حوار المنفيين

عودة للموسوعة

حوار المنفيين

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس.
برتولت برخت.

حوار المنفيين كتاب للمحرر المسرحي الألماني برتولد بريخت (1898 - 1956). وهونص خطه صاحب «دائرة الطباشير القوقازية» و«الأم شجاعة»، في العام 1941، حين كان بدأ رحلة منفاه التي أبعدته عن وطنه ألمانيا، لتصل به الى الولايات المتحدة الأميركية، قبل ان يعود لاحقاً الى ألمانيا، إذ انتهت الحرب وهزم هتلر والنازيون الذين كانوا سبب سلوكه درب المنفى.

مقدمة

«آه لوكانت للبشر انانية المدرعات والأسلحة والأجهزة الميكانيكية، فهي وحدها التي ترفض الصبر على الجوع والعطش. وهي في هذا المجال تظل مصمخة الآذان في وجه جميع الحجج مهما كانت حججاً قوية... فما جدوى تذكيرها بذكريات ماضيها المجيد،يا ترى؟ انها لا تؤمن بالزعيم ولا تخشى هراوات رجال الشرطة. وإن انت لم تهتم بها وبجوعها اوعطشها، فلن تبدي اي غضب ولن يظهر عندها اي تفهم للأمر. إنها تصدأ بكل بساطة. تصدأ لا اكثر ولا أقل. في بلادنا، يمكن القول، انها هي التي لا تجد اقل صعوبة في الحفاظ على كرامتها». ترد هذه السطور في واحد من اجمل وأقوى النصوص التي خطها برتولد بريخت.

«حوار المنفيين» هذا خط في فنلندا في ذلك العام، حين كانت الحرب العالمية الثانية لا تزال في بداياتها، لكنه لن ينشر إلا بعد موت بريخت (في العام 1956). وحين خط بريخت هذا النص، كانت اوضاع العالم لا تزال شديدة الغموض، في وقت تكتسح قوات هتلر اجزاء من ذلك العالم. ومن هنا لم يكن غريباً ان يختتم النص على رصد متشائم، حتى وإن كان مفتوحاً على اسئلة اكثر من انفتاحه على يقين سلبي، حيث فيما كان متحاوراً هذا النص، السيد كاله والسيد زيغل، يواصلان كلامهما كان «السيد آلة يلقي بثقله الكثيف على اليونان، وروزفلت يواصل قيامه بجولة انتخابية (في ربوع بلاده البعيدة)، وتشرشل والأسماء ينتظرون فرصة للإقلاع، اما السيد - الذي لا أعهد له اسماً - فإنه كان يرسل قواته إلى رومانيا لتحتلها، فيما الاتحاد السوفياتي صامت مستمراً في صمته».


المضمون

إذاً، نحن هنا امام نص يرصد احوال العالم من خلال حوارات تدور بين منفيين. غير ان النص في تفاصيله يظهر اعمق من هذا وأبعد غوراً: فهولا يكتفي بأن يقارب القضايا السياسية الراهنة، بل انه يغوص، حتى، في مسبباتها وخلفياتها الفكرية، يقول ان ما يحدث ليس مصادفة، وأن هيمنة غبي كهتلر على السلطة ليست امراً عارضاً. ولقول هذا كله، جمع بريخت في نصه غريبين هاربين من ألمانيا النازية يلتقيان، مصادفة، في مستودع سكة حديد في هلسنكي عاصمة فنلندا: الأول طويل عريض هوعالم الفيزياء زيغل. والثاني قصير سمين يدعى كاله. ومن الواضح منذ البداية ان بريخت جعل هذين الغريبين ينطقان معاً باسمه ويتحاوران على الشاكلة التي كان هونفسه يطرح بها اسئلته على ذاته. اما الحوارات بينهما فإنها تطاول اموراً عدة، منها ما شخصي واجتماعي، ومنها ما فكري وسياسي وتاريخي.

كان السيد كاله مرّ بمعسكر اعتنطق نازي ما اكسبه خبرة بتصرفات الأسرى والجلادين سواء بسواء، اما زيغل فإنه مثقف عاطل من العمل. والاثنان كانا يعيشان في المنفى وضعاً سيئاً طالما ان القوات الألمانية كانت تقترب... وهذا الأمر، اذا كان يشكل ضغطاً عليهما، فإنه في الوقت نفسه حرّر لسانيهما، ما جعل حوارهما يتسم بكثير من الصراحة، والجرأة. والجرأة تطاول في ذلك الحوار جميع شيء، بما في ذلك الفيلسوف هيغل، الذي له «قماشة مهرج كبير» من حيث ان منطقه، الذي يعاني من روماتيزم دائم، يظهر مسلياً جداً إذ يصف لنا كيف من الممكن أن ان الثنائيات تتصادم، لكنها تبرر بعضها بعضاً في النهاية: إلى غير ذلك يجلس النظام والفوضى الى طاولة واحدة، مثلاً. وما هذا سوى نتيجة للديالكتيك الذي يجعل المرء في حاجة الى شيء من حس الفكاهة حتى يفهمه ويفهم مبتدعه. وعلى هذا النحوتمضي الآراء: «الإنسانية لا يمكنها ان تعيش من دون فوضى اوفساد. النظام خطير والإنسانية غير مستعدة له بعد». فماذا عن المادية،يا ترى؟ ان السيد زيغل يبدي دهشته هنا لأن الكتاب اليساريين، الراغبين حقاً في ايصال الفلسفة والأخلاق الى اهل الطبقات السفلى، لا يهتمون ايّما اهتمام بوصف ملذات العيش (ملذات الفم على سبيل المثال)، إلى غير ذلك يغيب عن نصوصهم «وصف ولوسهل لمختلف انواع الجبنة، اووصف ملموس وموحي على يد فنان حقيقي لطبق من البيض المقلي الجديد بهذا الاسم»، فلوعثر هذا الوصف لـ «كان، من دون ريب، امراً من شأنه ان يساهم حقاً في تربية النفوس والعقول». فالحقيقة، يقول المتحاوران ان «كوباً جيداً من شراب البيض، لن يتناقض ابداً مع فلسفة الممضى الإنساني».

ولأن النقاش يدور، حول ألمانيا بخاصة، كما حول الحرب، يتناول المتحاوران مسألة الحرب. فماذا عنها،يا ترى؟ «انه من الواضح ان السكان المدنيين يقفون عقبة مزعجة في وجه العمليات العسكرية. ومن اجل الاستخدام الأمثل للأسلحة الحديثة، من الضروري استبعاد الشعوب كلية، بل ان الأمر يستوجب اخلاء دائماً للسكان المدنيين لأن الحروب الحديثة تندلع كالزوبعة، ولا يمكن احداً ان يعهد في اي اتجاه ستسير «اما الخيار المنطقي فإنه في منتهى البساطة: إما ان نبيد السكان، وإما ان نعترف - آسفين - بأن الحرب محالة...».

على هذا النحو«الجدلي» تدور بقية الحوارات بين مثقف يلعب بمهارة ولا يسعى ابداً الى إخفاء تقنياته الحوارية المستخدمة بوفرة لمصطلحات البطولة والضرورة والأنانية، اي «كل ذلك الجنون الذي يقوم على مطالبة الإنسان بأن يكف عن كونه انساناً»، وبين عقل سهل يصرخ فجأة «آه... ايها الصديق ها أنذا أقول لك انني سئمت الفضائل كلها، وأرفض ان اصبح بطلاً...».

ثم إذ يصل حديث المتحاورين الى التربية الألمانية، يتنبه الاثنان الى ضرورة تعريف حدثة «ألماني» أولاً. فما الذي تعنيه هذه الحدثة، على ضوء استشراء الهتلرية النازية،يا ترى؟ «ان تكون ألمانياً، يقول احدهما للآخر، معناه ان تعمل الأمور حتى منتهاها، سواء تعلق الأمر بتشميع ارضية البيوت، اوبإبادة الساميين جميعاً. في داخل جميع ألماني هناك استاذ فلسفة يغط في نومه...». وهنا يقول كاله: «ان جميع قول عن الكرامة، لا أجده ينطبق على مواطنينا الألمان، فهؤلاء هم من الطاعة بحيث يمكن تحويلهم فوراً الى ابطال وسادة. وبواسطة مفاهيم مثل الدم والأرض في الإمكان اقناعهم بأن الألماني له وحده الحق في بذل دمه من اجل الفوهرر. وأن الألماني وحده له الحق في ان ينتزع من كائن آخر، الأرض التي يمتلكها هذا الأخير...». ولسوف ينتهي الحوار بأن يقول كاله لزيغل: «لقد افهمتني، اذاً، انك تبحث عن وطن تكون فيه فضائل جذرية مثل الوطنية والظمأ الى الحرية والطيبة والتجرد، عائمة على سطح الأنانية والقسوة والزلفى... وميل الإنسان لأن يقول لوطنه في نهاية الأمر: تباً لك!...».

الذي كان منفياً يشعر بالكثير من المرارة، ويشهد قيماً كبيرة وأساسية تنهار امام ناظريه بعمل الهجمة النازية على العالم وعلى جميع ما انساني في هذا العالم، لكن بريخت كان واعياً في الوقت نفسه، ان ضعف القوى الخيرة أوتعثر خطواتها كان بدوره يساهم في الفوزات النازية. وفي هذا الإطار، ما جوهر «حوار المنفيين» سوى تأكيد وتكثيف لعدد من الأفكار التي لطالما دق عبرها ناقوس الخطر، وملأ بها اعماله الكبيرة السابقة مثل «قديسة المسالخ جان» و«الأم» و«أوبرا القروش الثلاثة» و«حياة غاليلي» و«آرتوروأوي».

وبرتولد بريخت الذي خط هذا النص، كان منفياً يشعر بالكثير من المرارة، ويشهد قيماً كبيرة وأساسية تنهار امام ناظريه بعمل الهجمة النازية على العالم وعلى جميع ما انساني في هذا العالم، لكن بريخت كان واعياً في الوقت نفسه، ان ضعف القوى الخيرة أوتعثر خطواتها كان بدوره يساهم في الفوزات النازية. وفي هذا الإطار، ما جوهر «حوار المنفيين» سوى تأكيد وتكثيف لعدد من الأفكار التي لطالما دق عبرها ناقوس الخطر، وملأ بها اعماله الكبيرة السابقة مثل «قديسة المسالخ جان» و«الأم» و«أوبرا القروش الثلاثة» و«حياة غاليلي» و«آرتوروأوي».

المصادر

  • دار الحياة

انظر أيضاً

  • برتولت برخت

نطقب:Brecht theory


نطقب:Theatre-stub نطقب:Nonfiction-book-stub

تاريخ النشر: 2020-06-04 09:32:36
التصنيفات: نظريات وتقنيات برتولت برخت, مسرح غير روائي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

السيوفي: اليوم الوطني الـ 92 ذكرى تتجدد وإنجازات تتحقق - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:23:13
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

«اليوفيا» يستبعد روسيا من تصفيات كرة القدم للبطولة الأوروبية 2024

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:22:35
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 56%

شيخ الأزهر يقرر صرف 1000 جنيه مكافأة لكافة العاملين بالتعليم

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:21:57
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 43%

3.7 مليون مصاب بالسكري.. في السعودية - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:23:12
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 56%

القيادات النسائية المجتمعات بالأمم المتحدة يؤسسن رابطة سعيًا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:22:21
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

مذيعات "اكسترا نيوز" يتحدثن عن إمكانية الابتسامة خلال عرض النشرات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:21:51
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 45%

الإسماعيلي يعلن تولى الإسبانى جاريدو قيادة الفريق رسميا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:21:55
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 36%

موسكو تجري استفتاءات لضم مناطق أوكرانية.. وكييف تؤكد أنها س

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:22:14
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 57%

أحمد الطاهرى: ساهمت فى تأسيس عدة قنوات والراديو 9090

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:21:52
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 41%

الاحتجاجات تجتاح أنحاء إيران... والسلطات تعترف بسقوط قتلى

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:23:00
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 89%

منظمة الأمن والتعاون في أوروبا: الاستفتاءات في شرق أوكرانيا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:22:06
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

تخصيص حصص للثقافة الجنسية في المدارس .. التعليم توضح

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:21:39
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 64%

إسعاد يونس: "اكسترا نيوز" حققت طفرة فى القنوات الإخبارية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:21:53
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 38%

زيلينسكي يتفاعل بهدوء مع خطط الاستفتاء بمناطق "محتلة" في شر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:22:03
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

«التيارات الدينية بتكره عادل إمام» عمرو أديب ..تفاصيل

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:21:38
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 56%

مجلس الوزراء: تحويل إدارة مشاريع جدة إلى هيئة تطوير - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:23:10
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

الملك تشارلز يصل إلى بالمورال في أول زيارة بعد وفاة الملكة إ

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:22:17
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 66%

«كل بيت له راجل» فيلم يؤرخ لمكتبة مصر الجديدة الأميرة «فريال» سابقا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:21:27
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

بلينكن: أي استفتاءات صورية لروسيا في أوكرانيا ستكون غير شرع

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-21 03:22:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

تحميل تطبيق المنصة العربية