة على من يعتدي على عرض امرأة حرة ، وهي عقوبة أقل كثيراً مما في قوانين داركون ، ولكنه أباح لمن يمسك برجل زانٍ متلبس بجريمته حتى يقتله لساعتهِ. وحدد بائنات العرائس ومهورهن لرغبته في حتىقد يكون الباعث على الزواج هوالحب المتبادل بين الزوجين والرغبة في النسل وتربية الأولاد ، ونهى النساء عن حتىقد يكون لهن من الملابس أكثر من ثلاث حلل ، وكان في ثقته بقدرته على تطبيق قانونه شبيهاً بالأطفال في ثقتهم بقدرتهم على تطبيق أوامرهم ونواهيهم.ولقد طُلب إليه حتى يسن قانوناً يضيق بهِ على العزاب ، ولكنه لم يجب هذا الطلب ونطق في تبرير عدم إجابته إذا "الزوجة عبء ثقيل الحمل".

وقد جعل اغتياب الموتى جريمة ، وكذلك كان اغتياب الأحياء في الهياكل والمحاكم ، وممحرر الموظفين العموميين ، وفي ساحات الألعاب ؛ ولكنه حتى هونفسه لم يستطع حتى يمسك ألسنة الناس في أثينا حيث كانت الغيبة والنميمة تبدوان كما تبدوان عندنا الآن من مستلزمات الديموقراطية وقد قرر حتى الذين يبقون على الحياد في أوقات الفتن يفقدون حقهم بوصف كونهم مواطنين، وذلك لأنه كان يرى حتى عدم اهتمام الجمهور بالشؤون العامة يؤدي إلى خراب الدولة.

وحرم الاحتفالات الفخمة، والقرابين الكثيرة النفقة ، والندب الطويل في الجنائز ؛ وحدد مقدار ما يدفن مع الأموات من متاع ، وسن ذلك القانون العادل الذي ظل مصدراً لبسالة الأثينيين أجيالاً طويلة وهوالقانون الذي فرض على الحكومة تربية أبناء مَن يُقتلون في الحرب وتعليمهم على نفقتها.

وأضاف صولون إلى جميع شريعة من شرائعه عقوبات كانت أخف من عقوبات دراكون ولكنها مع ذلك صارمة ، وجعل من حق جميع مواطن حتى يقاضي أي إنسان يرى أنه ارتكب جريمة ما. وأراد حتى يعهد الناس قوانينهم حق الفهم وأن يطيعوها ويلتزموا العمل بها فخطها في ساحة الأركون الديني (أركون باسليوس) على ملفات أومنشورات خشبية تدار وتُقرأ. ولم يدَّعِ كما ادعى ليقورج ومينوس ، وحمورابي ، ونحوما ، حتى إلهاً ما قد أنزل عليه هذه الشرائع ؛ وهذا العمل في حد ذاته مما يكشف عن مزاج ذلك العصر ومزاج المدينة ومزاج صولون نفسه.

ولما طُلبَ إليه حتى يجعل نفسه حاكماً بأمره مدى الحياة أبى ونطق إذا الدكتاتورية "مُقام جميل حقاً ولكن ليس ثمةَ طريق للنزول منه". وكان المتطرفون ينتقدونه لأنه لم يسوِ بين الناس في الملك وفي السلطان ، والمحافظون ينددون بهِ لأنه منح العامة الحقوق السياسية وأجلسهم فوق منصة القضاء ؛ بل إذا صديقه أنكرسيس Anachrsis، الحكيم السكوذي صاحب الأطوار الشاذة ، قد سخر من دستوره الجديد ونطق في ذلك إذا الحكماء قد أصبحوا يترافعون ، والحمقى يحكمون ، وأضاف إلى ذلك قوله إنه لا يمكن حتى تقوم بين الناس عدالة دائمة لأن في وسع الأقوياء والمهرة حتى يحوروا أي قانون يسن لكي يتفق مع مصلحتهم الخاصة ؛ ولأن القانون أشبه ببيت العنكبوت يقتنص الذباب الصغير ويفلت منه البق الكبير.

وكان صولون يتقبل جميع هذا النقد بقبول حسن ، ويعترف بما في شرائعه من نقص ولما سئل هل سن للأثينيين أحسن الشرائع أجاب "لا ، بل" سننت لهم "خير ما يستطيعون حتى يُعطَوه"- أي خير ما يمكن إقناع الجماعات والمصالح المتضاربة في أثينة بأن تقبله كلها في ذلك الوقت بالذات.


صولون الحكيم

وقد اتبع صولون الطريق الأوسط في حكمه وأبقى بذلك على الدولة ؛ وكان تلميذاً ناجحاً من تلاميذ أرسطاطاليس قبل حتى يولد هذا الفيلسوف الاستجيري Stagirite وتعزوإليه الرواية الشعار الذي نقش على هيكل أبلوفي دلفي وهوMedenagen أي لا إفراط في شيء ، وقد أجمع اليونان على وضعه بين السبعة الحكماء. وخير شاهد على حكمته هوما كان لتشريعه من أثر خالد ، فقد استطاع شيشرون ، على الرغم مما وقع في أثينا من آلاف التغيرات والتطورات ، وبالرغم مما قام فيها من دكتاتوريات وانقلابات سطحية، استطاع على الرغم من هذا حتى يقول بعد خمسة قرون من عهد صولون إذا شرائعه كانت لا تزال نافذة في أثينا.

ولقد كان عمله من الوجهة القضائية الحد الفاصل بين حكم المراسيم المتغيرة التي لا عداد لها وبين بداية حكم الشرائع المدونة الدائمة. ولما سأله سائل متى تكون الدولة حسنة النظام ثابتة البنيان أجاب بقوله: "حين يطيع المحكومون الحكام ، ويطيع الحكام القوانين". وبفضل قوانينه تحرر زراع أتكا من الاسترقاق الإقطاعي ، وقامت فيها طبقة من الزراع الملاك ، كان إمتلاكهم الأرض هوالذي جعل الجيوش الأثينية الصغيرة قادرة على الإحتفاظ بحرية المدينة أجيالاً طويلة ، ولما اقترح في نهاية حرب البلوبونيز قصر الحقوق السياسية على الملاك الأحرار لم يوجد من الأحرار الراشدين في أتكا كلها مَن لا ينطبق على هذا الشرط إلا خمسة آلاف لا أكثر.

هذا إلى حتى التجارة والصناعة فد تحررتا في الوقت نفسه من القيودالسياسية كانت مفروضة عليهما ، ومن العوائق المالية ، وبذلك بدأ فيهما ذلك التطور القوي النشيط الذي أصبحت أثينا بفضله الزعيمة التجارية في بلاد البحر المتوسط. وكانت أرستقراطية الثراء الجديدة تحمل من شأن الذكاء لا من شأن المولد، وتشجع الفهم والتعليم، وتمهيد السبيل مادياً وعقلياً للأعمال الثقافية العظيمة التي تمت في العصر المضىي.


إعتزال الحكم

في سنة 572 ق. م اعتزل صولون منصب الحاكم بعد تقلده لمدة ( 22 عاما ) , وكان قد بلغ سن السادسة والستين فآثر الحياة الخاصة ، واعتزل منصبه ، وبعد حتى أخذ العهد على أثينا ، بأيمان أقسمها موظفوها ، حتى تطيع قوانينه بلا تغيير فيها ولا تبديل مدة عشر سنين ، وسافر بعدئذ ليطلع على حضارة مصر والشرق ، ويلوح حتى ذلك الوقت هوالذي نطق فيه نطقته الذائعة الصيت- "إني لتكبر سني وما فتئت أتفهم". ويقول أفلوطرخس إنه تفهم التاريخ في عين شمس (هليوبوليس) على الكهنة ، وينطق إنه سمع منهم عن أطلنطيس القارة الغارقة ، التي قص قصتها في ملحمة لم يتمها ، افتتن بها أفلاطون الواسع الخيال بعد مائتي عام من عصره.

وسافر من مصر إلى قبرص ووضع القوانين لتلك المدينة التي غيرت اسمها من قبرص إلى Soli تكريماً له. ويصف هيرودوت أفلوطرخس حديثه مع كروسس ملك ليديا في سرديس- وما أقوى ذاكرتهما التي أمكنتهما من حتى يقصا هذا الحديث- فيرويا كيف من الممكن أن خرج هذا الرجل صاحب الثروة المنبترة النظير مزداناً بكل ما عنده ، وسأل صولون ألا يرى أنه ، كروسس ، رجل سعيد ، وكيف أجابه صولون بفلسفته اليونانية قائلاً: "إن الآلهة أيها الملك قد وهبت اليونان جميع ما وهبتهم من النعم بقسط معتدل ؛ وكذلك حكمتنا فهي حكمة معتدلة ، لا حكمة نبيلة ملكية ؛ وإذا ما قلبنا النظر في البلايا الكثيرة التي تكتنف الناس في جميع الظروف فإن هذا الاعتدال ينأى بنا عن حتى نصطنع الصغار فيما نتمتع بهِ في وقتنا الحاضر ، أوحتى نعجب بما يتقلب فيه أي إنسان من سعادة ، قد نتبدل إلى نقيضها على مرالأيام.


المصادر

  • [قراءة في الدستور السوري ، جان حبش]
  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
تاريخ النشر: 2020-06-04 04:21:31
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, مشرعون, شعراء يونانيون قدماء, رجال دولة يونانيون قدماء, يونانيون قدماء, أثينيون قدماء, مواليد 638 ق.م., وفيات 558 ق.م.

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الدفاع الروسية: إصابة ثلاثة جنود سوريين بنيران جماعات ارهابية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 00:06:59
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 97%

انفجارات ضخمة في تل أبيب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 00:06:52
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 100%

مصر تعلن حالة الاستنفار القصوى

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 00:07:05
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 99%

أحداث شغب في مباراة شباب أطلس خنيفرة والدفاع الحسني الجديدي

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 00:06:41
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

السلطات الإيرانية تنفي إغلاق المجال الجوي فوق طهران

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 00:07:00
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 93%

"أمبري": الحوثيون يطلقون طائرات مسيرة انتحارية نحو إسرائيل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 00:06:55
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 85%

الأهلي يحدد موعد السفر إلى الكونغو قبل مواجهة مازيمبي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 00:08:07
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 43%

لحظة بلحظة.. إيران تقصف إسرائيل بالمسيرات الانتحارية والصواريخ

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 00:07:09
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 93%

فيديوهات تظهر صواريخ "تحلق في سماء العراق بسرعة كبيرة"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 00:06:54
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 93%

تحميل تطبيق المنصة العربية