الجبائي
الجُبّائي (235 ـ 303هـ/849 ـ 916م) أبوعلي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتحدث المعتزلي، والجُبّائي نسبة إلى جبّى التي ولد فيها وهي من مدن خوزستان، ولج البصرة وهوغلام، فلزم أبا يعقوب يوسف بن عبد الله الشحّام المتوفى أواخر القرن الثالث الهجري، وكان هذا أحذق الناس في الجدل، انتهت إليه رياسة المعتزلة في البصرة، وعنه أخذ أبوعلي الكلام وشهد حلق المتحدثين، فنبغ مبكراً وقدر على الجدل والمناظرة في مسائل فهم الكلام، شهد له المعتزلة جميعاً بالرياسة بعد أبي الهُذيل العلاف (ت235هـ)، وكان إلى ذلك فقيهاً ورعاً زاهداً. حكى ابن جبير القطان نطق: «رأيت الناس مجتمعين في مسجدٍ قربنا، فسألتهم، فنطقوا: قوم من المتكلّمين يريدون المناظرة وينتظرون مجيء واحد، فلمّا طال بهم المجلس ولم يأتهم الرجل نطقوا: أليس هنا من يتحدث،يا ترى؟ -وقد جاء المجلس (صقر) متحدث المجبّرة- فإذا غلام أبيض الوجه وقد زج نفسه في صدر صقر، ونطق له: أسألك، فنظر إليه صقر وتعجب من جرأته مع صغر سنّه فنطق له: سَلْ، فنطق: هل الله تعالى يعمل العدل،يا ترى؟ نطق: نعم، نطق: أفتسميه بعمله العدل عادلاً،يا ترى؟ نطق: نعم، نطق: فهل يعمل الجور،يا ترى؟ نطق: نعم، نطق: أفتسميه جائراً،يا ترى؟ نطق: لا يصحّ ذلك، نطق: فيلزم ألا تسميه بعمله العدل عادلاً، فانبتر صقر، وجعل الناس يسألون: من هذا،يا ترى؟ فقيل: هوغلام من أهل جُبّى». وهذه السيرة تبيّن مبدأ العدل الإلهي واختيار الأفعال عند المعتزلة.
جعله ابن المرتضى في الطبقة الثامنة في كتابه «طبقات المعتزلة»، وذكر حتى أصحاب الجبائي حرّروا ما أملاه عليهم فوجدوه مئة ألف وخمسين ألف ورقة.
وكان الجبائي يقول: «ليس بيني وبين أبي الهُذيل (ت235هـ) خلاف إلاّ في أربعين مسألة»، ولم يكن أحد أعظم من أبي الهذيل في مسائل الكلام والدين في عصره، ممّا يدلّ على المكانة الفهميّة الرفيعة التي كان الجبائي يرتقيها ويتفرد بها حتّى صار رئيس المعتزلة بالبصرة ونسبت إليه الفرقة الجبائية.
والجبائي أول من ذكر أنّ القديم هوالله وحده، فإنه لما استدل على نفي الصفات نطق: «إنّ الباري سبحانه وتعالى قديم، وقدمه أخصّ وصفه، فلوثبتت له صفة قديمة لشاركته في أخص الوصف، والاشتراك في الأخصّ يوجب الاشتراك في الأعمّ».
وكان يرى حتى من الذنوب صغائر وكبائر، وأن الصغائر تستحق غفرانها باجتناب الكبائر، وأن الكبائر تحبط الثواب على الإيمان، واجتناب الكبائر يحبط عقاب الصغائر.
وهويقول بنفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، ويقول بإثبات العمل للعبد خلقاً وإبداعاً، وإضافة الخير والشر والطاعة والمعصية إليه استقلالاً واستبداداً، وأن الاستطاعة قبل العمل وأن الفهم وشكر النعم وفهم الحسن والقبيح واجبات عقلية وهذه الأقوال ترتبط بفكرة العدل الإلهي عند المعتزلة، وكان يرى حتى العزم على الكبيرة كبيرة والعزم على الكفر كفر، وكان يتساءل: هل الأمور تُفهم أشياء قبل كونها،يا ترى؟ وهل تسمى أشياء قبل كونها. وفي هذا إشارة إلى فكرة التوحيد عند المعتزلة.
وللجبائي آراء كثيرة في الجوهر والحركة والروح والأعراض، من أبرز تلامذته ابنه أبوهاشم (ت315هـ) رئيس فرقة البهشمية، وأبوعبد الله الصيمري (ت315هـ) وأبوعمر الباهلي (ت300هـ).
أخذ عنه أبوالحسن الأشعري (ت324هـ) فهم الكلام، وكان بينهما خلاف في مسألة نفي الصفات ومسألة خلق القرآن التي أنكرها الأشعري فيما بعد، وجرت بينهما مناظرات أدّى بعضها إلى خروج الأشعري عن المعتزلة وظهور فرقة إسلامية جديدة هي فرقة الأشاعرة.
مصنفاته
من مصنفاته كتاب «الأصول» وكتاب «تفسير القرآن» وله خط في الرد على أهل النجوم.
هيثم غرة
الموضوعات ذات الصلة
الأشعري (أبوالحسن ـ) ـ المعتزلة.
مراجع للاستزادة
ـ البغدادي، الفرق بين الفِرق (دار الآفاق الجديدة، بيروت 1979).
ـ ابن المرتضى، طبقات المعتزلة (دار مخطة الحياة، بيروت).
ـ أبوالقاسم البلخي، فضل الاعتزال (الدار التونسية، تونس 1986).
ـ عادل العوّا، المعتزلة والفكر الحرّ (دار الأهالي، دمشق 1987).