التكذيب التركي لمذابح الأرمن

عودة للموسوعة

التكذيب الهجري لمذابح الأرمن

بعد موافقة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي في أواخر السنة الماضية على المشروع المسمى ب"التطهير العرقي للأرمن في هجريا" ثم أحالته إلى الهيئة العامة للمجلس تصاعد التوتر بين هجريا وبين الولايات المتحدة على اعتبار حتى مشروعاً بإدانة هجريا كان على وشك الصدور. ولكن الرئيس السابق كلينتون نجح في تجميد المشروع في اللحظة الأخيرة للحفاظ على المصالح الأمريكية في هجريا.

ما تم في الولايات المتحدة لم يحدث مثله في فرنسا فقد صدر قرار من الجمعية الوطنية الفرنسية على قانون يتضمن الاعتراف بوقوع مذبحة وتهجير جماعي للأرمن في الأناضول خلال الحرب العالمية الأولى عام 1915م. وصدر القرار بموافقة 51 نائباً كانوا جميع من جاء تلك الجلسة، فهماً بأن عدد أعضاء الجمعية الوطنية 557 نائباً. أي حتى القرار صدر معبراً عن أقل من 10% من النواب.

لماذا صدر هذا القرار؟

هناك آراء متعددة عند المحللين السياسيين:

1 فالبعض عزاه إلى اقتراب موعد الانتخابات المحلية والبرلمانية. وأن الغاية هي الفوز بأصوات الأرمن الذين يقرب عددهم من نصف مليون. وأن اللوبي الأرمني استطاع حتى يستغل هذا الأمر استغلالاً جيداً. 2 مصادر أخرى تقدم تفسيراً آخر إذ ترى حتى السبب هووضع عائق حديث أمام انضمام هجريا للاتحاد الأوروبي. أي حتى أوروبا لا ترغب في الحقيقة مثل هذا الانضمام، لذا تضع أمام هجريا شروطاً تعجيزية. فهي لا ترغب حتى يكتسح مئات الآلاف من الشباب الهجري دول الاتحاد طالبين العمل فيها، ولا ترغب حتى تكون لهجريا "التي تقارب نفوسها 70 مليوناً" قوة كبيرة في برلمان الاتحاد الأوروبي. إضافة إلى حتى هناك الكثير من المؤسسات ومن السياسيين من يرى حتى الاتحاد الأوروبي ليس إلا نادياً مسيحياً لا مكان لهجريا فيه. هذا هوالجانب السياسي للموضوع. ولكن ما الوجه الحقيقي للقضية الأرمنية،يا ترى؟ وما الحقائق التاريخية حولها؟


نبذة تاريخية

سكن الأرمن هذه المنطقة من شبه جزيرة الأناضول قبل عصور عدة وقبل مجيء الأتراك، فكانوا لذلك على طريق الفاتحين كالإسكندر الكبير وفي منطقة النزاع بين الإمبراطوريتين الكبيرتين آنذاك البيزنطية والفارسية، مما أدى إلى وقوعهم تارة تحت سيطرة هذه وتارة تحت سيطرة تلك. ويعزى تشتتهم مع قلة عددهم إلى هذا السبب. أي وقوعهم في منطقة الصدام بين الإمبراطوريتين، مما دفع البعض منهم للابتعاد عن منطقة القتال والتوجه إلى مناطق أخرى.

وقد شكل الأرمن في تاريخهم بعض الإمارات والدول التي كانت في الغالب تحت سيطرة الدول الكبرى، وقلما تيسرت لهم سبل الاستقلال. كما أنهم عانوا من اضطهاد الغالبين ومحاولتهم فتنتهم عن عقيدتهم. وقد استوى في هذه المحاولة الفرس المجوس والبيزنطيون النصارى. فقد حاول الفرس تحويلهم عن المسيحية، بينما حاول البيزنطيون تغيير ممضىهم وإدخالهم في الممضى الأرثوذكسي، ومحاربة لغتهم وثقافتهم.

بعد ظهور الإسلام وتوسع دولته، وتغلب المسلمين على الفرس والبيزنطيين أصبح الأرمن تحت حكم العرب المسلمين تارة وتارة تحت حكم البيزنطيين. وفي عهد معاوية أصبح الأرمن تابعين للحكم الأموي في عهد ملكهم "قسطنطين الثاني". ولكنهم كانوا يتمتعون بحكم ذاتي مع ضمان حرية عقيدتهم كدأب المسلمين في احترام عقائد الآخرين على مدار التاريخ. (انظر كتابي "السلطان عبدالحميد الثاني: حياته وأحداث عهده").


أعلام الأرمن العثمانيين

كما عاش الأرمن في سلام في ظل الحكم العثماني قروناً عديدة، وكانوا يتمتعون بحرية العقيدة. ولما كانوا معفيين من الخدمة العسكرية فقد انصرفوا إلى التجارة والصيرفة والصياغة والزراعة. وخلال مئات الأعوام أي حتى أواخر القرن التاسع عشر خلا تاريخهم من أي حركة عصيان مسلحة، حتى إذا الأتراك أطلقوا عليهم لقب "الأمة المخلصة". وكانت أعلى الوظائف الحكومية مفتوحة أمامهم، فكان منهم الوزراء والأعيان والنواب والمدراء العامون والمستشارون. وندرج أدناه بعض من تقلد منهم مناصب رفيعة في الدولة العثمانية

الوزراء

  1. آغوب كازازيان باشا وزيراً للمالية.
  2. غارابيت آرتن داود باشا وزيراً للبريد والبرق.
  3. آندون تنغر ياور باشا وزيراً للبريد والبرق.
  4. أوسكان ماردكيان وزيراً للبريد والبرق.
  5. بردوس حلاجيان وزيراً للشؤون الاجتماعية.
  6. جريجور سينابيان وزيراً للشؤون الاجتماعية.
  7. جريجور يغاتون وزيراً للشؤون الاجتماعية.
  8. جبرائيل نورادونكيان وزيراً للشؤون الاجتماعية والخارجية.
  9. أوهانيس صاكيز باشا وزيراً للخزانة الخاصة.
  10. ميخائيل بورتنطقيان باشا وزيراً للخزانة الخاصة.

الأعيان

  1. أوهانيس كيومجيان باشا.
  2. مانوك أزاريان.
  3. إبراهام أراميان باشا.
  4. جبرائيل نورادونكيان.


النواب

أ في المجلس النيابي لعام 1876 "المشروطية الأولى"

  1. أوهانيس الله ويردي: وكيل رئيس المجلس النيابي.
  2. صبوح ماقصوديان: نائب اسطنبول.
  3. روبن يازجيان: نائب أدرنة.
  4. ساهاك باورميان: نائب بورصة.
  5. هامازاسب بالاريان: نائب أرضروم.
  6. مانوك قارجيان: نائب حلب.
  7. ميخائيل آلتن طوب: نائب أنقرة.
  8. آغوب شاهنيان: نائب سيواس.
  9. تانيل قارجيان: نائب أرضروم.

ب في المجلس النيابي لعام 1908م "المشروطية الثانية"

  1. جريجور زوهراب نائب اسطنبول.
  2. بدروس حلاجيان نائب اسطنبول.
  3. آغوب بابكيان نائب تكرداغ.
  4. آغوب بوياجيان نائب تكرداغ.
  5. آرتين بوشكيزيان نائب حلب.
  6. الدكتور نزارات داغاواريان نائب سيواس.
  7. اسطيفان اسبارتاليان نائب أزمير.
  8. هاميرسوم بوياجيان نائب كوزان.
  9. كغام درغارأبديان نائب موش.
  10. جراجين باسترماجيان نائب أرضروم.
  11. واهان بابازيان نائب وان.

ولا ندرج هنا أسماء النواب في المجلس النيابي لعام 1914 تجنباً للإطالة.

وفي إحصائية أجريت عام 1912م تبين حتى عدد التجار المسجلين في الغرفة التجارية والصناعية في اسطنبول يبلغ ثلاثين ألف تاجر 25% منهم من الأرمن، و45% من الروم، و15% فقط من الأتراك والباقي من قوميات أخرى.


القضية الأرمنية

إذن لما ومتى ظهرت "القضية الأرمنية"؟

نستطيع تقسيم القضية الأرمنية إلى مرحلتين تاريخيتين:

  1. فترة عهد السلطان عبدالحميد الثاني: وهي الفترة التي ظهرت فيها هذه القضية للمرة الأولى على المسرح الدولي.
  2. فترة عهد الاتحاد والترقي: ويهجرز النقاش حولها حالياً، وهي تصادف السنوات الأخيرة للدولة العثمانية قبل انهيارها.

أ القضية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني

بعد سير الدولة العثمانية نحوالضعف والتدهور ظهرت أطماع الدول الكبرى مثل روسيا وإنجلترا وفرنسا لالتهام أجزاء من هذه الدولة الضعيفة المترامية الأطراف. وقد نجحت بالعمل، لكن هذه الدول في أثناء سباقها ذاك كانت تجد أنفسها وجهاً لوجه أمام بعضها بعضاً. وهذا هوجوهر ما سمي في التاريخ ب"المسألة الشرقية". ومن أبرز وسائل تدخل الدول الكبرى في المسائل الداخلية للدولة العثمانية إثارة الأقليات الدينية والعنصرية في الدولة التي كانت تضم مختلف العقائد والمذاهب والقوميات والعناصر. وقد اختارت روسيا إثارة الأرمن القاطنين قرب الحدود الروسية العثمانية، فبدأت بتحريضهم وإمدادهم بالمال والسلاح وتدريبهم في أراضيها وتشكيل الجمعيات الإرهابية المسلحة من أمثال "خنجاق" ومعناه: صوت الناقوس. و"طشناق" ومعناه: الفهم. اللافت للنظر حتى قادة هذه الجمعيات الإرهابية كانوا من أرمن روسيا فقط وتحت إمرة المخابرات الروسية. وكانت روسيا تحرض الأرمن على طلب تشكيل دولة أرمنية في الولايات الستة شرق الأناضول، مع حتى الأرمن لمقد يكونوا يشكلون أكثرية في أي ولاية من هذه الولايات لسببين:

الأول : قلة عددهم، إذ كان عدد الأرمن حسب الإحصائيات العثمانية والأجنبية يتراوح بين 1.2 مليون إلى 1.5 مليون فقط في جميع أراضي الدولة العثمانية.

الثاني: أنهم كانوا مبعثرين في ولايات ستة أي في مساحة كبيرة مما أدى إلى عدم تشكيلهم أكثرية في أي ولاية. لذا كان المطلب الأرمني خيالياً، ويستحيل على الدولة العثمانية قبوله، لأن هذه الولايات الستة كانت في قلب الدولة العثمانية، وكان قبول إقامة مثل هذه الدولة في مركز الدولة العثمانية وقلبها، وفي ولايات يشكل المسلمون فيها الأكثرية بمثابة عملية انتحارية للدولة العثمانية. لذا وقف السلطان عبد الحميد الثاني بكل صلابة أمام مطالب الدول الكبرى في هذا الخصوص ولم يعبأ حتى بتهديد إنجلترا وبإرسال أسطولها إلى "جنق قلعة" كورقة ضغط وتهديد. ولم يتوان في عقاب الأرمن المتورطين في الحركات الإرهابية واتخاذ كافة التدابير الضرورية لحماية الدولة من مؤامرات الدول الكبرى. ولم يكن من المنتظر طبعاً من السلطان القيام بالخضوع لمطالب جمعيات إرهابية تحركها مخابرات الدول الكبرى، وقبول استقطاع مساحة كبيرة من قلب الدولة وتقديمها لها. لذا فقد أطلق الأرمن عليه لقب "السلطان الأحمر".

اتبعت الجمعيات الأرمنية الإرهابية وسائل الإرهاب والقتل تجاه الأرمن الذين لمقد يكونوا يرغبون في التعاون معها أوالتبرع بالمال لها، فقتلت عدداً كبيراً منهم في أزمير واسطنبول وفي الولايات الستة. بل رتب الأرمن محاولة لاغتيال السلطان عبدالحميد الثاني عام 1905م المجتمع ففجَّروا عربة محملة بالديناميت أمام الجامع الذي كان يصلي فيه صلاة الجمعة ووقتوا التفجير قرب خروج السلطان من الجامع. ولكن السلطان نجا من المحاولة التي خلفت وراءها 26 قتيلاً وعشرات الجرحى. وقد ألقي القبض على الجاني، ولكن السلطان عفا عنه.

قلنا إذا بريطانيا تبنت المسألة الأرمنية بعد حتى نفضت روسيا يدها منها، وذلك كورقة تهديد للدولة العثمانية، ولكي تشكل من الدولة الأرمنية المزمع إقامتها حاجزاً يحول بين روسيا وبين الوصول إلى الخليج العربي. ولا نطيل في هذا الموضوع ولكن نشير إلى حتى هذا الأمر كان واضحاً ومفهوماً في مسرح السياسة الدولية آنذاك حتى إذا الزعيم المصري مصطفى تام أشار إلى ذلك في كتابه "المسألة الشرقية":

"... فالذين ماتوا من الأرمن في الحوادث الأرمنية إنما ماتوا فريسة الدسائس الإنجليزية"، كما أشار هرتزل في مذكراته إلى مساعدة بريطانيا للحركات الأرمنية.

ب القضية في عهد الاتحاد والترقي

عندما أعربت الحرب العالمية الأولى ودخلت الدولة العثمانية في أتونها بقرار أهوج من قبل جمعية الاتحاد والترقي القابضة على الحكم فيها اخترقت الجيوش الروسية الحدود الشرقية للدولة العثمانية لتفوقها على القوات العثمانية في العدد والعدة بنسبة ثلاثة أضعاف في الأقل. وقامت بمذابح وحشية في القرى الحدودية والمناطق التي استولت عليها، فهاجر مئات الآلاف من الأهالي من مدنهم وقراهم ومات منهم خلق كثير في ذلك الشتاء القاسي من البرد والجوع والسقم.

في أثناء هذه المآسي الإنسانية المروعة قام الأرمن القاطنون في تلك المناطق الحدودية بالتعاون مع جيش الاحتلال الروسي ضد أهالي القرى الذين عاشوا معهم عصوراً عديدة ولم يروا منهم سوى المحبة... تعاونوا مع جيش الاحتلال الروسي لأنهم وجدوا حتى الحرب ودخول الجيوش الروسية أراضي الدولة العثمانية فرصة ثمينة لا يجب حتى يضيعوها.. فرصة إقامة دولتهم بمساعدة الجيش الروسي المحتل. وقام الجيش الروسي بتجنيدهم في صفوفه وتشكيل مليشيات مسلحة منهم تعاونه في الحرب.

بدأ الأهالي المسلمون يتسلحون أيضاً للدفاع عن أنفسهم، ويقابلون هجوم الأرمن بهجوم مثله. وبعد حتى بدأ الأرمن بقتل الأطفال الأسرى من المسلمين ثأر المسلمون بقتل أطفال الأرمن الأسرى. وفي إحدى المرات تجمع آلاف من أسرى الأطفال الأرمن في المنطقة التي كان العالم الإسلامي المشهور "سعيد النورسي" موجوداً فيها. وعندما سمع بنية اغتال هؤلاء الأطفال منعهم مذكراً إياهم بأن الشرع الإسلامي لا يسمح بهذا مطلقاً ثم أمر بإطلاق سراحهم وسمح لهم بالذهاب إلى المعسكر الروسي حيث التحقوا بأهاليهم خلف الخطوط الروسية. وقد كان لهذا التصرف أثر كبير في نفوس زعماء الأرمن فعندما استولوا على بعض القرى المسلمة هجروا عادة ذبح الأطفال.

وهناك كتاب وثائقي فرنسي بعنوان "المظالم الروسية الأرمنية" يوثق ذلك فليرجع إليه من أراد التفصيل. أي حتى الأرمن وقفوا بجانب الجيوش المحتلة وخانوا بلدهم وأصبحوا لعبة في يد الدول الكبرى، ولم يكتفوا بهذا بل أسقطوا مذابح وحشية بين المسلمين لتهجيرهم عن قراهم وأماكنهم ليتسنى لهم تشكيل دولتهم فيها. وهناك الآلاف من الوثائق التاريخية العثمانية حول هذه المذابح كما تم اكتشاف المئات من القبور الجماعية في تلك المناطق كان آخرها المقبرة الجماعية التي اكتشفت عام 1980م وكانت تضم عظام "280" ضحية. ويقول المؤرخ الهجري البروفيسور "أنور كونوكجو": "يندر وجود قرية في شرقي الأناضول لم تتعرض لمذبحة أرمنية". كان من الطبيعي تولد عداوة كبيرة بين أهالي تلك المنطقة ضد أولئك القتلة من الأرمن فلم يبقوا مكتوفي الأيدي يتفرجون فقط على المذابح، بل تسلحوا وبدأوا يهجمون على القرى الأرمنية ويقتلونهم.


الحل في التهجير

لم تستطع الحكومة العثمانية آنذاك حل المشكلة إلا بتهجير الأرمن من تلك المناطق الحدودية لتبتر الصلة بين الأرمن والجيوش الروسية. فقامت بعملية تهجير واسعة وكبيرة إلى سورية ولبنان والموصل. كان عدد المهجرين كبيراً "600 ألف" تقريباً، ونظراً لضخامة العدد وعدم توافر الإمكانات والوسائل الكافية لدى الدولة العثمانية لتطبيق هذه العملية في ظل فقر الدولة وأهوال الحرب العالمية الأولى، فقد تم التهجير بطرق بدائية جداً. فمات من هؤلاء أعداد كبيرة من البرد والجوع والسقم. ولا يستطيع أحد حتى ينكر حتى عملية التهجير هذه كانت مأساة إنسانية كبيرة. كما تعرضت قوافل المهجرين إلى غارات من قبل الأهالي الغاضبين الذين فقدوا أحباءهم في المذابح الكثيرة التي انتشرت نتيجة ظروف الحرب.

لم تكن الهجرة الأرمنية وحدها مأساة إنسانية، بل إذا الحكومة العثمانية أصدرت أمراً إلى الأهالي القاطنين قرب الحدود الروسية بالنزوح والهجرة من أماكنهم بعد حتى اخترقت الجيوش الروسية الحدود الشرقية للدولة. في هذه الهجرة أيضاً سقطت مآس كبيرة يشيب من هولها الولدان. ونقرأ من مذكرات العلامة سعيد النورسي وصفاً لعملية تهجير المسلمين حيث يقول:

"... كانت الثلوج قد تراكمت بارتفاع ثلاثة وأربعة أمتار، وبدأ الأهالي بالاستعداد لهجر المدينة والهجرة منها بأمر الحكومة، والعوائل التي كانت تملك ستة أوسبعة من الأطفال كانوا لا يستطيعون سوى أخذ طفل أوطفلين فقط، ويضطرون إلى هجر الأطفال الباقين على الطرق الرئيسة وتحت أقواس الجسور مع قليل من الطعام... وبين دموع الأطفال وصراخهم وبكاء الأمهات يتم مشهد فراق يفتت أقسى القلوب...". هكذا تم تهجير المسلمين كذلك... أي حتى الجميع اكتووا بنار الحرب وقاسوا من قلة إمكانات الدولة في توفير وسائل التهجير، ولم يكن الأمر مقتصراً على الأرمن.

وكما تبين لم تكن القضية قضية تطهير عرقي للأرمن، ولم تكن هناك أي نية في إيقاع المذابح بهم. لقد قاسى الأرمن ما قاسوه نتيجة تعاونهم مع جيوش الاحتلال وكونهم آلة في ألاعيب السياسة العالمية، من جهة، ثم قلة إمكانات الدولة في ظروف الحرب وهي تقاتل في سبع جبهات. وأكبر مرشد على ما نقول حتى أحداً لم يلمس الأرمن الموجودين في اسطنبول أوإزمير أوالمدن الأخرى بأي أذى. ولوكان الأمر تطهيراً عرقياً لما سلموا. يقول الأرمن إذا عدد الضحايا يتراوح بين مليون إلى مليون ونصف. ولاشك حتى هذا العدد مبالغ فيه كثيراً، لأن عدد الأرمن في جميع أراضي الدولة العثمانية كان بالكاد يبلغ المليون ونصف المليون. أما عدد المهجرين فكان 600 ألف تقريباً، سلم أكثر من نصفهم حيث وصلوا إلى سورية ولبنان والموصل ومضى قسم منهم إلى إيران والقوقاز، أي حتى عدد الضحايا يقل عن 300 ألف، بينما يقول بعض المؤرخين الأتراك إذا عدد الضحايا من المسلمين في المذابح الأرمنية يقارب المليون، وقد يحدث في هذا الرقم أيضاً بعض المبالغة.

أدلة تاريخية : عندما ولج الإنجليز إلى اسطنبول محتلين في 13 نوفمبر من عام 1919م، أثاروا القضية الأرمنية فألقوا القبض على 140 شخصاً من السياسيين والمفكرين الأتراك بتهمة مسؤوليتهم عن القضية ونفوهم إلى جزيرة مالطة تمهيداً لمحاكمتهم باعتبارهم من مجرمي الحرب. ولكن كان من الضروري العثور على الوثائق والأدلة فأوفد الأميرال الإنجليزي "ويب" برقية إلى حكومته نطق فيها:

"يجب إعدام جميع الأتراك كي تضم العقوبة جميع من ظلموا الأرمن، ويجب حتى تكون العقوبة عقوبة للأمة عن طريق تمزيق الإمبراطورية الهجرية، وعقوبة للأشخاص عن طريق محاكمة كبار المسؤولين كيقد يكونوا عبرة لمن اعتبر". ولكن حكومة اسطنبول برئاسة توفيق باشا بادرت بالطلب إلى الحكومة البريطانية حتى تجري المحاكمة أمام محكمة دوليةقد يكون حكامها من الدول المحايدة مثل إسبانيا وسويسرا.

قلقت بريطانيا من هذا الطلب فأجرت وهي الدولة العظمى المنتصرة آنذاك ضغوطاً سياسية على الدول المحايدة التي اضطرت في النهاية للامتناع عن ترشيح حكام منها للمحكمة المقترحة. ثم قامت بريطانيا بخطوة ثانية وهي إضافة الحكم الآتي إلى المادة رقم 230 من معاهدة سيفر:

"تتعهد الحكومة العثمانية بتسليم المسؤولين عن المجزرة إلى الحلفاء. وإن اختيار الحكام من صلاحيات الحلفاء، والحكومة العثمانية ملزمة بالاعتراف بهذه المحكمة". كان هذا هومنطق القوة التي تملي شروطها على المغلوب.

شكلت محكمة عسكرية بريطانية في باطوم لمحاكمة المتهمين. ولكنها لم تستطع إصدار أي حكم لعدم وجود أي مرشد أووثيقة تدينهم، أوتشير إلى وقوع عملية التطهير العرقي ضد الأرمن. وبينما كانت الحكومة البريطانية تبذل جميع ما في وسعها للعثور على مرشد قامت البطريركية الأرمنية في اسطنبول بتقديم ملف لهذه المحكمة حول "مائة من المجرمين الأتراك" ولكن بعد التدقيق تبين حتى هذا الملف لا يحوي دليلاً واحداً ضد الأتراك. ثم قلَّب البريطانيون الأرشيف العثماني في اسطنبول ودققوا فيه للعثور على الأدلة المطلوبة فلم يصلوا إلى شيء. ثم راجعوا دور الوثائق البريطانية فقابلهم الفشل مرة أخرى. وخطر على بال الحاكم العام البريطاني الاستفادة من الوثائق الأمريكية فخط إلى اللورد كرزون في لندن قائلاً: "لا شك حتى بحوزة الحكومة الأمريكية أعداداً وافرة من الوثائق حول المجزرة".

أوفد الطلب إلى الحكومة الأمريكية، وبعد درس وتمحيص اتى الجواب من السفارة البريطانية في واشنطن مخيباً لآمالهم: "لم يعثر على أي أدلة ضد الأتراك في دوائر الوثائق الأمريكية". بعد هذا الفشل أوفد المدعي العام الأول البريطاني الخطاب الآتي في 29-9- 1921م: "ليس لدينا أي حظ في إمكانية الحكم على المنفيين في مالطة".

في هذه الأثناء كانت حرب الاستقلال التي دخلت فيها هجريا قد دارت لصالح الأتراك، فأوفدت حكومة أنقرة طلباً إلى الحكومة البريطانية لإطلاق سراح المنفيين إلى مالطة لقاء إطلاق سراح بعض الأسرى البريطانيين عندها. وتم التوقيع عملاً على اتفاقية بهذا الخصوص، حيث أطلق سراح هؤلاء.


الوثائق الروسية

وقد اتى في دائرة المعارف الكبيرة للاتحاد السوفييتي "طبعة 1926" تي حول هذه القضية: "إذا نظرنا للمشكلة الأرمنية من المنظور الخارجي رأينا أنها ليست سوى محاولة من القوى الكبرى لإضعاف هجريا وذلك بمعاونة ومساعدة القوى الانفصالية فيها لكي تتيسر لها سبل استغلالها وامتصاص خيراتها. هذه القوى الكبرى كانت تعبير عن الدول الأوروبية الكبرى وروسيا القيصرية. ولم تكن الحوادث التي جرت تعبير عن مذبحة، بل مجرد قتال بين الطرفين".


رأي المؤرخين المعاصرين

والآن ما رأي المؤرخين المعاصرين حول القضية،يا ترى؟ هل كانت هناك حركة تطهير عرقي ضد الأرمن؟ في عام 1985م نشر "اتحاد الجمعيات الهجرية الأمريكية" Assembly of Turkish American Associotions بياناً في جريدتي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" مسقطاً عليه من قبل 69 مؤرخاً ومختصاً في التاريخ العثماني وشؤون الشرق الأوسط نفوا فيه وقوع أي عملية تطهير عرقي للأرمن من قبل الأتراك خلال أعوام 1915 1923م وكان من ضمن المسقطين على البيان:

أساتذة الجامعة برنارد لويس، وهيث لوري، وجوستن ماك آرثي وآلان فيشر، ورودريك داوفسين وكل من دانكوودت روستو، تيبور هالاسيكون، ستانفورد شو، فرانك تاجو، بيير أوبرلنك... وغيرهم من أشهر الفهماء والمؤرخين. ولكن الأرمن قاموا بعد الإعلان بحملة تهديد وإرهاب ضد هؤلاء الفهماء وهددوهم بالقتل وقدموا بعضهم للمحاكم "مثل برنارد لويس". ونجحت الحملة في إرهاب معظم هؤلاء فلم يعودوا يتطرقون إلى الموضوع. وإن بقي بعضهم لا يخشى من سرد آرائه مثل جوستن ماك آرثي وبرنارد لويس. والمؤرخ البريطاني أندرومانكو.

وحسب بعض الإحصائيات قام الأرمن خلال ثمانين عاماً بكتابة ما يقارب "26" ألف كتاب بمختلف اللغات حول ما أطلقوا عليه اسم "التطهير العرقي الذي تعرض له الأرمن من قبل الأتراك". أي قاموا بعملية غسل دماغ ناجحة جداً في أوروبا وأمريكا.

ومع حتى المكان الطبيعي لمناقشة مثل هذه الأمور هومحكمة لاهاي الدولية، حيث يمكن هناك تقديم القضية مع أدلتها التاريخية إذا كانت موجودة فإن الأرمن يتهربون دائماً من هذا الخيار ويتجنبونه، لأنهم يفهمون أنهم لا يملكون أي وثيقة تاريخية، لذا نراهم يفضلون القيام بالضغط السياسي في المجالس البرلمانية من قبل اللوبيات الأرمنية القوية في الولايات المتحدة وأوروبا، وهذه ليست أماكن لحسم القضايا التاريخية أوتقدم فيها الوثائق والأدلة. وليس النواب مؤهلين أومختصين لمناقشة التاريخ وإصدار الأحكام حول حوادثه، وقد تبين هذا الأمر بكل وضوح في النقاش التلفازي الحي الذي جرى يوم 25-1-2001 في إحدى القنوات الهجرية بين مؤرخين ومفكرين أتراك وأربعة من النواب الفرنسيين الذين ساندوا قرار الاعتراف بوقوع تطهير عرقي للأرمن واستمر النقاش ما يقارب خمس ساعات، وقد تبين حتى أولئك النواب يجهلون التاريخ وأن معلوماتهم عنه سطحية. وعندما طلب المذيع حتى يبرز أي واحد منهم وثيقة تاريخية حول وقوع التطهير العرقي عجزوا عنه وبرروا العجز بأنهم ليسوا مؤرخين.

الهامش

تاريخ النشر: 2020-06-04 09:07:45
التصنيفات: العلاقات الأرمنية التركية, التطهير العرقي للأرمن

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

نقابة المهندسين تعقد جلسة نقاشية لأعضائها بشأن الحوار الوطني (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:28
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 67%

براءة 9 متهمين في سرقة مزرعة شقيق يوسف والي بالفيوم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:14
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

#حق _نائله_حسن.. تضامن واسع مع فتاة مصرية بعد اغتصابها في الكويت

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:24
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

حبس تاجر على ذمة التحقيقات فى اتهامه بقتل والد زوجته

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:13
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس إدارة المركز القومي للبحوث

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:05
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

رئيس جامعة المنصورة الجديدة يشهد حفل ختام الأنشطة الطلابية (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:11
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 57%

تنسيق الثانوية العامة محافظة كفر الشيخ للقبول بالثانوي العام

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:06
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

فى عيد ميلادها.. تصريحات للفنانة نهلة سلامة أثارت الجدل

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:15
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 62%

الشرقاوي: نسعى لرفع معدل التبادل التجاري بين مصر وبوركينا فاسو

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:30
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 64%

في ذكرى انطلاق «الإذاعة المصرية».. تعرف على أبرز رؤسائها

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:16
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 51%

الحكومة الليبية تكشف تفاصيل اجتماع سرت

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:26
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 69%

رامى صبرى يؤدى مناسك العمرة لشقيقه الراحل «كريم»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:18
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

تنسيقية الأحزاب تشارك في مؤتمر «مصر تستطيع بالصناعة»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:28
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

رئيس الوزراء الإيطالى يطالب بنزع الألغام من الموانئ الأوكرانية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:25
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 67%

حقيقة فيديو التعدي بالضرب المبرح على مواطن في محافظة البحيرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:13
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

تسليم مساعدات طبية مصرية إلى مستشفى أطفال بولاية سودانية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:26
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 70%

«التعليم» تعقد التصفيات النهائية لـ«تحدى القراءة العربى»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:06
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

هبة عبدالغني تحصد جائزة أفضل ممثلة من المهرجان القومي للسينما

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-31 18:21:19
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 70%

تحميل تطبيق المنصة العربية