الحفلات الحربية في عصر محمد علي
كان للانباء التي اتىت بفتح الدرعية وانتهاء الحرب الوهابية اثر ابتهاج عظيم في مصر، وقوبلت باحتفلات بالغة وصفها الجبرتي بقوله:
"في سابع ذي الحجة سنة 1233 (أكتوبر سنة 1818) وردت بشائر من شرق الحجاز بمراسلة من عثمان أغا الورداني امير الينبع بان ابراهيم باشا استولى على الدرعية والوهابية، فانسر الباشا لهذا الخبر سرورا عظيما، وانجلى عنه الضجر والقلق، وانعم على المبشر، وعند ذلك ضربوا مدافع كثيرة من القلعة والجيزة وبولاق والازبيكة، وانتشر المبشرون على بيوت الاعيان لأخذ البقاشيش، وفي ثاني عشر وصل المرسوم بممحررات من السويس وينبع ، وذلك قبيل العصر، فأكثروا من ضرب المدافع، وصادف ذلك شنك ايام العيد، وعند ذلك امر بعمل مهرجان وزينة داخل المدينة وخارجها وبولاق ومصر القديمة والجيزة، وشنك على بحر النيل تجاه الترسانة ببولاق".
وتجددت الحفلات في شهر محمر سنة 1234 (نوفمبر سنة 1818) لمناسبة ورود تفاصيل الفوزات التي نالها ابراهيم باشا، واسهب الجبرتي في وصف تلك الحفلات مما يدلك على فخامتها وبهائها.
فقد نودي بزينة المدينة سبعة أيام، ونصبت السرادقات خارج باب النصر، ومن بينها سرادق محمد علي باشا وباقي الأمراء لمشاهدة الحفلات، وهي مناورات حربية تتخللها حركات فروسية قام بها الخيال والمشاة، واقترنت باطلاق المدافع بكثرةهائلة بحيث يتخيل الانسان اصواتها مع اصوات بنادق الخيالة المترامحين رعودا هائلة". وفي الليل كانت توقد المصابيح والمشاعل، وتطلق الصواريخ والحراقات ، وتضرب المدافع.
وبعد انقضاء السبعة الأيام اعدت حفلات أخرى في جهة بولاق تختلف في نظامها واوضاعها عن حفلات باب النصر، فهذه كانت برية ، أما حفلات بولاق فكان ميدانها النيل وشاطئيه، ولعلها لذلك كانت ابدع واروع، فقد استؤجرت الاماكن المطلة على البحر باجور مرتفعة لتزاحم الناس على مشاهدتها واستجلاء مناظرها، وكان قوام الحفلات مناورات بحرية تقوم بها السفن والمراكب تمثل فيها المعارك البحرية، ولبست بولاق حلة من الرونق والبهاء، واقبل الناس من جميع صوب لمشاهدة معالم الزينة "وزين أهالي بولاق اسواقهم وحوانيتهم وأبواب دورهم، ودقت الطبول والمزامير والنقرازانات في السفائن وغيرها، وطبلخانة موسيقى الباشا تضرب في جميع وقت، والمدافع الكثيرة تضرب في ضحوة جميع يوم وعصره وبعد العشاء، وتوقد المشاعل وتعمل أصناف جميع الحراقات والصواريخ والنفوط، وتتقابل القلاع المصنوعة على وجه الماء، ويرمون منها المدافع على هيئة المتحاربين".
ومن الممكن أنك تلحظ من التامل في وصف الجبرتي لهذه الحفلات انها فاقت في جلالها وفخامتها جميع ما تقدمها من الحفلات في مختلف المناسبات، ولم نجد فيما وصفه بعد ذلك من الحفلات لغاية انتهاء كتابة (سنة 1821) ما يدانيها في الروعة والبهاء، وهذا يدلك على عظم تقدير الشعب للفوزت الحربية وما تستثيره في النفوس من روح الفخر والعزة، ولا جرم ان الحفلات الحربية هي مظهر من مظاهر تقدم الشعوب وتقديرها لمفاخرها القومية وتكريم الفضائل والاخلاق الحربية، فالحفلات التي وصفها الجبرتي تنطوي على هذه المعاني السامية، وليس عجبا ان تحتفل مصر بفتح الدرعية فان فتحها هواعظم فوز نالته في اول حرب خارجية خاضت غمارها في تاريخها الحديث، فالدرعية هي عاصمة الوهابيين، وبفتحها توجت حرب شاقة دامت سبع سنوات وكللت بالنصر والظفر.
المصادر
- ^ الرافعي, عبد الرحمن (2009). عصر محمد علي. القاهرة، مصر: دار المعارف.