صدقة

نطق الله تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ( سورة إبراهيم: 31 ) . ويقول جل وعلا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ... ( سورة البقرة: 195 ). ونطق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم [سورة البقرة: 254]. ونطق سبحانه: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [سورة البقرة: 267]. ونطق سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( سورة التغابن: 16].

ومن الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا سيحدثه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولوبشق تمرة» [في السليمين]. والمتأمل للنصوص التي اتىت آمرة بالصدقة مرغبة فيها يدرك ما للصدقة من الفضل الذي قد لا يصل إلى مثله غيرها من الأعمال، حتى نطق عمر رضي الله عنه: "ذكر لي حتى الأعمال تباهي، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم" [[[سليم الترغيب]]].


فضائل وفوائد الصدقة

  • أولًا: أنّها تطفىء غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى» [سليم الترغيب].
  • ثانيًا: أنّها تمحوالخطيئة، وتمضى نارها كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار» [سليم الترغيب].
  • ثالثًا: أنّها وقاية من النار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا النّار، ولوبشق تمرة».
  • رابعًا: أنّ المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه نطق: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل امرىء في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس». نطق يزيد: "فكان أبومرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولوكعكة أوبصلة"، قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حتى من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تفهم شماله ما تنفق يمينه» [في السليمين].
  • خامسًا: أنّ في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «داووا سقماكم بالصدقة». يقول ابن شقيق: "سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فنطق: امضى فأحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجوحتى ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، فعمل الرجل فبرأ". ( سليم الترغيب ).
  • سادسًا: إنّ فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: «إذا إردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم» [رواه أحمد].
  • سابعًا: أنّ الله يدفع بالصدقة أنواعًا من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: "وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدوفأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فنطق: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم". [سليم الجامع] فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولوكانت من فاجرٍ أوظالمٍ بل من كافر فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند النّاس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنّهم قد جربوه.
  • ثامنًا: أنّ العبد إنّما يصل حقيقة البر بالصدقة كما اتى في قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [سورة آل عمران: 92].
  • تاسعًا: أنّ المنفق يدعوله الملك جميع يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» [في السليمين].
  • عاشرًا: أنّ صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أبلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «ما نقصت صدقة من مال» [في سليم مسلم].
  • الحادي عشر: أنّه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلاّ ما تصدق به كما في قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ [سورة البقرة: 272]. ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: نطقت: ما بقى منها إلاّ كتفها. نطق: «بقي كلها غير كتفها» [في سليم مسلم].
  • الثاني عشر: حتى الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [سورة الحديد: 18]. وقوله سبحانه: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [سورة البقرة: 245].
  • الثالث عشر: أنّ صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة ينطق له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق: «من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان». نطق أبوبكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: نطق: «نعم وأرجوحتى تكون منهم» [في السليمين].
  • الرابع عشر: أنّها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلاّ أوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق: «من أصبح منكم اليوم صائما؟» نطق أبوبكر: أنا. نطق: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟». نطق أبوبكر: أنا. نطق: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟». نطق أبوبكر: أنا، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعت في امرىء إلاّ ولج الجنة» [رواه مسلم].
  • الخامس عشر: أنّ فيها انشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أوفرت على جلده حتى يخفى أثره، وأما البخيل فلا يريد حتى ينفق شيئا إلا لزقت جميع حلقة مكانها فهويوسعها ولا تتسع. [في السليمين] "فالمتصدق حدثا تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهوبمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فحدثَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولولم يكن في الصَّدقة إلاّ هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقيا بالاستكثار منها والمبادرة إليها وقد نطق تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [سورة الحشر: 9].
  • السادس عشر: أنَّ المنفق إذا كان من الفهماء فهوبأفضل المنازل عند الله كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وفهمًا فهويتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويفهم لله فيه حقًا فهذا بأفضل المنازل.. ».
  • السابع عشر: أنَّ النبَّي صلى الله عليه وسلم جعل الغنى مع الانفاق بمنزلة القرآن مع القيام به، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلاّ في اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهويقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالًا فهوينفقه آناء الليل والنهار»، فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله،يا ترى؟ نسأل الله الكريم من فضله.
  • الثامن عشر: أنَّ العبد موفٍ بالعهد الذي بينه وبين الله ومتممٌ للصفقة التي عقدها معه متى ما بذل نفسه وماله في سبيل الله يشير إلى ذلك قوله جل وعلا: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيْهِ حَقّاً فِى التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرءَانِ وَمَنْ أَوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُواْ بِبَيعِكُمُ الَّذِى بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ [سورة التوبة: 111].
  • التاسع عشر: أنَّ الصدقة دليلٌ على صدق العبد وإيمانه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «والصدقة برهان» [رواه مسلم].
  • العشرون: أنَّ الصدقة مطهرة للمال، تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة فقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يوصي التَّجار بقوله: «يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغووالحلف فشوبوه بالصدقة» [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، سليم الجامع].


أفضل الصدقات

  • الأول: الصدقة الخفية؛ لأنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة وفي ذلك يقول جل وعلا: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ [سورة البقرة: 271]، "فأبلغ أنَّ إعطاءها للفقير في خفية خيرٌ للمنفق من إظهلرها وإعلانها، وتأمَّل تقييده تعالى الإخفاء بإتيان الفقراء خاصة ولم يقل: وإن تخفوها فهوخيرٌ لكم، فإنَّ من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيشٍ، وبناء قنطرة، وإجراء نهر، أوغير ذلك، وأمَّا إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد، والستر عليه، وعدم تخجيله بين النَّاس وإقامته مقام الفضيحة، وأن يرى النّاس أنّ يده هي اليد السفلى، وأنَّه لا شيء له، فيزهدون في معاملته ومعاوضته، وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص، وعدم المراءاة، وطلبهم المحمدة من النّاس. وكان إخفاؤها للفقير خيرا من إظهارها بين النّاس، ومن هذا مدح النبي صدقة السَّر، وأثنى على فاعلها، وأبلغ أنَّه أحد السبعة الذين هم في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة، ولهذا جعله سبحانه خيرا للمنفق وأبلغ أنَّه يكفر عنه بذلك الانفاق من سيئاته". [طريق الهجرتين].
  • الثانية: الصدقةُ طالما الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أوحال السقم والاحتضار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة حتى تصدَّق وأنت سليمٌ شحيحُ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا» [في السليمين].
  • الثالثة: الصدقة التي تكون بعد أداء الواجب كما في قوله عز وجل: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ [سورة البقرة: 219]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صدقة إلاّ عن ظهر غنى... »، وفي رواية: «وخير الصدقة ظهر غنى» [كلا الروايتين في البخاري].
  • الرابعة: بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة جهد المُقل، وابدأ بمن تعول» [رواه أبوداود]، ونطق صلى الله عليه وسلم: «سبق درهم مائة ألف درهم»، نطقوا: وكيف؟! نطق: «كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها» [رواه النسائي، سليم الجامع]، نطق البغوي: "والإختيار للرجل حتى يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتا لما يخاف عليه من فتنة الفقر، وربما يلحقه الندم على ما عمل، فيبطل به أجره، ويبقى كلاً على النّاس، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر خروجه من ماله أجمع، لَّما فهم من قوة يقينه وصحة توكله، فلم يخف عليه الفتنة، كما خافها على غيره، أمّا من تصدق وأهله محتاجون إليه أوعليه دين فليس له ذلك، وأداء الدين والانفاق على الأهل أولى، إلا حتىقد يكون معروفا بالصبر، فيؤثر على نفسه ولوكان به خصاصة كعمل أبي بكر، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [سورة الحشر: 9] وهي الحاجة والفقر". [شرح السنة].
  • الخامسة: الانفاق على الأولاد كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة» [في السليمين، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكينا، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك» [رواه مسلم].
  • السادسة: الصدقة على القريب، كان أبوطلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. نطق أنس: "فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [سورة آل عمران: 92]. قام أبوطلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنطق: يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه {لن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ إذا أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجوبرَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى حتى تجعلها في الأقربين». فنطق أبوطلحة: أعمل يا رسول، فقسَّمها أبوطلحة في أقاربه وبني عمه". [في السليمين].

ونطق صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» [رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة]، وأخصُّ الأقارب ـ بعد من تلزمه نفقتهم ـ اثنان:

الأول: اليتيم؛ لقوله جلَّ وعلا: {فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ (11) وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوإِطعَامٌ فِى يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ (15) أَومِسكِيناً ذَا مَتْرَبةَ [سورة البلد:11-16]. والمسبغة: الجوع والشِّدة.

الثاني: القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها؛ فقد نطق صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» [رواه أحمد وأبوداود والترمذي سليم الجامع].

السابعة: الصَّدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ [سورة النساء: 36] وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: «وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها» [رواه مسلم].

الثامنة: الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل» [رواه مسلم].

التاسعة: النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهادا للكفار أوالمنافقين، فإنّه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات ومن ذلك قوله سبحانه: {انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْبِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة التوبة:41]، ونطق سبحانه مبيناً صفات المؤمنين الكُمَّل الذين وصفهم بالصدق {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [سورة الحجرات: 15]، وأثنى سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم بذلك في قوله: {لَكِنَ الرَّسُولُ وَالذَّينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخَيرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوزُ العَظِيمُ [سورة التوبة: 89،88]، ويقول عليه الصلاة والسلام: «أفضل الصدقات ظلُّ فسطاطٍ في سبيل الله عز وجل أومنحة خادم في سبيل الله، أوطروقة فحل في سبيل الله» [رواه أحمد والترمذي، سليم الجامع]، ونطق صلى الله عليه وسلم: «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا» [في السليمين]، ولكن ليُفهم أنّ أفضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة والقلة في المسلمين كما هوفي وقتنا هذا، أمَّا ما كان في وقت كفاية وفوز للمسلمين فلا شك حتى في ذلك خيرا ولكن لا يعدل الأجر في الحالة الأولى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَأوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [سورة الحديد: 11،10]. "إنّ الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا سلطان، ولا رخاء غير الذي ينفق، ويقاتل، والعقيدة آمنة، والأنصار كثرةٌ والنصر والغلبة والفوز قريبة المنازل، ذلك متعلق مباشرةً لله متجردٌ تجردا كاملا لا شبهة فيه، عميق الثقة والطمأنينة بالله وحده، بعيدٌ عن جميع سبب ظاهر، وكل واقع قريب لا يجد على الخير أعوانا إلاّ ما يستمده مباشرةً من عقيدته، وهذا له على الخير أنصارٌ حتى حين تصح نيته ويتجرد تجرد الأوليين". [في ظلال القرآن].

العاشرة: الصدقة الجارية: وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا توفي الإنسان انبتر عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أوفهم ينتفع به، أوولد صالح يدعوله» [رواه مسلم].

وإليك بعضا من مجالات الصدقة الجارية التي اتى النص بها:

مجالات الصدقة الجارية

1- سقي الماء وحفر الآبار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة سقي الماء» [رواه أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجة:سليم الجامع].

2- إطعام الطعام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل: أي الإسلام خير،يا ترى؟ نطق: «تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عهدت ومن لم تعهد» [في السليمين].

3- بناء المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتا في الجنة» [في السليمين]، وعن جابر رضي الله عنه حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق: «من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أوأصغر بنى الله له بيتا في الجنة» [سليم الترغيب].

4- الانفاق على نشر الفهم، وتوزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه نطق: نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته فهما فهمه ونشره، أوولدا صالحا هجره، أومصحفا ورثه، أومسجدا بناه، أوبيتا لابن السبيل بناه، أونهرا أجراه، أوصدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته» [رواه ابن ماجة:سليم الترغيب].

ولتفهم أخي أنّ الانفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها كالانفاق في رمضان، كما نطق ابن عباس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النّاس، وكان أجود ماقد يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان بلقاه في جميع ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة". [في السليمين]، وكذلك الصدقة في أيّام العشر من ذي الحجة، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم نطق: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيّام العشر. نطقوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله،يا ترى؟ نطق: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك شيء» [رواه البخاري]، وقد فهمت أنّ الصدقة من أفضل الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله.

ومن الأوقات الفاضلة يوم حتىقد يكون النّاس في شدة وحاجة ماسة وفقر بيّن كما في قوله سبحانه: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [سورة البلد: 11-14].

فمن نعمة الله عز وجل على العبد حتىقد يكون ذا مال وجدة، ومن تمام نعمته عليه فيه حتىقد يكون عونا له على طاعة الله «فنعم المال الصالح للمرء الصالح» [رواه البخاري].

تاريخ النشر: 2020-06-04 06:48:31
التصنيفات: مصطلحات إسلامية, إسلام

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

طلبات الطعام بصنعاء.. تحملها الخيول إلى المنازل

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:36
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 96%

برلمانية تطالب بتكريم أبطال المنتخب الوطنى لكرة القدم‎‎

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:17:09
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

بعد حبس أنفاس العالم لـ5 أيام.. المغرب يستعد لتشييع الطفل ريان

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:38
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 85%

5 نصائح بسيطة لاستعادة قوة الجسم بعد التعافي من كورونا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:44
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 92%

«لا تزن» الكلمة السادسة في الشباب وأبونا المطران

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:17:11
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 60%

صدام سيخطف الأنظار.. صلاح وماني وجها لوجه بنهائي أمم إفريقيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:46
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 94%

معلمة مصرية خرجت بحماية الأمن بعد منعها غشا جماعيا تتحدث للعربية.نت

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:31
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 88%

فى يومه العالمى.. ختان الإناث مخاطر نفسية من الطفولة للبلوغ

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:20:46
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

سعر اليورو اليوم الأحد للشراء والبيع لدى البنوك المصرية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:20:47
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 67%

تقرير سري يكشف عن مصدر إيرادات عجيب لكوريا الشمالية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:24
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 93%

"قوى الثورة والمعارضة السورية" تجري ندوة في قطر "للنهوض بأدائها"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:20:48
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

خالد أنور عن "قمر 14": مغامرة.. وسعيد جدا بالجدل الذي أثاره

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:45
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 89%

"التجارة" السعودية: منح 45 رخصة لتصدير الأسمنت والحديد في2021

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:44
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 85%

كوريا الجنوبية تسجل رقما قياسيا في الإصابات اليومية بكورونا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:13
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 100%

ماذا يفعل كارلوس كيروش فى النهائيات؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:20:46
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 55%

الصحة: تسجيل 2298 حالة إيجابية جديدة بفيروس كورونا .. و 58 حالة وفاة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:17:12
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

لوبان: في حال انتخابي رئيسة ستخرج فرنسا من الناتو

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:20:47
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 59%

البرازيل تسجل 197442 إصابة و1308 وفيات جديدة بكوفيد-19

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:20:55
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 62%

زيارة شولتز لموسكو ستساعد في التغلب على التوتر في العالم

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:18
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 89%

شبورة مائية تسيطر على الطرق الزراعية والقاهرة ومدن القناة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:17:10
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 69%

انفوجراف| أبرز شكاوى مبادرة صوتك مسموع

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:17:11
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 59%

ملياردير شهير يخسر 31 مليار دولار في يوم واحد.. والسبب غريب

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-06 06:16:41
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية