الصراعات العرقية في أفريقيا

عودة للموسوعة

الصراعات العرقية في أفريقيا

الصراعات العرقية في أفريقيا، هي مجموعة أحداث العنف والتمردات والحروب الأهلية الدائرة بين دولتين أوأكثر في قارة أفريقيا. وقد تحفز هذه الصراعات ذات الأساس العرقي إما بسبب التدخلات الخارجية أولأسباب اقتصادية (مثل التنازع على اقتسام بعض الثروات والموارد الطبيعية)، أولأسباب سياسية (مثل التنازع على السلطة). وتسود حالة من الحروب الأهلية والتمرد والتدخلات الإقليمية السافرة دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء، من سيراليون في أقصى الغرب الأفريقي إلى الصومال في القرن الأفريقي، مرورا بمنطقة البحيرات العظمى التي ترسخت فيها الحروب الأهلية في رواندا وبوروندي والكونغوالديمقراطية. ويطرح حجم المجازر التي انتشرت هناك ضد المدنيين واستمرار الحروب، وانهيار بنى الدول، ونزوح اللاجئين، والاضطراب الإقليمي الناتج عن ذلك تساؤلا عن مسببات هذه الحروب وسرعة اشتعالها، وبرودة التعامل الدولي معها، وفشل المبادرات الإقليمية في إيقافها.


الصراع العرقي

يقصد بالصراع العرقي النزاع الذيقد يكون فيه أحد طرفيه، أوكلاهما، مجموعة عرقية. أي مجموعة لها أصول قبلية أوعشائرية أوواحدة، أوتشهجر معا في لغة وديانة واحدة. ويعد الوعي السياسي، بصورة عامة، هوالمؤدي إلى تحول المجموعات العرقية أواللغوية أوالثقافية إلى مجتمعات عرقية، فإذا ساد الوعي بين أفراد المجموعة بأنهم عن متميزون عن سائر الذين يعيشون فيه، وتمت تغذية هذا الوعي بالطموحات السياسية، فإن الجماعة العرقية تصير قومية عرقية، وتصبح نشيطة سياسيا وتتجه إلى الاعتزاز بتاريخها وتراثها، وتتمسك بخصوصيتها الثقافية في لقاءة السلطات الحاكمة، ومن ذلك مثلا تمسك البربر في الجزائر بلغتهم الأمازيغية، وممارستهم ضغوطا على النظام السياسي للاعتراف بلغتهم كإحدى اللغات الرسمية في البلاد، والسماح باستخدامها في المؤسسات التعليمية.

وتزداد الصراعات العرقية إذا ما صاحبها اختلاف في الديانة بين الأطراف، فالنزاع الأذربيجاني- الأرميني مثلا، من النزاعات الحادة المعقدة لأنه يحدث بين قوميتين مختلفتين عرقيا ودينيا، فالأذريون مسلمون والأرمن مسيحيون، والصراع المسلح الذي يعود إلى أواخر ستينات القرن الماضي في الفلبين بين القوات الحكومية ومسلمي «مندناو» الذين تمثلهم جبهة موروالإسلامية للتحرير، وجبهة موروالوطنية للتحرير يعد مثالا واضحا للنزاعات القائمة على أسس عرقية ودينية معا، ولقد كان لمثل هذا الصراع الإثني نتائج جيوستاتيكية في بعض مناطق التوتر، حث انقسمت الجزيرة القبرصية مثلا إلى شطرين منفصلين: الشطر القبرصي اليوناني والقبرصي الهجري، فيما لاتزال الخارطة العالمية تشهد المزيد من الاعتزازات على هامش تلك الصراعات المستندة إلى تمايزات عرقية متنوعة.


أسباب الصراعات العرقية

إن أفريقيا كما هومعلوم تعد قارة التعدد والتنوع، تنوع لا ينتهي في عالم الأمور وحقائق الواقع المعاش، يقابله تنوع لا ينتهي في عالم الأفكار والآراء ، وقد تختلف نظرة الدولة الأفريقية الحديثة لهذا الواقع التعددي من حيث قبولها إياه وإضفاء الشرعية عليه وإقراره، أومن حيث رفضه وعدم الاعتراف به كحقيقة هيكلية يتميز بها المجتمع، ومحاولتها تجاوز هذا الواقع، وبسط رؤيتها المركزية. ولا يخفى حتى الواقع الأفريقي الراهن يموج بالكثير من الهياكل والتنوعات الاجتماعية والثقافية والدينية والتاريخية ، فثمة فروق واضحة بين أفريقيا الناطقة بالعربية وأفريقيا جنوب الصحراء ، وحتى في إطار أفريقيا غير العربية هناك تمايزات بين مجموعة الدول الأنجلوفونية (الناطقة بالإنجليزية) والدول الفرنكفونية (الناطقة بالفرنسية) والدول اللوزفونية (الناطقة بالبرتغالية). كما تمتلك أفريقيا نحو(33%) من جملة اللغات الحية في العالم على الرغم من حتى سكانها لا يتجاوزون بكثير نسبة (10%) من جملة سكان المعمورة ، وتوجد بأفريقيا كذلك كافة الأديان السماوية: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، بالإضافة إلى الديانات التقليدية ، وباستثناءات محدودة فإن هذه الانقسامات والتنوعات قد انعكست بصورة، أوبأخرى على الوجود السياسي للدولة الأفريقية في فترة ما بعد الاستقلال. فقد أدت في بعض الحالات إلى حروب أهلية طاحنة ، كما هوالحال بالنسبة لأزمة (بيافرا) في نيجيريا عام 1967م والتي استمرت نحوثلاثين شهراً ، والحرب الأهلية في جنوب السودان، وأعمال التمرد والعصيان التي شهدتها كثير من الدول الأفريقية الأخرى مثل: رواندا، وبوروندي، وأنجولا، وموزمبيق.


الميراث الاستعماري

لعل تقسيم القارة الأفريقية بين القوى الاستعمارية الأوروبية الكبرى في مؤتمر برلين 1884ـ 1885م يمثل نقطة فارقة في التطور السياسي والاجتماعي الأفريقي ، وقد تــم تفـصيل تاريخ هذه الفترة فــي الكتاب الرائـع الذي أصدره Thomas Packenham عام 1991م بعنـوان «التكالب الاستعماري على أفريقيا».

ومن الملاحظ حتى الحدود الاستعمارية التي رسمت على خرائط في أوروبا عكست بالأساس مصالح القوى الاستعمارية، ولم تعترف بالمصالح الأفريقية ، وعليه فإن الحدود الموروثة عن الاستعمار أدت إلى تقسيم الجماعات العرقية بين دولتين أوأكثر، كما أنها من جهة أخرى أدت إلى وجود جماعات عرقية ذات تاريخ من العداء والصراع داخل حدود إقليمية واحدة؛ وهوالأمر الذي شجع على تزايد حدة الصراعات العرقية في كثير من المواقف.

وعلى الرغم من حتى أحد المبادئ الحاكمة للعلاقات الدولية الأفريقية في فترة ما بعد الاستقلال أكدت على مبدأ «عدم المساس بالحدود الموروثة» عن الاستعمار! إلا حتى القارة الأفريقية شهدت نزاعات حدودية عنيفة لعل من أبرزها: حرب القرن الأفريقي بين الصومال وإثيوبيا 1977 ـ 1978م، والحرب التي تخوضها المغرب ضد جبهة البوليساريوحول الصحراء الغربية، والحرب بين ليبيا وتشاد 1973 ـ 1988م، وأخيراً النزاع الإرتري الإثيوبي.

وعلى صعيد الإدارة والحكم في العهد الاستعماري نجد حتى الحكومات الاستعمارية قد لجأت إلى تغيير الخريطة العرقية في المستعمرات الأفريقية سواء من حيث عمليات الفك أوالهجريب ، ففي حالات معينة عمد المسؤولون الأوروبيون إلى خلق وحدات عرقية جديدة، والمثال على ذلك حالة (الانجالا) في القرن التاسع عشر ، والتي أطلقها الاستعمار البلجيكي لتضم جميع الشعوب القاطنة على طول نهر زائير، ثم تم توسيع هذا الاصطلاح ليضم أولئك الذين هاجروا من حوض النهر إلى المنطقة الحضرية في (كينشاسا). لقد شجع الاستعمار الأوروبي المشاعر العرقية بين الأفارقة، وجرى التأكيد على الاختلافات بين الجماعات العرقية، ولم يكشف أي شيء عن أوجه التشابه بغية صرف الانتباه عن الاستغلال الاستعماري. إن فرنسا بإدارتها الاستعمارية لموريتانيا واهتمامها باستقلالها اقتصادياً على نطاق واسع ، ولا سيما منذ عام 1945م سعت إلى توفير عدد من الكوادر المحلية من «البيضان»، وهي القبائل ذات الأصول العربية، والبربرية، بعد حتى كرست الانقسام بينهم وبين القبائل الأفريقية من «السودان».

إخفاق مشروع الدولة الوطنية

لجأت الدولة الأفريقية ما بعد الاستعمارية إلى فرض الأيديولوجية التنموية التي تقوم على ترابط العمليتين السياسية والاقتصادية ، كما أنها احتفظت بكثير من ملامح الفترة الاستعمارية، ولا سيما سياسات القمع والإكراه المادي ، لقد كان واضحاً حتى التنموية هي مجرد تبرير لتسلطية دولة الحزب الواحد ، وعليه فإن أغلبية الشعب ممن تمت تعبئتهم ضد الاستعمار أصبحوا بمعزل عن المشاركة السياسية الحقيقية، كما حتى مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة في الأحزاب والنقابات والتنظيمات الشعبية قد حرمت من فرص التعبير عن نفسها، أوعلى الأقل تم إدماجها في مؤسسات وهياكل الدولة ذاتها، أما قيادات المعارضة فقد تم التخلص منها. ونظراً لزيادة اندماج أفريقيا في الاقتصاد العالمي، وعجز الدولة التنموية عن توفير الاحتياجات الأساسية للشعوب الأفريقية ؛ بسبب انهيار أسواق المواد الخام في منتصف السبعينيات فإن الدولة الأفريقية عانت من أزمات خانقة؛ بسبب تنامي الهويات العرقية، والإقليمية، والدينية التي نازعت الدولة من أجل البقاء ، لقد أضحى وجود الدولة الأفريقية بحد ذاته محل شك ونزاع، ولنذكر ـ على سبيل المثال ـ الكونغو، والسودان، والصومال، وسيراليون ، وثمة مطالب شعبية متزايدة بضرورة إيجاد أسس جديدة للحكم في أفريقيا تعلي من تمكين الشعب، ومحاسبة القادة الفاسدين.

سياسة التمييز

من العوامل التي تثير النزاعات والصراعات العرقية: اتباع الحكومات سياسات تفريق بين أبناء الوطن الواحد على أساس الدين أوالعرق أوالجنس، وذلك فيما يخص توزيع الثروة وتوزيع الوظائف والمناصب وفرص المشاركة السياسية وملكية الأراضي والهجرة، وكان نظام جنوب أفريقيا العنصري حتى وقت قريب نموذجا صارخا لهذا التمييز بين البيض والأغلبية السود، وتعد حاليا إسرائيل نموذجاًآخر للنظام العنصري، حيث التمييز بين اليهود و«الأغيار» أي العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي القدس، في الحقوق السياسية والحقوق المدينة كحق الملكية وحق التعليم والرعاية الصحية، بل إذا سلطات الاحتلال الإسرائيلي حددت إقامة العرب في أماكن معينة يحظر عليهم مغادرتها والانتنطق إلى سواها إلا بموجب جواز مرور أوتصاريح انتنطق.


التدخل الأجنبي

على الرغم من الصراع العرقي شأن داخلي في الدولة التي ينشب فيها، وأن مبدأ التدخل في الشوون الداخلية للدول من مبادئ الأمم المتحدة، فإن معطيات الواقع تشير إلى خلاف ذلك، فمن سمات النظام الدولي الأحادي القطبية تزايد انكشافية (احتمالية تعرض) الدولة في العالم الثالث إزاء التدخل الخارجي، والمقصود بالتدخل هنا ذلك الذي يتجاوز حدود التغيير في المفهوم التقليدي لسيادة الوطنية، وهوتغيير يتسم بطابع عالمي ويرتبط بتوجه عام للإقرار بأن السيادة لم تعد مطلقة، فالدولة في العالم الراهن تنخرط بالضرورة في شبكة واسعة من العلاقات التعاونية والصراعية، وحدثا ضعف نصيبها من موارد القوة وأسبابها وأدواتها أي حدثا تزايدت انكشافيتها كثرت القيود على سياستها.

العولمة ودور العوامل الخارجية

يرى بعض الدارسين حتى تزايد الحروب والصراعات الأفريقية ما إلا نتاج للآثار المدمرة التي تمارسها قوى العولمة على التنظيمات السياسية والاقتصادية الأفريقية ، لقد أدت العولمة إلى تراجع سلطة الدولة المركزية في أفريقيا؛ ولا سيما السيطرة على أدوات القهر المادي في المجتمع ، في ذات الوقت تمثلت ملامح الاستجابة السياسية لتأثيرات العولمة في ظهور حركات وتنظيمات عرقية ودينية تتحدى سلطة الدولة الأفريقية، سواء على المستوى القومي أوالمحلي.

أضف إلى ذلك فإن السياسات الاقتصادية الليبرالية التي اتبعت في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أدت إلى زيادة معدلات البطالة وسوء توزيع الموارد والدخول؛ وهوما خلق البيئة المناسبة لتزايد الجريمة، وانتشار الفساد والسوق السوداء، وتهريب الأسلحة والمخدرات ، وليس بخاف حتى هذا السياق هوالذي يفسر ظهور الأشكال والأنماط الجديدة من الحروب الأهلية، والعنف السياسي الذي تشهده النظم السياسية الأفريقية.

وثمة من ينظر إلى الصراعات باعتبارها نتاجاً لظهور استراتيجيات سياسية تعبر عن قوى وأشكال دون الدولة القومية ، فالعولمة أعطت القوى المحلية الفرصة للقيام بأعمال هي من اختصاص السلطة السياسية، ولا مراء في حتى هذا الاقتراب ينظر إلى الحرب باعتبارها عملاً يرتبط بانهيار النظم الأبوية الجديدة في أفريقيا، كما أنه يعطي أهمية كبرى للعوامل الخارجية مثل: العولمة ذاتها، أوتأثيراتها مثل سياسات التكيف الهيكلي.

لقد شهدت القارة الأفريقية تزايداً مطرداً في عدد الصراعات والنزاعات المسلحة؛ حيث بلغت منذ عام 1970م أكثر من ثلاثين نزاعاً (الغالبية العظمى منها نزاعات أهلية داخلية)، بل إذا عام 1996م وحده شهد وجود صراعات مسلحة في أكثر من (14) دولة أفريقية ، وقد نجم عن هذه الصراعات نحونصف ضحايا الحروب على الصعيد العالمي، ونحوثمانية ملايين لاجىء ونازح ومشرد ، وليس بخاف حتى تأثيرات هذه الصراعات والنزاعات تعوق الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار لشعوب القارة.

أنماط الصراعات الأفريقية

على الرغم من تعقد وتشابك واقع الصراعات الأفريقية فإنه يمكن القول إجمالاً بوجود ثلاثة أنماط عامة من هذه الصراعات الداخلية؛ وذلك على النحوالتالي:

1 ـ نمط الصراعات العرقية العنيفة؛ ولعل منطقة البحيرات العظمى تطرح نموذجاً واضحاً لهذا النمط من الصراعات، فليس بخاف حتى أحد إشكاليات الصراع وعدم الاستقرار في هذه المنطقة يرتبط في المقام الأول بحقيقة الروابط والتفاعلات العرقية بين التوتسي Tutsi والهوتوHutu ، وعدم تطابقها مع الحدود السياسية الموروثة عن العهد الاستعماري ، فإذا كان إجمالي سكان جميع من رواندا، وبوروندي يبلغ قرابة ثلاثة عشر مليون نسمة فإن 85% منهم ينتمون إلى قبائل (الهوتو) موزعين عبر الحدود الرواندية البوروندية مع دول الجوار الأخرى ، فثمة حوالي أربعمائة ألف من التوتسي (وبعضهم من الهوتو) يحاولون اقتفاء آثار أجدادهم في منطقة شرق الكونغوالديمقراطية سواء في مقاطعة شمال كيفو(البانيا رواندا) أوفي مقاطعة جنوب كيفو(البانيا مولينجى).

كما حتى هناك قرابة المليون من الهوتوموزعين على الحدود التنزانية مع جميع من رواندا، وبوروندي، أضف إلى ذلك عشرات الآلاف من (التوتسي، والهوتو) الذين يعيشون في منطقة الحدود الأوغندية الرواندية، ولا سيما في مقاطعة (كيسورو) ولا يخفى حتى هذه الروابط العرقية هي التي خلقت تحالفات سياسية إقليمية كتلك القائمة بين نظام حكم الرئيس (موسيفيني) في أوغنده ونظام حكم الأقلية من (التوتسي) في جميع من رواندا، وبوروندي ، ومن جهة أخرى فإن الهوتويجدون تعاطفاً من قِبَل دول مثل: تنزانيا، وكينيا، والسودان .

2 ـ نمط الدولة المنهارة : لقد ظهر هذا النمط الجديد من أشكال الدولة الأفريقية خلال الحقبة الجديدة للعولمة ؛ حيث أطلق عليه اسم (دولة أمراء الحرب المحللين) مثلما هوالحال عليه في جمهورية الكونغوالديمقراطية، وليبريا، وسيراليون، والصومال ، ونتيجة الصراعات التي يشهدها النسيج الاجتماعي لهذه المجتمعات فإن النخب المحلية والإقليمية تحصل على أرباح خيالية من خلال عمليات النهب والسلب المنتظمة للموارد الطبيعية التي تتمتع بها هذه الدول.

ومن الملاحظ أنه حدثا ازدادت حدة الصراعات بين القوات الحكومية وقوات المتمردين في الكونغوالديمقراطية حدثا ازدادت عائدات تجارة الألماس بشكل خيالي ، ونظراً لأن هذه المنطقة غنية بالمعادن فإن الحافز على إنهاء الصراع لدى هذه النخب المسيطرةقد يكون ضعيفاً.

3 ـ نمط العنف السياسي المرتبط بالتحول الديمقراطي : لقد أدت ظروف التحول الديمقراطي التي شهدتها كثير من الدول الأفريقية منذ أواخر الثمانينيات إلى حدوث اضطرابات عنيفة ، ويفسر البعض ذلك بأن حالة الانفتاح والحرية السياسية تؤدي إلى ظهور التناقضات والانقسامات المجتمعية التي ظلت مكبوتة فترة طويلة في ظل نظم الحكم التسلطية، ولا سيما إذا كانت جماعة عرقية معينة مسيطرة على الحكم، وتقوم بقمع الجماعات الأخرى.

فالتحول الديمقراطي لا يضمن بالضرورة احتواء التناقضات العرقية، أوالصراعات الداخلية في الدول الأفريقية.

ويمكن حتى نشير إلى الكثير من الحالات التي أخفقت فيها عمليات التحول الديمقراطي في تحقيق الاستقرار، بل إنها تسببت في ازدياد حدة الصراعات الداخلية، وتقويض نادىئم الاستقرار الداخلي ، ومن ذلك حالات كوت ديفوار، وأنجولا، وبوروندي.

وأيّاً كان الأمر فإن حدة الصراعات العرقية والسياسية في الواقع الأفريقي ترتبط بدرجة الاستجابة لمطالب الجماعات العرقية ، فثمة مطالب قابلة للتفاوض مثل: المطالبة بالمساواة بين الجماعات العرقية المتنوعة في عملية توزيع الثروة والسلطة؛ فالجماعة أوالجماعات المهيمنة في المجتمع تسعى دوماً إلى الحفاظ على الوضع القائم الذي يضمن لها الهيمنة على باقي الجماعات. على حتى هناك مطالب يصعب التفاوض بشأنها مثل: السعي من أجل الاستقلال والانفصال عن الدولة، أوالحصول على الحكم الذاتي لإقليم معين داخل الدولة.


دور الدولة والسياسات العامة

إن طبيعة ودور الدولة يعد مسألة محورية عند دراسة قضية التكيف العرقي وتجنب الصراع ، ويمكن القول : إنه لا توجد دولة محايدة ثقافياً بشكل تام؛ فهي تعكس القوى النسبية للجماعات التي تشكل المجتمع المدني.

ومع ذلك فإن كثيراً من الدول تنظر إلى نفسها باعتبارها حكماً محايداً ، يفصل بين المطالب المتنافسة والمتعارضة ، ومن هنا تبرز أهمية الاعتراف بصعوبة القول بحيادية الدولة ، وفي نفس الوقت مع ذلك هناك اختلاف كبير في الدرجة التي تحاول فيها الدول حتى تكون محايدة وموضوعية ، ومن جهة أخرى فإن تطوير المعايير الدولية الخاصة بالمعاملة المتساوية لكافة الجماعات العرقية يمكن حتى يقلل من الانحياز الصريح من جانب بعض الدول في لقاءة جماعات معينة مثل: الأقليات القومية، والشعوب، والجماعات التي تمثل السكان الأصليين .

ويمكن القول بأن هناك اختيارات عديدة على صعيد السياسات العامة يمكن للدولة حتى تتبناها لتجنب التوترات والصراعات العرقية، ويضم ذلك وضع صيغ وبرامج سياسية وثقافية واقتصادية معينة.

1 ـ الصيغ السياسية:

(أ) ثمة أنظمة انتخابية ديمقراطية يمكن بها حتى تساهم في تحقيق التواؤم العرقي في المجتمعات التعددية ، فاختيار النظام الانتخابي يؤثر على التحركات العرقية من عدة أوجه:

أولها: بعض النظم الانتخابية تمكّن الأقليات التي استبعدت من الناحية السياسية ـ من قَبْل ـ من حتىقد يكون لها تمثيل في المؤسسة التشريعية (نعني بذلك نظام التمثيل النسبي)؛ فمثلاً النظام المطبق في دولة موريشيوس ـ على سبيل المثال ـ والذي يمنح بعض المقاعد لأفضل الخاسرين يساعد الجماعات الصغيرة على الحصول على تمثيل برلماني.

ثانيها: تحقيق نوع من التعاون بين الجماعات العرقية المتنوعة بما يعني تحقيق صوت مسموع يمكن من خلاله لهذه الجماعات حتى تؤثر على العملية السياسية.

وأخيراً فإن النظم الانتخابية يتعين عليها إذا كان ذلك ممكناً تجنب تكريس الهويات العرقية والدفاع عنها ، كما هوالحال في بعض الدوائر الانتخابية النائية.

(ب) وثمة صيغة سياسية أخرى ترتكز على (لجنة عليا) تتألف من أعضاء مختلف الجماعات العرقية؛ وذلك طبقاً لنموذج التراضي، أوترتيب تقاسم السلطة على الرغم من حتى الجماعات لا تمتلك بالضرورة سلطات متساوية ، ويلاحظ حتى هذا النموذج يعتمد على التعاون والتفاوض بين النخب.

(ج) وتعد الفيدرالية أحد الصيغ السياسية الأخرى التي تحقق التواؤم العرقي؛ فالفيدرالية لا تعطي الجماعات فقط درجة من السيطرة على الإقليم ـ وهويعد أساسا مهما ـ ولكنها أيضاً تطرح إطاراً لدرجة من الاستقلال الثقافي مثل: السيطرة على المدارس في الإقليم، وفي دول كبيرة ذات تعددية ثقافية مثل: نيجيريا، والسودان تعتبر الفيدرالية مسألة محورية.

2 ـ السياسة العسكرية:

إذا أخفقت الدولة في السيطرة على المؤسسة العسكرية فإن العنف يصبح حاداً ومتفاقماً ، فإذا أظهرت الخبرة التاريخية حتى الانقلابات العسكرية أدت إلى منافع كثيرة وأضرار محدودة بالنسبة للقوات المسلحة ـ كما وقع في بوروندي ـ فإن دورة الانقلابات يصعب كسرها أوتجنبها.

3 ـ الصيغ الثقافية:

إن السياسات الثقافية التي ترمي إلى تجنب الصراعات العرقية تضم السياسات التي تتعامل مع الممارسات الثقافية الدين، والتعليم، واللغة.

وربما يعد التعليم أحد أبرز الطرق التي تساعد في تحقيق التفاهم والتسامح بين الجماعات العرقية المتنوعة، من خلال خلق شعور مشهجر بالهوية المدنية التي تتجاوز الانتماءات العرقية الضيقة .. فالتعددية الثقافية تعد أحد الخيارات المطروحة في هذا السياق؛ فالدول لا ينبغي لها حتى تعهد نفسها على أنها ذات لغة واحدة ـ على سبيل المثال ـ كما ينبغي تأكيد حرية الأديان والمعتقدات لكافة الجماعات.

ويعتبر الاستقلال الثقافي أحد الطرق المهمة لتحقيق التواؤم العرقي في المجتمعات التعددية، على أنه قد لاقد يكون متوافقاً مع الحقوق الفردية ، كما هي حالة الممارسات الثقافية التي توفق بين حقوق الطفل أوالمرأة، كما هي محددة طبقاً لقيم ومعايير حقوق الإنسان على الصعيد الدولي ، فحينما وضع دستور دولة (جنوب أفريقيا) الجديد تم الاعتراف بأن الدولة تدعم تنطقيد ثقافية معينة؛ وهوما قد ينال من مبدأ المساواة في النوع.

4 ـ السياسة التعليمية:

تأتي دائماً في قلب الجدل داخل الجماعات العرقية؛ حيث إنها تؤثر على تطوير الشعور بالاحترام المتبادل والهوية المدنية بين الشباب وصغار السن، ويرتبط بذلك السياسات اللغوية؛ ففي موريشيوس لغات التعليم التقليدية يتم تضمينها في النظام التعليمي الرسمي، وهوما يؤكده شعار الدولة «الوحدة من خلال التنوع».

وفي السنغال يوجد تعايش بين جماعات لغوية متعددة؛ وذلك من خلال الاعتراف بوجود لغات قومية متعددة، بالإضافة إلى اللغة الرسمية ، وليس بخاف حتى الاعتراف بالتنوع يمكن حتى يتخذ أشكالاً متعددة مثل: الاحتفالات الوطنية بأيام الإجازات العرقية المتنوعة في موريشيوس.

5 ـ السياسات الاقتصادية:

الدول التي نجحت في تحقيق نموسريع وحقيقي تتجه نحوإيجاد تسوية سهلة للمطالب والتسقطات المادية للجماعات العرقية المتنوعة، ومع ذلك فإن زيادة النموقد تؤدي إلى زيادة حدة التنافس العرقي، أوتهميش بعض الجماعات، ومن جانب آخر فإن السياسات التي تفضي إلى الكساد والتردي الاقتصادي، ومن ثم انتشار الفقر والبطالة في المجتمع فإنها من المحتمل حتى تمثل بيئة خصبة للتوتر والصراع العرقي.

دور الأطراف الخارجية

إن دور المجتمع الدولي في منع العنف أوالصراع العرقي يعد أمراً يحتل مكانة مهمة في الجدل الدائر اليوم بشأن إدارة الصراعات العرقية، ومن أبرز الموضوعات التي يشتمل عليها هذا الجدل: المعايير الدولية ـ المنظمات غير الحكومية ـ وسائل الإعلام العالمية ـ البرامج والسياسات الاقتصادية الدولية ـ تدخل الطرف الثالث أوالأمم المتحدة.

الصراعات العرقية الأفريقية

نيجيريا

السودان

الصومال

إرتريا

كينيا

السنغال

المصادر

  1. ^ الجزيرة نت
  2. ^ مجلة الحرس الوطني، الصراعات العرقية والأمن القومي
  • [العدد الأول ـ رمضان 1425هـ ـ أكتوبر 2004م]

المراجع

  • Robert Kaplan, "The Coming Anarchy" the Atlantic Monthly, May 1993, pp 110 - 116.
  • Thomas Packenham,The Scramble for Africa, London: Abacus, 1991.
  • Dani Nabudere, Africa's First World War, Mineral Wealth, conflicts and war in the Great Lakes Region, AAPS Occasional Paper Series, vol8, No1,2004, Pretoria, South Africa.
  • حمدي عبد الرحمن حسن، التعددية وأزمة بناء الدولة في أفريقيا الإسلامية، القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي، 1996م.
  • حمدي عبد الرحمن حسن، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد: سلسلة الخط الدراسية، 2002م.
  • سيفرين روجومامو، العولمة ومستقبل أفريقيا، جامعة القاهرة: برنامج الدراسات المصرية الأفريقية، سلسلة بحوث أفريقية، 2002م.
  • مختارات المجلة الأفريقية للعلوم السياسية، الدولة: الديمقراطية والأمن في أفريقيا، جامعة القاهرة: برنامج الدراسات المصرية الأفريقية، يناير 2003م.
  • أعمال المؤتمر السنوى للدراسات الأفريقية: الصراعات والحروب الأهلية في أفريقيا، جامعة القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 1999م.
  • التقرير الاستراتيجي الأفريقي، القاهرة: معهد الإنماء العربي، 3002م.
  • صبحي قنصوه، العنف الإثني في رواندا، سلسلة دراسـات مصـرية أفـريقية، برنامج الدراسات المصرية الأفريقية، جامعة القاهرة، سبتمبر 2001م.
  • أستاذ العلوم السياسية ونائب رئيس الجمعية الإفريقية للعلوم السياسية، القاهرة.
تاريخ النشر: 2020-06-04 08:42:08
التصنيفات: سياسة أفريقية, صراعات عرقية في أفريقيا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اتحاد قصور الساف يتعاقد مع فؤاد بالحاج

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:14:07
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

مركز أمريكي: جنوب إفريقيا رهينة إيديولوجية عفى عليها الزمن

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:11:38
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 77%

خالد البلشى يعلن دعم نقابة الصحفيين لإضراب الصحفيون في بي بي سي

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:21:15
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

” كوبتك اورفانز ” بقنا تدعم الفتاة بمشروع ” ابنتي الغالية “

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:21:22
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

إخماد حريق بمغسلة سيارات دون إصابات بالفيوم

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:21:16
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 65%

حفل رانيا الجناينى فى قصر الأمير بشتاك

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:21:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

الأهلي السعودي يتعاقد مع “كابو” رجاوي لقيادة مدرج فريقهم

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:11:41
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 72%

3 سيناريوهات أمام تدخل جيوش “إيكواس” في النيجر

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:11:44
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 83%

500 مدرعة أمريكية في طريقها إلى المغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:11:32
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 80%

دور بارز للهلال الاحمر فى خدمة المجتمع

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:21:20
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

الصحة: تقديم 21 مليون خدمة طبية ضمن مبادرة 100 يوم صحة والعلاج مجانى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:21:44
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 40%

مصطفى حسين يتزج بذهبية بطولة العالم في المصارعة الرومانية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:21:13
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

متحدث الصحة: لدينا مليون عامل فى مجال تداول الغذاء و251 مركزا للفحص

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:21:48
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 35%

عقود الذهب تستقر عند مستوى 1916.5 دولار للأونصة

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:14:18
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

مصطفى حسين يتوج بذهبية بطولة العالم للمصارعة

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 00:20:43
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

تحميل تطبيق المنصة العربية