الجزء الثالث

عودة للموسوعة

الجزء الثالث

الجزء الثالث

نفسية بني إسرائيل الذليلة:

لقد توفي فرعون مصر. غرق أمام عيون المصريين وبني إسرائيل. ورغم موته، فقد ظل أثره باقيا في نفوس المصريين وبني إسرائيل. من الصعب على سنوات القهر الطويلة والذل المكثف حتى تمر على نفوس الناس مر الكرام. لقد عوّد فرعون بني إسرائيل الذل لغير الله. هزم أرواحهم وأفسد فطرتهم فعذبوا موسى عذابا شديدا بالعناد والجهل.

كانت معجزة شق البحر لم تزل طرية في أذهانهم، حين مروا على قوم يعبدون الأصنام. وبدلا من حتى يظهروا استيائهم لهذا الظلم للعقل، ويحمدوا الله حتى هداهم للإيمان. بدلا من ذلك التفتوا إلى موسى وطلبوا منه حتى يجعل لهم إلها يعبدونه مثل هؤلاء الناس. أدركتهم الغيرة لمرأى الأصنام، ورغبوا في مثلها، وعاودهم الحنين لأيام الشرك القديمة التي عاشوها في ظل فرعون. واستلفتهم موسى إلى جهلهم هذا، وبيّن لهم حتى عمل هؤلاء باطل، وأن الله فضل بني إسرائيل على العالمين فكيف يجحد هذا التفضيل ويجعل لهم صنما يعبدونه من دون الله. ثم ذكّرهم بفرعون وعذابه لهم، وكيف حتى الله نجاهم منه، فكيف بعد ذلك يشركون بالله مالا يضر ولا ينفع.

موعد موسى لملاقاة ربه:

انتهت الفترة الأولى من مهمة موسى عليه السلام، وهي تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والتعذيب على يد فرعون وجنده. والسير بهم إلى الديار المقدسة. لكن القوم لمقد يكونوا على استعداد للمهمة الكبرى، مهمة الخلافة في الأرض بدين الله. وكان الاختبار الأول أكبر مرشد على ذلك. فما حتى رأوا قوما يعبدون صنما، حتى اهتزت عقيدة التوحيد في نفوسهم، وطلبوا من موسى حتى يجعل لهم وثنا يعبدوه. فكان لا بد من رسالة مفصلة لتربية هذه الأمة وإعدادها لما هم مقبلون عليه. من أجل هذه الرسالة كانت مواعدة الله لعبده موسى ليلقاه. وكانت هذه المواعدة إعداد لنفس موسى ليتهيأ للموقف الضخم العظيم. فاستخلف في قومه أخاه هارون عليه السلام.

كانت فترة الإعداد ثلاثين ليلة، أضيف إليها عشر، فبلغت عدتها أربعين ليلة. يروض موسى فيها نفسه على اللقاء الموعود؛ وينعزل فيها عن شواغل الأرض؛ فتصفوروحه وتتقوى عزيمته. ويذكر ابن كثير في تفسيره عن أمر هذه الليالي: "فذكر تعالى أنه واعد موسى ثلاثين ليلة؛ نطق المفسرون: فصامها موسى -عليه السلام- وطواها، فلما تم الميقات استاك بلحاء شجرة، فأمره الله تعالى حتى يكمل العشرة أربعين".

كان موسى بصومه -أربعين ليلة- يقترب من ربه أكثر. وكان موسى بتكليم الله له يزداد حبا في ربه أكثر. فطلب موسى حتى يرى الله. ونحن لا نعهد أي مشاعر كانت تجيش في قلب موسى عليه الصلاة والسلام حين سأل ربه الرؤية. أحيانا كثيرة يدفع الحب البشري الناس إلى طلب المحال. فما بالك بالحب الإلهي، وهوأصل الحب،يا ترى؟ إذا عمق إحساس موسى بربه، وحبه لخالقه، واندفاعه الذي لم يزل يميز شخصيته. دفعه هذا كله إلى حتى يسأل الله الرؤية.

واتىه رد الحق عز وجل: قَالَ لَن تَرَانِي

ولوحتى الله تبارك وتعالى نطقها ولم يزد عليها شيئا، لكان هذا عدلا منه سبحانه، غير حتى الموقف هنا موقف حب إلهي من جانب موسى. موقف اندفاع يبرره الحب ولهذا أدركت رحمة الله تعالى موسى. أفهمه أنه لن يراه، لأن أحدا من الخلق لا يصمد لنور الله. أمره حتى ينظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه فسوف يراه.

نطق تعالى: (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا)

لا يصمد لنور الله أحد. فدكّ الجبل، وصار مسوّى في الأرض. وسقط موسى مغشيا عليه غائبا عن وعيه. فلما أفاق نطق سبحانك تنزهت وتعاليت عن حتى ترى بالأبصار وتدرك. وتبت إليك عن تجاوزني للمدى في سؤالك! وأنا أول المؤمنين بك وبعظمتك.

ثم تتداركه رحمة ربه من جديد. فيتلقى موسى -عليه السلام- البشرى. بشرى الاصطفاء. مع التوجيه له بالرسالة إلى قومه بعد الخلاص. نطق تعالى: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ)

وقف كثير من المفسرين أمام قوله تعالى لموسى: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي). وأجريت مقارنات بينه وبين غيره من الأنبياء. فقيل إذا هذا الاصطفاء كان خاصا بعصره وحده، ولا ينسحب على العصر الذي سبقه لوجود إبراهيم فيه، وإبراهيم خير من موسى، أيضا لا ينطبق هذا الاصطفاء على العصر الذي يأتي بعده، لوجود محمد بن عبد الله فيه، وهوأفضل منهما.

ونحب حتى نبتعد عن هذا الجدال كله. لا لأننا نعتقد حتى جميع الأنبياء سواء. إذا إذا الله سبحانه وتعالى يحدثنا أنه فضل بعض النبيين على بعض، وحمل درجات بعضهم على البعض. غير حتى هذا التفضيل ينبغي حتىقد يكون منطقة محرمة علينا، ولنقف نحن في مسقط الإيمان بجميع الأنبياء لا نتعداه. ولنؤد نحوهم فروض الاحترام على حد سواء. لا ينبغي حتى يخوض الخاطئون في درجات المعصومين المختارين من الله. ليس من الأدب حتى نفاضل نحن بين الأنبياء. الأولى حتى نؤمن بهم جميعا.

ثم يبين الله تعالى مضمون الرسالة (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) ففيها جميع شيء يختص بموضوع الرسالة وغايتها من بيان الله وشريعته والتوجيهات المطلوبة لإصلاح حال هذه الأمة وطبيعتها التي أفسدها الذل وطول الأمد!

عبادة العجل:

انتهى ميقات موسى مع ربه تعالى. وعاد غضبان أسفا إلى قومه. فلقد أبلغه الله حتى قموه قد ضلّوا من بعده. وأن رجلا من بني إسرائيل يدعى السّامري هومن أضلّهم. انحدر موسى من قمة الجبل وهويحمل ألواح التوراة، قلبه يغلي بالغضب والأسف. نستطيع حتى نتخيل انفعال موسى وثورته وهويحث خطاه نحوقومه.

لم يكد موسى يغادر قومه إلى ميقات ربه. حتى سقطت فتنة السامري. وتفصيل هذه الفتنة حتى بني إسرائيل حين خرجوا من مصر، صحبوا معهم كثيرا من حلي المصريين ومضىهم، حيث كانت نساء بني إسرائيل قد استعرنه للتزين به، وعندما أمروا بالخروج حملوه معهم. ثم قذفوها لأنها حرام. فأخذها السامري، وصنع منها تمثالا لعجل. وكان السامري فيما يظهر نحاتا محترفا أوصائغا سابقا، فصنع العجل مجوفا من الداخل، ووضعه في اتجاه الريح، بحيث يدخل الهواء من فتحته الخلفية ويخرج من أنفه فيحدث صوتا يشبه خوار العجول الحقيقية.

وينطق إذا سر هذا الخوار، حتى السامري كان قد أخذ قبضة من تراب سار عليه جبريل -عليه السلام- حين هبط إلى الأرض في معجزة شق البحر. أي حتى السامري أبصر بما لم يبصروا به، فقبض قبضة من أثر الرسول -جبريل عليه السلام- فوضعها مع المضى وهويصنع منه العجل. وكان جبريل لا يسير على شيء إلا دبت فيه الحياة. فلما أضاف السامري التراب إلى المضى، ثم خلق منه العجل، خار العجل كالعجول الحقيقية. وهذه هي السيرة التي نطقها السامري لموسى عليه السلام.

بعد ذلك، خرج السامري على بني إسرائيل بما صنعه..

سألوه: ما هذا يا سامري؟ نطق: هذا إلهكم وإله موسى! نطقوا: لكن موسى مضى لميقات إلهه. نطق السامري: لقد نسي موسى. مضى للقاء ربه هناك، بينما ربه هنا.

وهبت موجة من الرياح فدخلت من دبر العجل المضى وخرجت من فمه فخار العجل. وعبد بنوإسرائيل هذا العجل. لعل دهشة القارئ تثور لهذه الفتنة. كيف من الممكن أن يمكن الاستخفاف بعقول القوم لهذه الدرجة؟! لقد سقطت لهم معجزات هائلة. فكيف ينقلبون إلى عبادة الأصنام في لحظة،يا ترى؟ تزول هذه الدهشة لونظرنا في نفسية القوم الذين عبدوا العجل. لقد تربوا في مصر، أيام كانت مصر تعبد الأصنام وتقدس فيما تقدس العجل أبيس، وتربوا على الذل والعبودية، فتغيرت نفوسهم، والتوت فطرتهم، ومرت عليهم معجزات الله فصادفت نفوسا تالفة الأمل. لم يعد هناك ما يمكن حتى يصنعه لهم أحد. إذا حدثات الله لم تعدهم إلى الحق، كما حتى المعجزات الحسية لم تقنعهم بصدق الحدثات، ظلوا داخل أعماقهم من عبدة الأوثان. كانوا وثنيين مثل سادتهم المصريين القدماء. ولهذا السبب انقلبوا إلى عبادة العجل.

وفوجئ هارون عليه الصلاة والسلام يوما بأن بني إسرائيل يعبدون عجلا من المضى. انقسموا إلى قسمين: الأقلية المؤمنة أدركت حتى هذا هراء. والأغلبية الكافرة طاوعت حنينها لعبادة الأوثان. ووقف هارون وسط قومه وراح يعظهم. نطق لهم: إنكم فتنتم به، هذه فتنة، استغل السامري جهلكم وفتنكم بعجله. ليس هذا ربكم ولا رب موسى (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي).

ورفض عبدة العجل موعظة هارون. لكن هارون -عليه السلام- عاد يعظهم ويذكرهم بمعجزات الله التي أنقذهم بها، وتكريمه ورعايته لهم، فأصموا آذانهم ورفضوا حدثاته، واستضعفوه وكادوا يقتلونه، وأنهوا مناقشة الموضوع بتأجيله حتى عودة موسى. كان واضحا حتى هارون أكثر لينا من موسى، لم يكن يهابه القوم للينه وشفقته. وخشي هارون حتى يلجأ إلى القوة ويحطم لهم صنمهم الذي يعبدونه فتثور فتنة بين القوم. فآثر هارون تأجيل الموضوع إلى حتى يحضر موسى.

كان يعهد حتى موسى بشخصيته القوية، يستطيع حتى يضع حدا لهذه الفتنة. واستمر القوم يرقصون حول العجل.

انحدر موسى عائدا لقومه فسمع صياح القوم وجلبتهم وهم يرقصون حول العجل. توقف القوم حين ظهر موسى وساد صمت. صرخ موسى يقول: (بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ).

اتجه موسى نحوهارون وألقى ألواح التوراة من يده على الأرض. كان إعصار الغضب داخل موسى يتحكم فيه تماما. أعطى موسى يديه وأمسك هارون من شعر رأسه وشعر لحيته وشده نحوه وهويرتعش. نطق موسى:

يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) (طه)

إن موسى يتساءل هل عصى هارون أمره. كيف من الممكن أن سكت على هذه الفتنة،يا ترى؟ كيف من الممكن أن طاوعهم على البقاء معهم ولم يخرج ويهجرهم ويتبرأ منهم،يا ترى؟ كيف من الممكن أن سكت عن مقاومتهم أصلا،يا ترى؟ إذا الساكت عن الخطأ مشهجر فيه بشكل ما. زاد الصمت عمقا بعد جملة موسى الغاضبة. وتحدث هارون إلى موسى. رجا منه حتى يهجر رأسه ولحيته. بحق انتمائهما لأم واحدة. وهويذكره بالأم ولا يذكره بالأب ليكون ذلك أدعى لاستثارة مشاعر الحنوفي نفسه.

أفهمه حتى الأمر ليس فيه عصيان له. وليس فيه رضا بموقف عبدة العجل. إنما خشي حتى يهجرهم ويمضي، فيسأله موسى كيف من الممكن أن لم يبق فيهم وقد هجره موسى مسؤولا عنهم، وخشي لوقاومهم بعنف حتى يثير بينهم قتالا فيسأله موسى كيف من الممكن أن فرق بينهم ولم ينتظر عودته.

أفهم هارون أخاه موسى برفق ولين حتى القوم استضعفوه، وكادوا يقتلونه حين قاومهم. رجا منه حتى يهجر رأسه ولحيته حتى لا يشمت به الأعداء، ويستخف به القوم زيادة على استخفافهم به. أفهمه أنه ليس ظالما مثلهم عندما سكت عن ظلمهم.

أدرك موسى أنه ظلم هارون في غضبه الذي أشعلته غيرته على الله تعالى وحرصه على الحق. استوعب حتى هارون تصرف أفضل تصرف ممكن في هذه الظروف. هجر رأسه ولحيته واستغفر الله له ولأخيه. التفت موسى لقومه وتساءل بصوت لم يزل يضطرب غضبا: (يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي).

إنه يعنفهم ويوبخهم ويلفتهم بإشارة سريعة إلى غباء ما عملوه. عاد موسى يقول غاضبا أشد الغضب: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ).

لم تكد الجبال تبتلع أصداء الصوت الغاضب حتى نكس القوم رءوسهم وأدركوا خطأهم. كان افتراؤهم واضحا على الحق الذي اتى به موسى. أبعد جميع ما عمله الله تعالى لهم، ينكفئون على عبادة الأصنام؟! أيغيب موسى أربعين يوما ثم يعود ليجدهم يعبدون عجلا من المضى. أهذا تصرف قوم، عهد الله إليهم بأمانة التوحيد في الأرض؟

التفت موسى إلى السامري بعد حديثه القصير مع هارون. لقد أثبت له هارون براءته كمسئول عن قومه في غيبته، كما سكت القوم ونكسوا رءوسهم أمام ثورة موسى، لم يبق إلا المسئول الأول عن الفتنة. لم يبق إلا السامري.

تحدث موسى إلى السامري وغضبه لم يهدأ بعد: قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ إنه يسأله عن قصته، ويريد حتى يعهد منه ما الذي حمله على ما صنع. نطق السامري: بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ رأيت جبريل وهويركب فرسه فلا تضع قدمها على شيء إلا دبت فيه الحياة. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أخذت حفنة من التراب الذي سار عليه جبريل وألقيتها على المضى. فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي هذا ما ساقتني نفسي إليه.

لم يناقش موسى، عليه السلام السامري في انادىئه. إنما قذف في وجهه حكم الحق. ليس المهم حتىقد يكون السامري قد رأى جبريل، عليه السلام، فقبض قبضة من أثره. ليس المهم حتىقد يكون خوار العجل بسبب هذا التراب الذي سار عليه فرس جبريل، أوقد يكون الخوار بسبب ثقب اصطنعه السامري ليخور العجل. المهم في الأمر كله جريمة السامري، وفتنته لقوم موسى، واستغلاله إعجاب القوم الدفين بسادتهم المصريين، وتقليدهم لهم في عبادة الأوثان. هذه هي الجريمة التي حكم فيها موسى عليه السلام: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا).

حكم موسى على السامري بالوحدة في الدنيا. يقول بعض المفسرين: إذا موسى نادى على السامري بأن لا يمس أحدا، معاقبة له على مسه ما لم يكن ينبغي له مسه.

ونعتقد حتى الأمر أخطر كثيرا من هذه النظرة السريعة. إذا السامري أراد بفتنته ضلال بني إسرائيل وجمعهم حول عجله الوثني والسيادة عليهم، وقد اتىت عقوبته مساوية لجرمه، لقد حكم عليه بالنبذ والوحدة. هل سقم السامري سقما جلديا بشعا صار الناس يأنفون من لمسه أومجرد الاقتراب منه،يا ترى؟ هل اتىه النبذ من خارج جسده،يا ترى؟ لا نعهد ماذا كان من أمر الأسلوب الذي تمت به وحدة السامري ونبذ المجتمع له. جميع ما نعهده حتى موسى أسقط عليه عقوبة رهيبة، كان أهون منها القتل، فقد عاش السامري منبوذا محتقرا لا يلمس شيئا ولا يمس أحدا ولا يقترب منه مخلوق. هذه هي عقوبته في الدنيا، ويوم القيامة له عقوبة ثانية، يبهمها السياق لتجيء ظلالها في النفس أخطر وأرعب.

نهض موسى بعد فراغه من السامري إلى العجل المضى وألقاه في النار. لم يكتف بصهره أمام عيون القوم المبهوتين، وإنما نسفه في البحر نسفا. تحول الإله المعبود أمام عيون المفتونين به إلى رماد يتطاير في البحر. ارتفع صوت موسى: (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) هذا هوإلهكم، وليس ذلك الصنم الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.

بعد حتى نسف موسى الصنم، وفرغ من الجاني الأصلي، التفت إلى قومه، وحكم في القضية كلها فأفهمهم أنهم ظلموا أنفسهم وهجر لعبدة العجل مجالا واحدا للتوبة. وكان هذا المجال حتى يقتل المطيع من بني إسرائي من عصى.

نطق تعالى:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم (54) (البقرة)

كانت العقوبة التي قررها موسى على عبدة العجل مهولة، وتتفق مع الجرم الأصلي. إذا عبادة الأوثان إهدار لحياة العقل وصحوته، وهي الصحوة التي تميز الإنسان عن غيره من البهائم والجمادات، وإزاء هذا الإزهاق لصحوة العقل، تجيء العقوبة إزهاقا لحياة الجسد نفسه، فليس بعد العقل للإنسان حياة يتميز بها. ومن نوع الجرم اتىت العقوبة. اتىت قاسية ثم رحم الله تعالى وتاب. إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم .

أخيرا. سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ. تأمل تعبير القرآن الكريم الذي يصور الغضب في صورة كائن يقود تصرفات موسى، ابتداء من إلقائه لألواح التوراة، وشده للحية أخيه ورأسه. وانتهاء بنسف العجل في البحر، وحكمه بالقتل على من اتخذوه ربا. أخيرا سكت عن موسى الغضب. زايله غضبه في الله، وذلك أحمل أنواع الغضب وأجدرها بالاحترام والتوقير. التفت موسى إلى مهمته الأصلية حين زايله غضبه فتذكر أنه ألقى ألواح التوراة. وعاد موسى يأخذ الألواح ويعاود دعوته إلى الله.

حمل الجبل فوق رؤوس بني إسرائيل:

عاد موسى إلى هدوئه، واستأنف جهاده في الله، وقرأ ألواح التوراة على قومه. أمرهم في البداية حتى يأخذوا بأحكامها بقوة وعزم. ومن المدهش حتى قومه ساوموه على الحق. نطقوا: انشر علينا الألواح فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها. فنطق موسى: بل اقبلوها بما فيها. فراجعوا مرارا، فأمر الله تعالى ملائكته فحملت الجبل على رءوسهم حتى صار كأنه غمامة فوقهم، وقيل لهم: إذا لم تقبلوها بما فيها سقط ذلك الجبل عليكم، فقبلوا بذلك، وأمروا بالسجود فسجدوا. وضعوا خدودهم على الأرض وراحوا ينظرون إلى الجبل فوقهم هلعا ورعبا.

إلى غير ذلك أثبت قوم موسى أنهم لا يسلمون وجوههم لله إلا إذا لويت أعناقهم بمعجزة حسية باهرة تلقي الرعب في القلوب وتنثني الأقدام نحوسجود قاهر يدفع الخوف إليه دفعا. إلى غير ذلك يساق الناس بالعصا الإلهية إلى الإيمان. يقع هذا في ظل غياب الوعي والنضج الكافيين لقيام الاقتناع العقلي. ولعلنا هنا نشير مرة أخرى إلى نفسية قوم موسى، وهي المسئول الأول عن عدم اقتناعهم إلا بالقوة الحسية والمعجزات الباهرة. لقد تربى قوم موسى ونشئوا وسط هوان وذل، أهدرت فيهما إنسانيتهم والتوت فطرته. ولم يعد ممكنا بعد ازدهار الذل في نفوسهم واعتيادهم إياه، لم يعد ممكنا حتى يساقوا إلى الخير إلا بالقوة. لقد اعتادوا حتى تسيرهم القوة القاهرة لسادتهم القدامى، ولا بد لسيدهم الجديد (وهوالإيمان) من حتى يقاسي الأهوال لتسييرهم، وأن يلجأ مضطرا إلى أسلوب القوة لينقذهم من الهلاك. لم تمر جريمة عبادة العجل دون آثار.

اختيار سبعين رجلا لميقات الله:

أمر موسى بني إسرائيل حتى يستغفروا الله ويتوبوا إليه. اختار منهم سبعين رجلا، الخيّر فالخيّر، ونطق انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه التوبة على من هجرتم وراءكم من قومكم. صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم. خرج موسى بهؤلاء السبعين المختارين لميقات حدده له الله تعالى. دنا موسى من الجبل. وحدث الله تعالى موسى، وسمع السبعون موسى وهويحدث ربه.

ولعل معجزة كهذه المعجزة تكون الأخير، وتكون كافية لحمل الإيمان إلى القلوب مدى الحياة. غير حتى السبعين المختارين لم يكتفوا بما استمعوا إليه من المعجزة. إنما طلبوا رؤية الله تعالى. نطقوا سمعنا ونريد حتى نرى. نطقوا لموسى ببساطة: (يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً).

هي مأساة تثير أشد الدهشة. وهي مأساة تشير إلى صلابة القلوب واستمساكها بالحسيات والماديات. كوفئ الطلب المتعنت بعقوبة صاعقة. أخذتهم رجفة مدمرة صعقت أرواحهم وأجسادهم على الفور. ماتوا.

أدرك موسى ما أحدثه السبعون المختارون فملأه الأسى وقام يدعوربه ويناشده حتى يعفوعنهم ويرحمهم، وألا يؤاخذهم بما عمل السفهاء منهم، وليس طلبهم رؤية الله تبارك وتعالى وهم على ما هم فيه من البشرية الناسيرة وقسوة القلب غير سفاهة كبرى. سفاهة لا يكفر عنها إلا الموت.

قد يطلب النبي رؤية ربه، كما عمل موسى، ورغم انطلاق الطلب من واقع الحب العظيم والهوى المسيطر، الذي يبرر بما له من منطق خاص هذا الطلب، رغم هذا كله يعتبر طلب الرؤية تجاوزا للحدود، يجازى عليه النبي بالصعق، فما بالنا بصدور هذا الطلب من بشر خاطئين، بشر يحددون للرؤية مكانا وزمانا، بعد جميع ما لقوه من معجزات وآيات..،يا ترى؟ أليس هذا سفاهة كبرى..،يا ترى؟ إلى غير ذلك صعق من طلب الرؤية.. ووقف موسى يدعوربه ويستعطفه ويترضاه.. يحكي المولى عز وجل نادىء موسى عليه السلام بالتوبة على قومه في سورة الأعراف:

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِين (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) (الأعراف)

هذه كانت حدثات موسى لربه وهويدعوه ويترضاه. ورضي الله تعالى عنه وغفر لقومه فأحياهم بعد موتهم، واستمع المختارون في هذه اللحظات الباهرة من تاريخ الحياة إلى النبوءة بمجيء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

سنلاحظ طريقة الربط بين الحاضر والماضي في الآية، إذا الله تعالى يتجاوز زمن محاورة الرسول في الآيات إلى زمنين سابقين، هما نزول التوراة ونزول الإنجيل، ليقرر أنه (تعالى) بشّر بمحمد في هذين الكتابين الكريمين. نعتقد حتى إيراد هذه البشرى اتى يوم صحب موسى من قومه سبعين رجلا هم شيوخ بني إسرائيل وأفضل من فيهم، لميقات ربه. في هذا اليوم الخطير بمعجزاته الكبرى، تم إيراد البشرى بآخر أنبياء الله عز وجل.

يقول ابن كثير في كتابه قصص الأنبياء، نقلا عن قتادة:

إن موسى نطق لربه: يا رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. رب اجعلهم أمتي. نطق: تلك أمة أحمد. نطق: ربي إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها. وكان من قبلهم يقرءون كتابهم نظرا، حتى إذا حملوها لم يحفظوا شيئا ولم يعهدوه. وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم. رب اجعلهم أمتي. نطق: تلك أمة أحمد. نطق: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فضول الضلالة. فاجعلهم أمتي. نطق: تلك أمة أحمد. نطق: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم، ويؤجرون عليها، وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق أحدهم بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا فأكلتها، وإن ردت عليه هجرت فتأكلها السباع والطير. وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم. رب فاجعلهم أمتي. نطق: تلك أمة أحمد. نطق: رب فإني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم عملها خطت له عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. رب اجعلهم أمتي. نطق: تلك أمة أحمد.

نزول المن والسلوى:

سار موسى بقومه في سيناء. وهي صحراء ليس فيها شجر يقي من الشمس، وليس فيها طعام ولا ماء. وأدركتهم رحمة الله فساق إليهم المن والسلوى وظللهم الغمام. والمن مادة يميل طعمها إلى الحلاوة وتفرزها بعض أشجار الفاكهة. وساق الله إليهم السلوى، وهونوع من أنواع الطيور ينطق إنه (السمان). وحين اشتد بهم الظمأ إلى الماء، وسيناء مكان يخلومن الماء، ضرب لهم موسى بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا من المياه. وكان بنوإسرائيل ينقسمون إلى 12 سبطا. فأوفد الله المياه لكل مجموعة. ورغم هذا الإكرام والحفاوة، تحركت في النفوس التواءاتها المريضة. واحتج قوم موسى بأنهم سئموا من هذا الطعام، واشتاقت نفوسهم إلى البصل والثوم والفول والعدس، وكانت هذه الأطعمة أطعمة مصرية تقليدية. إلى غير ذلك سأل بنوإسرائيل نبيهم موسى حتى يدعوالله ليخرج لهم من الأرض هذه الأطعمة.

وعاد موسى يستلفتهم إلى ظلمهم لأنفسهم، وحنينهم لأيام هوانهم في مصر، وكيف أنهم يتبطرون على خير الطعام وأكرمه، ويريدون بدله أدنى الطعام وأسوأه.

السير باتجاه بيت المقدس:

سار موسى بقومه في اتجاه البيت المقدس. أمر موسى قومه بدخولها وقتال من فيها والاستيلاء عليها. وها قد اتى امتحانهم الأخير. بعد جميع ما سقط لهم من المعجزات والآيات والخوارق. اتى دورهم ليحاربوا -بوصفهم مؤمنين- قوما من عبدة الأصنام.

رفض قوم موسى دخول الأراضي المقدسة. وحدثهم موسى عن نعمة الله عليهم. كيف من الممكن أن جعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكا يرثون ملك فرعون، وآتاهم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ.

وكان رد قومه عليه أنهم يخافون من القتال. نطقوا: إذا فيها قوما جبارين، ولن يدخلوا الأرض المقدسة حتى يخرج منها هؤلاء.

وانضم لموسى وهارون اثنان من القوم. تقول خط القدماء إنهم خرجوا في ستمائة ألف. لم يجد موسى من بينهم غير رجلين على استعداد للقتال. وراح هذان الرجلان يحاولان إقناع القوم بدخول الأرض والقتال. نطقا: إذا مجرد دخولهم من الباب سيجعل لهم النصر. ولكن بني إسرائيل جميعا كانوا يتدثرون بالجبن ويرتعشون في أعماقهم.

مرة أخرى تعاودهم طبيعتهم التي عاودتهم قبل ذلك حين رأوا قوما يعكفون على أصنامهم. فسدت فطرتهم، وانهزموا من الداخل، واعتادوا الذل، فلم يعد في استطاعتهم حتى يحاربوا. وإن بقي في استطاعتهم حتى يتوقحوا على نبي الله موسى وربه. ونطق قوم موسى له حدثتهم الشهيرة: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) هكذا بصراحة وبلا التواء.

أدرك موسى حتى قومه ما عادوا يصلحون لشيء. توفي الفرعون ولكن آثاره في النفوس باقية يحتاج شفاؤها لفترة طويلة. عاد موسى إلى ربه يحدثه أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه. نادى موسى على قومه حتى يفرق الله بينه وبينهم.

وأصدر الله تعالى حكمه على هذا الجيل الذي فسدت فطرته من بني إسرائيل. كان الحكم هوالتيه أربعين عاما. حتى يموت هذا الجيل أويصل إلى الشيخوخة. ويولد بدلا منه جيل آخر، جيل لم يهزمه أحد من الداخل، ويستطيع ساعتها حتى يقاتل وأن ينتصر.

سيرة البقرة:

بدأت أيام التيه. بدأ السير في دائرة مغلقة. تنتهي من حيث تبدأ، وتبدأ من حيث تنتهي، بدأ السير إلى غير مقصد. ليلا ونهارا وصباحا ومساء. دخلوا البرية عند سيناء.

مكث موسى في قومه يدعوهم إلى الله. ويبدوحتى نفوسهم كانت ملتوية بشكل لا تخطئه عين الملاحظة، وتبدولجاجتهم وعنادهم فيما يعهد بسيرة البقرة. فإن الموضوع لم يكن يقتضي جميع هذه المفاوضات بينهم وبين موسى، كما أنه لم يكن يستوجب جميع هذا التعنت. وأصل سيرة البقرة حتى قتيلا ثريا عثر يوما في بني إسرائيل، واختصم أهله ولم يعهدوا قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى ليلجأ لربه. ولجأ موسى لربه فأمره حتى يأمر قومه حتى يذبحوا بقرة. وكان المفروض هنا حتى يذبح القوم أول بقرة تصادفهم. غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة. اتهموا موسى بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا، واستعاذ موسى بالله حتىقد يكون من الجاهلين ويسخر منهم. أفهمهم حتى حل القضية يكمن في ذبح بقرة.

إن الأمر هنا أمر معجزة، لا علاقة لها بالمألوف في الحياة، أوالمعتاد بين الناس. ليست هناك علاقة بين ذبح البقرة وفهم القاتل في الجريمة الغامضة التي سقطت، لكن متى كانت الأسباب المنطقية هي التي تحكم حياة بني إسرائيل،يا ترى؟ إذا المعجزات الخارقة هي القانون السائد في حياتهم، وليس استمرارها في حادث البقرة أمرا يوحي بالعجب أويثير الدهشة.

لكن بني إسرائيل هم بنوإسرائيل. مجرد التعامل معهم عنت. تستوي في ذلك الأمور الدنيوية المعتادة، وشؤون العقيدة المهمة. لا بد حتى يعاني من يتصدى لأمر من أمور بني إسرائيل. إلى غير ذلك يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم، ثم ينبئهم أنه جاد فيما يحدثهم به، ويعاود أمره حتى يذبحوا بقرة، وتعود الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل إلى الظهور، تعود اللجاجة والالتواء، فيتساءلون: أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الجنس من الحيوان،يا ترى؟ أم أنها خلق تفرد بمزية، فليدع موسى ربه ليبين ما هي. ويدعوموسى ربه فيزداد التشديد عليهم، وتحدد البقرة أكثر من ذي قبل، بأنها بقرة وسط. ليست بقرة مسنة، وليست بقرة فتية. بقرة متوسطة.

إلى هنا كان ينبغي حتى ينتهي الأمر، غير حتى المفاوضات لم تزل مستمرة، ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات. ما لون البقرة،يا ترى؟ لما يدعوموسى ربه ليسأله عن لون هذا البقرة،يا ترى؟ لا يراعون مقتضيات الأدب والوقار اللازمين في حق الله تعالى وحق نبيه الكريم، وكيف أنهم ينبغي حتى يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتصال المتكرر حول موضوع سهل لا يستحق جميع هذه اللجاجة والمراوغة. ويسأل موسى ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة. فيقول أنها بقرة صفراء، فاقع لونها تسر الناظرين.

إلى غير ذلك حددت البقرة بأنها صفراء، ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى اللجاجة والمراوغة. فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه. عادوا يسألون موسى حتى يدعوالله ليبين ما هي، فإن البقر تشابه عليهم، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة الصفرة. انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة. أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها.

وأمسك موسى جزء من البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فنهض من موته. سأله موسى عن قاتله فحدثهم عنه (وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير حتى يتحدث) ثم عاد إلى الموت. وشاهد بنوإسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم، استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل. انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم.

نود حتى نستلفت انتباه القارئ إلى سوء أدب القوم مع نبيهم وربهم، ولعل السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لحدثة "ربك" التي يخاطبون بها موسى. وكان الأولى بهم حتى يقولوا لموسى، تأدبا، لوكان لا بد حتى يقولوا: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) ادع لنا ربنا. أما حتى يقولوا له: فكأنهم يقصرون ربوبية الله تعالى على موسى. ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله. انظر إلى الآيات كيف من الممكن أن توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم: (الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) بعد حتى أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل، بعد حتى أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين اتىهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة.

ساعتها نطقوا له: "الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ". كأنه كان يلعب قبلها معهم، ولم يكن ما اتى هوالحق من أول حدثة لآخر حدثة. ثم انظر إلى ظلال السياق وما تشي به من ظلمهم: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) ألا توحي لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم ومماراتهم ولجاجتهم في الحق،يا ترى؟ هذه اللوحة الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل على موائد المفاوضات. هي صورتهم على مائدة المفاوضات مع نبيهم الكريم موسى.

إيذاء بني إسرائيل لموسى:

قاسى موسى من قومه أشد المقاساة، وعانى عناء عظيما، واحتمل في تبليغهم رسالته ما احتمل في سبيل الله. ولعل معضلة موسى الأساسية أنه بعث إلى قوم طال عليهم العهد بالهوان والذل، وطال بقاؤهم في جويخلومن الحرية، وطال مكثهم وسط عبادة الأصنام، ولقد نجحت المؤثرات الكثيرة المتنوعة في حتى تخلق هذه النفسية الملتوية الخائرة المهزومة التي لا تصلح لشيء. إلا حتى تعذب أنبيائها ومصلحيها.

وقد عذب بنوإسرائيل موسى عذابا نستطيع -نحن أبناء هذا الزمان- حتى ندرك سقطه على نفس موسى النقية الحساسة الكريمة. ولم يقتصر العذاب على العصيان والغباء واللجاجة والجهل وعبادة الأوثان، وإنما تعدى الأمر إلى إيذاء موسى في شخصه.

نطق تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) (الأحزاب)

ونحن لا تعهد كنه هذا الإيذاء، ونستبعد رواية بعض الفهماء التي يقولون فيها حتى موسى كان رجلا حييا يستتر دائما ولا يحب حتى يرى أحد من الناس جسده فاتهمه اليهود بأنه مصاب بسقم جلدي أوبرص، فأراد الله حتى يبرئه مما نطقوا، فمضى يستحم يوما ووضع ثيابه على حجر، ثم خرج فإذا الحجر يجري بثيابه وموسى يجري وراء الحجر عاريا حتى شاهده بنوإسرائيل عاريا وليس بجلده عيب. نستبعد هذه السيرة لتفاهتها، فإنها إلى جوار خرافة جري الحجر بملابسه، لا تعطي موسى حقه من التوقير، وهي تتنافى مع عصمته كنبي.

ونعتقد حتى اليهود آذوا موسى إيذاء نفسيا، هذا هوالإيذاء الذي يدمي النفوس الكريمة ويجرحها حقا، ولا نعهد كيف من الممكن أن كان هذا الإيذاء، ولكننا نستطيع تخيل المدى العبقري الآثم الذي يستطيع بلوغه بنوإسرائيل في إيذائهم لموسى.

فترة التيه:

ولعل أعظم إيذاء لموسى، كان رفض بني إسرائيل القتال من أجل نشر عقيدة التوحيد في الأرض، أوعلى أقل تقدير، السماح لهذه العقيدة حتى تستقر على الأرض في مكان، وتأمن على نفسها، وتمارس تعبدها في هدوء. لقد رفض بنوإسرائيل القتال. ونطقوا لموسى حدثتهم الشهيرة: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ).

وبهذه النفسية حكم الله عليهم بالتيه. وكان الحكم يحدد أربعين عاما كاملة، وقد مكث بنوإسرائيل في التيه أربعين سنة، حتى فني جيل بأكمله. فنى الجيل الخائر المهزوم من الداخل، وولد في ضياع الشتات وقسوة التيه جيل جديد. جيل لم يتربى وسط مناخ وثني، ولم يشل روحه انعدام الحرية. جيل لم ينهزم من الداخل، جيل لم يعد يستطيع الأبناء فيه حتى يفهموا لما يطوف الآباء هكذا بغير هدف في تيه لا يظهر له أول ولا تستبين له نهاية. إلا خشية من لقاء العدو. جيل صار مستعدا لدفع ثمن آدميته وكرامته من دمائه. جيل لا يقول لموسى (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ).

جيل آخر يتبنى قيم الشجاعة العسكرية، كجزء مهم من نسيج أي ديانة من ديانات التوحيد. أخيرا ولد هذا الجيل وسط تيه الأربعين عاما.

ولقد قدر لموسى. زيادة في معاناته وحملا لدرجته عند الله تعالى. قدر له ألا تكتحل عيناه بمرأى هذا الجيل. فقد توفي موسى عليه الصلاة والسلام قبل حتى يدخل بنوإسرائيل الأرض التي خط الله عليهم دخولها.

ونطق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان قومه يؤذونه في الله: قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر.

مات هارون قبل موسى بزمن قصير. واقترب أجل موسى، عليه الصلاة والسلام. وكان لم يزل في التيه. نطق يدعوربه: رب أدنني إلى الأرض المقدسة رمية حجر.

أحب حتى يموت قريبا من الأرض التي هاجر إليها. وحث قومه عليها. ولكنه لم يستطع، ومات في التيه. ودفن عند كثيب أحمر وقع عنه آخر أنبياء الله في الأرض حين أسرى به. نطق محمد صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي مررت بموسى وهوقائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر.

تروي الأساطير عديدا من الحكايات حول موت موسى، وتحكي أنه ضرب ملك الموت حين اتى يستل روحه، وأمثال هذه الروايات كثيرة. لكننا لا نحب حتى نخوض في هذه الروايات حتى لا ننجرف وراء الإسرائيليات التي دخلت بعض خط التفسير.

مات موسى -عليه الصلاة والسلام- في التيه، وتولى يوشع بن نون أمر بني إسرائيل.



الأجزاء : < الجزء الأول الجزء الثانى الجزء الثالث الجزء الرابع


قصص الأنبياء موسى عليه السلام

تاريخ النشر: 2020-06-04 05:10:18
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

العثور على الصندوق الأسود لطائرة نيبال المنكوبة.. ولا ناجين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:40
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 85%

الأحداث الاقتصادية المرتقبة خلال الأسبوع الحالي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:18:48
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 93%

دونيتسك: قوات أوكرانيا فرت في ذعر من سوليدار تاركة أسلحة وذخائر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:09
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 99%

أوزبكستان.. موجة برد تطيح بعمدة طشقند ونائب وزير الطاقة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:08
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 92%

وزير إيراني سابق: فرض الحجاب بالقوة يأتي بنتائج عكسية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:18:23
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 94%

كييف: زيلينسكي سيطلب من كندا تسليم دبابات "ليوبارد2" لأوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:11
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 99%

بالفيديو.. بيكيه يزعج شاكيرا بتصرف جديد ويسخر من أغنيتها!

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:17
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 97%

توقف حركة الملاحة في مضيق البوسفور بعد جنوح سفينة قادمة من أوكرانيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:38
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 89%

وفاة الشاعر المصري ناصر الجيل إثر أزمة قلبية مفاجئة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:18:01
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 97%

لماذا ظهر رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في ليبيا؟

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:20
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 92%

قادمة من أوكرانيا.. سفينة جانحة توقف الحركة بمضيق البوسفور

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:41
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 88%

انطلاق مناورات جوية مشتركة بين روسيا وبيلاروسيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:39
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 97%

رغم العقوبات.. روسيا: صادرات النفط ارتفعت في عام 2022 بمقدار 7%

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:18:45
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 94%

كييف: ارتفاع حصيلة قصف دنيبرو إلى 35 قتيلا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:37
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 92%

مسيرة حاشدة في ألمانيا تنديدا بالسياسات الغربية ضد روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:12
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 97%

الأسهم الصينية ترتفع إلى أعلى مستوى في 4 أشهر

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:18:50
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 91%

الوثائق السرية تفتح جبهات على بايدن.. جمهوريون يطالبون بسجل زوّاره

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:18:18
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 87%

مصر تغلق شركات سياحة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:10
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 88%

مالكو ليفربول يقررون بيعه

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:18
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 97%

"نيكاي" يغلق عند أدنى مستوى في أكثر من أسبوع

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:18:43
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 100%

بنزيما يسجل هدفه رقم 400.. وريال مدريد يحسم مصيره

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:16
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 94%

كمبوديا تقوم بتدريب خبراء المتفجرات الأوكرانيين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:13
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 91%

السعودية.. ارتفاع المتوسط السنوي للتضخم

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:14
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 89%

أوكرانيا أرهقت إسرائيل بطلباتها المزعجة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:20
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 99%

بدء التدريبات الجوية التكتيكية لدولة الاتحاد (روسيا-بيلاروس)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 09:17:15
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 95%

تحميل تطبيق المنصة العربية