بادنج
البادنج Badange حدثة فارسية مؤلفة من مبترين: «باد» (وتعني هواء) و«نج» (وتعني الفوهة). ويقابل البادنج باللغة العربية «المِلْقف» (وهوما يعمل على صفق الهواء وتلقفه وتغيير اتجاهه). يعرّف الملقف بما يلي: «أنبوب شبيه بأنبوب الموقد فتحته بلقاءة الرياح السائدة في منطقة ما وله فوهة في جدار غرفة أوعدة غرف من البيت، ويتألف الملقف عموماً من بوابة لها غطاء تحكّم ونفق تهوية وخزانة تهوية وعقدة تحكّم».
لحدثة البادنج مرادفات هي: البادْهَنج والرّجيل والبارجيل والبورجيل والكشتيل.
السيرة
استُخدم البادنج في مصر القديمة ويستدل على ذلك من رسم في مقبرة من عهد الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة نحو1300ق.م، يمثل مسكناً يعلوسطحه شكلان مائلان. وينسب البعض ابتكار البادنج إلى العرب، فقد عمدوا إلى عمل فتحة في أعلى جدار الخيمة لها ملقف متحرك لتكييف هواء الصحراء، وكان البادنج منتشراً في أبنية العصر العباسي، وقد ورد ذكر البادنج عند ابن بطوطة، وفي كتاب ألف ليلة وليلة، وذكره بعض كتّاب مصر في الحقبتين الأيوبية والمملوكية كبادنج جامع الملك الصالح طلائع بن زريك وبادنج المدرسة الكاملية، وامتد استخدامه آنذاك حتى حلب في سورية. إلى غير ذلك يحمل البادنج قيمة وظيفية في العمارة العربية إضافة إلى جماليته المعمارية؛ فالشكل 1 يمثل رسماً لقاعة محب الدين الشافعي المواقي في القاهرة التي بنيت سنة 1350م.
الخصائص البيئية لمناطق انتشار البادنج وآلية عمله في تلك المناطق
غلب على المناطق التي استخدم فيها البادنج الخاصتان البيئيتان التاليتان:
ارتفاع درجة الحرارة مع الجفاف كما في العراق وإيران، أوازدياد درجة الحرارة مع رطوبة عالية كما في شواطئ الخليج العربي. ويتميز مناخ تلك المناطق وما يماثلها بانخفاض في معدل الأمطار وارتفاع شدة الإشعاع الشمسي نهاراً، وتعاظم الفاقد الإشعاعي ليلاً مع ما يرافق ذلك من ثبات نسبي في شدة الرياح اليومية والموسمية؛ لذا فإضافة إلى حتى إشادة المساكن في تلك الأصقاع متلاصقة للتقليل من الأسطح المكشوفة، واستخدام مواد ذات عزل حراري كالآجر والقرميد في البناء للاستفادة من العطالة الحرارية لتلك المواد، وتجهيز الفناء الداخلي للمسكن ببركة ماء ونوافير، فقد أدخل البادنج إلى البناء لتوليد تيار مستمر من الهواء داخل الغرف. وقد يُعمد إلى زيادة رطوبة الهواء بوضع وعاء فيه ثلج أوماء إلى جانب البادنج.
توجيه البادنج
يراعى في توجيه فتحة البادنج حتى يتماشى مع الانتشار الطبيعي للهواء داخل المبنى لكي تلقف تلك الفتحة تيار الهواء وتدفعه إلى الداخل وهذا ما يؤدي إلى تبريد الجوالداخلي للمبنى، وقد تحدث عن ذلك الفلكي المصري ابن المجدي المتوفى سنة 850هـ في كتابه: «تحفة الألباب في نصب البادنج والمحراب».
أنواع البادنج
يكون البادنج مكعباً أومتوازي المستطيلات أوأسطوانياً. ويراوح ارتفاعه فوق السطح بين ثمانية أمتار لبناء من طابق واحد وخمسة عشر متراً لبناء من طابقين.
يبنى البادنج بمواد تقليدية كالآجر واللِّبن والحجارة، ويدعَّم بنادىئم مناسبة لمقاومة العوامل الخارجية والرياح. وقد يُغلَّف بأحجار عازلة للحرارة كالأحجار المرجانية.
مكونات البادنج
إذا كان البادنج برجاً هوائياً أي مهيأً للقف الهواء من برج على السطح فيتكوّن من فوهة عليا مفتوحة من جهاتها الأربع وقناة ناقلة للهواء وفتحة داخل الغرفة على ازدياد مترين من الأرض. هذا النوع من البادنج يلتقط الهواء من الاتجاهات الأربعة فإذا احتوت قناته الناقلة للهواء على جدار ينصفها لممرين يُدخل الأول الهواء البارد إلى الغرفة، ويُخرج الثاني الهواء الحار منها. ويُتحكم بكمية الهواء بوساطة بوابة فتحة التهوية.
أما البادنج «الملقف» فيكون جدارياً على شكل صندوق مبتره مستطيل، وهومفتوح على اتجاه الهواء في الأعلى، ثم القناة الناقلة في جدار الغرفة، وتنتهي القناة بفتحة في الجدار داخل الغرفة. وهذه الفتحة تكون مستطيلة في مظهرها بارتفاع 1.50م وعرض 0.60م وأما عمقها فيكون 0.50م.
تبدأ عملية بناء البادنج البرجي بعد الانتهاء من بناء البيت وتهجر فتحة خصيصاً له في السقف وهذه الفتحة تكون مربعة لا يتجاوز بعداها 7×7 أقدام أي نحو2×2م، ثم توضع فوق الفتحة خشبتان متصالبتان كأساس للبناء ويبنى البرج فوق الفتحة بأحجار عازلة كالأحجار المرجانية، وحدثا ارتفع البناء تدعم الجدران فيما بينها بجسور خشبية حتى إذا ما بلغ الارتفاع مترين عن قاعدته توضع أسياخ حديدية لتدعيم الهيكل، وهذه الأسياخ تحمل التزيينات الزخرفية النافرة أيضاً. وهناك تصاميم مختلفة لأشكال الأبراج وارتفاعاتها وفتحات مسارب الهواء فيها. يُتحكم بحركة الهواء بفتح أبواب البرج وإغلاقها وكذلك بفتح أبواب الغرف التي يعمل البرج على تهويتها وإغلاقها. وقد يكدّس في مواضع من البادنج كميات من الثلج. وينطق إذا الثلج كان يجلب من جبال لبنان وجبل الشيخ إلى مصر. وكان الفرس قد استطاعوا تصنيع الثلج مستفيدين من التبريد السلبي بوساطة البادنج ودرجة حرارة الأرض. وفي أكثر الأحيان كان يُكتفى بوضع حوض ماء تحت البادنج كي يتشبع الهواء بالرطوبة. كما كان يوجّه الهواء النازل صوب حفرة في الأرض تحت البادنج تؤدي إلى سرداب وتسمى «زنبور» يثبت على فتحتها مشبك من الحديد أوالخشب توضع عليه قلل الماء والفاكهة في الصيف فتُبرد. أما في الشتاء فتوضع في منحى البادنج كوانين فيها الفحم الملتهب فيسخن الهواء ويشع الدفء في الغرف.
ويعتمد بناء البادنج على مواد محلية غير باهظة الكلفة، وهذا ما لجأ إليه المعمار المصري المرحوم حسن فتحي ونجح في استخدامه في قرية «القرنة» التي أنشأها في الأقصر واستخدم فيها الطوب والطين مادتين أساسيتين.
ومن التقنيات الحديثة التي يمكن إضافتها إلى البادنج، الطاقة الشمسية والطاقة الإشعاعية وتوجيه الرياح والمدى اليومي لدرجات الحرارة.
استخدام البادنج
لا يقتصر استخدام البادنج على العمارة التقليدية العربية منها والشرقية، بل يمكن استخدامه أيضاً في العمارة الحديثة. وقد جرت محاولات في هذا المجال ومنها بحوث في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة عام 1985 لتطوير البادنج التقليدي فأضيف إليه مضخة هوائية للزيادة من فاعليته، وكذلك بحوث جامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية وجامعة العلوم التقنية في غانة.
كما يمكن حتى يستخدم البادنج في المدارس والملاعب المسقوفة والأسواق.
لقد منح البادنج طابعاً فريداً للبيوت الخليجية والعراقية إذ حُسب للبادنج حساب في تصميم البيت ليتلاءم وطبيعة المنطقة.
المصادر
- [1]
- Google Books-Malayan Literature by various
- Google Books-The Gentleman's magazine, Volume 92, Part 1