ڤودو

لا بد حتى لفظة فودوقد مرّت من قبل.. قرأتها في رواية رعب تتعلق بإفريقيا.. أوسمعتها في أحد أفلام الرعب الممنوعة لمن هم أقل من 18 عامًا.. أوفي برنامج وثائقي وفي هذه الحالة لا بد حتى اللفظة ترتبط في ذهنك, بمجموعة من الأفارقة يرقصون ويتقافزون في الهواء وهم يرتدون ملابس عجيبة, ويغطون وجوههم بأصباغ أعجب..

البعض يظن حتى هذه الحدثة لا تعني سوى السحر الأسود, والبعض الآخر يظن أنها ممضى ديني لم يعد له وجود, في حين يصرّ البعض على حتى الأمر كله مجرد خرافة لا أساس لها من الصحة, لذا أعتقد أنه حان الوقت لنزع الغموض عن هذا الموضوع الشيّق, وسنبدأ في هذا على الفور..

تاريخ الفودو

يؤمن الكثير من المؤرخين بأن ممضى الفودوعثر في إفريقيا منذ بداية التاريخ الإنساني, ويقول بعضهم إنه يمتد إلىعشرة آلاف عامًا بالتحديد, لكن الدراسات المستمرة في هذا الموضوع خرجت علينا بنظريات جديدة, ومنها حتى أبرز مسببات تشكيل ديانة الفودوعلى هذا الشكل الذي يعهده الآن, كان الاحتلال الأوروبي لإفريقيا, وبدء تجارة العبيد.. ففي الوقت الذي كان يفكر فيه المحتل الأوروبي بتمزيق معتقدات الأفارقة الدينية, كوسيلة ناجحة لتحويلهم من جماعات إلى أفراد يسهل السيطرة عليهم, كان خوف هؤلاء الأفارقة على ديانتهم عميقًا إلى درجة أنهم اجتمعوا مرارًا, ليقوموا بتعديل وتطوير شعائرهم الدينية, ومزج هذه الشعائر رغم اختلاف الطوائف, حتى خرج ممضى الفودوفي نهاية الأمر في صورته النهائية.

وحدثة فودو(Voodoo) في حد ذاتها مشتقة من حدثة (Vodun) التي تعني (الروح), وكان انتشار هذه العقيدة التي بدأت في جزر الكاريبي سريعًا, حتى أنه ضم كافة الدول والمقاطعات الإفريقية, مما ساهم في نجاح وبقاء هذا الممضى الجديد. ومع انتشار تجارة العبيد, انتشر الفودوحتى وصل إلى الأمريكيتين, واستقر في (هايتي) واكتسب هناك شهرة خاصة بأنه طقوس للسحر الأسود قادرة على الإيذاء, وبينما استقر الفودوفي (هايتي) وبعض جزر (الكاريبي) بدأ يختفي ويتلاشى من إفريقيا ذاتها.. أوهذا ما يظنه البعض!


أساس عقيدة الفودو

كل شيء واحد كبير.. هذا هوالأساس الذي بنيت عليه ديانة الفودو, والمقصود هنا هوحتى جميع شيء في هذا الكون ينتمي إلى الآخر, فلا يوجد أنا وأنت, بل نحن الاثنان جزء من واحد كبير هوالكون ذاته, ومعنى هذا حتى التأثير على جزء سيؤدي إلى التأثير عليك وبالتالي على الكون الواحد الكبير.. وهذه النظرية –وإن بدت لك غريبة– ذات أساس فهمي بحت, فأثبت كثير من الفهماء حتى جميع شيء في هذا العالم له علاقة بكل شيء آخر حوله, وأننا كلنا أجزاء من جميع واحد, لكن الاختلاف في عقيدة الفودوأنهم لا يرهقون أنفسهم بالمعادلات الفهمية, بل يكتفون بالتفسيرات الروحانية لكل شيء. فالإله في ديانتهم يتمثل في صور أرواح الأجداد والآباء الذين ماتوا, وهذه الأرواح ترعاهم وقادرة على مساعدتهم أومعاقبتهم حسب ما يتصرفون, وبالتالي ففي اعتقادهم حتى هناك دائرة مقدسة تربط بين الأحياء والموتى, وكل طقوسهم التي يمارسونها تعتمد في الأساس على إرضاء أرواح الموتى لنيل رضاهم.

وكثيرًا ما تتمثل صورة الإله في ديانة الفودو, في هيئة أفعوان ضخم, حتى حتى البعض ترجم حدثة فودوعلى أنها (الأفعى التي تجمع جميع من لديهم الإيمان).. وكأي ديانة أخرى سنجد حتى هناك الكهنة ذوي المراتب العليا, والذين يطلقون عليهم ألقاب (الأب) و(الأم), وهؤلاء الكهنة هم في الواقع خدم الإله أوالأفعوان الكبير, يعاقبون باسمه ويكافئون باسمه.

وبينما يطلقون على الإله الأكبر اسم (بون ديو), نجد حتى لديهم آلاف الأوراح التي تجوب الأرض من حولهم, ويطلقون على هذه الأرواح اسم (لوا) , وهذه الـ(لوا) قد تتمثل في أشكال عدة, منها الـ(دامبالاه) و(أجوا) و(أوجو) و(ليجبا) وغيرها كثير.. لكن ما دور هذه الـ(لوا) بالضبط؟! خلال احتفالات وطقوس الفودو, قد تتجسد هذه الـ(لوا) في أجساد بعض من يؤدوون هذه الطقوس, وفي هذا دلالة أكيدة على أنهم من المؤمنين المخلصين, وبالتالي يتحول هؤلاء الأشخاص في حد ذاتهم إلى (لوا), يعملون على النصح والتحذير مما هوآت.

ولأن عقيدة الفودوروحانية بالدرجة الأولى, سنجد أنهم يفسرون كافة الظواهر الطبيعية على أنها أفعال الـ(لوا), فالإعصار على سبيل المثال, هوتجسد للـ(لوا أجوا)! والموسيقى والرقص هما أساس احتفالات الفودووهما الطريقة المثلى للاتصال بالأرواح, وهذا ينفي ذلك الاعتقاد السائد بأن هذه الرقصات ما هي إلا وسيلة لزيادة الإخصاب عند من يرقصون.. فهذه الرقصات هي وسيلتهم للوصول إلى الحالة الروحانية الحقة التي تؤهلهم للتحدث مع الموتى. وعلى أساس التفاصيل المذكورة, نجد حتى عقيدة الفودواجتماعية للغاية, وهي لا تؤثر على الفرد كفرد, بل على العائلة في المجمل.. فكل فرد يؤدي الطقوس المطلوبة منه, وأرواح آبائه وأجداده ترعاه طيلة الوقت, لذا فهويطلب منه النصح والإرشاد والمعاونة, وفي الوقت ذاته قد يلعب كاهن الفودودور الحاكم أوالطبيب للجماعة, بأن يداوي أمراضهم باستخدام الأعشاب أوالأدوية التي يصنعها بنفسه, على أساس حتى خبراته الطبية هذه ورثها من الآلهة والأرواح.

ولأن التفاصيل الروحية تمتد إلى جميع شيء, نجد حتى هؤلاء القوم يؤمنون إيمانًا مطلقًا بالتعاويذ وتأثيرها على البشر.. فهناك تعاويذ للحب وللشفاء وللإصابة بالسقم وللإنجاب إلى غير ذلك.. لكن هذه التعاويذ لا يقدر على استخدامها إلا من كان إيمانه بالفودومطلقًا.

حرب ضد الفودو

على الرغم من مكانة الفودوالمقدسة بين الأديان القديمة, نجد أنه قد تعرض لتشويه صورته أكثر من مرة, فهناك من اتهمه بأنه ممضى بربري يحض على العنف والقتل والجنس والسحر الأسود.. وأغلب الظن حتى هذه الشائعات كلها اتىت من المستعمرين الذين وجدوا في الفودورابطًا قويًا يربط بين الأفارقة الذين ينتزعوهم من بلادهم ليحولوهم إلى عبيد, حتى حتى سياسة المستعمر كانت تعتمد على تجريد العبد من لغته وديانته وطقوسه المعتادة, بأن يجبروه على اعتناق المسيحية وتفهم اللغة الإنجليزية –أوالفرنسية كما كان يحدث في تاهيتي–

وأصدروا قوانين بمنع هؤلاء العبيد من ممارسة شعائرهم الدينية, وأن يسجن ويجلد من يمارسها, وفي بعض الأحوال, كانت عقوبة من يمارس الفودوتصل إلى حد الإعدام شنقًا.. إلى غير ذلك كان على أتباع هذا الممضى حتى يجدوا حلاً لهذه المشكلة, فأولاً مع تغيير لغتهم أصبح من اللازم الحصول على بديل إنجليزي أوفرنسي لينطقوا به الطقوس الإفريقية, وقام بعضهم بمزج طقوس الفودوبالطقوس المسيحية, ليتمكن من ممارستها سرًا ودون حتى يتعرض للعقاب.

والعجيب حتى القوانين والممارسات التي مارسها المستعمر على الأفارقة, لتجريدهم من عقيدة الفودو, ساهمت أكثر على نجاح هذه العقيدة وتطويرها وتطويعها إلى الحد الكافي لتنتشر عبر أنحاء أوروبا والأمريكتين, ويكفي حتى نعهد أنه الآن هناك بعض الدول التي ترخص قانونيًا ممارسة طقوس الفودو, ففي البرازيل مثلاً سنجده, لكن تحت اسم (كاندومبل) وفي جزر الكاريبي الناطقة بالإنجليزية , سنجده تحت اسم (أوبيه), وبعض المدن في غرب إفريقيا لازالت تحوي أشد المخلصين لهذه العقيدة, ثم أعربت حكومة (هايتي) باعترافها بالفودوكدين كباقي الأديان, من حق أتباعه حتى يمارسوا طقوسه علانية, ودون أي حظر قانوني.

• دمية الفودو: آخر ما سنمر عليه في هذا الموضوع هودمية الفودوالشهيرة, والتي يمكننا حتى نقول بنوع من الثقة إنها أساس اعتقاد الأغلبية بأن الفودوما إلا طقوس لممارسة السحر الأسود. والدمية كما هومعروف للبعض مجرد دمية تصنعها من أي شيء في متناول يدك, حتى لوكان مجموعة من القش, وتلبسها بملابس قماشية, ثم تضم إلى هذا كله شيئا من الشخص الذي ترغب التأثير عليه بدمية الفودو.. شعره.. قطرات من دمه.. أظافره.

بعد حتى تصنع الدمية ستمسكها وستبدأ في ترديد طقوس وأناشيد الفودو-والتي يجب حتى تكون مؤمنًا بها إيمانًا مطلقًا وإلا فلا داعي لإضاعة الوقت– ثم ستحضر مجموعة من الإبر الطويلة, لتبدأ المرح.. بدمية الفودوتقدر التأثير على الشخص الذي صنعت الدمية لأجله, ويمكنك التحكم في تصرفاته أوتعذيبه أوحتى قتله, وفقًا لقوتك الروحية وتمكنك من طقوس الفودو. البعض يظن حتى هذه الدمية هي سحر أسود حقيقي والبعض يعتقد أنها مجرد هراء, وأيًا كان الأمر فمن المفضل دائمًا عدم العبث فيما يتعلق بالسحر, وإلا لما اتىت جميع الأديان السماوية بنصوص صريحة تنهي عن ممارسة السحر أومحاولة تفهمه. وسواء كان الأمر حقيقة أوهراء, سيبقى الفودومحتفظًا بغموضه وأهميته وسط المعتقدات في تاريخ البشرية, وستظل صورة ذلك الإفريقي الذي يرقص عاري الجذع وقد غطت الأصباغ وجهه في ضوء القمر, هي أول ما يتبادر إلى ذهننا حين نسمع هذه الحدثة الرهيبة.. حدثة.. فودو..

المصادر

  • منتدى أخوية

نطقب:Afro-American Religions

تاريخ النشر: 2020-06-04 07:11:11
التصنيفات: بذرة دين, ديانات, سحر

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بدء صرف معاشات يوليو من ماكينات الصرف على مستوى الجمهورية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:20:54
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

بريطانيا تعلن اعتراض 21 طائرة روسية على حدود مجال "الناتو"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:20:56
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

وزيرة الهجرة تستعرض تطبيق "المصريين فى الخارج".. وأهم خدماته

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:21:05
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

بطلب من تين هاج.. يونايتد يعرض على دى خيا تجديد عقده

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:21:07
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 52%

القاهرة تستعد لعيد الأضحى.. حملات دورية على المجازر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:20:55
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

المنتخب الأوليمبى يبدأ مشواره إلى باريس بمواجهة النيجر الليلة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:21:08
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 56%

أسوان تستعد لانطلاق "100 يوم صحة"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:21:01
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 56%

وزيرا "النقل والرى" يناقشان موقف المشروعات المشتركة بين الوزارتين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:21:04
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

طابع بريد تذكارى بمناسبة مرور 125 عامًا على تأسيس البنك الأهلى المصرى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:20:58
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

ميكالي يستقر على التشكيل الأساسي للمنتخب الأوليمبى أمام النيجر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-25 09:21:09
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 54%

تحميل تطبيق المنصة العربية