المرأة الأندلسية
عاشت المرأة الأندلسيّة في القرن الخامس الهجري وضعاً يكادقد يكون صورة لوضع أختها في المشرق العربي; فقد سيطرت العادات المشرقية على المرأة الأندلسية, ولكن هذا لم يحرمها من حتى تتمتع بحريّة في حدود المعقول, فقد كانت تخرج للصلاة يوم الجمعة, وبعد الانتهاء من الصلاة كانت ترى في شوارع المدينة تمضي يوم عطلتها في بهجة ومرح, كما كانت تشهجر في الحفلات التي تقام في إشبيلية على ضفاف الوادي الكبير.
وأكبر نموذج لحرية المرأة الأندلسية في ذلك العهد اسم "ولادة بنت المستكفي" فقد كانت "في نساء زمانها واحدة أقرانها... وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر, وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر... يتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها... خطت - زعموا - على أحد عاتقي ثوبها:
أنا والله أصلح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وخطت على الآخر : أمكِّنُ عاشقي من صحن خدّي وأعطي قبلتي من يشتهيها
ويروي ابن حزم قصصاً كثيرة عن المرأة في ذلك العهد, تصوّر حياة المجتمع والدّور الذي احتلته المرأة فيه, فيورد كثيراً من قصص النساء ذوات الشرف وكيف كنّ يتعلقن بحب رجال من عامّة الناس, ويتم تبادل الرسائل بينهم, وكثيراً ما كان أمرهنّ يفتضح لدى الناس ويسمع به القريب والبعيد.
ويبدوحتى أثر المرأة في المجتمع كان كبيراً, فقد استطاعت حتى تسيطر حتى على كبار الأئمة وتميل قلوبهم وتجعلهم سخرية, وامتد تأثيرها إلى أكثر من ذلك إذ أنها كانت سبباً في جنون بعض الرجال ممن اشتهروا بحسن سيرتهم وأدبهم. ومن النساء من استطاعت حتى تملك قلوب الملوك, وتلج إلى قصورهم, وتصبح سيدة القصر الأولى. فقد تمكّنت "اعتماد" المشهورة بالرّميكيّة بفضل ذكائها وفطنتها حتى تكون زوجة للمعتمد بن عباد ملك اشبيلية وأماً لأولاده. وقد كانت المرأة في هذا العهد على قدر كبير من الفطنة والفهم, فابن حزم العالم الفقيه قد تعلّم على أيدي النساء في صباه: "وهنّ فهمنني القرآن وروّينني كثيراً من الأشعار ودرّبنني في الخط".
ومن النساء اللّواتي اشتهرن بالفهم والأدب "العبادية" التي أهداها مجاهد العامري ملك دانية إلى المعتضد بن عباد والد المعتمد, فقد كانت أديبة ظريفة, محررة وشاعرة عالمة بكثير من علوم باللّغة. كما اشتهرت بثينة بنت المعتمد بن عباد وابنة الرّميكية بجمالها وحلاوة نادرتها ونظمها للشعر. وكانت مريم بنت يعقوب الأنصاري تعلّم النساء الأدب. أما نزهون الغرناطية فقد اشتهرت بجمالها وخفة دمها, وحفظها للشعر والأمثال.