بديع حقي

المحرر السوري بديع حقي

بديع حقي (1922-2000)، هوأديب وروائي سوري. ولد في دمشق. تفهم الحقوق وحصل على درجة الدكتوراه. عمل في السلك الديبلوماسي بين عامي 1945 و1986. من مؤلفاه "التراب الحزين" و"جفون تسحق الصور" و"أحلام الرصيف المهجور" و"حين تتمزق الظلال".

حياته

ولد د. بديع حقي في دمشق عام 1922 ، ونال إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1944 ، ودكتوراه في الحقوق الدولية من باريس عام 1950 ، عمل في وزارة الخارجية سفيراً مفوضاً ابتداءً من عام 1945 ، وأتقن عدة لغات بحكم عمله، وصدر له 14 كتاباً في الشعر والسيرة والرواية و11 كتاباً مترجماً.

الحياة الأدبية

بدأ حقي مشواره الأدبي في سن مبكرة حيث بدأ بالنشر في بعض الصحف اليومية أوالأسبوعية عندما كان فتى في سن غضة، من هذه الصحف «سمير التلاميذ» وكانت أول صحيفة مخصصة للأطفال في القطر وخط فيها عندما كان في الثانية عشرة من عمره وهي تجربته الأولى، ثم نشر في صحيفة «الأحد» الأسبوعية لصاحبها إيليا شاغوري رحمه الله أولى منطقاته الأدبية، كما نشر في الكثير من الصحف والمجلات السورية واللبنانية والعربية. البدايات كانت مع الشعر وضمها في ديوانه «سحر» .

عمله الدبلوماسي وعلاقته بالكتابة

لم يثنهِ عمله الدبلوماسي كسفير لبلادنا في بلاد أوروبية شتى عن الكتابة وخوض غمارها، بل على العكس أفادته مهنته في كتاباته، ويذكر في كتابه «جمرة الحرف وخمرة النغم» أنها قد أتاحت له حتى يقيم في بلدان شتى وفي فترات مختلفة، بلغ مجموعها أكثر من ثلاثين عاماً من اثنين وأربعين عاماً في الوظيفة. ويصف ذلك بقوله: «هفت نظراتي إلى آفاق وسيعة لم تكن تنفسح لي لوأنني قبعت في بلدي لا أريم منه». هذا الاغتراب أعطى له التجديد واتسق له حتى يرفد ثقافته العربية بثقافات خارجية مستجدة غذت أدبه، وضجت خياله، ويسرت له حتى يتقن عدة لغات وطأن له نقل بعض الآثار الأدبية الرفيعة إلى اللغة العربية، وكان رحمه الله يردد دائماً تعبير مشهودة حول علاقة الدبلوماسية بالأدب: «الدبلوماسية زوجتي الشرعية أما الكتابة فعشيقتي». ويذكر حتى زوجته الشرعية وعشيقته متفقتان ومتفاهمتان لمصلحته، حيث أمدته الدبلوماسية بالخبرة والتجربة والفهم.

موسيقى الرواية والسيرة

خط الرواية والسيرة القصيرة ورواياته: «جفون تسحق الصور، أحلام الرصيف المجروح، همسات العكازة المسكينة»، كما جمع قصصه القصيرة في مجموعات هي: «التراب الحزين، حين تتمزق الظلال، قوس قزح». واتسقت له موسقة الرواية والسيرة لأنه كان شاعراً رمزياً، والشعر الرمزي يتكئ بصورة خاصة على موسيقا الحدثات والحروف وتناغمها وائتلافها، هكذا أضحت همسات العكازة، فيما هي تنقر الطريق وتوشيه بلمساتها المتدفقة المترفقة أضحت أشبه بجملة موسيقية، منسابة، ضمن سيمفونية عذبة رقيقة الجرس تتردد متناغمة من أول الرواية إلى منتهاها، كما أنه اتكأ على هذا المنهج في موسقة الرواية في روايته «أحلام على الرصيف المجروح» حين جعل بطل الرواية (محمد) يتذكر حدثات زوجته (فاطمة) فيما هي تعاني سكرات الموت: «محمد يا محمد لا تنسى يا محمد حتى تنقل عظامي إلى مقبرتي في المحلة الشرقية بحيفا» وكان ترديد هذه الجملة اللازمة الموسيقية التي كان محمد يترجمها في ذاكرته المتوفزة، اليقظى، يعكس الحنين اللاذع في قلوب عرب الشتات إلى الوطن الأم فلسطين. كما أنه جعل النهر يلغوويبوح بشكواه ونجواه في سيرة «حكاية النهر والجسد» التي يضمها كتابه «قوس قزح فوق بيت ساحور»، ووصف الأديب بديع حقي للنهر جعله يهدر مغنياً مريقاً صوره الشعرية المموسقة الملونة لتكون السيرة أشبه بقصيدة يترنم بها النهر، راوياً كيف من الممكن أن كادت تغرق بطلة السيرة/ القصيدة المماثلة لسوناتا موسيقية، بحدثاتها وصورها، ومن دون حتى يحبسها الشعر ويغلها بقيود الوزن والقافية.

الجماد في رواياته وقصصه

يتحدث ويناجي ما تميز أسلوب محررنا الراحل بأنسنة الجماد حيث جعل الخيمة تتحدث في قصته «يوميات خيمة» التي يضمها كتاب «التراب الحزين» وهذه المجموعة درست في المدارس بالفترة الثانوية في إحدى الفترات نظراً لأهميتها. هذه الخيمة تتحدث في يوميات متتابعة إثر نكبة عام 1948 عن مواجع اللاجئين الفلسطينيين، والأمر نفسه ينطبق على رواية همسات العكازة المسكينة التي كانت تهزج وتلغومشاعر صاحبها الأعمى كما خط بالأسلوب نفسه سيرة «نجوى زهرة البوكسيا» حيث جعلها تتحدث عن العلاقة التي تربط هذه الزهرة بـ د. كنعان وصفي الجابي الذي يناجي هذه الزهرة الإفريقية في جميع صباح وهويتناول قهوته، ويتغزل بزهراتها الحمراء التي تزهر جميع صباح، وكيف حتى هذه النبتة أمسكت عن العطاء وذبلت وماتت فكأن ثمة تواصلاً خفياً بين الإنسان والنبات.

ترجمات لروائع طاغور والأدب الروسي

أتاح له إتقانه لعدة لغات الخوض في غمار الترجمة حيث ترجم الكثير من الروايات ومنها «لا تزال الشمس تشرق» همنجواي و«المعطف- اللوحة» جوجول ، كما ترجم روائع الشاعر الهندي طاغور ومنها «البستاني، جني الثمار، شيترا، ذروة الربيع» كما ترجم للزعيم الغيني المناضل أحمد سيكوتوري «قصائد مناضلة» وهذه الترجمة ساهمت في نشوء صداقة بين أديبنا الراحل والرئيس سيكوتوري الذي نطق- حسبما ذكر حقي- حين زار سورية وكان أديبنا سفيراً لسورية في غينيا نطق للقائد الراحل حافظ الأسد: «إنني أعتبر الدكتور بديع حقي سفيراً لي في سورية». ورغم صعوبة ترجمة الشعر - حيث ينطق إذا الترجمة هي خيانة للنص – فكيف إذا كان ترجمة لنص شعري، إلا أنه برع في ذلك نظراً لأنه شاعر مرهف وحتى نثره تسللت إليه لغة الشعر.

فلسطين في إبداعاته

شغلت القضية الفلسطينية حيزاً مهماً في إبداعاته، وصدر كتاب «فلسطينيات بديع حقي» ضمن هذه الإبداعات، وأورد في الكثير من حواراته حتى مجزرة قبية التي قام بها شارون وعصابته في قبية الشهيدة هي التي أشعلت الحرائق في حروفه، واستوحى من مصائب فلسطين ونكباتها أربعة خط أولها «التراب الحزين» الذي نال جائزة الدولة أثناء الوحدة، وثانيها كتاب «حين يورق الحجر» وهي مجموعة منطقات نشرها في صحيفة البعث واستلهمها من مواجع الحجر الفلسطيني، وانتفاضة أطفال الحجارة، ورابعها «قوس قزح فوق بيت ساحور». خط سيرة حياته في «الشجرة التي غرستها أمي»، وحين صدر هذا الكتاب نطق إنه المجلى الواضح لشخصيته منذ بدء نموها ونضجها حتى استمسكت وإنه في هذا الكتاب يرى نفسه على حقيقتها دون أي زيادة أوتشويه، وخط الأديب الراحل عبد السلام العجيلي الذي ربطته صداقة قوية بالأديب حقي عن هذا الكتاب قائلاً: «لقد غرست أم بديع شجرة في الأيام الفائتة، تفيأت ظلها ومتعت نظري بخضرة أوراقها، والشجرة الثانية هي بديع نفسه الذي غرسته في حديقة الأدب وروضة الفن من هذا الوطن».

النهاية

هجر أديبنا بديع حقي الذي رحل عام 2000 بصمات واضحة، وخط لنفسه أسلوباً متميزاً في الرواية والسيرة القصيرة، وخط في الدراسات، كما نشر الكثير من الموضوعات إلى جانب ترجماته، وكان فهماً من أعلام الأدب في سوريا والوطن العربي وغمس قلمه في مواجعنا الحياتية، لذلك يستحق حتى يبقى في ذاكرتنا حياً.