اولريخ فون هوتن

اولريخ فون هوتن (بريشة إرهارد شون, ح. 1522)

اولريخ فون هوتن Ulrich von Hutten (و21 أبريل 1488-29 أغسطس 1523), كان ناقداً ألمانياً صريحاً للكنيسة الكاثوليكية الرومانية ومن أتباع الإصلاح اللوثري.

لم يكن هناك عمالقة في عالم الأدب الألماني في هذا العهد قبل لوثر، إذ لم يكن هناك سوى حيوية وخصب عجيبين. وكان الشعر يخط ليقرأ جهرة. ومن ثم يلقى ترحيباً في الكوخ وفي القصر. واستمر تمثيل مسرحيات العشاء الرباني وآلام المسيح، التي يغشاها ورع شديد مموه باهتمام قوي بالفن الدرامي.

وما حتى حل عام 1450 حتى قامت الدراما الشعبية الألمانية قد تحولت نحوالتعليق بالدنيا إلى حد كبير. وتضمنت حتى في خلال التمثيليات الدينية، هزليات ساذجة، وأحياناً فاضحة، من "الفارس". وشاع المرح في الأدب وانتشرت نوادر تيل أولنشبيجل وهذره في ألمانيا وقتذاك، وهوالمخادع الجوال، (ومعنى اسمه حرفيا مرآة البومة)، ولم ينج من حيله المرحة عامي أوقسيسي؛ ففي عام 1512 نشرت نوادره وأظهر العصر والأدب بل والفن، الرهبان والقسس وهم يسبحون إلى جهنم، وازدهر الهاتى في جميع الأشكال الأدبية.

وأشد هاتى في هذا العهد تضمنته مسرحية "سفينة الحمقى" بقلم سباستيان برانت، ولم يكن في وسع أحد حتى يتسقط عملا يشيع فيه مثل هذا المرح من أستاذ في القانون والأدب الكلاسي في بازيل؛ فقد تخيل برانت أسطولا (نسبة في رحلة وأطلق عليه فيما بعد اسم سفينة) مزوداً برجال بلهاء، ويحاولون حتى يشقوا عباب بحر الحياة، ويحاول أبله وراء الآخر حتى يسير في اختيار على المسرح، وتتحمل طائفة تلوأخرى سوط لذعات حدثات المحامي الغاضبة - الفلاح والميكانيكي والشحاذ والمقامر والبخيل والمرابي والفلكي والمحامي ومدعي الفهم والمحتال والفيلسوف والقسيس. ومثّلت المسرحية أيضاً زهوالرجال الجشعين وكسل الطلبة وخسة التجار وخيانة الأجراء- جميع هؤلاء ينالون نصيبهم من الضربات، ويحتفظ برانت باحترامه للكاثوليكي الورع المستمسك بعقيدته والذي يرقب حياته على أساس الظفر بالجنة.

وقد طبع هذا الكتاب طبعة فاخرة، وزين بالصور التي توضع جميع فقرة هاتى لاذعة في الحكاية، وحاز الكتاب قصب السبق في غرب أوربا، وترجم إلى اثنتي عشرة لغة، وكان أوسع الخط انتشاراً في هذا العهد بعد الكتاب المقدس.

وإذا كان برانت قد مس بسوطه رجال الدين برفق فإن توماس مورنر، وهوراهب فرنسسكاني، هاجم الرهبان والقسس والأساقفة والراهبات بهاتى مقنع فاق ف حدته وغلظته وذكائه هاتى برانت. ولقد نطق مورنر إذا القس يعني بالمال أكثر مما يعنى بالدين، وهويتملق رعايا أبرشيته من أجل الحصول على جميع دانق، ثم يدفع مقداراً مما جمعه إلى الأسقف التابع له ليسمح له باتخاذ خليلة، أما الراهبات فإنهن يمارسن الحب خفية، والراهبة التي تنجب أكبر عدد من الأولاد تتخذ رئيسة للدير. ومهما يكن من أمر فإن مورنر اتفق في الرأي مع برانت على وجوب الإخلاص للكنيسة واتهم لوثر بأنه أشد بلاهة. ورثى لضعف الإيمان عند المسيحي والفوضى الضاربة أطنابها في العالم الديني، وذلك في قصيدة مؤثرة بعنوان "ضعف الإيمان عند المسيحيين".

وإذا كانت الشعبية الهائلة التي حظيت بها هذه القصائد الهجائية قد أماطت اللثام عن الاحتقار الذي يكنه حتى الكاثوليكيين المخلصين لرجال الدين، فإن أدب الهاتى العنيف الذي تميز به أولريخ فون هوتن قضى على جميع أمل في حتى تصلح الكنيسة من نفسها، ونادى إلى الثورة الصريحة. وقد ولد أولريخ من أسرة تنتمس إلى الفرسان في فرانكونيا، وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره أوفد إلى دير فولدا على أمل حتى يصبح راهباً. وبعد وضعه بست سنوات تحت الاختبار هرب (1505) وعاش عيشة طالب متجول وأخذ يؤلف الشعر ويلقي القصائد يستجدي بها العيش، وكثيراً ما يقضى ليلة بلا مأوى، وإن كان لا يعدم الوسائل لمطارحة فتاة الغرام وهي فتاة هجرت بصمتها في دمه. وأنهكت الحمى جسده أوكادت، وكثيراً ما كانت تشل ساقه اليسرى من أثر القروح والأورام، وكان حاد الطبع يستثار بسهولة، مثله في ذلك مثل جميع عليل، ومع ذلك وجده أيوبان هسى محبوباً كما هو، واصطحبه أسقف كريم إلى فيينا حيث رحب به فهماء الإنسانيات، ولكنه اختلف معهم وانتقل إلى إيطاليا. ودرس في بافيا وبولونيا، وصوب قذائف من القصائد الساخرة ضد البابا جوليوس الثاني، وانضم إلى جيش ألماني من الغزاة لكي يحصل على الطعام، ثم قفل أدراجه عائدا إلى ألمانيا وهوفي أقصى حالات الإعياء.

وابتسم له الحظ إلى حين في ماينز: فقد خط قصيدة مدح في كبير الأساقفة الشاب ألبرخت فتلقى منه 200 جيلدر (5.000 دولار؟) اعترافاً بالجميل. وكان بلاط ألبرخت وقتذاك يعج بفهماء الإنسانيات، وكان الكثيرون منهم من المفكرين الأحرار الذين لا يتمتعون بالاحترام. وبدأ هوتن هناك يخط منطقته في كتاب "رسالة من رجال مغمورين"، والتقى هناك أيضاً بإرازموس، وخلب العالم الكبير لبه بسعة اطلاعه وذكائه وسحره. وبدأ مرة أخرى ينشد شمس إيطاليا مستعيناً بالمال الذي حصل عليه من ألبرخت والمعونة التي تلقاها من والده الذي رق لحاله، وكان في جميع محطة يتوقف فيها ينسف طائفة فهماء اللاهوت والرهبان المنافقين الفاسدين. "وأوفد من عاصمة البابوية إنذار إلى كروتوس روبيانوس هذا نصه: أرجوحتى تتخلى يا صديقي عن رغبتك في مشاهدة روما، فإن ما تنشده هناك لم يعد موجودا... قد تعيش من السلب والنهب، وقد ترتكب جريمة اغتال أوتنتهك حرمة المعابد... وقد تعربد وتستسلم للشهوات وتنكر وجود الله في السماء، ولكن إذا أتيت إلى روما محملا بالمال فثق بأنك ستلق من الناس أعظم احترام. إذا الفضيلة وبركات السماء تباع هنا، بل إذا في وسعك حتى تشتري الحق في حتى ترتكب ما شئت من الخطايا في المستقبل، وليس من شك في أنك تكون معتوهاً لوتمسكت بالأخلاق الطيبة؛ فالناس العقلاء سيكونون أشراراً".

وفي سخرية مرحة أهدى إلى ليوالعاشر (1517) طبعة جديدة من رسالة فالا المدمرة عن "هبة قسطنطين" الخيالية، وأكد للبابا حتى أغلب أسلافه من البابوات كانوا طغاة مستبدين ولصوصاً ومغتصبين، وأنهم حولوا الجزاء في العالم الآخر إلى ولج لأنفسهم، وقد سقط هذا العمل في يد لوثر فزاد من سخطه على البابوية.

وعلى الرغم مما تتسم به كثير من قصائد هوتن من عنف وقدح، فإنها حققت له شهرة موزعة على أنحاء ألمانيا. وعندما عاد إلى الوطن عام 1517 أضافه كونراد بويتنجر في نورمبرج وتوج ماكسمليان، بناء على اقتراح هذا العالم الثري، هوتن أميراً للشعراء. وألحقه ألبرخت وقتذاك بخدمته الدبلوماسية وأوفده في بعثات مهمة وصلت إلى باريس. وعندما عاد هوتن إلى ماينز (1518) عثر ألمانيا في ثورة بسبب منطقات لوثر عن صكوك الغفران، ولا بد أنه ابتسم عندما رأى صاحبه كبير الأساقفة المستهين بالأمور متورطاً في موقف لا يحسد عليه. وكان لوثر قد استدعى إلى أوجسبورج للقاءة الكاردينال كاجيتان، وليدفع عن نفسه تهمة الهرطقة. وتردد هوتن، فقد كان مرتبطاً، عاطفياً ومالياً، بكبير الأساقفة، ولكنه أحس بنداء الحرب في دمه فامتطى جواده وسافر إلى أوگسبورگ.

وعلى العكس من لوثر فقد حاول هوتن حتى يفرض الإصلاح بحد السيف عندما حاول، ومعه فرانز فون سيكينگن، حتى يبدآ حملة صليبية شعبية داخل الامبراطورية الرومانية المقدسة ضد سلطة الكنيسة الكاثوليكية ولصالح ديانة الإصلاح اللوثري. وفيما سمي بعصيان الفرسان، فقد هاجموا اقطاعية رئيس أساقفة ترير في 1522. إلا حتى كبير الأساقفة صمد أمام الهجوم وما لبث الفرسان حتى هـُزموا في 1523، مما قضى عليهم كقوة سياسية هامة داخل الامبراطورية.

وبعد هزيمته، حاول هوتن حتى يستميل إرازموس من روتردام لجانب الإصلاح. إرازموس رفض حتى يأخذ أياً من الجانبين، كما رفض لقاءة هوتن عندما أتى الأخير، مريضاً فقيراً، إلى بازل في 1523.

وطوال الخمسة عشرة سنة الأخيرة من عمره، عانى هوتن من سقم الزهري، الذي توفي بسببه في النهاية معزولاً في جزيرة اوفناوببحيرة زيوريخ. وكان قد خط كتاباً عام 1519، De morbo gallico [عن السقم الفرنسي] عن علاج الزهري, والذي يـُعتبر الآن من أوائل شهادات السقمى في تاريخ الطب.

لجوء هوتن إلى اوفناوووفاته كانا موضوع قصيدة خطها كونراد فرديناند ماير, آخر أيام هوتن Huttens letzte Tage.

وهناك سطر من ثالث منطقات هوتن الثلاث المسـَّيت جمعاً 'القدحيات Invectives', videtis illam spirare libertatis auram, كان مصدر إلهام شعار جامعة ستانفورد, Die Luft der Freiheit weht أي "ريح الحرية".