وباء

في فهم الوبائيات، الوباء epidemic، هوانتشار مفاجئ وسريع لسقم في رقعة جغرافية ما فوق معدلاته المعتادة في المنطقة المعنية. من الأمثلة على الأوبئة وباء الموت الأسود خلال العصور الوسطى. وفي العصر الحديث انتشار سقم سارس وإنفلونزا الطيور. ويسمى وباء سقمٍ ما بين الحيوانات سوافاً.

ولقد اقتصر الأخذ بمصطلح وباء epidemia في أوائل القرن العشرين على الأمراض الخمجية المُعدية؛ الأمر الذي يبين حقيقة تاريخية لما اجتاح العالم من أمراض كالجدري والهيضة (الكوليرا) والطاعون وغيرها.

أما في العصر الحاضر فإن ما يصيب أكبرَ عدد من الأفراد في زمن واحد لا يقتصر على الأمراض الخمجية بل يتعداها في أحيان كثيرة إلى أمراض تنشأ من العوز كالرخد rachitis الذي ينجم عن اضطراب استقلاب الفسفور والكلسيوم نتيجة عوز الفيتامين D، والكواشيوركور Kwashiorkor وسببه عوز البروتين الحيواني، أوتنجم عن الانسمام intoxication كالتسمم بالرصاص الذي يظهر بين عمال مناجم الرصاص، أوعن مسببات غيرها كانتشار الأورام بين السكان الذين يعيشون قرب مدافن النفايات المُشعّة، حتى راحت بعض المعجمات الطبية تعرّف الوبائيات بأنها ذاك الفرع من العلوم الطبية الذي يفهم العوامل البيئية ecologic والفردية وغيرها التي تسبب أمراضاً. لكن هذا التعريف ليس كافياً اليوم.

شروط ظهور الوباء

لا تظهر الأوبئة مصادفة؛ إذ إنها ترتبط بظروف بيئية تتصف بخلل طرأ عليها في وقت ما، وحدث بين العامل المسقم والمضيف (الثوي) بوجود وسيلة انتنطق ملائمة.

فالعوامل الضرورية لظهور وباء واسـتمراره هي:

1ـ وجود سبب مُمرِض بقدر كاف.

2ـ توافر أفراد يتصفون باستعدادهم للإصابة وتعّرضهم لهذا العامل أوالسبب.

3ـ إتاحة طريقة ملائمة لانتنطق العامل (أوالسبب) المُمرِض إلى الأفراد القابلين للإصابة. وهناك طريقان أساسيان لانتنطق العامل المسبب، أولهما انتنطق السقم من إنسان إلى آخر بالطريق المباشـر كانتنطق السل بالطريق الهوائي، وثانيهما انتنطقه بوسـاطة ناقل كالأيدي أوالأدوات الملوثة أوالحشرات.

4ـ الانتنطق عن طريق مسـتودع مشـهجر كتناول أطعمة ملوثة من مصدر واحد أوأطعمة تنقصها مواد معينة.

تستدعي مراقبة الوباء والسـيطرة عليه دراسةَ العواملِ التي ترتبط بالمضيف وبالمحيط. وهذه المعارف ضرورية لإيقاف الوباء. وتتم إما بالقضاء على مسـتونادىته، وإما بإنقاص قابلية تقبّل المضيف له بإعطائه المادة الناسيرة منه (دواء واقياً أومقاوماً)، أوبالحد من طُرق الانتنطق باتباع الوسـائل الصحية.


الدراسة الوبائية

للقيام بدراسة وبائية يتمّ انتقاء مجموعة من جمهرة بشرية يتشارك أفرادها في صفات معينة كالعرق، والجنس (مذكر أومؤنث)، والعمر، والمهنة، والمستوى الاجتماعي والوضع العائلي.

وتهدف الدراسة إلى تحديد وقوع incidence اضطراب معين (أي عدد الحالات الحديثة التي تظهر جميع أسبوع أوجميع شهر أوجميع عام)، وانتشاره prevalence (أي عدد الأفراد المصابين بالاضطراب الذي يتم درسه)، والعلاقات الممكنة بين معْير criterion محدّدٍ (كالعمر أوالمهنة أوالكحولية أوغير ذلك) والآفة. وتُكرّر المشاهدات خلال أزمنة منتظمة لفهم ما إذا حدثت تغييرات. وتتيح النتائج وضع إحصائيات.

وتتطلب الدراسة الوبائية المقارنة أخذ مجموعتين من الأفراد، إحداهما تحمل صفة تتدخل في السقم الذي تتم دراسته (كالتدخين في حالة دراسة أثره في سرطان الرئة)، في حين لا تملك المجموعة الثانية هذه الصفة (أي أفرادها من غير المدخنين). تشهجر المجموعتان في صفات معينة كالعمر والجنس والوسط الاجتماعي والمهني وغيرها.

ويكشف الاستقصاء investigation الوبائي الموجَّه الأسباب الخفية لظهور سقم ما. أما الشروط التي تساعد على انتشاره فهي سيرورة شديدة التعقيد تدفع إلى الاستعانة بكل وسائل التشخيص السريرية والبيولوجية، كما تدعوإلى فهم العوامل البيئية والاجتماعية. ولا يقتصر العمل في الوبائيات حالياً على مشاهدة الحوادث السقمية، بل لابد من إجراء دراسات مقارنة. وتزداد الدراسة المقارنة اتساعاً وكبراً، حتى أصبحت تضم التحليل الإحصائي، وتستفيد من المعطيات الوبائية التي يتم جمعها من السقمى والمخبر، كما أنها تستعمل جميع ما يلفت الانتباه إلى ما يؤلف عامل خطورة. وتُظهِر الدراسةُ الوبائية حالياً مبلغَ تعقيد المشكلة أحياناً. ففي دراسة وبائية إحصائية أجراها الياباني كوباياشي Kobayashi عام 1957 لفت الانتباه إلى وجود علاقة مباشرة بين النزيف الدماغي وحموضة الماء الذي يجري في أنابيب جرّ المياه بعد انتشار هذا النزيف في أمكنة عدة في اليابان. فمثل هذا الاستقصاء كان عسيراً إعادة القيام به للتحقق من نتائجه في بعض البلاد كالولايات المتحدة، لأن مياهها تعالج بإضافة الصود soude وحمض الفحم ac. carbonic. كما تفهم شرودر Schroeder عام 1959 تأثير احتواء الماء على ثاني فحمات الكلسيوم ca.bicarbonate، فتوصّل إلى حتى هناك ارتباطاً عكسياً بين هذه المادة وبين انتشار الأمراض القلبية الوعائية ولاسيما الطوارئ الوعائية الدماغية والأمراض الإكليلية. وقد تأكدت هذه النتيجة في بريطانيا. ووجد أندرسون Anderson في كندا حتى عامل الماء لا يزيد من نسبة الوفيات العامة بالأمراض الإقفارية ischemic، بل يزيد من نسبة الموت المفاجئ فقط. ولكن في عام 1969 برهن شرودر وكنيزادا Kanisada حتى العامل المُسبّب لانتشار الموت المفاجئ هوالكدميوم cadmium المقرون بالنحاس في أنابيب جر المياه المصنوعة من حديد.

الوبائيات والأمراض الخمجية

يدعوتطور مفهوم حدثة «وباء» إلى التوقف عند ما يكتنف هذه الحدثة من فقدان الدقة أحياناً. فحينما تستعمل هذه الحدثة في مجال الانتحار وإدمان المخدرات، وغيرهما، هناك هامش كبير للفرضيات كالقول بعوامل مؤهبة متعددة كالعوامل الوراثية والاجتماعية وما إلى ذلك. ولهذا اقترح بعض الباحثين الاقتصار في استعمال حدثة «وباء» على الآفات الُمعْدية؛ وهي بهذا تعني زيادة الحوادث السقمية وتضاعفها بالعدوى بين البشر فحسب وتضم الأمراض المنتقلة transmissible كلها.

أما فيما يتصل بالأمراض التي تنتقل بوساطة ناقل ما، أي ما يتيح انتنطق العامل المسقم من المصاب إلى آخر سويّ معافى فإن الطرق البيئية تسمح بتنسيق العوامل الحية وغير الحية للوسط وتقوم بدور في تثبيت البؤر الطبيعية. إذا الوبائيات البيئية ذات شُعَبٍ عديدة تسمح بفهم نقاط الضعف في سلسلة وبائية ما وبالتالي وضع برنامج وقائي مفيد.

لابد قبل فهم العلاقة بين الوباء والسقم الخمجي من إيضاح بعض المصطلحات.

يقصد بالخمج infection اجتياح حيّ مجهري microbe للعضوية. فإذا كان هذا مسقماً نتج منه سقم خمجي. وإذا بقي السقم بقاءً شبه مستمر أوعاود الظهور في أزمنة متفاوتة سمي سقماً متوطناً endemic كما هوالأمر في الحمى التيفية في بعض البلاد. وإذا أصاب السقم عدداً كبيراً من الأفراد في منطقة واسعة محددة تخضع لتأثيرات متماثلة، أوظهر على نحوٍ متبترٍ وكان انتشاره سريعاً كالطاعون سمي وباء epidemic. ولكن إذا انتشر السقم الخمجي فأصاب معظم السكان في منطقة شديدة الاتساع أوالعالم كله سمي جائحة pandemic، كما هوالأمر في جائحة النزلة الوافدة influenza سنة 1918 و1957 و1968.

وإذا انتقل السقم الخمجي من إنسان مصاب إلى إنسان آخر سويّ ـ سواء أحدث ذلك بالطريق المباشر أم غير المباشر- سمي السقم مُعدياً contagious، وهومصطلح يختص به البشر وحدهم.

ويعرَّف السقم المنتقل أوالساري transmissible بأنه السقم الخمجي الذي ينتقل من أداة أونبات أوحيوان أوإنسان إلى آخر.

وهناك السقم الحيواني المصدر zoonosis الذي يصيب البشر، كالداء الببغائي psittacosis الذي ينتقل من الببغاوات إلى الإنسان، والجمرة carbuncle التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان.

ولابد من التمييز بين الأمراض الوبائية التي تنتقل من إنسان إلى آخر، كالحمى التيفية، وبين الأمراض الوبائية التي لا تنتقل من إنسان إلى آخر، كتلك التي تنجم عن عوز deficiency مادة ما.

انظر أيضا

  • قائمة الأوبئة
  • Overpopulation
  • Bugchasing and giftgiving
  • Biosecurity
  • Epidemic model
  • Syndemic
  • Pandemic

منظمات:

  • European Centre for Disease Prevention and Control
  • OpenEpi
  • Epi Info

الهوامش

  1. ^ "وبائيات". الموسوعة العربية، عدنان تكريتي. Retrieved 2010-12-30.


المراجع

  • R. GUERAULT, Les Épidémies (éd. Montpellier 2000).
  • S. DE MANET, Épidémiologie et ?pidémies (éd. Bruxelles 2003).
  • J. LEFRAN?OIS, Épidémiologie Clinique (éd. Elbeuf 2005).

وصلات خارجية

ابحث عن epidemic في
قاموس الفهم.
  • Video Discussion of the Prostate Cancer Epidemic
  • Monash Virtual Laboratory - Simulations of epidemic spread across a landscape
  • Maping the Outbreaks


هذه بذرة منطقة عن العلوم الطبية بحاجة للنمووالتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:32:33
التصنيفات: وبائيات, أوبئة, كوارث بيولوجية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

قبل امتحانات الثانوية العامة.. مراجعة نهائية وشاملة للغة الإنجليزية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:32
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

رحيل عماد النحاس عن تدريب طلائع الجيش بعد ثنائية الزمالك.. رسميا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:36
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 42%

روسيا تعلن تدمير آخر سفينة حربية أوكرانية في أوديسا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:53
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 61%

سيد الباب قصة روبرت ستيفنسون عن الحب والكرامة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:21:55
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 61%

موعد مباراة الزمالك أمام الإتحاد السكندري في الدوري

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:04
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

نتيجة الشهادة الإعدادية فى 9 محافظات الآن.. بالاسم ورقم الجلوس

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:47
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 45%

مصر تتصدر الدول الأفريقية فى الحصول على التمويلات الإنمائية عام 2021

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:38
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 44%

«محمد يوسف» حكمًا لمواجهة الإسماعيلي والمقاولون

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:05
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

بيراميدز يعلن تمديد عقد البوركيني الدولي بلاتي توريه 3 مواسم قادمة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:29
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 45%

أردوغان في مأزق للوفاء بوعد إعادة مليون لاجئ سوري لبلادهم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:48
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 66%

الجيزة: ورش وأنشطة تعليمية وفنية لأطفال روضة أكتوبر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-31 18:22:07
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية