التاجر

"A merchant making up the account" by Katsushika Hokusai

التاجر Merchant هوالشخص الذي تكون مهنته القيام بالأعمال التجارية. وقد جعل المشرعون من التجار فئتين: الفئة الأولى تضم الأشخاص الطبيعيين الذين تكون مهنتهم ممارسة الأعمال التجارية، والفئة الثانية تضم الشركات التيقد يكون موضوعها تجارياً.

إن عودة فاحصة إلى التاريخ تبين حتى الشعوب التي كانت تقطن في حوض البحر المتوسط قد بزّت غيرها في النشاط التجاري لأنها تحتل مواقع جغرافية مهمة في التبادل بين القارات الثلاث.

ومن أوائل شعوب العالم القديم التي عهد عنها الاشتغال بالتجارة والبراعة بها البابليون الذين سكنوا بلاد الرافدين، إذ هجروا مجموعة من القواعد الخاصة بالتجارة مدونة في أبرز وأقدم وثيقة تشريعية في العالم وهي قانون حمورابي (2083 ق.م).

وتبع البابليين شعب آخر أصاب سهماً وافراً في التجارة هم الفينيقيون الذين كانوا يسكنون السواحل الشرقية للبحر المتوسط. وقد بنوا أسطولاً ضخماً ومستونادىت تجارية مهمة في مواقع مختلفة كقبرص ورودوس وكريت. وأعقب أُفول نجم الحضارة الفينيقية الإغريق الذين كانوا تجاراً مهرة واحتلوا مكان الفينيقيين في التجارة البحرية وما ساعدهم في ذلك مسقط بلادهم الجغرافي والسياسي.

أما الرومان فلم يكن لهم اهتمام كبير في التجارة، لأنهم كانوا يعدونها مهنة وضيعة لا تليق بالروماني الأصيل، ويجب حتى تهجر للأجانب والعبيد. أما العرب، فإنه من المؤكد حتى القبائل العربية، ولا سيماقبيلة قريش، كانت تتعاطى التجارة على نطاق واسع مع الأمم والبلدان المجاورة. كما كان للحروب الصليبية أثر مهم في قيام حركة تجارية كبيرة بين الشرق والغرب، لاسيما بين سكان المدن الإيطالية، كالبندقية وجنوه وفلورنسة والمرافئ الإسلامية الواقعة على الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط.

وفي العصور الحديثة أسهمت الكشوف الجغرافية والتوسع الاستعماري في نشوء الرأسمالية وظهرت الشركات الرأسمالية الكبيرة كشركتي الهند الشرقية والغربية. ويمكن القول: إنه منذ بداية عهد الثورة الصناعية ظهرت ضروب من الاستثمار الاقتصادي لا تقوى طاقة التاجر الفرد الواحد على النهوض بها، لما تتطلبه من أموال وجهود، لذلك تضافر الأشخاص وقاموا بتجميع إمكانياتهم ليتسنى لهم القيام بها. وبسبب هذا التضافر انبعثت الشركات التجارية المتنوعة التي غزت مختلف أوجه النشاط الاقتصادي، فأنجزت الكثير من المشاريع الصناعية والتجارية التي أسدت للبشرية خدمات جلّى.

شروط اكتساب صفة التاجر

يشترط لاكتساب صفة التاجر توافر شروط ثلاثة: القيام بالأعمال التجارية واحترافها وأهلية الشخص للقيام بهذه الأعمال.

1ـ القيام بالأعمال التجارية: يقصد بالأعمال التجارية التي يشترط تعاطيها لاكتساب صفة التاجر الأعمال التجارية بحكم ماهيتها كشراء المنقول لبيعه بربح. ولا فرق في ذلك حتىقد يكون العمل التجاري مشروعاً أوغير مشروع فمن يحترف شراء المخدرات بقصد بيعها بربح يعد تاجراً. على حتى تعاطي الأعمال التجارية لا يكفي لإسباغ صفة التاجر على القائم بها، وإنما يجب حتى يقوم بهذه الأعمال باسمه ولحسابه الخاص وعلى وجه الاستقلال بحيث يتحمل وحده تبعة هذه الأعمال ربحا حقيقياً أوخسارة.

وقد يحدث أحياناً حتى يمارس إنسان ما الأعمال التجارية مستتراً وراء إنسان آخر كأنقد يكون الأول ممنوعاً من تعاطي التجارة (طبيب، موظف عام..). والرأي الراجح حتى الصفة التجارية تضفى على جميع من الشخص الظاهر والمستتر. فالشخص الظاهر، ولوأنه لا يعمل لحسابه، إلا أنه يقيم في الواقع مظهراً يثق به المتعاملون ويعتمدون عليه فكأنه قد ارتضى لنفسه حتى يلتزم في لقاءة سائر الناس اكتساب صفة التاجر، ويتفق ذلك مع ما يقتضيه مبدأ استقرار المعاملات بين الناس.

أما الشخص المستتر فليس في أمره إشكال، فهوإذ يعد تاجراً فلأن الاستغلال يجري لحسابه.

2ـ احتراف الأعمال التجارية: يقصد بالاحتراف حتى يتجه نشاط الشخص على وجه الاعتياد إلى عمل معين حتى يصبح هذا العمل حرفة له يرتزق منها. فأول عناصر الاحتراف هوتكرار القيام بعمل معين بصفة مستمرة ومنتظمة. فمن يقوم بعمل تجاري على وجه عارض لا يعد تاجراً. ولا يشترط حتى يستوعب العمل التجاري جميع نشاطات الشخص بحيث لا يمارس نشاطاً آخر غير نشاط التجارة. فمن الجائز حتى تكون للشخص حرفة تجارية وأخرى مدنية كالطبيب الذي يمارس عملاً مدنياً بعلاجه السقمى ويحترف بالأعمال التجارية إلى جانب ذلك. لكن القانون، حماية للغير، عدَّ تاجراً جميع من أعرب في الصحف والنشرات أوأي وسيلة أخرى عن المحل الذي أسسه وفتحه للاشتغال بالمعاملات التجارية وإن لم يتخذ المذكور التجارة حرفة مألوفة له. ثم إذا احتراف القيام بالأعمال التجارية لا يكفي وحده لاكتساب صفة التاجر، بل يجب حتىقد يكون اتخاذ الأعمال المذكورة وسيلة للعيش والارتزاق. فالموظف الذي يسدد ديونه عن طريق الشيكات لا يكتسب صفة التاجر لأنه لا يعتاش من تحرير الأسناد التجارية.

3ـ الأهلية التجارية: يعد الشخص أهلاً لتعاطي التجارة إذا بلغ سن الرشد وهي ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة في القانون السوري وإحدى وعشرون سنة في القانون المصري وتسع عشرة سنة في القانون الجزائري. ومع ذلك يجوز للصبي الذي بلغ الخامسة عشرة من العمر حتى يمارس التجارة إذا استحصل على إذن من القاضي بذلك.

وتجدر الإشارة إلى حتى القوانين التجاريّة لبعض الدول العربيّة لم يفرق بين الرجل والمرأة المتزوجة في الأهلية اللازمة لتعاطي التجارة. فللمرأة المتزوجة كالرجل حق التصرف بأموالها والاشتغال بالتجارة خلافاً لبعض التشريعات الأجنبية التي لا تجيز للمرأة المتزوجة الاشتغال بالتجارة إلا بعد الحصول على إذن من زوجها بذلك.

كما حتى التشريعات التجاريّة الفرنسيّة والمصريّة والسوريّة واللبنانيّة مثلاً أعطت الأجانب مطلق الحرية في ممارسة التجارة فيها باستثناء بعض المهن التي حصر مزاولتها بالمواطنين دون غيرهم. الأجانب (المركز القانوني لـ ـ)] مثل فتح ممحرر السفر والسياحة ووكالة الشركات الأجنبية وغيرها.

التزامات التاجر

يرتب القانون على التجار، سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أم اعتبارين (شركات) جملة التزامات بهدف تنظيم الحرفة التجارية وتدعيم الثقة والائتمان بين التجار. ومن أبرز هذه الالتزامات: مسك الدفاتر التجارية، والإنضمام في سجل التجارة.

1ـ مسك الدفاتر التجارية: أهمية الدفاتر: الدفاتر التجارية هي الوسيلة التي تعين التاجر على التثبت متى شاء من حالته المالية ومبلغ ما أصابته تجارته من كسب أوخسارة. وبالعودة إليها يستطيع التاجر حتى يتهيأ في الوقت المناسب لسداد ما عليه من ديون ولاقتضاء ماله منها في ذمم الغير. كما تعد الدفاتر خير أداة لفهم عناصر الذمة المالية[ر] لصاحبها طالما إفلاسه أووفاته. وإذا ما كان مسكها منتظماً فإن مصلحة الضرائب تستطيع حتى تحدد الضرائب المستحقة على التاجر من واقع البيانات الواردة فيها من دون إجحاف بدلاً من الالتاتى إلى التقدير الجزافي الذي قد يضر أحياناً بمصلحة الخزينة وأحياناً أخرى بمصلحة التاجر المكلف نفسه لعدم استناده إلى وقائع سليمة.

ويلزم بمسك الدفاتر التجارية: جميع من يتعاطى التجارة في سورية، سواء كان مواطناً أم أجنبياً، شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً، أمياً أم متفهماً، لكن المشرع أعفى من مسك الدفاتر بعض صغار التجار الذين يعتمدون في الغالب على مساعيهم البدنية للحصول على أرباح قليلة لكسب معيشتهم أكثر من استنادهم إلى رأسمالهم النقدي كالباعة الجوالين وغيرهم.

أما أنواع الدفاتر التجارية: التي يجب على التاجر مسكها فهي على نوعين: إلزامية واختيارية: الدفاتر الإلزامية: أوجب القانون السوري على نهج غيره من القوانين مسك دفاتر إلزامية ثلاثة هي: دفتر اليومية ويقيد فيه التاجر يومياً جميع الأعمال التي تعود بوجه من الوجوه إلى مشروعه التجاري، ويقيد فيه بالجملة شهرياً النفقات التي أنفقها على نفسه وعلى أسرته، ودفتر صور الرسائل والبرقيات، وكذلك دفتر الجرد والميزانية الذي يتم تنظيمه مرة على الأقل في السنة. الدفاتر الاختيارية: يمسكها التاجر وينظمها بما يتلاءم وطبيعة تجارته. ومن هذه الدفاتر دفتر الخرطوش ودفتر المستودع ودفتر الصندوق ودفتر الأستاذ الذي يعد أبرز الدفاتر الاختيارية إذ تؤخذ قيود هذا الدفتر من البيانات الواردة في دفتر اليومية، وتفرغ هذه البيانات لا بحسب تواريخ وقوعها بل في صورة حسابات مستقلة يراعى فيها وحدة الزبون أونوع البضاعة. ويعد لكل زبون من زبن التاجر أولكل عملية تجارية صفحتان إحداها تمثل الجانب الدائن والثانية تمثل الجانب المدين.

ولا يقتصر الالتزام على مجرد مسك الدفاتر التجارية، وإنما لابد حتى تكون هذه الدفاتر منتظمة تكفل، بقدر الإمكان، إعطاء صورة سليمة عن وضع التاجر المالي، ويستطيع القضاء الاطمئنان إليها في الإثبات. ولهذا أوجب القانون مثلاً على جميع تاجر قبل البدء باستعمال الدفاتر الإلزامية، ترقيم صفحاتها بأرقام متسلسلة والتأشير عليها وتوقيعها من رئيس محكمة البداية المدنية أومن قاضي الصلح في المدن التي لا يوجد فيها محكمة بداية، ووضع ختم المحكمة عليها. كما يجب حتى يحدد في آخر الدفتر عدد الصفحات التي يحتويها مذيلاً بالتوقيع والخاتم المذكورين، والحكمة من هذه الإجراءات هي منع ارتكاب الغش ومعاقبة جميع عمل يستهدف ذلك بعقوبة جرم التزوير. وضماناً لصحة المعلومات والبيانات الواردة في الدفاتر، أوجب القانون حتى يتم الإنضمام فيها بالتسلسل من دون هجر بياض أوفراغ ولا نقل إلى الهامش ولا محوولا تحشية بين السطور. وإذا سقط خطأ عند تدوين عملية معينة فإن على التاجر إجراء قيد ثان معاكس بتاريخ كشف الخطأ.

كما أوجب القانون حتى تكون الكتابة في الدفاتر باللغة العربية، وأن على التاجر الاحتفاظ بها لمدة عشر سنوات من تاريخ اختتامها.

وتتمتع الدفاتر التجارية بحجية كاملة في الإثبات: إذ إذا التاجر ملزم، كما تقدم ذكره، بمسك دفاتر تجارية منتظمة تشتمل على جميع العمليات التجارية التي يجريها بما يتفرع عنها من حقوق والتزامات له وعليه إزاء غيره من التجار، فإن للقاضي حتى يقرر، عفواً من تلقاء نفسه أوبناء على طلب التاجر أوخصمه، تقديم هذه الدفاتر ليستند إليها في إثبات هذه الحقوق والالتزامات.

وتعد البيانات الواردة في الدفاتر التجارية، منتظمة أوغير منتظمة، إلزامية أواختيارية حجة للخصم على صاحبها سواء كان الخصم تاجراً أم غير تاجر. وتعلل حجية الدفاتر على صاحبها التاجر بالقول إذا القيود الواردة فيها باختياره وبإرادته تعد بمنزلة الإقرار الخطي منه بصحتها، والشخص يؤخذ عادة بإقراره.

أما حجية الدفاتر في الإثبات لمصلحة التاجر فإن الأمر يقتضي التفريق التالي:إذا كان الخصم غير تاجر فالأصل أنه لا يجوز للتاجر حتى يستند إلى دفاتره دليلاً للإثبات ضد خصمه غير التاجر، لأن هذا الأخير لا يمسك دفاتر تجارية حتى يقابل بها التاجر بما دونه فيها، أي إنه لايملك السلاح نفسه الذي يقابله به التاجر. أما إذا كان الخصم تاجراً أيضاً وكان النزاع يتعلق بأمور التجارة، فيجوز للمدعي إثبات دعواه بدفاتره التجارية ما لم ينقضها الخصم ببيانات واردة في دفاتره الخاصة به. وفي هذه الحالة يجوز للقاضي حتى يقرر إما تهاتر البينتين المتعارضتين أوالأخذ بإحداهما دون الأخرى على ما يظهر له من ظروف القضية.

2ـ الإنضمام في سجل التجارة: سجل التجارة Registre de Commerce هودفتر يعد لتدوين أسماء التجار والشركات التجارية والوقائع المتصلة بنشاطهم التجاري لتمكن الغير من الوقوف على حقيقة مركزهم المالي، ومتابعة ما يطرأ على هذا المركز من تغيرات في أثناء مزاولتهم للتجارة. ويعهد قانون التجارة السوري مهمة الإشراف على تنظيم سجل التجارة إلى وزارة التموين والتجارة الداخلية فيما يتعلق بالسجل المخصص لقيد التجار والشركات القائم مركزهم الرئيسي في سورية وإلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السجل المعد لقيد التجار والشركات الذين يقع مركزهم الرئيسي خارج سورية والذين ينظم أمورهم المرسوم التشريعي رقم 151 لعام 1952. ويوجد سجل خاص في جميع محافظة لتسجيل التجار والشركات الملزمين بالتسجيل. في حين تُعيِّن قوانين التجارة في الدول الأخرى الجهات التي يسجّل بها التجّار.

يتولى مسك سجل التجارة موظف اسمه أمين السجل، بحكم طبيعة عمله فقد أوجب القانون حتى يحلف هذا الموظف قبل مباشرته الوظيفة اليمين أمام محكمة البداية المدنية على حتى يقوم بوظيفته بشرف وأمانة. وأوجب القانون على جميع تاجر حتى يطلب من أمين سجل التجارة في المحافظة التي يوجد فيها مركزه الرئيسي تسجيل اسمه في السجل في غضون شهر من تاريخ فتح المحل التجاري أوشرائه، ويسري هذا الالتزام على الشركات التيقد يكون مركزها الرئيسي في سورية، إذ يتوجب على مديري أعمالها أوأعضاء مجلس إدارتها تقديم طلب الإنضمام في الشهر الذي يلي تأسيس الشركة. ولإعطاء نظام سجل التجارة قوته الإلزامية فرض المشرع السوري العقوبات على من يخالفون أحكامه بترتيب الغرامات عليهم وكذلك الحبس.

كما قرر مؤيدات أخرى من نوع خاص إذ قضى بأن جميع إنسان طبيعي أواعتباري يدعي بصفته التجارية أمام المحاكم أويراجع لمصلحته بالصفة ذاتها الدوائر الإدارية لا يسمع انادىؤه ولا تقبل مراجعته ما لم يكن مسجلاً في سجل التجارة. وكذلك لا يجوز للشركاء في الشركة حتى يحتجوا بشخصيتها الاعتبارية إزاء الغير ما لم تكن قد استوفت إجراءات شهرها بتسجيلها في سجل التجارة.

ولابد من الإشارة أخيراً إلى حتى التجار إذا كانوا غير ملزمين بالانتساب إلى غرفة التجارة، فإنهم إذا رغبوا في ذلك عليهم حتىقد يكونوا مسجلين في سجل التجارة العائد للمحافظة التي يتواجد فيها محلهم التجاري.