عاشت حياة قصيرة وسنواتها في الدنيا معدودة لا تتجاوز السادسه والثلاثين من عمرها، ورغم ذلك ملأت هوليود الشرق بشتى أنواع الفنون من الرقص والغناء والمونولوج والتمثيل. أسعدت الملايين وكان حظها في هذا العالم قليلا، تزوجت مرتين ورزقت بطفل وحيد وهاجمها وحش السقم اللعين وخط نهاية حزينة لهذه الفتاة التي كانت مفعمة بحب الحياة والسيرك والفن، حياة قصيرة في عمر الزمن، لكنها طويلة خالدة في سجل العطاء للفن والإبداع.

بدايتها

ولدت نعيمة عاكف فيسبعة أكتوبر عام 1929 في مدينة طنطا حيث كان سيرك والدها، يقدم عروضه خلال ليالي الإحتفال بمولد السيد البدوي وخرجت نعيمة إلى النور لتجد نفسها بين الوحوش والحيوانات والألعاب البهلوانية مثل أبيها وأمها وسائر أفراد أسرتها، ولما بلغت سن العاشرة تزوج والدها من أخرى غير والدتها التي اضطرت إلى هجر السيرك مع أولادها لتستقر في شقة متواضعة بشارع محمد علي ثم انتقلت نعيمة إلى ملهي الكيت كات الذي كان يرتاده معظم مخرجي السينما، فالتقطها المخرج أحمد تام مرسي وقدمها كراسيرة في فيلم ست البيت ومنه اختارها المخرج حسين فوزي لتشارك في بطولة فيلمه العيش والملح وبعده تعاقد معها على احتكار وجودها في الأفلام التي يخرجها لحساب نحاس فيلم وقامت بأول بطولة سينمائية لها في لهاليبو ورغم فارق السن الكبير بينهما إلا حتى المخرج حسين فوزي تزوجها ونقلها من شارع محمد علي إلى فيلا بمصر الجديدة. وتوالت أفلامها ولمع نجمها في السينما من خلال أفلام: بلدي وخفة، بابا عريس، فتاة السيرك، جنة ونار، تمر حنة، ياحلاوة الحب. وبعد عشرة أعوام من الزواج انفصلت نعيمة عن زوجها في هدوء شديد بعد حتى أخرج لها 15 فيلما آخرها فيلم أحبك ياحسن ثم تزوجت من المحاسب صلاح عبدالمنعم وأنجبت منه ابنها الوحيد محمد صلاح عبدالمنعم، وحصلت نعيمة عاكف علي لقب أحسن راسيرة في العالم من مهرجان الشباب العالمي بموسكوعام 1958 ضمن خمسين دولة شاركت في هذا المهرجان.

وفاتها

وفي أبريل من عام 1966 رحلت نعيمة عاكف بعد رحلة مع سقم السرطان وأنهت مشوار سبعة عشر عاما من الفن والتألق والإبداع وهي في عمر الزهور حيث كان عمرها وقت رحيلها 40عاما فقط.

ميراث الفن

عندما بلغت الرابعة من عمرها أراد والدها حتى يفهمها الفن الذي يتوارثه أفراد الأسرة، لكنها لم تظهر استعدادا أوتبذل أي نشاط فلجأ إلى حيلة جعلتها تتفهم المباديء الأولى في بضعة أيام، فبدلا من حتى يقوم بتعليمها، قام بتعليم شقيقتها الكبرى حركات جديدة أمامها وراح يشجع شقيقتها، وفي نفس الوقت يعيرها بأنها ضعيفة ولاتصلح للعمل مثل شقيقتها فامتلأت نفسها بالغيرة، وتفهمت مباديء الأكروبات في بضعة أيام، وبعد عدة أسابيع تفوقت على شقيقتها وأصبحت نجمة الفرقة الأولى، مع أنها لم تكن قد اتمت العام الرابع من عمرها، وكانت هي في هذه الفترة من العمر تتشقلب وتغني وتستحوذ على اعجاب جمهور الفلاحين الذين كانوا يشاهدونها، مما شجعها عندما بلغت السادسة حتى تطلب من والدها حتى يخصص لها مرتبا، وإلا فإنها ستبحث عن سيرك آخر تعمل فيه، وكان رد الوالد علقة ساخنة وفي اليوم التالي جمعت ملابسها وانطلقت في الشوارع على غير هدي وقابلها بعض زبائن السيرك وعهدوا أنها هاربة من أسرتها، فحملوها علي أكتافهم وأعادوها، وإزاء تهديدها بالهرب مرة أخرى قرر والدها حتى يخصص لها مرتبا يوميا قدره قرشان إذا كان السيرك يعمل، وقرش واحد في حالة البطالة والأجازات الطويلة.

هدايا المعجبين

وكثيرا ماكانت نعيمة تحصل على هدايا من المتفرجين من قبيل الإعجاب إضافة إلى الهدايا التي كانت تحصل عليها من والدتها وكان معظم هذه الهدايا "عرايس صغيرة" تتناسب مع فترة العمر التي تمر بها ونتج عن ذلك حبها للعرائس، فكانت حدثا جمعت مبلغا من المال تشتري به عروسة.

وعندما بلغت الرابعة عشرة من عمرها كان سيرك والدها يقدم عروضه في طنطا خلال موسم الإحتفال بمولد السيد البدوي ولاحظت نعيمة حتى رجلا ريفيا ميسور الحال يظهر أنه من الأعيان تحيط به شلة من أتباعه، يحرص على حضور عروضها جميع ليلة، وكان يبالغ في التصفيق لها، ولم يكن إعجابه يتجاوز هذا الحد خصوصا أنه لم يكن مسموحا لأي رجل الإتصال بالعناصر النسائية في السيرك.

وذات ليلة فوجئت نعيمة بسيدة ريفية تطلب لقاءتها وتقدم لها علبة أنيقة ونطقت لها: "سيدي البيه باعت لك الهدية دي" فلم تستطع نعيمة حتى ترفض الهدية، وكم كانت فرحتها عندما فتحت العلبة ووجدت بها عروسة ذات خمسة مفاتيح وكل مفتاح له رسيرة تختلف عن رسيرة المفتاح الآخر، وحدثا لفت مفتاحا عزفت موسيقي شرقية جميلة، ورقصت عليها العروسة رسيرة بديعة.

سنية شيكابوم

وسمعت نعيمة من الناس وقتها حتى أحسن راسيرة في مصر كلها هي سنية شيكابوم فأطلقت علي عروستها "شيكا بوم" وكانت عندما تنفرد بعروستها تقلد رقصتها، وبذلك درست الرقص. وفي إحدي خلواتها بعروستها فاجأها والدها وهي ترقص وشيكابوم أمامها تعزف الموسيقي وتتمايل مع الأنغام فأخرج مسدسه وأطلق النار على العروسة فحطمها.

ومرت الأيام ونعيمة تنتقل مع السيرك من بلد إلآ آخر، وذات يوم أحاط رجال البوليس بأفراد أسرتها من جميع جانب وظهر حتى الأب المقامر خسر جميع ما معه ورهن السيرك بما فيه من معدات وأدوات.

واستقبلت القاهرة الأم وبناتها الأربع، وكن يسرن في الشوارع يتشقلبن في أكروبات رائعة ليكسبن بعض الملاليم. خلال هذه الفترة كانت نعيمة هي المنقذ الذي أبعد شبح الجوع عن الأسرة فقد كانت الأنظار تتابع حركاتها البهلوانية وهي تشفق علي أنوثتها الصارخة حتى تظل في الطريق، وتقدمت نعيمة للعمل مع والدتها وأخواتها في الصالات ورحبت بهن الصالات، وفتحت لهن ذراعيها بشرط استغلال أنوثتهن لكن الأم رفضت وفضلت الجوع.

حكاية نعيمة مع الكسار

كان علي الكسار قد سمع عن بهلوانات الشوارع فاتفق مع نعيمة لقاء إثني عشر جنيها في الشهر لتعمل هي وشقيقاتها في فرقته، وظهرت نعيمة في مسرح الكسار، فبهرت الأنظار وهذا ماجعل بديعة مصابني تعرض عليهن العمل في فرقتها لقاء خمسة عشر جنيها، وكان ضمن فرقة بديعة فتاة تدعي تيشي تلقي مونولوجات على حركات رقص الكلاكيت، وكانت بديعة تشيد دائما بموهبتها فأحست نعيمة بالغيرة منها، وقررت حتى تتفهم رسيرة الكلاكيت وإلقاء المونولوجات فمضىت إلى مدرب للرقص ليفهمها فطلب أجرا كبيرا عن جميع حصة، ولم تكن مواردها تسمح بدفع هذا الأجر فقررت حتى تفهم نفسها بنفسها، وفي أحد الايام انتهزت فرصة غياب تيشي ودخلت حجرتها وسرقت الحذاء الذي كانت ترقص به، ودهشت من بتر الحديد الموجودة في هذا الحذاء، ووضعته في قدميها وبدأت في تقليد الرسيرة، وبعد ساعتين من التدريب المتواصل تفهمتها، وأخذت الحذاء معها، ومضىت إلي عامل أحذية وطلبت منه حتى يضع في حذائها بتر حديد مشابهة، وفي اليوم التالي أعادت الحذاء إلي مكانه، وبدأت التدريب بحذائها، وبعد أسبوع مضىت إلى بديعة مصابني وطلبت منها حتى تتيح لها فرصة تقديم رسيرة الكلاكيت، وبعد تردد سمحت بديعة لها وهي غير مقتنعة، وعندما أنهت الرسيرة صفقت لها بديعة بحرارة مع الجمهور.

الرقص في موسكو

في عام 1953 تزوجت المخرج الشهير حسين فوزي وسكنت في فيلا فاخرة وامتلكت سيارة وأصبح لها رصيد في البنوك، وشعرت بأنها لم تحصل على قسط كاف من التعليم لأن عملها في السيرك كان يمنعها من الإستقرار في كتاب أومدرسة فاستعانت بمدرسين تلقت منهم دروسا في العربية والإنجليزية والفرنسية وبذلك أصبحت تتحدث ثلاث لغات. وفي عام 1956 اختارها زكي طليمات بطلة لفرقة الفنون الشعبية في العمل الوحيد الذي قدمته هذه الفرقة وكان أوبريت بعنوان ياليل ياعين تأليفيحيي حقي. في شهر سبتمبر من عام1956 سافرت نعيمة مع البعثة المصرية إلى الصين لتقديم الأوبريت. وفي عام 1957 سافرت إلي موسكولعرض ثلاث لوحات استعراضية كانت الأولى تحمل اسم مذبحة القلعة والثانية رسيرة أندلسية والثالثة حياة الفجر.

وبسبب انطلاق نعيمة عاكف في مختلف المجالات، إضافة إلى أسفارها الكثيرة، دبت الغيرة في قلب حسين فوزي مما أدي إلى تعثر حياتهما الزوجية، فسقط الطلاق في عام 1958، وبعد عام تام من الطلاق تزوجت المحاسب القانوني صلاح عبدالمنعم وكانت قد تعهدت عليه عندما مضىت إلى مخطه لاستشارة قانونية بعدها أصبح المسؤول عن عقودها وارتباطاتها المالية.

وتغيرت حياة نعيمة عاكف بعد زقابلا الثاني، كان الزوج الأول يبيح لها الظهور ببدلة الرقص في الحفلات والملاهي وعلى الشاشة، أما أول عمل قام به الزوج الثاني فهواعتنطق بدلة الرقص في دولاب ملابسها.

وفي عام 1966 فاضت روحها بعد رحلة مع السقم حيث كانت قد أصيبت بنزيف في المعدة ونقلت إلى المستشفي وظلت به أكثر من شهر ثم تحسنت صحتها فعادت إلى بيتها لكن السقم عاودها من حديث فتقرر سفرها للعلاج في الخارج على نفقة الدولة لكن صحتها لم تكن تسمح بعد حتى تدهورت حالتها بصورة خطيرة ومفاجئة، وماتت نعيمة عاكف وهي علي ذمة زوجها الثاني ولها منه ابن وحيد وهي لم تتجاوز الخامسة والثلاثين من عمرها وشاركت في بطولة خمسة وعشرين فيلما من أنجحها لهاليبو وأربع بنات وضابط.

المصادر

1. الصحف