العلامة عبد الفتاح أبو غدة

عودة للموسوعة

العلامة عبد الفتاح أبوغدة

نشأته

ولد الشيخ عبد الفتاح بن محمد بشير بن حسن أبوغدة في مدينة حلب الشهباء، شمالي سورية سنة 1917، في بيت ستر ودين، فقد كان والده محمد رجلاً مشهوراً بين معارفه بالتقوى والصلاح والمواظبة على الذكر وقراءة القرآن. وكان يعمل في تجارة المنسوجات، التي ورثها عن أبيه، حيث كان الجد بشير من تجار المنسوجات والقائمين على صناعتها بالطريقة القديمة. ينتهي نسب الشيخ رحمه الله تعالى إلى الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، وكان لدى أسرته شجرة تحفظ هذا النسب وتثبته.

التحق الشيخ، متأخراً عن أقرانه، بالمدرسة العربية الإسلامية في حلب، ثم بالمدرسة الخسروية العثمانية، التي بناها خسروباشا، والتي تعهد اليوم باسم الثانوية الشرعية، وتخرج منها سنة 1942، وانتقل إلى الدراسة في الأزهر الشريف، فالتحق بكلية الشريعة، وتخرج فيها في الفترة ما بين (1944 ـ 1948)، وانتقل منها إلى المجال في أصول التدريس في كلية اللغة العربية في الأزهر أيضاً وتخرج فيها سنة 1950.

بعد حتى أكمل الشيخ دراسته في مصر، عاد إلى سورية وتقدم سنة 1951 لمسابقة اختيار مدرسي التربية الإسلامية لدى وزارة المعارف فكان الناجح الأول. ودرَّس أحد عشر عاماً مادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب، كما شارك في تأليف الخط المدرسية المقررة لهذه المادة. ودرَّس إلى جانب ذلك في (المدرسة الشعبانية) وهي معهد شرعي أهلي متخصص بتخريج الأئمة والخطباء، ودرَّس في الثانوية الشرعية (الخسروية) التي تخرج فيها، ثم انتدب للتدريس في كلية الشريعة في جامعة دمشق، ودرس فيها لمدة ثلاث سنوات (أصول الفقه)، و(الفقه الحنفي) و(الفقه المقارن بين المذاهب). وقام بعد ذلك بإدارة موسوعة (الفقه الإسلامي) في كلية الشريعة بدمشق لنحوعامين، أتم خلالها كتاب (معجم فقه المحلى لابن حزم) وكان قد سبقه للعمل فيه بعض الزملاء فأتمه، وأنهى خدمته، وطبعته جامعة دمشق في ضمن مطبوعاتها في مجلدين كبيرين.

أدخل السجن سنة 1966 مع ثلة من رجال الفهم والفكر في سورية، ومكث في سجن تدمر الصحراوي أحد عشر شهراً. وبعد كارثة الخامس من حزيران سنة 1967 اضطر الحاكمون إلى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وكان الشيخ رحمه الله من بينهم.

انتقل إلى المملكة العربية السعودية، متعاقداً مع جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض حيث عمل مدرساً فيها، وفي المعهد العالي للقضاء، وأستاذاً لطلبة الدراسات العليا، ومشرفاً على الرسائل الفهمية العالية، فتخرج به الكثير من الأساتذة والفهماء. وقد شارك خلال هذه الفترة (1385 ـ 1408 هـ) (1965 ـ 1988) في وضع خطط جامعة الإمام محمد بن سعود ومناهجها، واختير عضواً في المجلس الفهمي فيها، ولقي من إدارة الجامعة جميع تكريم وتقدير.

انتدب الشيخ أستاذاً زائراً لجامعة أم درمان الإسلامية في السودان ولمعاهد الهند وجامعاتها، وشارك في الكثير من الندوات والمؤتمرات الإسلامية الفهمية، التي تعقد على مستوى العالم الإسلامي. وكانت له جهود طيبة في جميع هذه المجالات. ثم عاد للعمل مع جامعة الملك سعود في الرياض وقبلها مع جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض كذلك.

كان رحمه الله شديد الاهتمام بأمر المسلمين ،وظف كثيراً من وقته وجهده لخدمة الشأن العام، وعندما أنهى إليه بعض الفهماء في سورية أنه من الممكن إذا عاد إليها في ظل الظروف القائمة، حتىقد يكون مفتاحاً للإفراج عن ألوف المعتقلين السياسيين هناك، وبذل له وعداً بلقاءة الرئيس حافظ الأسد لحل الأزمة العالقة بين الحكومة والحركة الإسلامية، فقبل حتى يقوم بالمهمة راتى تحقيق شيء للمصلحة العامة.وبعودة الشيخ إلى سورية استقبل استقبالاً حافلاً على المستويين الفهمي والشعبي ولكن دون حتى يتحقق له ما عاد من أجله.

== خط عنه ==

الشيخ عبد الفتاح أبوغدة كما عهدته تأليف: محمد علي الهاشمي.


وفاته

وفي شهر شعبان1417ه/ديسمبر1996شعر الشيخ بضعف شديد في نظره فعاد من حلب إلى الرياض ليستأنف علاجه، في أواخر رمضان من العام نفسه اشتكى الشيخ من ألم في البطن، أدخل على إثره مستشفى الملك فيصل المجالي وتبين أنه ناتج عن نزيف داخلي بسبب سقم التهابي، وما لبث حتى التحق بالرفيق الأعلى فجر يوم الأحد التاسع من شوال 1417 الموافق 16 من فبراير 1997 عن عمر يناهز الثمانين عاماً فرحمه الله رحمة واسعة . ودفن الشيخ قي المدينة المنورة في جنازة حافله من تلامذته ومحبيه.

شيوخه

تتملذ الشيخ في بداياته على كبار فهماء مدينة حلب، ثم على رعيل من كبار فهماء مصر، كان من أبرز شيوخه في مدينة حلب: الشيخ راغب الطباخ، والشيخ أحمد الزرقا، والشيخ عيسى البيانوني، والشيخ محمد الحكيم، والشيخ أسعد عبجي، والشيخ أحمد الكردي، والشيخ نجيب سراج الدين، إلى جانب الشيخ مصطفى الزرقا رحمهم الله تعالى جميعاً. وكان من شيوخه في مصر أثناء دراسته في الأزهر: الشيخ محمد الخضر حسين، والشيخ عبد المجيد دراز، والشيخ عبد الحليم محمود، والشيخ محمود شلتوت، إلى جانب الشيخ عبد الله الصديق الغماري. والتقى في مصر بالشيخ مصطفى صبري شيخ الخلافة العثمانية ، وتتلمذ بشكل خاص على الشيخ محمد زاهد الكوثري من مشايخ الخلافة العثمانية ايضا، وسمى ابنه الأكبر على اسمه، كما التقى هناك بالإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى وأخذ عنه نهجه الدعوي.

عبدالفتاح ابوغده الفقيه الأصولي المحدث

كانت بداية الشيخ رحمه الله تعالى في التفقه على ممضى أبي حنيفة، سبر غوره وبرع فيه، ثم درّس مع تضلعه بفقه الممضى الفقه المقارن، فنال حظاً وافياً من فقه المذاهب الأخرى. كما درّس في جامعة دمشق فهم الأصول وبرع فيه. واشتغل بالموسوعة الفقهية الإسلامية. وانتقل في فترة تالية للاشتغال بخط الحديث الشريف فحقق جملة منها حتى برّز في فهم الحديث واحتل مكانة متقدمة فيه.

قام الشيخ عبد الفتاح رحمه الله تعالى بالكثير من الرحلات الفهمية والدعوية رحل إلى عدد من الأقطار الإسلامية، مفيداً ومستفيداً، فإلى جانب إقامته في مصر، رحل إلى الهند وباكستان والسودان والمغرب والعراق والتقى بفهماء هذه الأقطار، وطلاب الفهم فيها، فأفاد منهم وأفادوا منه. ولقد حمل في زياراته المتعددة إلى الهند وباكستان كثيراً من فهم القارة الهندية إلى المشرق العربي، وحقق الكثير من الرسائل والخط وشهرها بين أهل الفهم، فنالت استحسانهم وإعجابهم. ومن أبرز الفهماء الذين التقى بهم في تلك الديار: الشيخ محمد شفيع مفتي باكستان، والمفتي عتيق الرحمن كبير فهماء دلهي، والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، والشيخ محمد إدريس الكاندهلوي، والشيخ محمد يوسف البنوري، والشيخ محمد لطيف، والشيخ أبوالوفا الأفغاني، والشيخ أبوالأعلى المودودي والشيخ أبوالحسن الندوي.

يعد الشيخ عبد الفتاح أبوغدة من الفهماء الثقاة، الذين يفخر بهم العالم الإسلامي في القرن العشرين، وقد أحاط بالعلوم الشرعية، وتبحر في فهمي الفقه والحديث، حيث أكب منذ بداية حياته الفهمية على تحقيق ونشر الخط النفيسة في هذين الفنين.

ويمتاز تحقيق الشيخ عبد الفتاح بأنه يقدم مع الكتاب المحقق، كتاباً آخر مليئاً بالفوائد النادرة والتوضيحات النافعة، التي توضح الغامض، وتسدد وتصوب وترجح وتقرب الفهم إلى طالبه وتحببه إليه.

مؤلفاته

وللشيخ رحمه الله تعالى ولع شديد بخط الفهم، يتتبعها في مظانها، مطبوعة ومخطوطة، ويصرف وقته وجهده وماله، في سبيل اقتنائها وخدمتها، وتقديمها للقارئ، غنية بمضمونها، راضية في شكلها، تنم على إحساس عال لدى الشيخ في تكريم الكتاب، وعلى ذوق رفيع في طريقة إخراجه. وللشيخ عشرات الخط المؤلفة والمحققة.وهذا ثبت بمؤلفات الشيخ مرتبة حسب تاريخ النشر:-

1- الحمل والتكميل في الجرح والتعديل للإمام عبد الحي اللكنوي وطبع ثلاثة طبعات أولها سنة 1383-1963 بحلب

2- الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة للإمام اللكنوي وطبع ثلاثة طبعات أولها سنة 1384-1964 بحلب

3- رسالة المسترشدين للإمام الحارث المحاسبي وطبعثمانية طبعات أولها سنة 1384-1964 بحلب، وترجم إلى اللغة الهجرية .وهوكتاب عميم الفائدة للخاصة والعامة فمع النصح المخلص للمؤلف المحاسبي رحمه الله ،الذي ينطق ان جميع من صنف في تهذيب النفس وتربيتها عيال عليه ،اتىت توشيحات الشيخ ابي زاهد لتزيده فائدة وحسن اثر.

4- التصريح بما تواتر في نزول المسيح لمحمد أنور الكشميري، وطبعخمسة طبعات أولها سنة 1385-1965 بحلب

5- إقامة الحجة على حتى الإكثار من التعبد ليس ببدعة للإمام اللكنوي طبع بحلب سنة 1966-1386

6- الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام للإمام القرافي وطبع طبعتان أولاهما سنة 1387-1967 بحلب

7- فتح باب العناية بشرح كتاب النقاية في الفقه الحنفي للملا علي القاري الهروي المكي، طبع الجزء الأول بحلب محققاً سنة 1387-1967، ولم يقدر للشيخ حتى يتمه تحقيقاً ثم طبع في لبنان دون تحقيق

8- قاعدة في الجرح والتعديل للحافظ تاج الدين السبكي، وطبعخمسة طبعات أولها ببيروت سنة 1388-1968

9- المنار المنيف في السليم والضعيف للإمام ابن قيم الجوزية، وطبعخمسة طبعات أولها سنة 1389-1969 في بيروت

10- المصنوع في فهم الحديث الموضوع للإمام ملا علي القاري، وطبع ثلاثة طبعات أولها سنة 1389-1969 بحلب

11- فقه أهل العراق وحديثهم للأستاذ محمد زاهد الكوثري وطبع ببيروت سنة 1390-1970

12- خلاصة تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ الخزرجي طبع مصوراً أربع مرات أولها ببيروت سنة 1390-1970 مع مقدمة ضافية وتسليم أغلاط وتحريفات كثيرة .

13- قواعد في علوم الحديث لمولانا ظفر الله التهانوي، وطبعستة طبعات أولها ببيروت سنة 1392-1972 وترجم بعضه إلى الهجرية

14- المتحدثون في الرجال للحافظ السخاوي، وطبع أربعة طبعات أولها ببيروت سنة 1400-1980

15- ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للحافظ المضىي، وطبع أربعة طبعات أولها ببيروت سنة 1400-1980

16- قصيدة عنوان الحكم لأبي الفتاح البستي أولها ببيروت سنة 1404-1984

17- الموقظة في فهم مصطلح الحديث للحافظ المضىي وطبع ثلاثة طبعات أولها ببيروت سنة 1405-1985

18- سنن الإمام النسائي طبعه الشيخ مصوراً ومفهرساً، وطبع ثلاثة طبعات أولها ببيروت سنة 1406-1986

19- الترقيم وعلاماته للعلامة أحمد زكي باشا، وطبع طبعتان أولاهما سنة 1407-1987 ببيروت

20- سباحة الفكر بالجهر بالذكر للإمام عبد الحي اللكنوي، وطبع ثلاثة طبعات أولها ببيروت سنة 1408-1988

21- قفوالأثر في صفوفهم الأثر ابن الحنبلي، وطبع طبعتان أولاهما ببيروت سنة 1408-1988

22- بلغة الأريب في مصطلح آثار الحبيب للحافظ الزبيدي، وطبع ببيروت سنة 1408-1988

23- جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل، وطبع ببيروت سنة 1411-1991

24- التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن للعلامة الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي، وطبع ببيروت سنة 1412-1992

25- تحفة الأخيار بإحياء سنة سيد الأبرار ومعه حاشيته نخبة الأنظار على تحفة الأخبار للإمام عبد الحي اللكنوي، وطبع ببيروت سنة 1412-1992

26- التحرير الوجيز فيما يبتغيه المستجيز للشيخ زاهد الكوثري، وطبع ببيروت سنة 1413-1994

27- تسليم الخط وصنع الفهارس المعجمة للعلامة أحمد شاكر، وطبع ببيروت سنة 1414-1994

28- تحفة النساك في فضل السواك للعلامة الميداني، وطبع ببيروت سنة 1414-1993

29- كشف الالتباس عما أورده الإمام البخاري على بعض الناس للعلامة عبد الغني الميداني، وطبع ببيروت سنة 1414-1993

30- العقيدة الإسلامية التي ينشأ عليها الصغار للإمام ابن أبي زيد القيرواني وطبع طبعتان أولاها ببيروت سنة 1414-1993

31- الحث على التجارة والصناعة والعمل للإمام أبي بكر الخلال الحنبلي، وطبع ببيروت سنة 1415-1995

32- توجيه النظر إلى أصول الأثر تأليف الشيخ طاهر الجزائري وطبع ببيروت سنة 1416-1995

33- ظفر الأماني في شرح مختصر الجرجاني للإمام عبد الحي اللكنوي وطبع ببيروت سنة 1416-1995

34- رسالة الألفة بين المسلمين للإمام ابن تيمية ومعها رسالة في الإمامة للإمام ابن حزم الظاهري، وطبع ببيروت سنة 1417-1996

35- مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث للشيخ العلامة المحدث محمد عبد الرشيد النعماني، وطبع ببيروت سنة 1416-1996

36- الحلال والحرام وبعض قواعدهما في المعاملات المالية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وطبع ببيروت سنة 1416-1996

37- شروط الأئمة الخمسة للحازمي، وقد صدر بعد وفاة الشيخ سنة 1417-1997

38- شروط الأئمة الستة للحافظ ابن طاهر المقدسي، وقد صدر بعد وفاة الشيخ سنة 1417-1997

39- كتاب الكسب للإمام محمد بن الحسن الشيباني، وقد ألحق الشيخ به رسالة الحلال والحرام وبعض قواعدهما، وقد صدر بعد وفاة الشيخ سنة 1417-1997

40- ثلاث رسائل في استحباب النادىء وحمل اليدين بعد الصلوات المكتوبة، وقد صدر بعد وفاة الشيخ سنة 1417-1997

41- الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء للإمام ابن عبد البر، وقد صدر بعد وفاة الشيخ سنة 1417-1997

42- خطبة الحاجة ليست سنة في مستهل الخط والمؤلفات كما نطق الشيخ ناصر الألباني، وهذه الرسالة نشرت بعد وفاة الشيخ ضمن مجلة مركز بحوث السنة والسيرة بجامعة قطر .


الشيخ المفهم

كان الشيخ رحمه الله تعالى مفهم أجيال، ومؤسس مدرسة فهمية في مدينته حلب الشهباء، قامت على الوسطية والمنهجية والانفتاح. وعلى الرغم من حتى الشيخ حنفي الممضى، ويعيش وسط بيئة يسود فيها الممضى الحنفي، إلا أنه أسس بمنهجيته الفهمية لموقف فهمي شعبي منفتح يتجاوز كثيراً من العنعنات والتعصبات الممضىية.

كان يصر في منهجيته على اعتماد الدليل، والمقارنة بين المذاهب، يربط الحكم بدليله، ويقارن بين أقوال الفهماء وأصحاب المذاهب..(لا تقولوا نطق الشيخ..) كانت تلك عبارته وإنما احفظوا الدليل لتقولوا (نطق الله ونطق الرسول صلى الله عليه وسلم).

في تعليمه وتربيته كان يذكر سلف الأمة أجمع بالخير والتقدير، ويغضي عن جميع الخلافات التي كانت تكون في العصور.. كان ابن تيمية رحمه الله تعالى موضع ازورار البيئة الفهمية التي يعيش فيها الشيخ، وكان مشايخ الدولة العثمانية الشيخ مصطفى صبري والشيخ محمد زاهد الكوثري من أشد الناس ازوراراً عن ابن تيمية، ولكن الشيخ أبا زاهد أماط جميع هذا عن شخصية ابن تيمية، وقدمه لتلامذته عالماً عاملاً مجاهداً له مكانته (الإصلاحية) و(الفقهية) و(الجهادية). يقول في هذا راداً الفضل لأهله (والذي نبهني إلى مكانة ابن تيمية وفهمه وفضله شيخي الشيخ نجيب سراج الدين رحمه الله..) والشيخ نجيب سراج الدين من فهماء حلب، بل عالم حلب في وقته، وقد ورّث الفهم من بعده لولده عبد الله سراج الدين رحمهما الله تعالى.

كان الشيخ رحمه الله تعالى متواضعاً في تعليمه، متألفاً لقلوب متابعيه وتلامذته، فكان إذا شعر حتى مسألة ما غمضت عليهم، وعجزوا عن فهمها نطق (أنا لا أُفهم.. أنا لا أُفهم، أُعيد)، ثم يعيد المسألة، فينسب التقصير لنفسه، ويبرأ منه تلامذته.

وإلى جانب هذا التواضع كان يقرن اللطف بالتنبيه والإرشاد.. كان كثيراً ما يروي حديث الأعرابي (الذي تحدث في الصلاة) وقول هذا الأعرابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فما زجرني وما نهرني وما زاد على حتى نطق إذا الصلاة عبادة لا يصح فيها شيء من أمور الناس..)

إذا لحظ حتى أحد المصلين لا يعطي الركوع حقه سأله بلطف: (هل تشتكي من ألم في الظهر..) وإذا رأى عالماً على غير ممضىه يخالف المشهور مما عليه العمل سأله برفق (هل عندكم في هذا الأمر شيء ؟!)

وكان رحمه الله في فتواه مفهماً وواعظاً، يتصدى لعادات المجتمع البالية بروح نقدية لاذعة. كانت (أيمان الطلاق) من أشد ما يحمل عليه الشيخ ويقرع الحضور من أجله محذراً ومستهجناً (يحلف أحدهم بالطلاق عدد حبات كيس الأرز ليمارس رجولته..) ثم يقف أمام الشيخ (دبرني..) وبعد حتى يشدد النكير يطلب المستفتي ليلقاه على انفراد.

أسلوبه التعليمي المتفرد، ومزجه الجد بشيء من اللطائف المحببة، واستشهاده بالأبيات السائرة، جعل خطبه ودروسه قبلة الشباب والمثقفين، فربى جيلاً، وفتح أعيناً وقلوباً على مقاصد الشريعة، وقواعد الفهم، وحقائق العصر ،من غير إفراط ولا تفريط. كان يعجبه حتى يردد أمام (المقصر) و(الغالي): (هوناً ما..) مكرراً قول الإمام علي رضي الله عنه: (أحبب حبيبك هوناً ما فعسى حتىقد يكون عدوك يوماً ما. وابغض عدوك هوناً ما فعسى حتىقد يكون حبيبك يوماً ما..).

كان يؤكد على السموالعقلي المتفتح في شخصية المسلم، وألا يهجر نفسه تنحاز به إلى السفاسف والصغائر، حمل إليه أحد الخلطاء يوماً صورة لمبتر حبة بندورة ارتسم فيها صورة للفظة (الله)، وقد احتفت بها إحدى الصحف، ونسخت صوراً عنها ووزعتها.. نطق الشيخ معلقاً (إن المسلم ينبغي حتىقد يكون أعقل من حتى يؤخذ بمثل هذا!! وإن الإسلام أعظم من حتى يستدل على صحته بهذه الصورة !!)

وبين العقل والشرع يؤكد الشيخ على وزن الأمور بميزانها ويكثر من الاستشهاد بقول القائل..

وزن بميزان الشرع جميع خاطر

وقول الآخر:

رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع

الشيخ العامل

العالم العامل، من الألقاب العزيزة في عصر قل فيه الفهماء، وندر العاملون. عملى الرغم من استغراق الشيخ رحمه الله تعالى في تحصيل الفهم ونشره تأليفاً وتدريساً ومتابعة ؛ إلا حتى ذلك لم يمنعه حتى ينخرط في صفوف النادىة العاملين، فكان منذ مبتدأ أمره أحد أركان دعوة الإخوان المسلمين في سورية. يمنحها وقته وجهده ومشورته وتأييده وتسديده وكلَّ ما تطلبه منه.

كان انتسابه إلى هذه الجماعة، وإيمانه بدورها، ومكانتها لا حدود له. يقول عنها أمام بعض إخوانه وقد دب إليهم النَّصَب وعوامل اليأس أثناء محنة طويلة (.. إنها غرسة يد مباركة هي يد الإمام الشهيد حسن البنا، وهي غرسة يجب حتى تستمر..)

في إطار العمل الدعوي يلقى الداعية من إخوانه أحياناً بعض ما يذكر بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم نطق (رحم الله أخي موسى فقد أوذي أكثر من ذلك فصبر). ولقي الشيخ رحمه الله تعالى في هذا الإطار الكثير. واحتسب ذلك عند الله تعالى من غير شكوى ولا هجر. كما لقي من أعداء الدعوة السجن والتشريد والإبعاد عن الوطن فاحتمل جميع ذلك راضياً محتسباً.

في إطار العمل الدعوي وكان الشيخ رحمه الله تعالى خلال إقامته في سورية مدرسة دعوية حية متحركة، تتلمذ عليه فيها ثلاثة أجيال أوأكثر من النادىة العاملين، كلهم يفخر بأنه قد نال شرف الاغتراف من بحر فضيلة الشيخ عبد الفتاح.

وكانت له في مدينة حلب إلى جانب خطبة الجمعة الأسبوعية، التي كان يلقيها على منبر الجامع الحموي أولاً، وجامع الثانوية الشرعية ثانيا، ثلاثة دروس أسبوعية: مجلس للتفقه في الدين بعد خطبة الجمعة فيها أسئلة وأجوبة، تغطي حياة المسلمين الخاصة والعامة، يجيب الشيخ فيها على جميع التساؤلات بمنهج رشيد سديد، يربط الفتوى بدليلها الشرعي، وبالعصر الذي يعيشه المسلمون، ممعناً في الترغيب والترهيب والتوجيه. ودرس للفقه يوم الاثنين، حيث كان الشيخ يغمر الحاضرين بواسع فهمه، في المقارنة بين المذاهب، وذكر الأدلة، والترجيح بين الأقوال. ودرس ثالث في الحديث والتربية والتهذيب يوم الخميس، وجمهور كبير من الشباب يواظب على هذه الدروس، يستفيدون من الشيخ تربية وتهذيباً وفهماً.

على ساحة العمل العام وصل الشيخ إلى مجلس النواب في أوائل الستينات. وكان رحمه الله في الحقل العام مثال السياسي المتبصر الجريء. وقد تشكلت يومها القائمة التعاونية في حلب، وكان في القائمة مسلمون ومسيحيون. وخطب الشيخ في المساجد كما في الكنائس أعطى للاً على رؤية وطنية شمولية راسخة. وكان تفاعل الشيخ وإخوانه في المجلس النيابي مؤكداً منهج جماعة الاخوان المسلمين الوطني، بالقبول بالتعددية السياسية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.

وفي إطار الجهد العام أيضاً سعى الشيخ أكثر من مرة لجمع حدثة الفهماء في حلب، ولتشكيل رابطة حقيقية للفهماء تجمع ضمهم وتوظف جهدهم في خدمة الشأن الإسلامي. ولكن هذا المنحى لم ينجح لأسباب وظروف عامة.

في بدايات عهد الاستبداد كان للشيخ جولات في صراع الباطل والتصدي للهجمة الانفعالية المضادة للإسلام، والتي مثلها فريق من الموتورين بطروحات وشعارات مغرقة في الكفر والاستفزاز لمشاعر الشعب العربي السوري. وكان يردد في مسامع الذين يتهددونه في شخصه صباح مساء:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي

في شخصيته القيادية كان الشيخ رحمه الله تعالى قائداً حازماً بصيراً، واضح الرؤية، بعيد الغور، حكيماً لا تستخفه المطامع القريبة، ولا المصالح العاجلة، امتلك ناصية فقه المصالح والمفاسد الذي لاقد يكون المرء فقيهاً إلا به، على ما نطق شيخ الإسلام ابن تيمية (لاقد يكون الرجل فقيهاً حقاً إلا إذا عهد أكبر المصلحتين ففوت عند التعارض أدناهما، وعهد أعظم المفسدتين فدرأ عند التعارض أعظمهما).

في فترة التأسيس الدعوي في الستينات والسبعينات في حلب الشهباء كان الشيخ يأمر بالالتفات إلى العمل والبناء والجدّ، وينهى عن إضاعة الوقت والقيل والنطق والانشغال بالصغائر، وافتعال المعارك الجانبية التي تستقطب الجهد وتضيع الوقت بدون طائل. وكان يرى حتى الأمة بحاجة إلى البناء، وأن الشخصية المسلمة وقد حطمت من عهود الانهزام الطويلة بأمس الحاجة إلى استعادة الثقة بنفسها، وأن على قادة الجماعة حتى يضعوا الخطط والبرامج لبناء الشخصية الإسلامية العامة الواثقة بنفسها.

كان يشدد النكير على الغلووالغالين ولا سيما من الذين يتنطعون بالحديث عن تقمص مكانة (جماعة المسلمين) نطق لسائل ادعى أمامه يوماً حتى (جماعة الإخوان المسلمين) تمثل جماعة المسلمين راداً قوله (إن جماعة المسلمين أنا وأنت وهذا الحداد وذاك النجار والخباز.. جميع هؤلاء الناس هم جماعة المسلمين)

وعلى الصعيد التنظيمي ومع رغبة الشيخ الملحة في الانصراف بكلّيته إلى الجانبين الفهمي والدعوي، اضطر أكثر من مرة حتى يستجيب لرغبة إخوانه فيتحمل منهم بعض المسؤوليات التنظيمية، فكان حتى تولى منصب المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية، ثم سريعاً ما تخلى عنه، عندما عثر من يتولاه، ثم ألجئ مرة أخرى إلى تولي هذا المنصب سنة 1986 عندما عصفت بالإخوان ريح الخلاف الداخلي.


جوانب من شخصية الشيخ

من كان اغترافه من بحر أكمل الخلق كيف من الممكن أن تعدد خصال كماله؟!!. فقد كان الشيخ أبوزاهد رحمه الله تعالى دمث الأخلاق لطيف المعشر حلوالعبارة أنيق المظهر، يتأنق في لبسه وهيئته ومجلسه ويأخذ من حوله بذلك إلى تواضع الفهماء وأدب جم. ويمثل الشيخ عبد الفتاح أبوغدة بشخصيته القوية المتميزة، شخصية العالم المسلم العامل المجاهد، فهوواسع الفهم، رحب الإطلاع، يعيش قضايا أمته وعصره، يضع هموم المسلمين نصب عينيه، مدركاً جميع الأبعاد التي تحيط بهم، وهومع اتصافه بكل ما تقتضيه شخصيته الفهمية، من رزانة وهيبة ووقار، حلوالحديث، رشيق العبارة. قريب إلى قلوب جلسائه، يأسرهم بحسن محاضرته، وطيب حديثه، وبعد غوره، مع حضور بديهة، وحسن جواب، فلا غروبعد ذلك حتى تلتقي عليه الجموع، وتتعلق به النفوس وأنقد يكون موضع الحب والتقدير، والثقة لدى جميع من خالطه من إخوانه وأحبابه، وهوإلى جانب ذلك بعيد عن الغلووالانفعال يزن الأمور بميزانها الشرعي الدقيق، وقد أخذ بذلك نفسه وتلامذته.

لا يستقبل أحداً من جلسائه بما يكره، وإن استُقبل بذلك أغضى وأعرض، لا يسمع نميمة، ويصرف وجهه إذا لم يعجبه الحديث، أويشير بيده إلى محدثه حتى تعداه.

كان في فتواه العامة رحمه الله تعالى آخذاً بالعزائم يشدد في أمر الدين والورع، فإذا ما شعر حتى المستفتي بحاجة إلى رخصة نادىه إلى لقاء منفرد يرخص له ما ييسر عليه أمره.

كان الوقت أغلى عنده من المال على قلب الشحيح، يقول وهويشير إلى ما وضع في جدول أعماله من خط وأبحاث (أنا رأس مالي قليل) يقصد السنوات الباقية من عمره فقد كان يعدها رأس ماله الحقيقي.

وكان غضبه لله وفي دين الله، دون حتىقد يكون لنفسه، وعندما افتتح بعض الصحفيين ملف المعارضة السورية، ووصف بعض الناس الشيخ بما يقبح، ونالوا منه ومن جماعة الإخوان المسلمين ما نالوا، كان له فضل الإشراف على وضع الرد على ما اتى في الملف، فما أشار إلى الدفاع عن نفسه بحدثة وإنما هجر الأمر لله تعالى. وكان شديد الحمية لدين الله بالحق.

كان كثير الصمت، ندر الكلام، غزير الدمعة حاضرها، ولا سيما عندما اشتدت محنة إخوانه وكانت تأتيه الأخبار عما يحدث للمعتقلين في سجون الظالمين.. حتى أخذ من حوله الإشفاق عليه، فأمسكوا عن الحديث أمامه. كان يردد والدمعة في عينيه (لوكان لي الأمر لفديت إخواني بنفسي..) (أنا أفدي إخواني بنفسي..) وعندما ألح عليه بعض الإخوان ليقوم بالمبادرة التي قام بها.. لم يكن باعثه على ذلك إلا رغبة منه بفكاك أسر الأسير، وجبر كسر العاني من الإخوان. لا ما تعلق به أقوام من هنا وهناك..

ولقد لقيناه بعد محاولته تلك، وشعوره حتى المقصد قد أحكم الإغلاق عليه، فكان يأمر إخوانه بالصبر والمصابرة، وينظر إلى من يزعم أنه يريد حتى يقتدي به في نزوله نظرات تحمل معناها.

وكان في تعاطيه السياسي قاصداً يكره الغلووالتطرف، في بناء سياسة الإخوان الإعلامية مال إلى الكف عن الخوض فيما لا يحمد ولا يليق بالداعية من الألفاظ والأوصاف ونبذ الآخرين بما لا يجمل ولقاءة الذين يصفون الإخوان بالأوصاف الردية بمثلها.

== المصادر ==

-مركز الشرق العربي

تاريخ النشر: 2020-06-04 05:22:49
التصنيفات: رجال دين سنة, مواليد 1917, وفيات 1997, محققون, إخوان مسلمون سوريون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الجماعات الترابية تحقق فائضا إجماليا بقيمة 8,5 مليار درهم

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 18:15:30
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 48%

جمارك طنجة تضبط “معسل” في نعش متوفي قادم من إسبانيا

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 18:15:31
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 38%

عاجل.. توقيف داعشي كان يحضر لمشروع إرهابي بالمغرب

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 18:15:27
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 47%

ساكنة حي الكورس بمدينة آسفي يستفيقون على وقع وفاة متشرد في ظروف غامضة

المصدر: زاكورة بريس - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 18:15:16
مستوى الصحة: 12% الأهمية: 21%

تفاصيل رفض المغرب تعيين موظف بالقنصلية الإسبانية في تطوان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 15:25:47
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

إنجلترا تكتسح ايران بسداسية في كأس العالم

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 18:15:28
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 38%

بالفيديو.. الدكتور هيفتي يكشف الحالة الصحية للأسود

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 18:15:24
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 50%

وفاة الفنان الشعبي ميلود العرباوي شقيق الستاتي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 15:25:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 55%

كأس العالم/ إنجلترا تستعرض قوتها وتقسو على إيران بهزيمة ثقيلة (6-2)

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 18:16:13
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 55%

تفاصيل رفض المغرب تعيين موظف بالقنصلية الإسبانية في تطوان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 15:25:51
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 51%

تحميل تطبيق المنصة العربية