موقعة الجسر

عودة للموسوعة

مسقطة الجسر

مسقطة الجسر
المسقط
{{{place

معرکة الجسر کانت مسقطة الجسر فی 23 شعبان 13هـ، بين جيش الخلفاء الراشدون بقيادة أبوعبيد بن مسعود الثقفي والامبراطورية الفارسية.

وکان « أبوعبید بن مسعود الثقفی » قد وصل إلی العراق فی ۳ من شعبان، وکانت أولی حروبه النمارق فی ۸ من شعبان، ثم السقاطیة فی ۱۲ من شعبان، ثم باقسیاثا فی ۱۷ من شعبان، ثم هذه المسقطة فی ۲۳ من شعبان، فخلال عشرین یومًا من وصول أبی عبید بجیشه انتصر المسلمون فی ثلاث معارک، وهُزموا فی معرکة واحدة هي معرکة الجسر قضت علی نصف الجیش، ومن بقی فرَّ، بعد مقتل قائدهم أبوعبيدة في هذه المعركة.

واستلم المثنى بن حارثة الشيباني قيادة الجند، ولم یبق مع المثنی غیر ألفین من المقاتلین.

أوفد المثنی بالخبر إلی المدینة مع عبد الله بن زید، وعندما یصل إلی المدینة یجد عمر بن الخطاب علی المنبر فَیُسِرّ إلیه بالأمر نظرًا لصعوبته علی المسلمین، فیبکی عمر علی المنبر، وکان لا بد حتى یفهم المسلمون حتی یستنفر الناس للخروج مرة أخری لمساعدة بقایا الجیش الموجودة فی العراق، وبعد حتى یبکی یقول: رَحِمَ الله أبا عبید! لولم یستقتل وانسحب لکُنَّا له فئة، ولکن قدَّر الله وما شاء عمل. ویأتی بعد ذلک إلی المدینة الفارون والهاربون من المعرکة یبکون أشد البکاء، یقولون: کیف نهرب؟! وکیف نفر؟! وکان هذا الأمر یمثِّل للمسلمین الخزی والعار، ولم یتعودوا قبل ذلک علی الفرار من أعدائهم، لکن عمر بن الخطاب یطمئنهم ویقول لهم: إننی لکم فئة، ولا یُعَدُّ هذا الأمر فرارًا. وظل یحمسهم ویحفزهم، وکان معهم معاذ القارئ وکان أحد مَن فرُّوا، وکان یَؤُمُّ المسلمین فی التراویح، فکان کلما قرأ آیات الفرار من الزحف یبکی وهویصلی، فیطمئنه عمر، ویقول له: إنک لست من أهل هذه الآیة.

وقد استُشهِد من المسلمین فی هذه المعركة « معركة الجسر » أربعة آلاف شهید.


بهمن جاذويه يقود الجيوش

بعد حتى انتصر المسلمون في معركة النمارق، انتصروا أيضًا في مسقطة السقاطية على (نورسي)، وكان قد ثار في تلك المنطقة وهومن الفرس أيضًا، وكان رستم قد أوفده، ولكن أبا عبيد لم يمهله وتوجه إليه وانتصر عليه في 12 من شعبان سنة 13 هـ، وبعدها بخمسة أيام تقدم أبوعبيد إلى "باقسياثا" بالقرب من بابل وانتصر على الجيوش الفارسية بقيادة الجالينوس وهومن كبار قادة الفرس، وكان رستم قد أوفده بعد هزيمة الفرس في النمارق والسقاطية فانتصر عليه أيضًا أبوعبيد في مسقطة باقسياثا، ثم انسحب أبوعبيد بن مسعود الثقفي بجيشه إلى الحيرة، وأخذ يدبر الأمر ويوزع الحاميات، واتخذ الحيرة مركزًا له.

تعجب رستم كثيرًا وأصابته الحيرة والدهشة مما يحدث، إذ كيف من الممكن أن ينتصر هؤلاء بعد غياب خالد بن الوليد ومعه نصف الجيش؟! ينتصرون على الفرس في ثلاث مواقع متتالية في تسعة أيام؛ فنطق رستم: مَنْ أشدُّ الفُرْسِ على العرب؟

فنطقوا له: بهمن جاذويه. وكان أحد كبار قادة الفرس، ولم يشهجر في الحروب مع المسلمين حتى هذه اللحظة.

فنطق رستم: إذن فهوالقائد.

وبذلك منح رستم إمرة الجيوش الفارسية لـ "بهمن جاذويه" وأخرجه مع جيش كبير يزيد على 70 ألف فارسي، وأوفد مع هذا الجيش أكثر من عشرة أفيال. ونحن نعهد ما كان يثيره فيل واحد في صفوف المسلمين من فزع وهلع؛ لأن الخيول لا تجرؤ على لقاءة الأفيال، فكانت تحدث ارتباكًا داخل صفوف الجيش المسلم، فما بالنا بعشرة أفيال،يا ترى؟ ومنح رستم لـ "بهمن جاذويه" أيضًا راية الفرس العظمى وكانت تُسمى "دارفن كابيان"، وكانت هذه الراية لا تخرج إلا مع الملوك، ولكنه أخرجها معه تشريفًا لهذا الجيش وتشجيعًا له على حرب المسلمين، وكان كسرى فارس في هذه اللحظة "بوران بنت كسرى" وكانت من أحكم سيدات فارس، ولم يكن عندهم حينئذ رجل من آل ساسان يُوكِلون إليه مُلك فارس، وكان "شيرويه" قد اغتال جميع رجال آل ساسان ليستأثر هوبالحكم، ولكنه قُتِل أيضًا، وآل المُلك إلى تلك المرأة بعد ذلك.

توجّه الجيش الفارسي بهذه الجموع الجرارة لقتال المسلمين، وفهم أبوعبيد بذلك فتوجه بجيشه إلى منطقة في شمال الحيرة تسمى "قِسّ النَّاطِف"، وعسكر بجيشه في هذه المنطقة انتظارًا لقدوم جيش الفرس. وقَدِمَ الفُرسُ، ووقفوا على الجانب الآخر من نهر الفرات، فالمسلمون على الناحية الغربية، والفرس على الناحية الشرقية بقيادة بهمن جاذويه، وكان بين الشاطئين جسرٌ عائم أقامه الفرس في هذه الآونة للحرب -وكان الفرس مهرة في بناء هذه الجسور- وأوفد بهمن جاذويه رسولاً إلى الجيش الإسلامي يقول له: إما حتى نعبر إليكم، وإما حتى تعبروا إلينا.


أبوعبيد يخالف نصيحة عمر

ونذكر نصيحة عمر بن الخطاب إلى أبي عبيد قبل حتى يخرج إلى القتال نطق له: لا تُفشِينَّ لك سرًّا؛ لأنك مالكٌ أمرك حتى يخرج سِرُّك من بين جنبيك، ولا تحدِثَنَّ أمرًا حتى تستشير أصحاب رسول الله . وأوصاه خاصة بسعد بن عبيد الأنصاري وسليط بن قيس من الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعًا، وأخطأ أبوعبيد الخطأ الأول فأخذ يناقش أصحابه ويشاورهم أمام رسول الفرس، وهذا إفشاء للسر، ولأمور التنظيم الحربي، وأخذته الحميَّة عندما وصلته الرسالة؛ ونطق: والله لا أهجرهم يعبرون ويقولون: إنا جَبُنَّا عن لقائهم. واجتمع الصحابة y على عدم العبور إليهم: ونطقوا له:كيف تعبر إليهم وتبتر على نفسك خط الرجعة، فيكون الفرات من خلفك؟! وقد كان المسلمون وأهل الجزيرة العربية يجيدون الحرب في الصحراء، ودائمًا كان المسلمون يجعلون لأنفسهم خط رجعة في الصحراء، وإذا حدثت هزيمة يستطيع الجيش حتى يرجع إلى الصحراء ولا يهلك بكامله، ولكن أبا عبيد أصرَّ على رأيه بالعبور، وذكّره أصحابه بقول عمر بن الخطاب: أنِ اسْتشر أصحاب رسول الله ؛ فنطق: والله لا نكون عندهم جبناء. وهذا كله يحدث أمام رسول الفرس، الذي استغل الفرصة ليثير حميَّة أبي عبيد، فنطق: إنهم يقولون إنكم جبناء ولن تعبروا لنا أبدًا. فنطق أبوعبيد: إذن نعبر إليهم. وسمع الجنود وأطاعوا وبدأ الجيش الإسلامي يعبر هذا الجسر الضيِّق للوصول للناحية الأخرى التي يوجد بها الجيش الفارسي.

ونلاحظ في هذا الموقف حتى الجيش الإسلامي يدخل في منطقة محصورة بين نهر يُسمى النيل -وهونهر صغير وأحد روافد نهر الفرات- ونهر الفرات، وكلا النهرين يمتلئ بالمياه، والجيش الفارسي يغلق باقي المنطقة، فلوولج المسلمون هذا المكان فليس أمامهم إلا القتال مع الجيش الفارسي، والفرس يدركون أهمية هذا المسقط جيدًا، فأخلوا مكانًا ضيقًا ليعبر المسلمون إليهم، ويتكدس الجيش الإسلامي في منطقة صغيرة جدًّا، ويرى المثنى بن حارثة ذلك ويعيد النصيحة لأبي عبيد قائلاً له: إنما تلقي بنا إلى الهَلَكَة. ويصرُّ أبوعبيد على رأيه.

وعبر الجيش الإسلامي بالعمل إلى هذه المنطقة، وكان مع الفُرْسِ كما ذكرنا عشرة أفيال منها الفيل الأبيض، وهوأشهر وأعظم أفيال فارس في الحرب، وتتبعه جميع الفيلة إذا أقدم أقدموا وإن أحجم أحجموا، وتقدمت الجيوش الفارسية يتقدمها الفيلة إلى الجيش الإسلامي المحصور بين نهري الفرات ورافده نهر النيل، وتراجعت القوات الإسلامية تدريجيًّا أمام الأفيال، ولكن خلفهم نهرين فاضطروا للوقوف انتظارًا لهجوم الفيلة وقتالها، وكانت شجاعة المسلمين وقوتهم فائقة ودخلوا في القتال، ولكن الخيول بمجرد حتى رأت الأفيال فزعت وهربت، وكانت سببًا في إعاقة إقدام المسلمين على القتال، وعادت الخيول إلى الوراء وداهمت مشاة المسلمين، ولم تفلح محاولات المسلمين لإجبار الخيول على الإقدام لعدم تمرُّسها على لقاءة الأفيال، وفي هذه اللحظة -وبعد حتى أخطأ أبوعبيد في إفشاء السر أمام رسول الفرس، وأخطأ في العبور مخالفًا مشورة أصحاب رسول الله ، وأخطأ باختياره هذا المكان للمعركة- كان لا بد عليه حتى ينسحب بجيشه سريعًا من أرض المعركة، كما عمل خالد بن الوليد في معركة المذار عندما فهم أنه سيكون محاطًا بجيش من الجنوب، انسحب سريعًا بجيشه حتى يقابل جيش الأندرزغر في الولجة.

القتال حتى النهاية

لكن أبا عبيد استقتل ونطق: لأقاتلنَّ حتى النهاية. وإن كانت هذه شجاعة فائقة منه، فإن الحروب كما تقوم على الشجاعة لا بد حتىقد يكون هناك حكمة في التعامل مع الحدث. وبدأت أفيال الفرس تهاجم المسلمين بضراوة، وأمر أبوعبيد حتى يتخلَّى المسلمون عن الخيول ويحاربوا الفرس جميعًا وهم مشاة، وفقد المسلمون بذلك سلاح الخيول وأصبحوا جميعًا مشاة أمام قوات فارسية مجهزة بالخيول والأفيال، واشتد وَطِيسُ الحرب ولم يتوانَ المسلمون عن القتال، وتقدم أبوعبيد بن مسعود الثقفي رضي الله عنه ونطق: دُلُّوني على مقتل الفيل. كما نطق من قبل المثنى بن حارثة رضي الله عنه، فقيل له: يُقتَلُ من خرطومه. فتقدم رضي الله عنه ناحية الفيل الأبيض بمفرده، فنطقوا له: يا أبا عبيد، إنما تلقي بنفسك إلى التهلكة وأنت الأمير. فنطق: والله لا أهجره إما يقتلني وإما أقتله. وتوجه ناحية الفيل وبتر أحزمته التي يُحمل فوقها قائدُ الفيل، وسقط قائد الفيل وقتله أبوعبيد بن مسعود، ولكن الفيل لا يزال حيًّا، وهومُدَرَّب تدريبًا جيدًا على القتال، وأخذ أبوعبيد يقاتل هذا الفيل العظيم ويقف الفيل على قدميه الخلفيتين ويحمل قدميه الأماميتين في وجه أبي عبيد، ولكنَّ أبا عبيد لم يتوانَ عن محاربته ومحاولة قتله، وعندما شَعَر بصعوبة الأمر أوصى من حوله: إذا أنا مِتُّ، فإمرة الجيش لفلان ثم لفلان ثم لفلان؛ ويعدد أسماء من يخلفونه في قيادة الجيش. وهذا أيضًا من أخطاء أبي عبيد؛ لأن أمير الجيش يجب حتى يحافظ على نفسه، ليس حبًّا في الحياة ولكن حرصًا على جيشه وجنده في تلك الظروف، وليس الأمر شجاعة فحسب، ولأنه بمقتل الأمير تنهار معنويات الجيش، وتختل الكثير من موازينه. ومن الأخطاء أيضًا حتى أبا عبيد أوصى بإمرة الجيش بعده لسبعة من ثقيف منهم ابنه وأخوه والثامن المثنى بن حارثة، وكان الأَوْلى حتىقد يكون الأمير بعده مباشرة المثنى أوسليط بن قيس، كما أوصاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

استشهاد أبي عبيد وتولِّي المثنى

ويواصل أبوعبيد قتاله مع الفيل ويحاول بتر خرطومه، لكن الفيل يعاجله بضربة فيقع على الأرض، ويهجم عليه الفيل ويدوسه بأقدامه الأماميتين فيمزِّقهُ أشلاءً -رضي الله عنه وتقبله في الشهداء- وكان موقفًا صعبًا على المسلمين حينما يرون قائدهم يُقتَل هذه القتلة البشعة. ويتولى إمرة الجيش بعده مباشرة أول السبعة ويحمل على الفرس ويستقتل ويقتل، وكذا الثاني والثالث إلى غير ذلك، وقد اغتال في هذه المعركة ثلاثة من أبناء أبي عبيد بن مسعود الثقفي كان أحدهم أميرًا على الجيش، وقُتِل كذلك أخوه الحكم بن مسعود الثقفي وكان أحد الأمراء على الجيش بعد استشهاد أبي عبيد، وتأتي الإمرة لالمثنى بن حارثة والأمر كما نرى في غاية الصعوبة، والفرس في شدة هجومهم على المسلمين، ويصف الأَغَرُّ العجْلِيُّ -وهوأحد صحابة النبي الذين حضروا المسقطة- فيقول: وَخَزَقَ الفرسُ المسلمين بالنشاب (الرماح)، وعضَّ المسلمين الألَمُ.

وفي هذه اللحظة يبدأ بعض المسلمين في الفرار عن طريق الجسر إلى الناحية الأخرى من الفرات، وهذه أول مرة في فتوح فارس يفِرُّ فيها بعض المسلمين من القتال، وهذا الفرار في هذا الموقف له مرشد شرعي ولا يُعَدُّ فرارًا من الزحف، وقد قيل: إذا الفرار من المثلين جائز، فما بالنا وجيش الفرس ستة أوسبعة أمثال جيش المسلمين؟! ولكن يُخطِئ أحد المسلمين خطأً جسيمًا آخر، فيمضى عبد الله بن مرثد الثقفي ويبتر الجسر بسيفه، ويقول: والله لا يفِرُّ المسلمون من المعركة؛ فقاتلوا حتى تموتوا على ما توفي عليه أميركم.

ويُسقَطُ في أيدي المسلمين، ويستأنف الفُرْسُ القتال مع المسلمين، ويزداد الموقف صعوبة، ويُؤتَى بالرجل الذي بتر الجسر إلى قائد الجيش المثنى بن حارثة، فيضربه المثنى، ويقول له: ماذا عملت بالمسلمين،يا ترى؟ فنطق: إني أردت ألا يفرَّ أحد من المعركة. فنطق: إذا هذا ليس بفرار. انسحاب منظم عبر الجسر

وبدأ المثنى رضي الله عنه -وفي هدوء يُحسب له- يقود حركة الجيش المسلم المتبقي بعد الهجمات الفارسية القاسية والشديدة، ويقول لجيشه محمِّسًا لهم: يا عباد الله، إما النصر وإما الجنة. ثم نادى على المسلمين في الناحية الأخرى حتى يصلحوا الجسر ما استطاعوا، وكان مع المسلمين بعض الفرس الذين كانوا قد أسلموا وكانوا ذوي قدرة على إصلاح الجسور، فبدءوا يصلحون الجسر من جديد، وبدأ المثنى رضي الله عنه يقود إحدى العمليات الصعبة، وهي عملية انسحاب في هذا المكان الضيِّق أمام القوات الفارسية العنيفة، فأوفد إلى أشجع المسلمين واستنفرهم ولم يستكرههم، ونطق: يقف أشجع المسلمين على الجسر لحمايته. فتقدَّم لحماية الجسر عاصم بن عمروالتميمي وزيد الخيل وقيس بن سليط صحابي رسول الله وسيدنا المثنى بن حارثة على رأسهم، ووقف جميع هؤلاء ليقوموا بحماية الجيش أثناء العبور، ويحموا الجسر لئلا يبتره أحد من الفرس، ويقول المثنى بن حارثة للجيش في هدوء غريب: "اعبروا على هيِّنَتِكم ولا تفزعوا؛ فإنا نقف من دونكم، والله لا نزايل (لا نهجر هذا المكان) حتى يعبر آخرُكم". ويبدأ المسلمون في الانسحاب واحدًا تلوَ الآخر ويقاتلون حتى آخر لحظة، وتكسوالدماء جميع شيء وتكثر جثث المسلمين ما بين قتيل وغريق في النهرين، ويكون آخر شهداء المسلمين على الجسر هوسويد بن قيس أحد صحابة النبي ، وآخر من عبر الجسر هوالمثنى بن حارثة رضي الله عنه، فقد ظل يقاتل حتى اللحظة الأخيرة ويرجع بظهره والفرس عبره، وبمجرد عبوره الجسر بتره على الفُرسِ، ولم يستطع الفرس العبور إلى المسلمين، وعاد المسلمون أدراجهم ووصلوا إلى الشاطئ الغربي من نهر الفرات قبل غروب الشمس بقليل. وكما نعهد فالفرس لمقد يكونوا يقاتلون بالليل؛ لذا هجروا المسلمين، وكانت فرصة للجيش الإسلامي لكي ينجومنسحبًا إلى عمق الصحراء؛ لأنه لوظل في مكانه لعبر إليه الجيش الفارسي في الصباح وقضى على من تظل منه.

في هذا الوقت كان قد فَرَّ من المسلمين ألفانِ (2000)، ومنهم من قد وصل في فراره إلى المدينة، واستُشهِد من المسلمين في هذه المسقطة (4000)أربعة آلاف شهيد، وكان قد اشهجر فيها (8000) ثمانية آلاف قُتِلَ منهم أربعة آلاف ما بين شهيد في القتال وغريق في النهر، ومن هؤلاء الآلاف الأربعة غَالِبُ أهل ثقيف، والكثير ممن شهد بدرًا وأُحُدًا والمشاهد مع رسول الله ، وكان الأمر شديدًا على المسلمين، ولولا فضل الله تعالى، ثم تولية المثنى بن حارثة الأمر ما كان لمن نجا حتى ينجومن هذه المصيدة المحكمة التي أعدها الفرس للمسلمين، وكان المثنى رضي الله عنه كفاءة حربية منبترة النظير، وهذه هي قيمة القيادة الصائبة، فقد كان أبوعبيد بن مسعود رضي الله عنه تملؤه الشجاعة والإيمان والإقدام، وقد كان أول من استُنفِرَ فخرج للجهاد وفي وجود الكثير من الصحابة y، نفر قبلهم وأُمِّرَ على الجيش، ودخل الحروب في منتهى الشجاعة ولم تأخذه في الله لومةُ لائمٍ، وتقدم لمهاجمة الفيل وهويفهم أنه سيُقتَل فيوصي بالإمرة لمن بعده، ولم يتوانَ عن القتال. ومع هذا فإمارة الجيوش ليست شجاعة وإيمان فقط، وإنما لا بد من المهارة العالية والكفاءة الحربية، حتى نطق بعض الفقهاء: إذا وُجِدَ قائدان أحدهما من الإيمان بمكان ولكنه لا يدرك قيمة القيادة والإمارة، والآخر يصل إلى درجة الفسوق لكنه مسلم، ويستطيع قيادة الحروب بمهارة، فلا بأس حتى يَلِيَ هذا الفاسقُ قيادة الجيش في الحروب؛ لأنه يستطيع حتى ينجوبجيش المسلمين كله، والآخر من الممكن يؤدي بالجيش إلى الهلكة مع إيمانه وشجاعته.

كانت مسقطة الجسر في 23 شعبان 13هـ ، وكان أبوعبيد قد وصل إلى العراق في ثلاثة شعبان، وكانت أولى حروبه النمارق فيثمانية من شعبان، ثم السقاطية في 12 من شعبان، ثم باقسياثا في 17 من شعبان، ثم هذه المسقطة في 23 من شعبان، فخلال عشرين يومًا من وصول أبي عبيد بجيشه انتصر المسلمون في ثلاث معارك، وهُزموا في معركة واحدة قضت على نصف الجيش، ومن بقي فرَّ، ولم يبق مع المثنى رضي الله عنه غير ألفين من المقاتلين. وأوفد المثنى بالخبر إلى المدينة مع عبد الله بن زيد، وعندما يصل إلى المدينة يجد عمر بن الخطاب على المنبر فَيُسِرّ إليه بالأمر نظرًا لصعوبته على المسلمين، فيبكي عمر رضي الله عنه على المنبر، وكان لا بد حتى يفهم المسلمون حتى يستنفر الناس للخروج مرة أخرى لمساعدة بقايا الجيش الموجودة في العراق، وبعد حتى يبكي يقول: رَحِمَ الله أبا عبيد! لولم يستقتل وانسحب لكُنَّا له فئة، ولكن قدَّر الله وما شاء عمل. ويأتي بعد ذلك إلى المدينة الفارون والهاربون من المعركة يبكون أشد البكاء، يقولون: كيف من الممكن أن نهرب؟! وكيف نفر؟!

وكان هذا الأمر يمثِّل للمسلمين الخزي والعار، ولم يتعودوا قبل ذلك على الفرار من أعدائهم، لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطمئنهم ويقول لهم: إنني لكم فئة، ولا يُعَدُّ هذا الأمر فرارًا. وظل رضي الله عنه يحمسهم ويحفزهم، وكان معهم معاذ القارئ وكان أحد مَن فرُّوا، وكان يَؤُمُّ المسلمين في التراويح، فكان حدثا قرأ آيات الفرار من الزحف يبكي وهويصلي، فيطمئنه عمر رضي الله عنه، ويقول له: إنك لست من أهل هذه الآية.


المصادر

  • مسقط سيرة الاسلام - فتح العراق

المصادر والمراجع

  • الطبري، أبي جعفر، محمد بن جرير، (تاريخ الأُمَم وَالمُلُوك) ، المجلد الثاني، مؤسسة عزالدين، بیروت، لبنان، عام 1985 للميلاد.
  • الحموی، یاقوت، أبوعبدالله، (مُعجَم اَلبُلدان) ، دار الکتب الفهمیة، بیروت، لبنان، المجلد الأول سام 1990 للميلاد.
  • النجار، عبد الوهاب، (الخلفاء الراشدون) ، المکتب الإسلامی، بیروت، عام 2002 للميلاد.
  • محمد، رضا، (تاريخ الخلفاء) ، دار الکتب الفهمیة، بیروت، لبنان، المجلد الأول، عام 1977 للميلاد.
  • شاکر، محمود، (التّاریخ الإسْلامَی) ، المکتب الإسلامی، بیروت، سنة 1985 للميلاد.
  • محمد، رضا، (أبوبكر الصديق) (أول الخلفاء الراشدين)، المکتب الإسلامی، بیروت، سنة 1985 للميلاد.
  • الكامل في التاريخ.
  • دكتر: رازی، عبد الله، (تاریخ کامل ایران) من تأسيس سلسلة ملوك ماد، إلى سلسلة ملوك القاجارية’، طبع عام 1363 الشمسية (فارسي).

انظر ايضا

  • معركة عين التمر
  • معركة الحيرة
كبرى المعارك الإسلامية

معركة الحيرة| معركة عين التمر | معركة الانبار | معركة الولجة | معركة أليس | معركة عين التمر | معركة دومة الجندل | معركة ذات السلاسل | معركة نهاوند | مسقطة الجمل | معركة النهروان | سقطة صفين| معركة أجنادين | معركة البويب | مسقطة الجسر | معركة الحاضر (قنسرين) | معركة اليرموك | فتح دمشق | فتح بيت المقدس | فتح مصر | معركة بيسان | معركة اليمامة | معركة بزاخة | معركة الفراض | معركة القريتين | معركة المضيح| معركة الثني | معركة الزميل | فتح بصرى | معركة مرج راهط | مسقطة جلولا | معركة فحل | فتح المدائن | فتح حمص | معركة القادسية | فتح حلب | فتح الأندلس | فتح بلاد السند | معركة عمورية | واقعة الحرة|معركة حطين | معركة عين جالوت | فتح القسطنطينية

تاريخ النشر: 2020-06-04 09:50:43
التصنيفات: 634, معارك الخلفاء الراشدين, معارك الساسانيون, الفتح الإسلامي لفارس, معارك العرب, فتوحات إسلامية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اليوم السابع: "حوار.. إفراج.. تمكين" مصر تتسع للجميع

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:06
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 49%

قرار جديد من «فيريرا» قبل مباراة الزمالك وسيراميكا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:21:44
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

لافروف يجتمع مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الإثنين

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:27
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 57%

الكرملين: لا خطط لعقد محادثات هاتفية بين بوتين وبايدن حاليًا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:46
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 61%

آلاف من رسائل الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي تجتاح تويتر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:02
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 47%

تكليف جيورجيا ميلونى بتشكيل الحكومة الجديدة فى إيطاليا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:10
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 43%

مؤتمر « أرتيتا» قبل مواجهة آرسنال وساوثهامبتون

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:21:48
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

«جابرييل» يوقع عقده الجديد طويل الأمد مع أرسنال

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:21:48
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 55%

ارتفاع العائد على السندات الخمسية الأمريكية لأعلى مستوياته م

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:22
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال في مناطق متفرقة بالضفة الغ

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:52
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 64%

بلينكن: لا إشارات على رغبة روسيا في الانخراط بالدبلوماسية بش

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:38
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 53%

بوساطة مغربية.. الفرقاء الليبيون يوقعون على اتفاق هام بالعاصمة الرباط

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:23:37
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 78%

43.9 مليار دولار خلال 2021/22.. طفرة بصادرات مصر آخر 8 سنوات (إنفوجراف)

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:05
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 40%

حاويات التوابل فى مطبخك تحمل عدوى السالمونيلا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:03
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 42%

لبنان يعلن انتشار وباء الكوليرا في عدة مناطق.. وتسجيل وفيات

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:19
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

وزير الطاقة السعودي يجري محادثات مع نظيريه الصيني والهندي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-21 21:22:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

تحميل تطبيق المنصة العربية