حفلة الشاى المصرية (مقال)

عودة للموسوعة

حفلة الشاى المصرية (منطق)


حفلة الشاي المصرية

للمحررة:توجان فيصل


في لقاء مع فضائية الجزيرة, قدم الأستاذ محمد حسنين هيكل تفاصيل عن ملف تصدير الغاز المصري لإسرائيل, باعتبارها عينة من تعقيدات تقابل مطالب الثورة التي منها وقف تصدير الغاز لإسرائيل, أوإعادة النظر في أسعار التصدير لتصبح منصفة للشعب المصري. تعقيدات "تتداخل فيها السياسات الخارجية لمصر بالسياسات الداخلية"، بحيث يصعب التعامل معها باعتبارها قرارا يمكن للشعب فرضه الآن على الحكومة التي أتى بها بعد الثورة.

ومصدر تلك التعقيدات, حسب الأستاذ هيكل, هونص عقد تصدير الغاز لإسرائيل, السري لحينه والذي تكشف أمره للأستاذ هيكل حديثا, وتضمن شروطا طويلة الأجل فيما يتعلق بثبات الأسعار وتلبية الزيادة التي ستنشأ في الاستهلاك الإسرائيلي للغاز كمصدر طاقة للصناعة بالذات.

وتوقف الأستاذ هيكل عند ما عده أصعب عقدة في نص ذلك العقد, وهوربط إسرائيل له باتفاقية كامب ديفيد, وهوما يعتقد هيكل حتى القصد منه حتى تكون أميركا ضامنة لحق لإسرائيل في مواصلة الحصول على الغاز وبتلك الشروط, كون أميركا سقطت كامب ديفيد "ضامنة" لتلك الاتفاقية، بمعنى حتى هناك معضلة مع أميركا ستظهر لوانصاعت الحكومة المصرية فورا لمطالب الشارع.

ونتوقف لنناقش عقدة اتفاقية تصدير الغاز المصري, ليس لذاتها فحسب, بل كما عمل الأستاذ هيكل كعينة من علاقات وسياسات مصر ما بعد الثورة, ونعرض رؤيتنا التي لا تحمل ذلك القدر من تخوفات الأستاذ هيكل, ولا تجد أي تعقيدات كبرى بل ترى إمكانية تغيير الكثير من تلك السياسات, بل ووجوبها, مستندين إلى مرجعيات أهمها:

""

في قضية تصدير الغاز لإسرائيل, هناك حكم للمحكمة الإدارية بوقفه لم تقبل حكومة مبارك الأخيرة تطبيقه في تعد صريح على سيادة القانون " "


أولا: الشرعية

وهي تعني باختصار حتى من يسقط اتفاقية باسم أي شعب (أوجماعة أوحتى فرد) يجب حتى يتمتع ابتداء بشرعية تخويلية. وغني عن القول إذا حكم مبارك كان أبعد ماقد يكون عن الشرعية في جميع مكوناته, الرئاسية والحكومية والبرلمانية, التي لم يأت أي منها عن طريق انتخاب سليم، بل إذا المرجعية القانونية لتلك الشرعية, وهي الدستور المصري, ليست مثلومة فحسب, بل غائبة، فلا أميركا ولا إسرائيل نفسها يمكن حتى تزعم حتى النصوص والأحكام التي كانت تعدّل لتطابق ما عمله مبارك أوما ينوي عمله, يرقى لما يمكن حتى يسمى دستورا. بينما في قضية تصدير الغاز لإسرائيل, تحديدا, هناك حكم للمحكمة الإدارية بوقفه لم تقبل حكومة مبارك الأخيرة تطبيقه في تعدّ صريح على سيادة القانون.


ثانيا: الثورة

وبالذات كالتي جرت في مصر واستأصلت النظام السابق كليا, هي في علوم وممارسات السياسة تغيير جذري يستحيل حتى يطلب فيه من العهد الجديد الالتزام بتعهدات سابقة في أي موضوع تتعارض فيه المصلحة الوطنية مع تلك الالتزامات.

وأقصى ما تمليه القوانين والمواثيق الدولية الحديثة هوعدم الاعتداء على دولة أخرى, فهما بأن إسرائيل هي من تخرقه، لأنها كانت ولا تزال المعتدي بشهادة قرارات دولية لم تلبث إسرائيل وأميركا وحلفاؤهما حتى يعمدوا لتمييعها بزعم حتى هناك "أمرا واقعا جديدا" فرضه الاحتلال على الأرض المحتلة. فيما الأمر الواقع الجديد في مصر فرضه الشعب المصري على أرض مصر.

ويجدر التذكير هنا بأن إسرائيل تتنكر لأي التزامات قبلت بها بمجرد حتى تأتي انتخاباتها بحكومة مختلفة. وكعينة من هذا نورد ما سمي بـ"وثيقة رابين" التي لم يقبل جميع رؤساء الكيان الصهيوني الذي أتوا بعد رابين, سواء من العمل أوالليكود, الالتزام بها في شأن لا يزيد عن "مواصلة المفاوضات" مع سوريا, وليس في "تطبيق" أي شيء عملي ملموس.

وكون الأمر لدى الكيان الصهيوني أغلبه "تكتيك" يوزع فيه قادتهم الأدوار لاستخلاص أكبر قدر من التنازلات العربية دون حتى يقدموا شيئا لقاءها, يزيد من أحقية الشعب المصري في تغيير سياساته بتغير الساسة الذين كانت الإطاحة بهم ضرورية ولأسباب جذرية، منها تلك العلاقة غير المتكافئة مع إسرائيل.


ثالثا: السيادة

والتي هي أبرز متطلبات ودلائل استقلالية الدولة, هي للشعب. ولذلك فإنه في القانون الدولي, إذا احتلت أراضي دولة بالكامل وبما يستحيل معه إقامة حكومة مستقلة عملا, تعود السيادة للشعب.

ولهذا نجد أنه حتى أعتى الديكتاتوريات لم تعد تملك حتى تتصرف في شأن سيادي رئيس دونما موافقة شعبية, أوعلى الأقل دون زعمها. ولأن السيادة للشعب وحده, يشترط لقبول الاتفاقيات الدولية وتسجيلها في الأمم المتحدة, موافقة مجالس نيابية عليها، وهوأيضا ما يطلبه الطرف الآخر في الاتفاقية لضمان مكتسباته منها.

""

يجري في عالمنا العربي استبقاء مجالس نيابة مطوّعة أوإعادة مجالس كانت مغيبة, عن طريق التزوير لإنتاج مجالس مطواعة تمرر التنازل حتى عن حقوق سيادية " "

ولهذا (سواء رافقه ضغط شعبي باتجاه الدمقرطة أم غاب عنه) يجري في عالمنا العربي استبقاء مجالس نيابية مطوعة أوإعادة مجالس كانت مغيبة, ولكن بتزوير الانتخابات بوسائل تسمى قانونية أودستورية, أوبالتدخل بمجريات الانتخابات بما يتجاوز القوانين وحتى تعديلات الدستور المفصلة لإنتاج مجالس مطواعة تمرر التنازل حتى عن حقوق سيادية.

إلى غير ذلك جرى تمرير اتفاقية "كامب ديفيد". ولكن حتى لوقبلنا بالشرعية المزيفة التي أضفيت على كامب ديفيد من "مجلس شعب" لا يمثل الشعب المصري, فإن تلك الشرعية لا تمتد لاتفاقيات لاحقة تلصق بكامب ديفيد، فذلك المجلس سقط على ما قدم له حينها, ولم يتضمن ما قدم له صفقة الغاز بنصها هذا.


رابعا: أي صفقة تقوم على رشوة أويشوبها فساد

من أي نوع, حتى لوتوفرت لها مقومات التوكيل الشرعية والتواقيع السيادية السليمة, تعد لاغية قانونا. وتؤكد على ذلك اتفاقيات مكافحة الفساد الدولية كما الاتفاقيات الإقليمية, ومنها الاتفاقية الأوروبية, والاتفاقية الأميركية التي تضم الولايات المتحدة وكندا وبعض دول أميركا الجنوبية.

ويصل الأمر حد إلزام قضاء أي قطر عضوفي الاتفاقيتين, حكومته أوحتى إحدى شركاته طرف في اتفاقية مع أية جهة أخرى, بأن تفتح تحقيقا حال إعلامه بوجود رشوة أوأي شكل من أشكال الفساد, ويمكن حتىقد يكون الإبلاغ من أي جهة, ولوكان إنسانا فردا.

وهنالك قضايا سجلت بنادىوى فردية جهد ويجهد مسؤولوالدول العربية المتهمة لإطفائها بصفقات تعويضات, من المال العام, تفوق قيمتها كثيرا. وغني عن القول إذا هكذا إطفاء يستحيل حتى يتم حينقد يكون المشتكي شعبا بأسره. وهذا ما يحدث في مصر الآن بشأن اتفاقية الغاز التي ثبت حتى جمال مبارك وبعض وزراء أبيه وشركائه من "رجال الأعمال" قد تلقوا رشا بمئات الملايين تحت مسمى عمولات لإبرام الصفقة بأسعار مجحفة, في حين يقابل الشعب نقصا في الغاز وإمكانية فرض ضريبة طاقة عليه كأفراد وعلى صناعاته، فهل ستفرض على الشعب المصري ضريبة لصالح رفاه إسرائيل وشعبها, وهل سيلزم نواب الشعب المصري المنتخبون لمجلس الشعب القادم بفرض تلك الضريبة أويمنعون عن رفضها بما تمليه أوضاع وحاجات الاقتصاد المصري ورفاه شعبه؟!

وهذا ما يؤدي بنا للنقطة الخامسة التي تتناول مدى قدرة الولايات المتحدة الأميركية, تحديدا دون دول العالم كله, على زعم أية شرعية لتدخلها "لضمان" استمرار تدفق الغاز المصري لإسرائيل, بشروط وأسعار العقد القائم أوبأي شروط أوحتى إغراءات ثمنية جديدة يختار الشعب المصري رفضها، الذي هوالتخوف الذي أورده الأستاذ هيكل باعتباره من تعقيدات تداخل السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية بعد الثورة المصرية.

فأميركا هنا هي آخر من يحق له التدخل, ويمكن لقاءتها بشعبها نفسه لوعملت, لأنها بهذا التدخل تكون قد نقضت شرعية "ثورتها" التي أنتجت قيامها كدولة مستقلة، فثورة الأميركان, مع حتى أغلبهم كانوا من أصول بريطانية, على حكم بريطانيا قامت نتيجة اعتراضهم على أحقية بريطانيا في فرض ضريبة على الشاي المورد حكريا عبر "شركة الهند الشرقية" البريطانية لصالح خزينتها, في حين ألغت تلك الضريبة عن مواطني بريطانيا.

وسبب الإلغاء هونفس سبب رفض الأميركان إنزال حمولة سفينتين منه في ميناء بوسطن, وهوحتى الشاي كان يتوفر بثمن أقل 25% (قيمة الضريبة التي كانت الحكومة البريطانية فرضتها على جميع مستوردات شركة الهند الشرقية من الشاي لقاء عقدها الاحتكاري) للبريطانيين عبر تهريب مستوردات شركات أخرى من دول أوروبية مجاورة, وكان يتوفر مثله لسكان المستعمرة الأميركية عبر توريد بالتهريب.

وإعفاء بريطانيا لمواطنيها, لتجنب خسارة الشركة للسوق المحلي, وإبقاء تلك الضريبة على سكان المستعمرات, أدى لجدلية في أميركا حول حق نواب بريطانيين لم ينتخبهم سكان المستعمرات في فرض ضريبة عليهم، كان ذلك المبدأ الديمقراطي الأول الذي ولج لاحقا الدستور الأميركي كحق أساسي للشعب غير قابل للتغيير.

""

أميركا هي آخر من يحق له التدخل في صفقة الغار لإسرائيل, ويمكن لقاءتها بشعبها نفسه إذا عملت, لأنها بهذا التدخل تكون قد نقضت شرعية "ثورتها" " "

رفض الأميركان تنزيل شحنة الشاي في ميناء بوسطن, وفي اللقاء رفض الحاكم البريطاني لولاية مساشوستس رد الشحنة, دفعت بالشعب الأميركي لإلقاء تام حمولة السفينتين من الشأي في مياه الأطلسي, بما صبغ المياه المحيطة ببوسطن بلون الشاي, ولهذا سمي أول عمل ثوري على الحكم البريطاني بـ"حفلة الشاي في بوسطن".

كان ذلك في الأيام الأخيرة من العام 1773, ولم يكن أحد يدرك حينها حتى هذه أول خطوة في ثورة شاملة على الحكم البريطاني. ولكن عناد بريطانيا وإغلاقها ميناء بوسطن إلى حين قيام سكان المستعمرة الأميركية بتعويض شركة الهند الشرقية عن خسائرها, أدى لاندلاع ثورة التحرير الأميركية قرب بوسطن في العام 1775. وفي العام 1776 اتى "إعلان الاستقلال" الذي من بين مبادئه المعدودة الثابتة في أميركا كنص مقدس, حق الشعوب في "الثورة".

لهذا نقول إنه لا تعقيدات سياسية خارجية ولا مشاكل في قيام مصر بإلغاء اتفاقية الغاز مع إسرائيل. وفي حال تجرأت إسرائيل على زعم حقها في تعويضات, وتجرأت أميركا على دعمها, فكل ما على الشعب المصري الثائر الحر عمله هوبتر أنبوب الغاز الواصل لإسرائيل وتحويله لإقامة "حفلة شاي مصرية".. وكلنا نعهد حتى إخوتنا المصريين يحبون الشاي, ويحبونه "ثقيلا", فلا يستهينن أحد بهم!

المصدر: الجزيرة

تاريخ النشر: 2020-06-04 10:00:24
التصنيفات: مقالات الجزيرة, الجزيرة, الثورات العربية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الحكومة تصادق على تعديل النظام الأساسي للوظيفة العمومية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-16 18:23:40
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 81%

القصبي يبحث سبل تعزيز الشراكة الاقتصادية مع واشنطن السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-06-16 18:23:12
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 64%

وزير الشؤون الإسلامية يدشن 5 مشاريع في العاصمة المقدسة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-06-16 18:23:11
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 52%

بعد ادانة قتلة والده بالمؤبد..الحريري:حزب الله مجرم - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-16 18:23:09
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

كوفيد-19 : 1568 إصابة جديدة وأزيد من 6 ملايين و500 ألف ملقح بالكامل

المصدر: MAP ANTI-CORONA - المغرب التصنيف: صحة
تاريخ الخبر: 2022-06-16 18:23:18
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 99%

الجمعية العامة تقبل استقالة شرف الدين عمارة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-16 18:24:00
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 52%

رئيس الحكومة يستقبل وزير خارجية المملكة العربية السعودية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-16 18:24:13
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

تحميل تطبيق المنصة العربية