هولندا الإسپانية

عودة للموسوعة

هولندا الإسپانية

الأراضي الواطئة الاسبانية

هولندا الإسپانية
Spaanse Nederlanden
1556–1714
فهم الأراضي الواطئة الإسپانية
Coat of arms
الأراضي الاسبانية في اوروبا في 1580. اللون الأخضر يبين الأراضي الواطئة
اللغات الشائعة الهولندية، الفرنسية،
الاسبانية والالمانية
الدين الكاثوليكية الرومانية
الحكومة ملكية
سيد الأراضي الواطئة  
• 1556-1598
فليپه الثاني
• 1598-1621
فليپه الثالث
• 1621-1665
فليپه الرابع
• 1665-1700
كارلوس الثاني
• 1700-1711
فليپه الخامس
• 1711-1714
ماكسمليان الثاني من باڤاريا
التاريخ  
• كارلوس الخامس يمنح الأراضي الواطئة لابنه فليپه الثاني.
16 يناير 1556 1556
• الكاثوليك يشكلون اتحاد أراس
5 يناير 1579
• المقاطعات المتحدة تعلن استقلالها عن ملك اسبانيا
15 يناير 1581
• بعد معاهدة اوترخت انضوت تحت السيادة النمساوية.
25 مايو, 1714 1714
Area
1570 75,000 kم2 (29,000 ميل2)
التعداد
• 1570
1500000
Currency ريال اسباني
Preceded by
Succeeded by
المقاطعات السبعة عشر
المقاطعات المتحدة للأراضي الواطئة
البلاد الواطئة النمساوية

الأراضي الواطئة الإسپانية (بالهولندية: Spaanse Nederlanden، بالاسبانية: Países Bajos españoles؛ بالإنگليزية: Spanish Netherlands) هي الأراضي الحالية لدول هولندا ولوكسمبورگ وبالذات بلجيكا والتي كانت تحت حكم الملك الاسباني. هذه الفترة والفترة تحت حكم النمسا تسميان معاً الأراضي الواطئة الهابسبورگية. وعموماً فهذه الفترة عادة ما تؤرخ بين 1556، عندما منح كارلوس الأول من اسبانيا، الذي هوأيضاً شارل الخامس، الامبراطور الروماني المقدس هذه الأراضي لابنه فليپه الثاني ملك اسبانيا مع الممالك الهسپانية، وبين عام 1714 عندما فقدت اسبانيا بعد معاهدة اوترخت السيادة على أراضيها الاوروبية بما فيها الأراضي الواطئة، التي انضوت حت الحكم النمساوي. لاحظ أيضاً أنه أحياناً يؤرَخ لبداية هذه الفترة باستقلال المقاطعات المتحدة للأراضي الواطئة في 1581.

وتألفت هولندا الإسپانية من:

  • مقاطعة فلاندرز, وتضم فلاندرز والونز الفرنسية
  • كونية أرتوا
  • مدينة تورناي
  • كمبراي (تقريباً قسم نورد والنصف الشمالي من پا-ده-كاليه في فرنسا المعاصرة)
  • دوقية لوكسمبورگ
  • دوقية ليمبورگ
  • كونتية هينو
  • كونتية نامور
  • لوردية مشلن (رسمياً كونتية منذ 1490)
  • دوقية برابانت
  • الحي الشمالي (Bovenkwartier) في دوقية گلدرز (حول ڤنلوورورموند, في المقاطعة الهولندية الحالية لمبورگ, وبلدة گلدرن في المنطقة الألمانية الحالية كلفه)

العاصمة كان مدينة بروكسل في بربانت.


شارل الخامس من إسپانيا

اتحاد اوترخت واتحاد أراس (1579).


فيليپ الثاني من إسپانيا

في يوم 25 أكتوبر 1555 نقل الإمبراطور شارل الخامس منطقيد الحكم في الأراضي الوطيئة إلى ابنه فيليب، وفي السادس والعشرين، وأمام الجمعية التشريعية في بروكسل، تلقى فيليب أيمان الولاء، وأقسم بدوره حتى يحافظ على حقوق المقاطعات السبعة عشر وامتيازاتها، وفق ما تقضي به التنطقيد والمعاهدة والقانون ولقد هيأت هذه العهود والمواثيق المتبادلة المسرح لإحدى المسرحيات الكبرى في تاريخ الحرية. وكان المشهد معقداً. كانت الأراضي الواطئة آنذاك تضم بلجيكا الحالية ومملكة هولندا القائمة الآن. ولم تكن الهولندية- وهي أصلاً إحدى اللهجات الألمانية السائدة في وهاد شمال ألمانيا والأراضي الواطئة- وهي اللغة التي تتحدث بها المقاطعات السبع الشمالية (وهي هولندة، زيلندة، أوترخت، فريزلند، جروننجن، أوفريجسل، جلالند، فحسب، بل كانت كذلك لغة أربع مقاطعات أخرى (هي فلاندرز، برابانت، مكلين، لمبرج) في شمالي "بلجيكا"، على حين كانت "الوالون"- وهي إحدى اللهجات الفرنسية- هي اللغة لتي يتحدث بها الأهالي في ست مقاطعات جنوبية (هي أرتوا، وألون، فلاندرز، كمبراي، تورني، اينو، نامور). وكانت هذه المقاطعات كلها، بالإضافة إلى دوقية لكسمبرج المجاورة، تحت حكم آل هبسبرج.

فليپه الثاني من إسپانيا.

وكانت الكاثوليكية(1) هي ديانة الأغلبية الساحقة من الأهالي في 1555 ولكن- كاثوليكيتهم- كانت من النوع العطوف الموسوم بالروح الإنسانية الذي نادى به أرزم قبل ذلك بنصف قرن من الزمان، والذي كانت تدين به روما في عصر النهضة بصفة عامة، وليست من ذلك النوع الكئيب المتشدد من الكاثوليكية الذي ساد في أسبانيا لعدة قرون كانت تحارب فيها المسلمين "الكفار". وبعد 1520 تسربت اللوثرية وممضى القائلين بتجديد عماد البالغين ورفض عماد الأطفال من ألمانيا، تسربت بعد ذلك بشكل أكبر الكلفنية من ألمانيا وسويسرا وفرنسا. وحاول شارل الخامس حتى يقضي على غارات هذه المذاهب الغربية التي أقحمت عليه كاثوليكيته، بإدخال محاكم التفتيش البابوية أوالأسقفية، وبنشر إعلانات تتوعد بأشد العقوبة أي انحراف خطير عن الكاثوليكية السليمة. ولكن قلَّ حتى نُفِذت هذه العقوبات بعد حتى أضعف صلح باسو1552 من قوته. وفي روتردام 1558 تمكن حشد من الأهالي من إنقاذ عدد من أنصار تجديد العماد من الإعدام حرقاً. فجزع فيليب لتفاقم الهرطقة وجدد نشر الإعلان عن العقوبات. وساد الخوف من أنه يعتز إدخال محاكم التفتيش الأسبانية بكل ما فيها من قسوة ونكال.

كان ممضى كلفن يلتئم جميع الالتئام مع عنصر الروح التجارية "المركنتلية" في النظام الاقتصادي وكان ثغرا أنتورب وأمستردام هما المركز الرئيسي لتجارة شمال أوربا، وكانا ينبضان بالحياة بفضل التصدير والاستيراد والمضاربة وسائر ألوان المعاملات المالية، حتى حتى التأمين وجده عاد بأوفر الثراء على 600 من وكلائه(2). وجرت في انهار الراين وماسي وأيسل- وشلدت ووال وليس إلى جانب مئات من القنوات- جرت في هذه كلها مجموعة متنوعة كبيرة من سفن النقل، وأذكت التجارة روح البراعة من المهن والصناعات في بروكسل وغنت واييرس وتورني وفالنسين ونامور ومكلين وليدن وأوترخت وهارلم. ونظر رجال الأعمال الذين تحكموا في هذه المدن بعين الإجلال والإكبار إلى الكاثوليكية على أنها ركيزة دعمتها التنطقيد للاستقرار السياسي والاجتماعي والروحي، ولكنهم لم يسيغوا سلطانها الكهنوتي بأبهته وفخامته. كما أحبوا الدور الذي تهيئه الكلفنية لجمهور الفهمانيين المتفهمين، في إدارة المجامع والسياسة الكلفنية. وكرهوا بصفة أخص الضرائب التي فرضتها الحكومة الأسبانية على اقتصاد الأراضي الواطئة.

وسقط على الفلاحين أفدح الغرم وأصابوا أقل الغنم من الثورة. ذلك حتى معظم الأراضي كان ملكاً لذوي النفوذ والمكانة الذين كانوا أقرب شبها بأمراء الإقطاع في ألمانيا وفرنسا، وهؤلاء هم الذين نظموا الكفاح من أجل الاستقلال. فكان فيليب دي مونموارنس، كونت هورن، يمتلك أراضي شاسعة في المقاطعات الجنوبية. كما كان لكونت اجمونت لامورال، ضياع واسعة في فلاندرز ولكسمبرج، فكان مركزه يخول له حتى يطلب يد دوقة بافاريه، وحارب في عدة حملات ببسالة فائقة حتى أصبح أُيراً لدى شارل وفيليب، وهوالذي قاد جيش فيليب إلى النصر في سانت كوبتن (1557).وأظهر في قصره الفخم من ضروب الإسراف والكرم الباذخ ما ورطه الدين. ونظر مثل هؤلاء الرجال، ونبلاء كثيرون آخرون أقل منهم شأناً، نظروا في شره ونهم إلى ثروة الكنيسة، وسمعوا والحسد يملأ قلوبهم بالبارونات الألمان الذين أثروا بالاستيلاء على أملاكها(3). واتجه تفكيرهم إلى حتى الملك يحسن صنعاً لوأنه اقتطع من- أملاك الكنيسة أجزاءً معقولة يخصصها لقيادات عسكرية "وبذلك يخلق" أسلحة فرسان رائعة...في مكان هذه الجماعة الخاملة من الأبيقوريين المنغمسين في ملذات الطعام والشراب والذين لا شغل لهم إلا "التسبيح"(4).

أما أكثر كبار الملاك قدرة وكفاية وثراء فكان وليم ناسو، أمير أورانج وكان للأسرة أملاك شاسعة في المقاطعة الألمانية "هسه ناسو"، وفي الأراضي الواقعة حول ڤيسبادن، كذلك في الأراضي الواطئة، على حين اشتق لقب الأسرة من إمارة اورانج الصغيرة في جنوب فرنسا. ولما كان وليم قد رأى النور في دلنبرگ الألمانية (1533) فإنه نشأ على ممضى لوثر حتى بلغ الحادية عشر من عمره، وحينئذ أنتقل إلى بروكسل وتحول إلى الكاثوليكية حتىقد يكون له الحق في أملاك ابن عمه رينيه. وقد أحب به شارل الخامس، وزقابل من آن دوقة أجمونت (وارثة كونت بورن) وأختاره ليكون بين كبار من شهدوا تنازله التاريخي عن العرش (1555) وأوفده فيليب- وكان وليم آنذاك شاباً غض الأهاب لم يجاوز الثانية والعشرين، ولكنه كان يتقن الفلمنكية والألمانية والأسبانية والفرنسية والإيطالية- بين مبعوثيه للمفاوضة في عقد صلح كاتو- كمبرسيس، وهناك تميز وليم بسداد الرأي وقوة الحجة وشدة الحرص في الكلام حتى لقبه الفرنسيون "بالصامت". وعينه فيليب عضواً في مجلس الدولة، وفارسان من فرسان الجزة المضىية، ونائباً للملك في هولندا وزيلند وأوترخت. ولكن وليم اختط لنفسه نهجاً لم يغتفره له فيليب قط.

ولقد نعم الأمير الشاب اليافع بمزايا في شخصه كما نعم بوفرة المال، وكان فارع الطول رياضياً نحيل القوام، سحر بفصاحته وكياسته جميع الناس إلا أعداءه. وكان الإخفاق حليفه قائداً عسكرياً، أما في مجال التدبير أوالتخطيط السياسي فإن إصراره بالمرونة وشجاعته الموسومة بالثبات خلقت منه برغم نقائصه، شخصاً آخر في وجه أعتى القوى السياسية والدينية في أوربا. وساس الرجال أفضل مما قاد الجيوش، وثبت على الأيام حتى هذه موهبة أعظم. واتهمه أعداؤه بتغيير عقيدته الدينية وفق ما تقتضيه مآربه الشخصية أوالسياسية(5). وربما كان هذا سليماً، ولكن جميع الزعماء في هذا القرن استخدموا الدين- أداة للسياسة .

وعاب عليه الكثيرون تعدد زوجاته فإنه عند وفاة زوجته الأولى أخرى مفاوضات للزواج من "آن" أخرى ثرية، وهي ابنة موريس أمير سكسونيا البروتستانتي، وعقد قرانه عليها وفق الطقوس اللوثرية في 1561، ولكنه لم يعلن تحوله إلى البروتستانتية إلا عام 1753. وأصابت آن بعض لوثة من الجنون 1567، فاحتجزت في معزل مع بعض الأصدقاء ليرعوها.

وكانت ل تزال على قيد الحياة حين حصل وليم من خمسة من القساوسة البروتستانت على إذن بالزواج من شرلوت البروبونية، من الأسرة المالكة الفرنسية (1575)، وكانت قد هربت من دير الراهبات واعتنقت ممضى الإصلاح، وتوفيت شارلوت 1583. ولبس وليم الحداد عليها لمدة عام، تزوج بعده للمرة الرابعة من لويز دي كوليني لبنة أمير البحر الذي كان قد قضى نحبه في مذبحة سانت برثلميو. وعلى الرغم من هذه الزيجات- وربما كان بسببها- كان وليم غنياً بما لديه من أراضي، خاوي الوفاض من المال. وفي عام 1560 بلغت ديونه مليون فلورين(7). وغلبت عليه ذات يوم نزعة إلى الاقتصاد فطرد ثمانية وعشرين من طباخيه(8).

وتخبط فيليب بشكل هدام في التعامل مع النبلاء في الأراضي الواطئة. وأن أباه الذي نشأ وترعرع في بروكسل، عهد هؤلاء الرجال وتحدث لغتهم وساسهم في حزم. على حين حتى فيليب تربى في أسبانيا فلم يتحدث الفرنسية ولا الهولندية، وعز عليه حتى ينحني لهؤلاء الأقطاب في لباقة وسماحة، ويحترم عاداتهم وديونهم، بل أنه عبس واستاء من إسرافهم وتبذيرهم وإدمانهم على الشراب، وتبذلهم مع النساء، وتهافتهم عليهن، وفق هذا كله لم يتفهم فيليب نادىواهم في الحد من سلطانه. على أنهم بدورهم كرهوا منه كبريائه الكئيب وولعه بمحاكم التفتيش وتعيينه الأسبان المناصب التي تدر ربحا حقيقياً في الأراضي الوطيئة، وتزويد مدنهم بحاميات أسبانية. وعندا طالب بدفع الأموال هؤلاء النبلاء ورجال الأعمال، وهم الذين يشكلون الجمعية التشريعية، استمعوا- عن طريق المترجمين- في فتور إلى دعواه ودفاعه بأن والده وبأن الحروب الأخيرة قد خلفت في الخزينة عجزاً كبيراً، وتولاهم الجزع لمطالبته بمليون وثلاثمائة ألف فلورين، وبضريبة أخرى قدرها 1% على العقارات، و2% على الأموال المنقولة، ورفضوا التصديق على هذه الضرائب، ولكنهم أقروا فقط مبالغ قدروا أنها تكفي لتغطية النفقات الجارية. وبعد ثلاث سنوات من ذلك نادىهم إلى الاجتماع ثانية وطلب منهم ثلاثة ملايين جيلدر، فوافقوا، على شرط انسحاب القوات الأسبانية من الأراضي الوطيئة. فأقر هذا الشرط، ولكنه محا ما في هذا التنازل من ترضية بالحصول على إذن من البابا بإنشاء أحد عشرة أسقفية جديدة في الأراضي الوطيئة، على حتى يعين في هذه الأسقفيات رجالاً يرتضون تطبيق القوانين التي سنها والده ضد الهرطقة وعندما أبحر فيليب إلى أسبانيا في 26 أغسطس 1559- إلى غير رجعة إلى الأراضي الوطيئة- كانت قد تشكلت خطوط الصراع الاقتصادي الديني الكبير.


مارجريت بارما 1559 - 1567

تاريخ البلدان الواطئة

أسقفية لييج
985–1790

البورگندية

لوكسمبورگ
اندمجت 1441
1384–1477

هولندا الهابسبورگ
1477–1556

البلاد الواطئة الاسبانية
1556–1581
الاسبانية
المتحدة
1581–1795
1581–1713

النمساوية
1713–1790

الولايات المتحدة البلجيكية
1790
أسقفية لييج
1790–1795

النمساوية
1790–1794

الجمهورية الفرنسية

الباتاڤية
1795–1806
1795–1804

الامبراطورية الفرنسية

مملكة هولندا
1806–1810
1804–1815
 

المملكة المتحدة الهولندية
1815–1830

لوكسمبورگ

مملكة بلجيكا
منذ 1830

هولندا
منذ 1830
(في اتحاد
شخصي مع
هولندا
حتى 1890)

كان فيليب قد عين مرجريت دوقة بارما نائبة له. وهي ابنة شرعية لشارل الخامس من أم فلمنكية. وكانت قد نشأت وترعرعت في الأراضي الوطيئة، وعلى الرغم من طول مقامها في إيطاليا، فإنها استطاعت حتى تلم بالفلمنكية. إذا لم يكن بالهولندية كذلك. ولم تكن ضيقة الأفق ولا متعصبة، ولكنها كانت كاثوليكية ورعة، حرصت على حتى تغسل في الأسبوع المقدس من جميع عام أقدم اثنتي عشرة من العذارى وتمنحهن مهور الزواج. وكانت مرجريت امرأة قديرة عطوفة، ولكن عصفت بها بشكل مزعج رياح الثورة.

مارگريت من پارما.

لقد حد المستشارون الذين عينهم فيليب من سلطان مرجريت. وكان أجمونت وأورنج من بين أعضاء مجلس الدولة لديها. ومذ رأى هذان العضوان أنهما ينهزمان دائماً أمام رأى الأعضاء الثلاثة الآخرين في المجلس فإنهما امتنعا عن الحضور. وفي هذا الثالوث الناشئ برزت وسيطرت شخصية أنطوان برينوأسقف آراس. المعروف في التاريخ باسم الكاردينال دي جرانفل. وكان رجلاً كريماً وفقاً لفلسفته وتفكيره، وكان ينزع- كما تنزع مرجريت-إلى الوسائل السلمية في معالجة الهرطقة، ولكنه كان مخلصاً للكاثوليكية والملكية إلى حد تعذر معه حتى يسيغ الانشقاق أوالخلاف الديني. وقد غلت أيدي الكاردينال ومرجريت بإصرار فيليب على عدم اتخاذ أي إجراء هام إلا بموافقة الملك، وكان وصول هذه الموافقة الملكية من مدريد إلى بروكسل يحتاج عدة أسابيع. وضحى الكاردينال بشعبيته في سبيل طاعة الملك. وعارض تعدد الأسقفيات سراً، ولكنه خضع لإلحاح فيليب على حتى أربع أسقفيات لا تكفي لسبع عشرة مقاطعة. ولحظت الأقلية البروتستانتية في استياء وغضب حتى الأساقفة الجدد ينشرون محاكم التفتيش البابوية ويتشددون في إجراءاتها. وفي مارس 1563 خط أورلنج وأجمونت وهورن-وهم أنفسهم كاثوليك-خطوا إلى فيليب يتهمون جرانفل بانتهاك حرمة الحقوق الإقليمية التي تعهد الملك بالإبقاء عليها واحترامها، ورأوا حتى الكاردينال مسئول عن الأساقفة الجدد، وحضوا على عزله من منصبه. ولم تستسغ مرجريت نفسها استيلاء الكاردينال على السلطة، وتاقت إلى شيء من التراضي مع النبلاء الساخطين الذين كانوا ذوي أهمية لديها للمحافظة على النظام الاجتماعي، وأخيراً في سبتمبر 1563 أوصت هي كذلك بنقل جرانفل إلى مكان آخر. وبعد مقاومة طويلة خضع الملك، ونادى القسيس العظيم إلى التمتع بإجازة ينبتر فيها عن عمله. وغادر جرانفل بروكسل في مارس 1564، ولكنه ظل واحد من أعظم المستشارين الموثوق بهم لدى الملك. وعاد النبلاء إلى مجلس الدولة الخاص بمرجريت، وباع بعض موظفيهم المناصب وأحكام القضاء وأوامر العفو، ويبدوحتى نائبة الملك، مرجريت، شاركت في الغنائم(9).

وانتشرت محاكم التفتيش، وكان فيليب يراقبها وهوفي أسبانيا، ويشجع على استمرارها، ويبعث إلى مرجريت بأسماء الهراطقة المشتبه فيهم. وما كاد يمر يوم دون إعدام. وفي ؤ1561 أحرق جلين دي مولر في أودينارد، وأحرق توماس كولبرج في تورني، وبتر أحد أنصار تجديد العماد أرباً حتى الموت بسبع ضربات من سيف عتيق صدئ، في حضور زوجته التي قضت نحبها فزعاً من هول المنظر(10) وأثارت هذه الأعمال الوحشية حفيظة برتران لبلاس فهاجم كاتدرائية تورفي، أثناء قداس عيد الميلاد واندفع إلى المذبح وانتزع القربان المقدس من يد القسيس ووطئه بقدميه، وصاح في جمهور المصلين "أيها المضللون، هل تظنون حتى هذا هوالمسيح إلهكم ومخلصكم،يا ترى؟ " وعذب الرجل فأحرقت يده اليمنى وقدميه حتى لم يبق منها إلا العظام، وبتر لسانه، وعلق فوق نار وشوي على محصل حتى لفظ أنفاسه، وفي ليل أحرق روبرت أوجيبه وزوجته وأبناؤه لأنهم نطقوا بأن عبادة القربان المقدس ليست إلا تجديفاً وثنياً (1).

أما توركيادا الأراضي الوطيئة أول قاض للتحقيق وعضوفي محكمة التفتيش في أسبانيا "يضرب به المثل في القسوة والتعصب الذميم. فهوبيتر تيتلمان الذي بلغت أعماله من التعسف والوحشية حداً اتهمه معه مجلس مدينة بريجز-وكله من الكاثوليك-لدى مرجريت، بأنه متوحش انتزع الناس من بيوتهم وحاكمهم دون أية ضوابط قانونية، وأجبرهم على حتى ينطقوا بما يريده هو، وحكم عليهم بالإعدام، كما حتى القضاة في الفلاندز وجهوا إلى الملك فيليب كتاباً مثيراً يرجون فيه وضع حد لهذه الأعمال الشائنة. وطلبت مرجريت في شيء من الجبن إلى هذا المحقق حتى يتذرع "بالحزم والاعتدال"، ولكن الإعدام لم يتوقف. وأيد فيليب تيتلمان، وأمر مرجريت حتى تنفذ دون رحمة ولا إبطاء القرارات التي أصدرها مجمع ترنت (1564). واحتج مجلس الدولة بأن عدداً من هذه القرارات انتهك حرمة الامتيازات المعترف بها للمقاطعات، وأوقف نشرها.

وكان وليم أورانج تواقاً إلى الإبقاء على الأرض الوطيئة متحدة في سبيل المحافظة على حريتها السياسية التقليدية، فاقترح انتهاج سياسة التسامح سابقة كثيراً لعصره وأوانه. فأعرب في مجلس الدولة "أن الملك يخطئ إذا افترض حتى الأراضي الوطيئة يفترض أن تحتمل وتساند هذه المراسيم الدموية بلا حدود. ومهما كنت شديد التمسك بعقيدتي الكاثوليكية، فأني لا أقر محاولة الأمراء حتى يتحكموا في ضمائر رعاياهم، ورغبتهم في حتى يسلبهم حرية العقيدة(11) "وأنظم الكاثوليك إلى البروتستانت دمغ هذه المراسيم بالظلم والطغيان(12) وأوفد أجمونت إلى مدريد ليلتمس التخفيف من شدة هذه المراسيم، وعززت مرجريت هذا المطلب سراً. ووجه أساقفة ايبرس ونامور وغنت وسانت أومر ملتمساً إلى فيليب (يونية 1565) يرجون فيه حتى يخفف الملك المراسيم "وأن يوجه النصح إلى الشعب في شيء من الرفق والحب الأبوي، لا بالقساوة الشرعية(13)، ورد فيليب على جميع هذه الاحتجاجات بأنه يؤثر حتى يضحي بمائة ألف من الأرواح على حتى يغير سياسته(14). وفي أكتوبر 1565 أوفد توجيهاته الصريحة إلى وكلاء محكمة التفتيش:

أريد فيما يتعلق بمحكمة التفتيش حتى تطبق إجراءاتها وأحكامها...كما كان الحال من قبل، وكما تقتضيه جميع القوانين وضعية كانت أوإلهية. حتى هذا يقع من نفس أحسن مسقط. أريد منكم حتى تنفذوا أوامري. أعدموا جميع المسجونين، ولا تهجروا لهم بعد اليوم فرصة للإفلات نتيجة تقصير القضاة وضعفهم وعقيدتهم الفاسدة، وإذا قعد الجبن ببعضهم عن تطبيق المراسيم فإني استبدل بهم رجالاً أكثر جرأة وحماسة(15).

وأذعنت مرجريت لفيليب وأصدرت أوامرها بتطبيق المراسيم تطبيقاً كاملاً (14 نوفمبر 1565). وانسحب أورانج واجمونت ثانية من مجلسها. ورفض أورانج وغيره من النبلاء وكثير من القضاة تطبيق المراسيم: وانهالت نشرات البروتستانت وإعلاناتهم التي يستنكرون فيها الاضطهاد. واشتم التجار الأجانب رائحة الثورة في الجو. فبدءوا ينزحون من الأراضي الوطيئة، وأغلقت المخازن وكسدت التجارة، وخيم شبح الموت على أنتبورب وفر كثير من البروتستانت من الأراضي الوطيئة إلى إنجلترا وألمانيا. وفي إنجلترا ساعدوا على النهوض بصناعات النسيج التي نافست "المقاطعات المتحدة" في القرن السابع عشر، وقادت الانقلاب الصناعي في القرن الثامن عشر.

واعتنق كثير من صغار النبلاء المذاهب البروتستانتي خفية. وفي ديسمبر 1565 اجتمع بعض هؤلاء-لويس كونت ناسو(وهوالشقيق الأصغر الشهم أوليم)، وفيليب فان مارنكس أمير سانت ألديجوند، وأخوه جان فان مارنكس أمير تولوز، وهندريك كونت بردرود، وغيرهم اجتمعوا في قصر كولمبرج في بروكسل، وحرروا "وثيقة" يستنكرون فيها إدخال محاكم التفتيش إلى الأراضي الوطيئة، وشكلوا عصبة تعهدت بإخراجها من البلاد. وفي إبريل 1566 سار 400 من صغار النبلاء إلى قصر مرجريت وقدموا لها "ملتمساً" بأن تطلب إلى الملك حتى يضع حداً لمحاكم التفتيش والمراسيم في الأراضي الوطيئة، وأن توقف تطبيق المراسيم حتى يصل جواب الملك. وأجابت مرجريت بأنها سترسل ظلامتهم إلى الملك، ولكن ليس من سلطتها حتى توقف المراسيم، وأنها ستبذل جميع ما في مقدورها للتخفيف من مفعولها. ولما رأى أحد أعضاء مجلسها شدة فزعها من عدد مقدمي الظلامة وقوة عزيمتهم طمأنها بقوله "عجباً يا سيدتي" هل تخشين يا صاحبة العظمة المتسولين،يا ترى؟ وتقبل المتحالفون هذا اللقب تحدياً. وارتدى كثير منهم البدلة الرمادية الخشنة، وحملوا الحقيبة والطاس اللذين تميز بهما المتسولين آنذاك. وأصبحت تعبير "فليحيى المتسولين" صيحة الحرب في الثورة. ولمدة عام كان هؤلاء النبلاء الصغار هم الذين قادوا الثورة وأذكوا نارها.

وأبلغت مرجريت نبأ "الملتمس، إلى فيليب، كما أبلغته ما يلقاه من تأييد شعبي كبير. وجددت مساعيها لحملة على الاعتدال، فكان جوابه يحمل في الظاهر معنى الترضية (6 مايو1566)، وعبر عن أمله في إمكان قمع الهرطقة دون إراقة مزيد من الدماء، ووعد بزيارة الأراضي الوطيئة في موعد قريب وأوفد إليه مجلس الدولة فلورنت مونمورنس، والبارون مونتيني، ومركيز برجون، لتعزيز راتى مرجريت. فاستقبلهم فيليب استقبالاً حسناً. وفي 31 يولية خط إليها بموافقته على إلغاء محاكم التفتيش الأسقفية في الأراضي الوطيئة، وبأنه يصدر عفواً عاماً عمن توصي هي بالعفوعنهم.

وانتهز الكلفنيون واللوثريون وأنصار تجديد العماد في الأراضي الوطيئة فرصة هذا الهدوء في العاصفة ليجهروا بعبادتهم، وعاد اللاجئون البروتستانت أفواجاً من إنجلترا وألمانيا وسويسرا، وقام الوعاظ من مختلف الطبقات-الرهبان السابقون، فهماء اللاهوت، صانعوالقبعات، ممشطوشعر الخيل، دباغوالجلود-يخطبون في الجموع الغفيرة من النساء والرجال، وكثير منهم مسلحون، وكلهم يرتلون المزامير ويهتفون "فليحي المتسولون". وبالقرب من ثورني، ألقى أمبروزويل الذي كان قد تفهم مع كلفن-ألقى موعظة في ستة آلاف إنسان (28 يونيه 1566)، وبعد ذلك بيومين وفي نفس المكان، خطب قسيس آخر في عشرة آلاف، وبعد أسبوع واحد انصت لموعظته عشرون ألفا(16). وبدا حتى نصف سكان الفلاندرز أصبحوا بروتستانت. وكادت الكنائس والمدن حتى تخلومن الناس في أيام الآحاد لأنهم هرعوا إلى جماعات البروتستانت. وإذا سمع الناس في مقاطعة هولندا بأن بيتر جبرييل الخطيب المفوه يفترض أن يلقي موعظة في أوفرين بالقرب من هارلم، وهرع آلاف البروتستانت إليه، وهزوا أجواء الفضاء في الحقول بمزاميرهم. وبلغت جموع البروتستانت بالقرب من أنتورب خمسة عشر ألفاً، ونطق بعضهم ثلاثين ألفاً، وكان جميع الرجال مسلحين تقريباً. وأمرت مرجريت حكام أنتورب بمنع هذه التجمعات لأنها خطر على البلاد، فأجابوا بأن قواتهم المسلحة غير كافية ولا يعتمد عليها، ولم يكن تحت تصرف مرجريت نفسها قوات منذ رحيل الحاميات الأسبانية ح. وبلغ الاضطراب في أنتورب حداً ساءت معه الحياة الاقتصادية بشكل خطير. وطلب مرجريت إلى وليم أورانج حتى يشخص إلى المدينة لإجراء تسوية سليمة بين الكاثوليك والبروتستانت هناك. فعمل على تهدئة الأمور بحض الوعاظ على قصر اجتماعاتهم على الضواحي ألا يحمل المجتمعون سلاحاً.

وفي الشهر نفسه (يوليه 1566) اجتمع كونت لويس ناسوا ألفان من "المتسولين" في سانت تروند، في أسقفية لييج، وسط هذا الصخب البهيج، وضعوا الخطط للمضي قدماً في قضيتهم. وقرروا الاتصال بالبروتستانت الألمان ليشكلوا بينهم جيشاً يهب لنجدة البروتستانت في الأراضي الوطيئة إذا هوجموا. وفي 26 يوليه قدم لويس واثني عشر آخرون، وهم في زي المتسولين، إلى مرجريت، طلباً بعقدة الجمعة العمومية، وأن تحكم هي نفسها في نفس الوقت. بتوجيه من أورانج وأجمونت وهورن، ولما كان ردها ملتوياً غير واضح فأنهم لمحوا إلى أنهم قد يضطرون إلى التماس مساعدة أجنبية، ومن ثم شرع لويس، بالتواطؤ مع أخيه الأحرص منه وليم، في تجهيز أربعة آلاف من الخيالة وأربعين سرية من المشاة في ألمانيا(17).

وفيتسعة أغسطس سقط فيليب وثيقة رسمية يعلن فيها حتى العرض الذي قدمه للعفوالعام قد انتزع منه رغم إرادته، وأنه لا يلزمه بشيء، وفي 12 أغسطس أكد للبابا حتى إيقاف محاكم التفتيش مرهون بموافقة البابا(18). وفي 14 أغسطس اقتحمت جمهرة من البروتستانت بتحريض من الوعاظ الذين استنكروا الصور الدينية، كنائس سانت أومر الواحدة بعد الأخرى فحطموا الصور والمذابح ودمروا جميع الزخارف. وفي نفس الأسبوع قامت جموع شبيهة بمثل هذه الأعمال في ايبز وكورتراي وأودينارد وفالنسيان. وفي يومي السادس عشر والسابع عشر دخلت الجماهير الكاتدرائية الكبرى في أنتورب وحطموا المذبح والزجاج الملون والصلبان وغيرها من الصور، ودمروا الآلات الموسيقية والزخارف وكؤوس القربان والأوعية المقدسة، وفتحوا الأضرحة وجردوا الجثث من حليها، وشربوا النبيذ المقدس، وأحرقوا خط القداس الثمينة، ووطئوا بأقدامهم التحف الفنية. وأوفدوا في طلب السلام والجبال، فتسلقوا وجذبوا التماثيل من أماكنها وهشموها بالمطارق الثقيلة، وأخترق الجمع أنتروب وهم يهتفون منتصرين، وحطموا الصور والزخارف في ثلاثين كنيسة وديراً، وأحرقوا مخطات الرهبان، وأخرجوا الرهبان والراهبات من الأديار(19) ولما ترامت أنباء هذه "الضراوة الكلفنية" إلى تورني انطلقت نشوة تحطيم الصور المقدسة من عنطقها هناك، وأعمال السلب والنهب في جميع الكنائس. وفي الفلاندرز وحدها جردت 400 كنيسة من الصور. وفي كولمبرج أشرف الكونت المبتهج المرح على أعمال التخريب وأطعم ببغاواته على القرابين المقدسة(20). وفي جهات أخرى قام بعض الكهنة السابقين بتحميص رقائق الخبز على شوكات(21). ومن الفلاندرز أمتد الهياج إلى المقاطعات الشمالية، وإلى أمستردام ولايدن ودلفت واوترخت، ثم خروننجن وفريزلند. واستنكر معظم زعماء البروتستانت أعمال التخريب هذه، ولكن بعضهم ممن رأوا حتى الأفراد لم يلحق بهم أيسر الأذى والضرر. مضىوا إلى تحطيم التماثيل والصور أقل إجراماً من إحراق الأحياء "الهراطقة".

وخارت قوى مرجريت بارما أمام العاصفة. فخطت إلى فيليب تقول "أن أي شيء وكل شيء مختل في هذا البلد عدا العقيدة الكاثوليكية"(22). وبات فيليب يتحين الفرصة للانتقام. ولكن مرجريت التي تقابل الجماهير المسلحة والزعماء المغامرين أحست بأنها مرغمة على بعض التنازلات. فسقطت في 23 أغسطس، مع ممثلي المتسولين، اتفاقاً تباح بمقتضاه العبادة الكلفنية في الأماكن التي كانت تمارس فيها بالعمل، بشرط عدم التعرض للطقوس الكاثوليكية، وألا يحمل البروتستانت سلاحاً خرج بيوتهم. ووافق ممثلوالمتحالفين على حل "عصبتهم" إذا أوفت الحكومة بهذا الاتفاق. وتوقف الاضطهاد وساد السلام لبعض الوقت.

ولكن أياً من وليام أورانج وملك أسبانيا لم يقنع بهدوء الحال. فإن وليم كان يرى في البروتستانتية الثائرة أداة لتحقيق استقلال الأراضي الوطيئة، وعلى الرغم من أنه كان لا يزال كاثوليكياً اسما فإنه تخلى عن جميع مناصبه الحكومية، ونظم وسائله الخاصة للتجسس، وقصد (22 أبريل 1567) إلى ألمانيا يلتمس المدد من الرجال والمال. وبعد ذلك بخمسة أيام غادر دوق ألفا أسبانيا، مفوضاً من الملك فيليب، في جمع ما يلزم من القوات لاستخدامها في الانتقام من المشاغبين الكلفنيين، والقضاء بلا وهادة على أية حال هرطقة وثورة وحرية في الأراضي الوطيئة.


دوق ألبا في الأراضي الوطيئة 1567 - 1573

جزء من عن
تاريخ هولندا
بوابة هولندا

فرناندوألڤارز ده تولدو، دوق ألبا الثالث كان آنذاك في التاسعة والخمسين من العمر، وكأنه صورة أبدعتها ريشة الرسام الجريكو: طويل القامة، نحيل القوام، ذوعينين سوداوين، وبشرة صفراء، ولحية بيضاء فضية، وكان قد ورث، وهوفي سن العشرين، لقبه اللامع الذائع الصيت، وضياعه الشاسعة، وبدأ العمل العسكري في سن مبكرة، وامتاز بالشجاعة والذكاء والقسوة. وألحقه فيليب بأخص مجالسه واستمع مغتبطاً إلى مشورته وكان حكمه في هذه الساعة العصيبة ما يقضي به جندي درج على النظام الأسباني والورع الأسباني: اسحق الثوار العصاة دون شفقة ولا رحمة، فإن أي تنازل يقوي المعارضة. وأطلق فيليب يده ومنحه جميع السلطة ونادى له بالتوفيق.

فرناندوألڤارز ده تولدو، دوق ألبا. تفصيلة من رسم بريشة أنتوني مور.

شق ألفا طريقه إلى إيطاليا، وهناك جمع أساساً من الحاميات الأسبانية في نابلي وميلان صفوة الجند ليشكل جيشاً قوامه عشرة آلاف رجل، ألبسهم أفخر الثياب وزودهم بأحدث العدة والعتاد، وأثلج صدورهم بألفين من بنات الهوى أحسن اختيارهن وإعدادهن وقاد الجيش عبر جبال الألب، وعبر برجندي واللورين ولكسمبرج وفي 22 أغسطس 1567 ولج بروكسل وتلقاه اجمونت في جميع الخضوع والخشوع. وقدم له جوادين نادرين هدية. ولقيته مرجريت يعروها الآسى والأسف وهي تشعر بأن أخاها حل محلها وفرض سلطانه عليها في نفس الوقت الذي كانت قد أعادت فيه نظاماً إنسانياً. واحتجت مرجريت عندما أقام ألفا حاميات أسبانية في جميع المدن. وأجاب في فتور "إني على استعداد لاحتمال جميع الخزي والوز".

واستأذنت مرجريت الملك فيليب في الاستنطقة من منصبها، فأجابها إلى طلبها مع منحها معاشاً سخياً يضمن لها الهناءة، وفي ديسمبر رحلت عن بروكسل إلى موطنها في بارما، وقد حزن من أجلها الكاثوليك الذين أجلوها واحترموها، والبروتستانت الذين تنبأوا بأنه سيتضح وشيكاً حتى أشد قساوتها كانت ليناً واعتدالاً إلى جانب وحشية ألفاً المنتظرة.

وأقام نائب الملك الحاكم العام الجديد في قلعة أنتورب، وأعد نفسه لتطهير الأراضي الوطيئة من الهرطقة، ونادى اجمونت وهورن إلى العشاء وأكرم وفادتها. ثم ألقى القبض عليهما وأوفدهما في حراسة مشددة إلى أحد الحصون في غنت (7 سبتمبر) وعين "مجلس القلائل" الذي أطلق عليه البروتستنت الجزعون من حديث اسم "مجلس الدم" وكان سبعة من أعضائه التسعة من الأراضي الوطيئة واثنان من الأسبان، وكان لهذين العضوين فقط حق التصويت. واحتفظ ألفا لنفسه بالقرار الحاسم في أي موضوع يعنيه بخاصة. وأمر المجلس بالبحث عن المشتبه في معارضتهم للكنيسة الكاثوليكية أوالحكومة الأسبانية، واعتنطقهم ومحاكمتهم سراً، ومعاقبة من يحكم عليهم دون ترفق أوإبطاء. وانبث الوكلاء للتجسس، وشجع المخبرين على الغدر بأقاربهم وأعدائهم وأصدقائهم وحظرت الهجرة، وأعدم ربانية السفن الذين يساعدون على ربانية عليها شنقاً(23). وحكم على جميع مدينة عجزت عن قمع الثورة أومعاقبة العصاة بأنها مذنبة، وأودع موظفوها السجن أوفرض عليهم الغرامة. وأعتقل آلاف الأفراد. وذات صباح واحد قبض على نحو1500 في مضاجعهم ونقلوا إلى السجون. وكانت المحاكمات قصيرة عاجلة، وكان الحكم بالإعدام يصدر أحياناً بالجملة، على ثلاثين أوأربعين أوخمسين دفعة واحدة(24). وفي شهر واحد-(يناير 1568) أعدم 84 شخصاُ من سكان فالنسيان. وسرعان ما كان من العسير حتى تجد الفلاندرز أسرة غير حزينة على فرد منها اغتال أوأعتقل بأمر من "مجلس القلائل". وندر حتى كان في الأراضي الوطيئة من يجسر على الاحتجاج، فإن أيسر النقد كان يعني الاعتنطق.

وأحس ألفا بأن نجاحه قد تلطخ بعجزه عن إيقاع وليم أورانج في حبائله. وأصدر مجلس المتاعب قراراُ باتهام الأمير وأخيه لويس، وزوج أخته كونت فان دن برج، والبارون مونتيني وغيرهم من الزعماء، بتشجيع الهرطقة والثورة. وكان مونتيني لا يزال في أسبانيا، فأودعه فيليب السجن. وكان ابن وليم، وهوفيليب وليم كونت بورن طالباً في جامعة لوفان. فاعتقل وأوفد إلى أسبانيا، وهناك نشئ تنشئة كاثوليكية متحمسة، وتبرأ من مبادئ أبيه. وصدر إعلان بأن وليم خارج على القانون، أحل لأي إنسان قتله دون التعرض لعقاب القانون.

وعمل وليم أورنج على تنظيم جيش، ووجه أخاه لويس إلى حتى يحذوحذوه. والتمس العون من الأمراء اللوثرين فكم يتحمسون للاستجابة له، ومن الملكة إليزابث التي أمسكت عن مساعدته في حذر. واتىته الأموال من أنتورب وأمستردام ولايدن وهارلم وفلشنج، وأوفد إليه جميع من الكونت فان دن برج وكولمبرج وهوجستراتن ثلاثين ألف فلورين، وباع مجوهراته وأوانيه الفضية ومطرزاته وأثاثه الفاخر، وجمع نحوخمسين ألف فلورين، وتوافر الجنود، لأن المرتزقة الذين تفرقوا نتيجة بعض الهدوء في الحرب الدينية في فرنسا، عادوا إلى ألمانيا مفلسين. وكان لزاماً حتى ينتهج وليم سياسة التسامح، فكان عليه حتى يكسب اللوثريين والكلفيين تحت لوائه، كما كان عليه حتى يؤكد للكاثوليك في الأراضي الوطيئة حتى عبادتهم لن تمس بسوء بتحرير البلاد من ربقة إسبانيا.

ووضح أورانج خطة العمل لثلاثة جيوش في وقت واحد، قوة من الهيجونوت من فرنسا تهاجم أرتوا من الجنوب الغربي، ويقود هوجستراتن جيشه ضد ماسترخت في الجنوب، ويقتحم لويس ناسومن ألمانيا في الشمال الشرقي . وصدت هجمات الهيجونوت وهوجستراتن، وكن لويس انتصر على الجنود الأسبان في هيلجرلى (23 مايو1568). وأمر دوق ألفا بإعدام أجمونت وهورن (5 يونية) ليطلق ثلاثة آلاف من الجنود كانوا يتولون حراستها وحماية مدينة غنت، ليستفيد منهم. وتقدم بهذه الإمدادات إلى فريزلند، ودحر جيش لويس الذي أصابه الوهن في جمنجن (21 يولية) وأودى بحياة 7000 رجل وهرب لويس سبحاً في مصب نهر امز. وفي أكتوبر قاد وليم جيشاً قوامه 25 ألف رجل إلى برابانت، وقد عقد العزم على ملاقاة ألفا في معركة حاسمة. ولكن ألفا بجيشه الأقل عدداً والأحسن نظاماً أحبط خططه، وتجنب اللقاء في معركة، وعمد إلى تعويق عدوه بهجمات في مؤخرته ورفض القتال جنود وليم الذين لم تدفع رواتبهم. فقادهم إلى مكان آمن في فرنسا وسرحهم. ثم تنكر في زي فلاح وشق طريقه من فرنسا إلى ألمانيا حيث تنقل من مدينة إلى مدينة، فراراً من القتل. وبهذه الحملات المشئومة الممتلئة بالكوارث بدأت "حرب الثمانين عاماً" التي خاضتها الأراضي الوطيئة في ثبات ومثابرة لم يسبق لهما مثيل، حتى قدر لها النصر في النهاية في 1648.

كان ألفا آنذاك سيد الموقف المزهوفي الميدان، ولكنه كان خاوي الوفاض إلى أحد بعيد. وكان الملك فيليب قد دبر أصحاب المصارف في جنوة حتى يمدوه بحراً بأربعمائة وخمسين ألف دوكات. ولكن القرصان الإنجليز أجبروا السفن على الاتجاه إلى ميناء بليموت، وهناك وضعت اليزابيث يدها على المال، مع أرق الاعتذارات، حيث لم تكن تكره مساعدة وليم لقاء هذا الثمن. عندئذ نادى ألفا الجمعية العمومية المكونة من النبلاء وممثلي المدن للاجتماع في بروكسل، واقترح عليهم (20 مارس 1569) فرض ضريبة فورية قدرها 1% على الممتلكات وضريبة دائمة قدرها 5% على أية عملية نقل للعقارات، وضريبة دائمة قدرها 10% على المبيعات فاحتجت الجمعية بأنه لما كانت مواد كثيرة قد غيرت الملكية عدة مرات في العام الواحد فإن ضريبة المبيعات هذه تقارب حتى تكون مصادرة، وأحالت المقترحات إلى جمعيات المقاطعات، وهناك كانت المعارضة شديدة إلى حد اضطر معه ألفا إلى إراتى ضريبة الـ 10% إلى 1572، والاكتفاء بضريبة الواحد في المائة، وبمنحة قدرها مليوني فلورين سنوياً لمدة عامين. ولكن حتى ضريبة الواحد في المائة كانت جبايتها شاقة باهظة التكاليف ورفضت أوترخت دفعها. فأطبقت فرقة من الجند على المنازل والممتلكات، واستمرت المقاومة، ورمى ألفا جميع الأنطقيم بالخيانة وألغى جميع إعفاءاته وامتيازاته، وصادر جميع ممتلكات سكانه لصالح الملك.

وأن هذه الضرائب والإجراءات التي اتخذت لفرضها هي التي هزمت ألفا الذي لم يهزم حتى ذلك اليوم. وبات جميع السكان تقريباً كاثوليك وبروتستانت، يقاومونه، في استياء يتفاقم أمره، حدثا عوقت وعرقلت ضرائبه نشاط الأعمال التي بنت عليها الأراضي الوطيئة ازدهارها ورخاءها. ولما كان ألفا أبرع في الحرب منه في شئون المال فإنه انتقم لاستياء إليزابث على الأموال التي كانت في طرقها إليه من جنوة، بالاستيلاء على الممتلكات الإنجليزية في الأراضي الوطيئة، وحظر التجارة مع إنجلترا. وردت إليزابث على هذا بمصادرة بضائع الأراضي الوطيئة في إنجلترا، وتحويل التجارة الإنجليزية إلى همبرج. وسرعان ما أحست الأراضي الوطيئة بوطأة الكساد الاقتصادي. فأغلقت المتاجر أبوابها، وازداد التعطل، وفكر رجال الأعمال الأقوياء الذين احتملوا في صبر وتجلد شنق البروتستانت ونهب الكنائس، فكروا ملياً وسراً في الثورة وأخيرهاً مولوها. وحتى رجال الدين الكاثوليك الذين خشوا انهيار الاقتصاد الوطني، انقلبوا على ألفا، وحذروا الملك فيليب من حتى الدوق يعمل على تخريب البلاد(25)، بل حتى البابا-بيوس الخامس الذي كان قد اغتبط أيما اغتباطاً بفوزات ألفا، نراه الآن يشاطر الكاردينال دي جرانفل أسفه لقساوة ألفا(26). ويوصي بالعفوالعام عن العصاة والهراطقة النادمين التائبين-ووافق فيليب على هذا الإجراء وأبلغ به ألفا (فبراير 1569)، ولكن الدوق طلب التمهل، ولم يعلن العفوإلا في 16 يوليه 1570..وفي تلك السنة خلع البابا على ألفا القبعة والسيف المقدسين، وأنعم "بالوردة المضىية" على زوجته(27)، كما أعدم فيليب مونتيني الذي كان سجيناً-(16 أكتوبر 1570).

وفي نفس الوقت ظهرت على المسرح قوة جديدة. وذلك أنه في مارس 1568 قامت من اليائسين المستميتين عهدوا باسم "المتسولين المتطرفين"، وجهوا همهم إلى نهب الكنائس والأديار وبتر أنوف القساوسة والرهبان أوآذانهم، وكأنهم عقدوا العزم على مباراة "مجلس الدم، وفي وحشيته وفظاعته(28). وفيما بين عامي 1569-1572 ظهرت جماعة أخرى أطلقوا على أنفسهم اسم "متسولي البحر"، وضعوا أيديهم على 18 سفينة، وتلقوا عمولة من وليم أورانج، وأغاروا على شواطئ الأراضي الوطيئة، ونهبوا الكنائس والأديار، وسيطروا على المراكب الأسبانية، وزودوها ثانية بالمؤن من الثغور الإنجليزية الصديقة-بل حتى من لاروشيل النائية-التي كانت في يد الهيجونوت آنذاك. وأغار "متسولوالبحر على أية مدينة ساحلية لا توجد بها حامية أسبانية، واستولوا على المواقع الحصينة، وبفضل قدرتهم على فتح السدود بات من أخطر الأمور على القوات الأسبانية حتى تقترب منهم أوتصل إليهم. فلم يعد في مقدور ألفا حتى يتلقى أية امدادات أومؤن من البحر إلى غير ذلك صارت المدن الرئيسية في هولندا وزيلند وجلدرلند وفريزلند آمنة محمية، ومن ثم قدمت ولاءها لوليم أورانج، وقررت تزويده بالإمدادات من أجل الحرب (يوليه 1572) ونقل وليم مقر قيادته إلى دلفت وأعرب أنه "الأصلع الكلفني، وهولقب أصدق على رأسه منه على عقيدته، وفي تلك الآونة خط فيليب فان مارنكس أغنية "وليم ناسو" التي أصبحت، ولا تزال، الترنيمة الوطنية في الأراضي الوطيئة.

ومنذ لقي وليم أورانج التشجيع على هذا النحوجهز جيشاً آخر وغزا برابانت. وفي نفس الوقت قام لويس ناسو، بمعونة كوليني، بإعداد قوة في فرنسا، ودخل هيبوت، واستولى على فالنسيان ومونز (23 مايو1572). وتقدم ألفا ليسترد مونز، وهويأمل بذلك حتى يثني فرنسا عن مساعدة لويس. وتقدم وليم جنوباً لنجدة أخيه، وأحرز بعض فوزات يسيرة، ولكن سرعان ما استنفذ ما لديه من مال، فتقاضى جنوده أجورهم بنهب الكنائس، وتسلوا بقتل القساوسة(29). فثارت ثائرة الكاثوليك، حتى أنه عندما اقترب جيش وليم بروكسل عثر الأبواب موصدة والأهالي يحملون السلاح لمقاومته واستأنف الجيش سيره، ولكن على مسافة فرسخ من مونز فوجئ الجند، وهم نيام، بستمائة جندي أسباني، وقتلوا من جنود وليم ثمانمائة قبل حتى يتمكنوا من تهيئة أنفسهم للدفاع. واستطاع وليم الهرب بشق النفس مع بقايا قواته، إلى مكلين في برابانت. وفي نفس الوقت قضى اغتال كوليني ومذبحة سانت برتلميوعلى جميع أمل في العون من فرنسا. وفي 17 سبتمبر سقطت مونز في يد ألفا الذي هيأ للويس وفلول جيشه حتى يرحلوا دون حتى يمسهم أذى. ولكن قائد جيش ألفا، فيليب دي نوفارم، شنق من تلقاء نفسه مئات من الأهالي، وصادر ممتلكاتهم وباعها بثمن عال(30).

أن فشل استراتيجية وليم وإفراط قواته التي يصعب قيادها ووحشية "المتسولين" وفظائعهم، جميع أولئك خيب آماله في توحيد الكاثوليك والكلفنيين واللوثرين ليقاوموا جميعاً طغيان ألفا. فإن "المتسولين". وكانوا كلهم تقريباً كلفنيين متحمسين أبدوا ضد الكاثوليك من ضروب الوحشية والضراوة ما أبدته محاكم التفتيش ومجلس الدم نحوالثوار والهراطقة. وفي كثير من الحالات لم يهجروا للأسرى الكاثوليكية إلا الخيار بين الكلفنية أوالموت، وكانوا يقتلون دون تردد، وفي بعض الأحيان بعد تعذيب لا يصدق، جميع من تمسك بأهداب العقيدة القديمة(31). وأعدم جميع ن طرفي النزاع كثيراً من أسرى الحرب. وخط مؤرخ بروتستاني يقول:

في أكثر من مناسبة رئي الرجال يشنقون...اخوتهم هم أنفسهم الذين سقطوا أسرى في صفوف الأعداء... ووجد سكان الجزر لذة وحشية في ضروب القسوة هذه، ولم يعد الأسباني في نظرهم فرداً من بني الإنسان. وذات مرة انتزع أحد الجراحين قلب سجين أسباني، وثبته بالمسامير في مقدم السفينة ونادى الأهالي ليغرسوا أسنانهم فيه، وعمل كثير منهم هذا في ارتياح وحشي(32).

أن هؤلاء "المتسولين" القساة القلوب هم الذين هزموا دون ألفا. وأخلد الدوق إلى شيء من الراحة بعد الحملات التي قام بها، وورث أبنه دوق فدريجوألفارث دي توليدومهمة استعادة ومعاقبة المدن التي كانت قد أعربت تأييدها لوليم أواستسلمت له. فبدأ ألفارث بمدينة مكلين التي أبدت أقل مقاومة، حيث خرج القساوسة والأهالي في موكب نادمين، يرجون الصفح والإبقاء على المدينة، ولكن ألفا كان قد أمر بانتقام تكون فيه موعظة وعبرة. فظل جنود فدريجولمدة أيام ثلاثة ينهبون البيوت والأديار والكنائس، ويسرقون الحلي والأردية الثمينة من التماثيل المقدسة. ويطأون الفطائر المقدسة تحت الأقدام، ويذبحون الرجال ويستحيون النساء، كاثوليك أوبروتستانت على حد سواء وفي طريق تقدمه إلى جلدرلند، تغلب جيشه على الدفاعات الهزلية في زوتفن، وقتل جميع رجال المدينة تقريباً. وعلق بعضهم من الأقدام، وأغرق خمسمائة منهم يربطون زوجاً زوجاً، ظهراً لظهر، والإلقاء بهم في نهر ايسل. واستسلمت بلدة ناردن الصغيرة بعد مقاومة قصيرة، وحيت الأسبان الغزاة بموائد زخرت بألوان الطعام، فأكل الجنود وشربوا ثم اعملوا القتل في جميع الأهالي في المدينة وتقدموا إلى هارلم، وهي مركز كلفني أبدى حماساً خاصاً للثورة. وقد دافعت حامية قوامها أربعة آلاف رجل عن المدينة دفاعاً مجيداً، إلى حد حتى دوق فدريجواقترح الانسحاب منها، ولكن ألفا هدد بأن يتبرأ منه إذا لم يستمر في الحصار، فتصاعدت أعمال العنف، وعلق جميع من الطرفين أسراه على أعواد المشانق في لقاءة عدوه. وأثار المدافعون حنق المحاصرين بأن مثلوا على الأسوار الطقوس الكاثوليكية بكيفية تدعوإلى السخرية والضحك. وأوفد وليم ثلاثة آلاف جندي لمهاجمة جيش دوق فدريجو، ولكنهم أبيدوا وأخفقت جميع محاولة لتخليص هارلم بعد ذلك. وفي 11 يولية 1573، بعد حصار دام سبعة أشهر اقتات فيها الناس على الأعشاب والجلود، استسلمت المدينة. ولم يبق على قيد الحياة سوى 1600 رجل أعدم معظمهم. كما أعدم 400 من المواطنين المتزعمون، أما بقية الأهالي فقد على حياتهم بعد موافقتهم على دفع غرامة قدرها مائتان وخمسون ألف جلدر.

وكان هذا آخر فوزات حكومة دوق ألفا وأبهظها تكلفة. وهلك أكثر من اثني عشر ألفا من أفراد الجيش الذي تولى الحصار متأثرين بالجراح أوبالسقم. واستنزفت الحرب جميع ما حصل من ضرائب بغيضة، واكتشف فيليب الذي كان يعد النقود أكثر مما يحسب حساب الأنفس والأرواح، حتى ألفا لم يكن محبوب لدى الناس فحسب، بل أنه كان كذلك ينفق أموالاً طائلة، وأن أساليب قائده كانت تعمل على توحيد الأراضي الوطيئة ضد أسبانيا وأحس دوق ألفا بأن الرياح غير مواتية له، وأن التيار قد انقلب ضده. فطلب تنحيته وتباهى بأنه اغتال 18 ألف ثائر(34). ولكن الهراطقة كانوا في مثل القوة التي كانوا عليها عندما اتى هوإلى الميدان، بل أكثر من ذلك أنهم سيطروا على الثغور وعلى البحر، وأن الملك فقد مقاطعتي هولندا وزيلندة تماماً. وقدر أسقف نامور حتى ألفا في سبع سنين، وألحق من الأذى بالكاثوليكية أكثر مما ألحقه بها لوثر والكلفنية في جيل بأسره(35). وقبلت استنطقة ألفا وغادر الأراضي الوطيئة (18 ديسمبر 1573) وأستقبله الملك فيليب استقبالاً حسناً. وقاد، وهوفي سن الثانية والسبعين الجيوش الأسبانية لغزوالبرتغال (1580). ولدى عودته من هذه الحملة انتابته حمى متبترة، ولم يحفظ عليه حياته إلا إرضاعه اللبن من ثدي امرأة. وفاضت روحه في 12 ديسمبر 1582، بعد حتى عاش عاماً على اللبن. ونصف قرن على الدم.

ركويسانس ودون خوان 1573 - 1578

لويز ده ركويسنس.

أوفد فيليب دون لويس دي ركويسانس ليحل محل فرناندوألڤارز، وهوالذي كان منذ عهد قريب نائب الملك في ميلان. ودهش الحاكم الجديد لعدد الثوار والروح التي سادتهم، فخط إلى الملك: "لم أكن استوعب قبل وصولي كيف من الممكن أن استطاعوا الاحتفاظ بمثل هذه الأساطيل الضخمة، على حين حتى جلالتكم لم تستطيع الإنفاق على أسطول واحد فقط. ومهما يكن من أمره، فإنه يظهر حتى الرجال الذين يقاتلون من أجل حياتهم وديارهم وأملاكهم وعقيدتهم الزائفة، وجملة القول عن قضيتهم-يقنعون بالطعام دون أجور(37). ورجا فيليب في حتى يرخص له في إصدار عفوعام عن الجميع باستثناء الهراطقة العنيدين، مع السماح لهم بالهجرة، وإلغاء ضريبة العشرة في المائة على البيوع. ولم ير وليم أورانج في هذه المقترحات إلا لعبة لكسب الوقت، ووسيلة جديدة لاستئصال البروتستانتية من الأراضي الوطيئة، ولم يكن يقبل السلام إلا على أساس الحرية الكاملة للعبادة، واستعادة امتيازات المقاطعات، وانسحاب الأسبان من الوظائف المدنية والعسكرية. واستمرت الحرب. وفي معركة (13 أبريل 1577) قضى نحبه جميع من أخوي وليم: لويس في سن السادسة والثلاثين، وهنري في سن الرابعة والعشرين.

وثمة حادثان شدا من أزر الثورة في هذه الآونة: إفلاس فيليب (1575) وموت ركويسانس في أثناء حصار زيركزي (5 مارس 1576). عين الملك أخاه غير الشقيق، دون جوان النمسوي، في هذا المنصب البغيض. ولكنه لم يصل إلى لكسمبرج إلا في نوفمبر. وفي هذه الأثناء سقط ممثلوهولندا وزيلندة، وفي دلفت (25 إبريل) "قانون التهدئة" الذي خول وليم السلطة العليا في البر والبحر، وحق التعيين في الوظائف السياسية. وعند الضرورة حق العهد بحماية الاتحاد إلى أمير أجنبي. وأهاب وليم، من مركز السلطان الجديد، بسائر المقاطعات حتى تشارك في طرد الأسبان من الأراضي الوطيئة. ووعد بحرية الفكر والعقيدة للكاثوليك وللبروتستان على حد سواء.

دون خوان من النمسا.

وربما لقي نداؤه بعض الاستجابة في المقاطعات الجنوبية لولا حتى الجنود الأسبان وقد خدعهم السلب والتهب في زيركزي، تمردوا (يولية) وبدءوا، دون تمييز، حملة من السلب والنهب والعنف أرهبت فلاندرز وبرابانت. ووجه إليهم مجلس الدولة في بروكسل تأنيباً قاسياً ولكنهم تحدوه، فأعرب المجلس أنهم خارجون على القانون، ولكن لم يكن لديه قوة يقاومهم بها. فعرض وليم حتى يرسل قوات عسكرية لحماية هذه البلاد، وجدد تعهده بالحرية الدينية. وتردد المجلس، فأطاح به أهالي بروكسل، وشكلوا مجلساً آخر تحت رياسة فيليب دي كروي الذي بدأ المفاوضات مع الأمير. وفي 26 سبتمبر رحبت غنت بفرقة عسكرية أوفدها وليم لحماية المدينة من المتمردين الأسبان. واجتمع في غنت في 19 أكتوبر، ممثلون عن برابانت وفلاندرز وهينوت، وكانوا يكرهون تحالف ولاياتهم مع الأمير المحروم من حماية القانون، ولكن في 20 أكتوبر اجتاح المتمردون ما سترخت، وفي 28 منه، سقط المجتمعون للبحث والتشاور رغبة في حماية قوات وليم لهم، "قانون التهدئة" الذي صدر في غنت، والذي اعترف بوليم حاكماً على هولندا وزيلندة، وأوقفوا جميع اضطهاد للهرطقة، واتفقوا على التعاون في طرد الجنود الأسبان من مقاطعاتهم. ورفضت الجمعية العمومية للمقاطعات الجنوبية التي انعقدت في بروكسل، التوقيع على "قانون التهدئة"، حيث اعتبرته إعلاناً للحرب ضد الملك.

ودعم المتمردون مرة أخرى من حجج وليم، ذلك أنهم في أربعة نوفمبر 1576 استولوا على أنتورب، وأعملوا فيها السلب والنهب، على أسوأ شكل عهده تاريخ الأراضي الوطيئة. وقاوم المواطنون ولكنهم غلبوا على أمرهم، وقتل منهم سبعة آلاف، وأحرق ألف مبنى كان بعضها من روائع العمارة. وذبح الرجال والنساء والأطفال في طوفان من الدماء بأيدي الجنود وهم يرددون الصيحات: "سان جيمس، أسبانيا، الدم، الموت، النار، السلب، النهب" وطوال تلك الليلة عاث الجنود في المدينة الغنية، وسلبوا جميع بيت فيها تقريباً، ورغبة في انتزاع الاعتراف بالذخائر المخبأة، أصيلة أوزائفة، عذبوا الآباء على مرأى من أطفالهم، وذبحوا الصبية وهم في أحضان أمهاتهم، وضربوا الزوجات بالسياط حتى الموت أمام أعين أزقابلن. واستمر هذا العنف "العنف الأسباني" يومين حتى أتخم الجنود بالمضى والحلي والملابس الثمينة، وبدأ الواحد منهم يقامر الآخر بغنائمه في الشوارع المكتظة بجثث الموتى. وفي 28 نوفمبر صدقت الجمعية العمومية على "قانون التهدئة" الذي وضع في غنت.

وكان هذا نصراً مبيناً أحرزه الأمير في الوقت المناسب. وعندما أوفد دون جوان من لكسمبرج يقول أنه على وشك حتى يدخل بروكسل، أجابت الجمعية العمومية بأنها لن تستقبله بوصفه حاكماً إلا إذا وافق على "قانون التهدئة" وأعاد امتيازات المقاطعات، وطرد جميع القوات الأسبانية من الأراضي الوطيئة. وقضى دون جوان، الباسل في ميدان المعركة، القليل الخبرة بالسياسة والذي أعوزه الرجال والمال، شتاءه متلكئاً في لكسمبرج، ثم سقط في 12 فبراير 1577 "المرسوم الدائم" الذي أدى به إلى التهدئة وحريات المقاطعات. وفي أول مارس ولج دون جوان بروكسل في احتفال رسمي، واغتبطت المدينة إذ رأت مثل هذا الحاكم الوسيم الأعزل الضعيف. ورحلت القوات الأسبانية. وساد السلام لفترة وجيزة ربوع البلاد المخربة.

وكانت أحلام جوان أكبر من إمكاناته المالية. وبعد مآثره وبطولاته في ليبانتووتونس أوهنت العظمة اليائسة العاجزة فورة الدم الهادر بأوهام البطولة. وعلى مقربة منه كانت ماري ستيوارت الجميلة سجينة لدى إليزابث العملاقة الرهيبة. فلم لا يحشد جوان جيشاً وأسطولاً، ويعبر البحر، ويطيح بعرش ملكة ويتزوج الأخرى، ويصبح ملكاً على إنجلترا وإسكتلندة، ويعيد هذه الأنطقيم الغافلة إلى أحضان الكنيسة الأم، حتى فيليب الذي خشي الهوة بين الأموال والأحلام، اعتبر أخاه ساذجاً مخدوعاّ. وقدم جوان البرهان على ذلك، فإنه غادر بوركسل فجأة (11يونية)، على رأس فرقة من الوالون (سكان جنوب بلجيكا) الكاثوليك، وأنكر "قانون التهدئة). وبعد مفاوضات عميقة مع جوان، دعت الجمعية العمومية وليم إلى العاصمة، ولدى وصوله (23 سبتمبر) رحب به جمهور كبير من المواطنين الكاثوليك على أنه الرجل الوحيد الذي يستطيع حتى يقود الأراضي الوطيئة إلى الحرية. وفيثمانية أكتوبر أبلغت الجمعية العمومية دون جوان أنها لم تعد تعترف به حاكماً يمكن حتى تقبل في مكانه أمير من الأسرة المالكة. وفيعشرة ديسمبر 1577 انضمت المقاطعات كلها-عدا نامور-إلى "اتحاد بروكسل". وطلب الأعضاء الكاثوليك في الجمعية العمومية، الذين كانوا يخشون كلفنية وليم، إلى ماتياس أرشيدوق النمسا حتىقد يكون حاكماً على الأراضي الوطيئة. وقدم الشاب ابن العشرين وتقلد المنصب (18 يناير 1578) ولكن أنصار وليم أعزوا الحاكم الجديد بتعيين وليم نائباً له-ومن الوجهة العملية صاحب الأمر والنهي في الإدارة والسياسة.

وكان يمكن للتسامح المتبادل في الخلافات الدينية وحده يبقى على هذا الاتحاد أوالترابط، ولكن التعصب مزقه. فإن الكلفنيين في هولندا والكاثوليك في أسبانيا اعتقدوا جميعاً بأن الكفار وحدهم الذين يستطيعون حتى يبدوا تسامحاً. ونطق كثير منهم صراحة بأن وليم أورنج ملحد(38)، واتهمه الواعظ الكلفني بيتر داتينوس، بأنه جعل من السلطة معبوده الوحيد، وأنه يغير عقيدته كما يغير الناس ملابسهم(39). وكان المكلفنيون (وظلوا حتى 1587) يشكلون عشر السكان فقط في مقاطعة هولندا، ولكنهم كانوا نشيطين طموحين ومسلحين. وكانت لهم السيطرة على الجمعيات السياسية، فأحلوا حكاماً وقضاة بروتستانت محل الكاثوليك، وفي 1573 حظر مجلس المقاطعة العبادة الكاثوليكية في هولندا(40)، على أساس حتى أي فرد كاثوليكي يحتمل حتىقد يكون خادماً لأسبانيا. ولن تأت 1578. إلا وقد عمت الكلفنية زيلندة تقريباً، وكانت م الوجهة السياسية-لا العددية-متسلطة في فريزلند واكتسحت موجات تحطيم الصور المقدسة هولندا وزيلندة 1572، ومقاطعات أخرى، حتى الفلاندرز وبرابانت ، بعد 1576. وأنكروا أي ربط بين الدين والفن باعتباره عملاً وثنياً دنساً. وجردت الكنائس من الصور والتماثيل والصلبان والزخارف، وصهرت الأواني المضىية والفضية، ولم يبق إلا الجدران العارية، وعذب "المتسولون" القساوسة الكاثوليك، وأعدموا نفراً منهم(41).

واستنكر وليم جميع هذه التصرفات، ولكنه تغاضي(42) عن استيلاء الأقليات الكلفنية المسلحة السياسية في بروكسل وايبر وبروجز وكل شمال الفلاندرز(43). وفي غنت سجن الكلفنيون أعضاء المجلس، ونهبوا الكنائس والأديار وأتلفوا أجزاءها الداخلية، وصادروا أملاك الكنيسة، وحرموا إقامة الطقوس الكاثوليكية، وأحرقوا الرهبان في ساحة السوق(44)، وأقاموا جمهورية ثورية (1577). وفي أمستردام اقتحم الكلفنيون المسلحون دار البلدية (24 مايو1578)، وطردوا القضاة والموظفين، وأحلوا محلهم كلفنيين، وخصصوا الكنائس التي جردوها لممضى الصلاح. وفي اليوم التالي قامت ثورة مماثلة بمثل هذا العمل في هارلم. وفي أنتورب التي كانت آنذاك مقر قيادة وليم أخرج البروتستانت القساوسة والرهبان من المدينة (28 مايو)، وأنب الأمير أتباعه تأنيباً شديداً على هذا العنف. وخصهم على السماح باستثناء الطقوس الكلثوليكية. ولكن في 1581 حرمت جميع عبادة كاثوليكية في أنتورب وأوترخت. واتهم الكلفنيون القساوسة بأنهم كانوا يخدعون الناس بالمخالفات الزائفة والكرامات التي يفتعلونها-وعرض بتر من "الصليب الحقيقي، وعظام قديمة للتعبد على أنها رفات القديسين، وإخفاء الزيت في رؤوس التماثيل حتى ترشح في الوقت المناسب(45).

على حتى وليم تولاه الحزن والأسى حين رأى سنوات كفاحه من أجل الوحدة تختتم بالفرقة والفوضى والبغضاء. وإن الديمقراطية الكلفنية التي كانت قد استولت على جملة مدن الآن في وهدة من الفوضى، بدأ معها الملاك البروتستانت والكاثوليك على حد سواء يتساءلون هل كان الممضى الجديد وكل ما يتصل به من نادىيات أشد وبالاً عليهم من الديانة القديمة. وسرى شعور الاستياء وقابل وليم هذه الرغبة المتزايدة في إعادة النظام بالتفاوض مع فرنسوا دوق أنجوليتولى منصب الحاكم العام بدلاً من ماتياس الماجز التافه. ولكن اتضح حتى أنجوخائن حقير. وزاد الطين بلة في محنة وليم، حتى جيشاً أسبانياً جديداً قوامه عشرون ألفا من الجنود المدربين أحسن تدريب، كان يتجه شمالاً بقيادة أقدر قواد العصر. ذلك أنه في ديسمبر 1577 قدم الساندروفارنيز دوق بارما بجيشه إلى دون جوان في لكسمبرج. وفي يناير 1578 هزموا القوات التي كان يعزوها النظام، التابعة للجمعية. العمومية، في جمبلو. وفتحت لوفان واثنتي عشرة مدينة صغيرة أخرى، أبوابها أمام الفاتح الجديد، وفرت الجمعية العمومية الأراضي الوطيئة من بروكسل إلى أنتورب. إلا حتى دون جوان الذي استشعر مجداً جديداً، انتابته حمى خبيثة، وقضى نحبه في نامور، في أول أكتوبر 1578، وهوفي سن الثالثة والثلاثين. وعين فيليب دوق بارما حاكماً عاماً مكانه، وبدأ فصل جديد.

پارما وأورانج 1578 - 1584

ألساندروفارنـِزه.

ألساندروفارنيزي، الذي يبلغ الثالثة والثلاثين، هوابن نائبة الملك السابقة مرجريت بارما. تربي في أسبانيا وأقسم يمين الولاء لفيليب، وحارب في ليبنتووقضى الأربعة عشر عاماً الأخيرة من حياته في الإبقاء على الأراضي الوطيئة الجنوبية في حوزة الملك فيليب. وفي 1586 وروث دوقية بارما ولقبها، ولكنه لم يجلس على عرش الدوقية قط. وكان له عينان حادتان، ووجه أسمر، وشعر أسود قصير، وأنف كأنف النسر، ولحية كثة، جميع أولئك كشف عن شيء يسير من مقدرته وشجاعته وبراعته، وجمع بين جميع الفن العسكري الذي امتاز به دوق ألفا، مع إثارة من قسوته، وقدراً أكبر بكثير من المهارة في المفاوضة والحديث. وبات القتال من أجل الأراضي الوطيئة، آنذاك، صراعاً بين دبلوماسية بارما وأسلحته تسانده أموال الكاثوليك وآمالهم، بين صمود أمير أورانج البطولي، يموله التجار الهولنديون ويشدون أزره. ويعرقل جهوده، في وقت معاً، تعصب أصدقائه.

وفيخمسة يناير 1579 شكل جماعة من النبلاء الكاثوليك، من إينوودوا وأرتوا وليل، بإيحاء من أسقف آراس، شكلوا عصبة آراس لحماية عقيدتهم وممتلكاتهم وفي 29 يناير شكلت مقاطعات هولندا وزيلندة وجروننجن وأوترخت وجلدرلند، "اتحاد أوترخت، للدفاع عن عقيدتهم وحرياتهم. وسرعان ما انضم إليها فريزلند، وأوفريسل. ومن هذه "المقاطعات المتحدة" السبع تتكون اليوم الأراضي الوطيئة الهولندية، وأصبحت المقاطعات الباقية هي "الأراضي الوطيئة الأسبانية"، وصارت في القرن التاسع عشر بلجيكا وحدد تقسيم المقاطعات السبع عشرة إلى أمتين على هذا النحو. سيطرة الكاثوليكية في الجنوب والبروتستانتية في الشمال، من ناحية. إلى جانب الفصل الجغرافي بينهما، لوجود الخلجان والأنهار الكبيرة التي هيأ اتساعها وسدودها التي يسهل التحكم فيها، ثغوراً يمكن الدفاع عنها، وتأوي إليها الأساطيل والأسلحة الأسبانية.

وليام الصامت.

وفي 19 مايوسقطت عصبة آراس مع بارما اتفاقاً، التزمت فيه بألا تقبل غير الكاثوليكية ممضىاً، وارتضت بمقتضاه السيادة الأسبانية شريطة استعادة امتيازات المقاطعات والوحدات الإدارية الصغيرة (الكوميونات) وسرعان ما أعاد الدوق، بالإغراء أوالرشوة أوالقوة، جميع المقاطعات الجنوبية تقريباً إلى حضيرة أسبانيا، وتخلى الزعماء الكلفنيون في بروكسل وغنت وإيبر عن فتوحاتهم وولوا الأدبار إلى الشمال البروتستانتي. وفي 12 مارس 1579 قاد بارما جيشاً كبيراً ضد ماسترخت الواقعة في مسقط حصين على النهر المسمى باسمها. وأتى الفريقان كلاهما بالأعاجيب من أعمال البطولة وضروب الوحشية وحفر المهاجمون أميالاً من الممرات تحت الأرض ليبثوا الألغام ويفتحوا المدينة، كما حفر المدافعون-النساء والرجال جنباً إلى جنب-ممرات ليقابلوهم؛ ودارت رحى القتال حتى الموت في باطن الأرض. وصب الماء المغلي في الأنفاق، وأشعلت الحرائق لتملأها بالدخان. واحترق مئات المحاصرين المهاجرين أواختنقوا حتى الموت. وانفجر أحد الألغام قبل أوانه فأودى بحياة خمسمائة من رجال بارما. وعندما حاول جنوده تسلق السور قابلتهم الجمرات المحترقة، وقذفت حول أعناقهم النار الملتهبة. وبعد أربعة أشهر من الجهد المضني والضراوة والعنف، أحدث المحاصرون ثغرة في السور، نفذوا منها خفية في الليل، وفاجأوا المدافعين المنهوكين وهم نيام وذبحوا منهم ستة آلاف من الرجال والأطفال والنساء ولم يبقَ من سكان المدينة البالغ عددهم ثلاثين ألفاً، على قيد الحياة آنذاك سوى أربعمائة. وعمرها بارما من بعدهم بالموالون الكاثوليك.

تلك كانت كارثة عظمى حلت بالبروتستانت. ووجه اللوم فيها بحق إلى حد ما، إلى وليم الذي حاول عبثاً إنقاذ المدينة، لعجزه وإبطائه. واتهمه الآن نفس المتطرفين الذين أحبطوا سياسة التوحيد التي انتهجها، بتعصبهم وعنفهم-اتهموه بخيانة قضيتهم مع دوق أنجوالكاثوليكي، وأشاروا إلى أنه لم يؤدِ الشعائر الدينية طوال العام الماضي، وانتهز الملك فيليب هذه الفرصة ليصب اللعنة على أورانج (15مارس 1581). وبعد حتى أسهب فيليب في بيان عقوق الأمير وخيانته وزيجاته وجرائمه، استرسل يقول:

ومن ثم، بسبب الأعمال السيئة الشريرة التي رتبها وأنه يعكر صفوالسلام العام، وأنه إنسان بغيض، فإننا نحرمه من حماية القانون، ونحظر على جميع رعايانا حتى يتعاملوا معه أويتصلوا به في السر أوالعلن، أوحتى يزودوه بالطعام أوالشراب أوالوقود أوغيرها من الحاجيات الضرورية. أننا نعلن على الملأ أنه عدوللجنس البشري. ونبيح ممتلكاته لمن يضع يده عليها. ورغبة في الإسراع في تخليص شعبنا من طغيانه وظلمه، فإننا نعد، وعد ملك خادم للرب، أي فرد من رعايانا، وأتى من النخوة والشهامة ما يستطيع معه حتى يجد الوسيلة لتطبيق هذا المرسوم، وتخليصنا من هذا الإنسان البغيض، سواء بتسليمه لنا حياً أوميتاً، أوبإزهاق روحه على الفور، نعد بأن نمنحه هوأوورثته من الأرض أوالمال، وفق مشيئته، ما قيمته خمسة وعشرون ألف كراون مضىاً. ولسوف نصدر العفوعن أية جريمة ارتكبها أياً كان نوعها، ونحمله إلى مرتبة النبلاء إذا لم يكن نبيلاً(46).

وكان جواب مجلس المقاطعات على هذا "الجرم"، تعيين وليم حاكماً عاماً على هولندا وزيلنده (24 يولية 1581) وبعد ذلك بيومين سقط ممثلوهولندة وزيلندة وجلدرلند وأوترخت وفلاندرز وبرابانت، في لاهاي "قرار الاستنكار الذي طرحوا فيه بشكل مهيب ولاءهم لملك أسبانيا. وفي وثيقة مشهورة في التاريخ الهولندي، شهرة وثيقة "إعلان الحقوق" التي أصدرها برلمان إنجلترا 1689 في التاريخ الإنجليزي، أعربوا حتى الحاكم الذي يعامل رعاياه معاملة العبيد ويقضي على حرياتهم، يجب ألا يعتبر بعد اليوم مليكهم الشرعي ويحق قانوناً عزله(47). وكان رد وليم على هذا الحرمان في صيغة دفاع حرره له قسيسه، أوفد إلى الجمعية العمومية وإلى جميع بلاط في أوربا، ورحب بالحرمان على أنه وسام شرف له. واتهم فيليب بسفاح ذوي القربى والزنى وقتل زوجته وابنه. وأبدى استعداده للتخلي عن جميع مناصبه ومغادرة الأرضي الوطيئة بل حتى للتضحية بحياته، إذا كان هذا في مصلحة بلده، ومهر الوثيقة بشعاره "سوف أتشبث".

ولم يلبث فيليب طويلاً حتى جنى ثمار "الحرمان" الذي أصدره (18 مارس 1582)، فإن جين جوريجي أغرته الجائزة الموعودة، فتسلح بمسدس واستعان بالله، ونذر للعذراء بعض الغنيمة. واتخذ سبيله إلى وليم أورانج في أنتورب. وأطلق الرصاص على رأسه، فدخلت الرصاصة تحت الأذن اليمنى ونفذت إلى الفم، ثم إلى الخد الأيسر. ولقي القاتل على الفور حتفه بيد أتباع وليم، ولكن بدا حتى المهمة قد نفذت. ولعدة أسابيع بدا حتى الأمير على شفا الموت. ونادى فارنيزي المقاطعات الثائرة، وقد توفي زعيمها العنيد، إلى المصالحة مع مليكهم الرحيم. ولكن وليم تماثل للشفاء في بطء بفضل سهر زوجته شارلوت على العناية به. وهي التي قضت نحبها فيخمسة يونية بسبب الإرهاق والحمى. وفي يولية وضع متآمران مغموران خطة لدس السم لأمير أورانج ودوق أنجلوكليهما. واكتشفت المؤامرة واعتقل المجرمان وانتحر أحدهما في السجن، وأوفد الثاني إلى باريس وحوكم وأدين، ومزق إرباً بربطه في أربعة خيول، تتجاذبه في جميع اتجاه.

وفي أثناء عام 1582 جمع أنجوحوله بعض قوات فرنسية في أنتورب. ولم يكن الدوق ليقنع بلقبه، وداعبه الحلم بأن ينصب نفسه ملكاً. وهب أتباعه فجأة في 17 يناير 1583، وهم يهتفون "فليحيا القداس" وحاولوا حتى يسيطروا على المدينة. فقاومهم الأهالي، وهلك في هذه "الثورة الفرنسية" قرابة ألفي شخص. وأخفقت هذه الثورة وهرب أنجو. وعانى وليم من فقدان قدر آخر من شعبيته لأنه ظل طويلاً يؤيد أنجوويسانده. وسقطت في مارس محاولة أخرى للقضاء عليه. فلم يطمئن للإقامة في أنتورب ونقل مركز قيادته إلى دلفت. عندئذ عقدت مقاطعتا جروننجن وجلدرلند الصلح مع بارما، ولم يبقَ مع وليم إلا اثنتين من المقاطعات "المتحدة"، وهما هولندا وزيلندة، ولكنهما أثبتتا ولاءهما بأن جعلتا منصب "الحاكم العام" وراثياً في أسرته (ديسمبر 1583)، وبهذا وضعت أسس بيت أورانج الذي كان يمكن حتى يغزووأن يرث نصف إنجلترا في 1688.

وأصر القتلة ولم تفتر عزيمتهم. وفي أبريل 1584 حاول هانز هانزون من فلشنج حتى يودي بحياة الأمير، ولكنه أخفق وأعدم. واستبد الحماس الديني ببلتازار جيرار من برجندي، كما اشتد به التفكير في الخمسة والعشرين ألف كراون وقصد إلى دوق بارما يعرض عليه اغتال أمير أورانج، ولكن الدوق قدر حتى شاباً في العشرين من عمره غير صالح للاضطلاع بهذه المهمة، وأبى عليه المبلغ المتواضع الذي طلبه سلفاً، ولكنه وعده بالجائزة كاملة إذا حالفه التوفيق. وقصد جيرار إلى دلفت، وتنكر في زي كلفني مسكين تقي، وتلقى من وليم اثني عشر كراون صدقة. وصوب إلى جيده ثلاث رصاصات (10 يولية 1584) فصرخ وليم "يا إلهي، رحمتك بي وبالشعب المسكين". وفاضت روحه في بضع دقائق. وقبض على جيرار وحوكم أمام قضاة المدينة، وأبدى فرحه واغتباطه بنجاحه فيما قصد إليه، ثم لقي أشد العذاب وقتل شر قتلة. ووري وليم التراب في دلفت، بأسمى مظاهر التكريم بوصفه "أبا البلاد". ولما كان قد ضحى بكل ما يملك في سبيل الثورة فإنه لم يخلف لأبنائه الاثنى عشر شيئاً تقريباً. وهذا شاهد صامت على ما درج عليه من نبل وشرف.

ودفعت الجائزة كاملة لأبوي جيرار، وابتهج كاثوليك الأراضي الوطيئة، قائلين إذا الجريمة انتقام إلهي لانتهاك حرمة الكنائس وقتل القساوسة. وأوفدوا رأس القاتل إلى كولون باعتباره من المخلفات الثمينة، ولمدة نصف قرن بذلوا أقصى الجهد لإعلانه قديساً(49).

النصر 1584-1648

وهنت بموت وليم روح من بقي من أتباعه في الفلاندرز وبرابانت. واستولى بارما على بروجز وغنت وبروكسل وملكين وأنتورب، ولم ينته 1585 حتى سقطت الأراضي الوطيئة جنوب نهر ماس-فيما عدا أوستند وسليز-في يد الأسبان، على حتى "المتسولين" ظلوا يسيطرون على الثغور والبحر.

وكم أهابت المقاطعات الشمالية بالملكة إليزابث لنجدتهم. واستجابت الآن للنداء. فقد أدركت حتى ثورة الأراضي الوطيئة منعت أسبانيا من إعلان الحرب على إنجلترا، وما كان في مقدورها حتى توقف هذه الفرصة التي هيأتها العناية الإلهية-منع أسبانيا من إعلان الحرب-هذا بالإضافة إلى حتى الهولنديين سيطروا على سوق الصدف الإنجليزي. وفي ديسمبر 1585 أوفدت إلى هولندا قوة كبيرة بقيادة اللورد ليستر وسير فيليب سدني. وأخذ ليستر لنفسه، باعتباره حاكماً عاماً للمقاطعات الثائرة، جميع سلطة الملك تقريباً. ومذ رأى حتى المقاطعات الجنوبية تستورد جميع الحاجيات الضرورية للحياة من المقاطعات الشمالية فأنه حرم جميع اتجار مع الممتلكات الأسبانية، ولكن التجار الهولنديين كانوا يعيشون على هذه التجارة، وصدروا بضائعهم إلى أسبانيا أثناء حربهم معها. ومن ثم رفضوا الخضوع لما نهى عنه ليستر، الذي حلت به الهزيمة في زوتفن (22 سبتمبر 1586) فغادر هولندا مشمئزاً، شاعراً بالخزي والعار. وسادت الفوضى في الشمال لمدة عام كامل. وأنقذت الجمهورية الصغيرة بفضل اشهجر فيليب لدوق بارما في خطته لغزوإنجلترا، وبفضل هجمات بارما المظللة ضد هنري نافار في فرنسا، وتحكم الهولنديين في البحار، وثروة التجار الهولنديين وصمودهم، وعبقرية يوهان ڤان اولدنبارنڤلت السياسية، ثم بفضل ما أوتي موريس ناسو-ابن وليام الصامت، من عبقرية عسكرية.

يوهان ڤان اولدنبارنڤلت

وفور وفاة وليم الصامت اختير ابنه موريس حاكماً عاماً على هولنده وزيلنده وفي 1588، وهوفي الحادية والعشرين، عين قائداً عاماً وأمير للبحر في المقاطعات المتحدة. وفي 1590 أسلمته أوترخت وأفريجسل وجلدرلند منطقيد الحكم فيها. وأفاد موريس من محاضرات سيمون ستيفن في الرياضيات في ليدن، فطبق الفهم الحديث على القذائف والهندسة والحصار. ودرب الجيش الهولندي على أساليب جديدة للالتحام والنظام. وفي سلسلة من الحملات التي اشتهرت بسرعة الحركة والاستراتيجية المفاجئة (1590-1594) استرد موريس زوتفن ودفنتر ونيميجن وجروننجن. أما بارما الذي ضيع مهاراته وأمواله في هجمات فيليب العقيمة على إنجلترا وعلى هنري الرابع، فإنه قضى نحبه في "سبا" بسبب الإعياء والجراح (20 فبراير 1952).

وعين فيليب خلفاً له الأرشيدوق ارنست النمسوي الذي لم يلبث حتى أدركته المنية، ثن الكاردينال الأرشيدوق البرت الذي تخلى عن منصبه الديني، وتزوج إيزابل كلارا أوجينيا، ابنه الملك. وقبل وفاة فيليب (1598) بفترة وجيزة، منح البرت وإيزابل حق السيادة على الأراضي الوطنية، شريطة حتى يعود هذا الحق إلى أسبانيا إذا ماتا دون عقب. وأثبت الاثنان أنهما حاكمان قديران رحيمان. عجزا عن إخضاع المقاطعات الشمالية، ولكنهما أقاما في الجنوب حكماً متحضراً ازدهرت في ظله الفنون الكنسية في انسجام جميل مع صور روبنز العارية.

موريس من ناسو

وظهر على مسرح الحوادث في 1603 شخصية جديدة. وكان البرت قد استمر يحاصر أوستند عامين كاملين دون حتى يصيب أي نجاح، واتى أحد رجال المصارف الإيطاليين، هوأمبروزيودي سپينولا، ووضع جميع ثروته في خدمة أسبانيا، وجمع جيشاً قوامه ثمانية آلاف رجل، وجهزه بالسلاح وبالعتاد، وحاصر أوستند واستولى عليها. ولكن ثراءه العريض لم يعدل ثروة التجار الهولنديين، الذين ثابروا على بناء وتجهيز الأساطيل التي أقضت مضاجع البحرية الأسبانية، وهددت ببتر شريان المضى الذي يتدفق بين أمريكا وأسبانيا. وإذا أرهق الحصار والقتل البرت وإيزابل فإنهما استحثا المفاوضات مع الهولنديين، وأقرهما عليها الملك فيليب الثالث الذي أرهقه العمر والإملاق. وبرغم اعتراضات موريس حض أولدنبارنفلت الهولنديين على المصالحة. وفي 1609 عقدت هدنة هيأت الأراضي الوطيئة الراحة من عناء الحرب لمدة اثني عشر عاماً.

بيد حتى الوئام في الداخل شيء يختلف جميع الاختلاف عن السلام الخارجي. لقد حنق موريس على أولندنبار نفلدت هيمنته على منطقيد الأمور في الجمهورية. ومن الوجهة الفهمية كان لأكبر الموظفين راتباً في هولنده السلطان والسيطرة على هذه المقاطعة وحدها، ولكن مذ كانت ثروة هولنده والضرائب التي تدفعها للجمعية العمومية تعدل ما تملكه وما تدفعه سائر المقاطعات المتحدة مجتمعة، فإن أولندنبارنفلت مارس في الاتحاد سلطة تتكافأ مع تلك الثروة، كما تتكافأ رجاحة عقله وشخصيته وخلقه. أضف إلى ذلك حتى الملاك الذين حكموا المقاطعات والتجار والأغنياء الذين حكموا الكوميونات أحسوا بانعطاف نحوأولدنبارنفلت الذي نبذ الديمقراطية مثلهم، ونطق "إنه لمن الأفضل حتى يحكمني سيد مطلق من حتى يحكمني الرعاع"(50) وولى موريس وجهه شطر الشعب ليحصل على تأييده، ووجد أنه يمكنه حتى يكسب الشعب إلى جانبه إذا جعل من القساوسة الكلفنيين أصدقاء له.

وكانت القضية الدينية التي أهاجت الجمهورية الآن قضية مثلثة الجوانب: فهناك المعارضة المتزايدة بين الكنيسة الدولة، وهناك الصراع بين الكاثوليك البروتستانت، وهناك أخيراً النظريات بين البروتستانت أنفسهم. وسعت المجامع الكنسية الكلفنية إلى حتى تحدد النهج السياسي، وتتخذ من الحكومة أداة لتقوية ممضىهم. وارتابت الجمعية العمومية في المجامع الكلفنية على أنها سيئة وبذور خطيرة لمؤامرة الديمقراطية. وقد جلب أولدنبارنفلت على نفسه عداوات كثيرة حين أمر رجال الدين بأن يهجروا الحكومة للسلطات المدنية. وقد يحدث غريباً حتى نقول حتى الغالبية الساحقة من السكان في 1609 كانوا من الكاثوليك حتى في المقاطعات الشمالية(51). كانت القوانين تحرم العبادة الكاثوليكية، ولكنها لك تكن تنفذ، وكان هناك 232 قسيساً يتلون الشعائر الكاثوليكية(52)، وأمر مجلس المقاطعة في أوترخت القساوسة حتى يتزوجوا النساء اللائى يستخدمونهن في إدارة شؤون منازلهم، ولكن الامتثال لهذا الأمر لم يكن تاماً، ولك يلقَ إقبالاً.

وحدث الصراع داخل المجموعات البروتستانتية بين الكلفنيين و"المتحررين"، وهم أقلية. وأطلق هذا الاسم على هؤلاء، لا لأنهم إباحيون في حياتهم. بل لأنهم حبذوا الحرية الدينية حتى للكاثوليك، كما أيدوا تفسيراً إنسانياً متحرراً للاهوت البروتستانتي. هؤلاء هم ورثة تنطقيد ارزم (الذين كان ينتسب إليهم وليم أورانج). وكان المتزمتون معتنقوا الكلفنية القديمة، الذين تمسكوا بممضى الجبرية الصارمة، وأحسوا بأن عقيدتهم يحب حتى تكون إجبارية في جميع المقاطعات المتحدة(53)-نقول كان هؤلاء المتزمتون يرمون المتحررين بأنهم "بابويون" في الخفاء. ودافع ديرك كورنهرت الذي كان سكرتيراً لدى وليم أورانج. عن حرية العبادة في كتاباته التي أرست أسس اللغة الأدبية في هولنده. وانبرى واعظ من أمستردام، هوجاكوبس أرمنيوس، لتفنيد آراء كورنهرت، ولكنه تحول إليها واعتنقها بينما كان يفهم ليرد عليها، وحينما عين أستاذاً للاهوت في ليدن، صدم المتزمتين بارتيابه في الجبرية، وإثباته حتى الإنسان تنقذه أعماله الصالحة بقدر ما ينقذه إيمانه، وهذا يخالف ما نطق به لوثر وكلفن. وسلم بأن الوثني المتمسك بأهداب الفضيلة قد ينجومن الجحيم. ومضى إلى حتى جميع الناس في النهاية سيخلصون ودمغة أستاذ زميل له في الجامعة، فرانسيسكس جوماروس، بأنه مهرطق ماكر.

ومات أرمنيوس 1609، وكان قد كسب إلى جانبه آنذاك أتباعاً من ذوي النفوذ، من بينهم أولدنبارنفلت وهوجوجروتيوس أكبر موظفي روتردام وفي 1610 صاغ هؤلاء "المتحررون" احتجاجاً على نظريات الجبرية ولاصطفاء والرفض أوالإخراج من زمرة الأبرار، واقترحوا عقد مجلس وطني يضم رجال الدين وغيرهم من الفهمانيين لإعادة تحديد عقيدة الإصلاح وتعريفها. وصاغ المتزمتون "احتجاجاً مضاداً" أكدوا فيه من حديث الممضى الكاثوليكي:

"إن الرب، بعد خطيئة آدم، حفظ نفراً معيناً من البشر من الدمار، وقدر لهم الخلاص في المسيح...وفي هذا الاصطفاء لم يعتبر الرب الإيمان أوالارتداد، ولكنه يعمل كيف من الممكن أن يشاء. وأوفد الرب ابنه يسوع لتخليص هؤلاء المصطفين وحدهم(54)".

وأصر أتباع جوماروس على حتى هذه القضايا لا يعالجها إلا رجال الدين وحدهم، وبذلك نجحوا في دمغ المحتجين بأنهم من أنصار البابا أومن أتباع بلاجيوس (الذين ينكرون نظرية الخطيئة الأصلية ويرون حتى الإنسان مخير) أم من الموحدين (الذين لا يدينون بالتثليث، إلى حد أغلبية كبيرة من السكان البروتستانت انحازت إلى جانب المتزمتين، وكان موريس ناسويغفل شأن هذه المنازعات اللاهوتية احتقاراً لها، ولكنه تحرك الآن ليصادق مؤقتاً جماعة الممضى القديم، لأنهم يهيئون له ركيزة شعبية لمحاولة استعادة الزعامة الوطنية.

وأعقبت ذلك معركة بالخطب والعظات والنشرات قاربت حتى تكون حرباً. وعكرت الاضطرابات العنيفة صفوالهدنة، وهوجمت بيوت المتحررين في لاهاي، وأخرج الوعاظ الكلفنيون المتشددون من روتردام. وجهزت هولندا جيشاً للدفاع عن ديانتها، وسرعان ما تبعتها مقاطعات أخرى، وبدا حتى الحرب الأهلية توشك حتى تقضي على الجمهورية في مهدها، وفي أربعة أغسطس 1617 اتخذ أولدنبار نفلدت في مجلس هولندا قراراً خطيراً-رآه موريس خطيراً حقاً-يعلن فيه سيادة الدولة على الأمور الدينية، ويوجه مدن المقاطعة إلى تسليح نفسها حماية لها من عنف أنصار الكلفنية، وقصد إلى أوترخت حيث أقنع مجلسها بإعادة القوات لتأييد هولندا. وفي 25 يولية 1618 ولج موريس ناسوبوصفه القائد الشرعي للجيش، أوترخت على رأس قوة مسلحة. وأرغم الفرق المجندة حديثاً على حتى يتفرقوا. وفي 29 أغسطس أصدرت الجمعية العمومية للمقاطعات المتحدة أمراً بالقبض على اولدنبارنفلت وگروتيوس وغيرهما من زعماء المحتجين. وفي 13 نوفمبر اجتمع كنيسة الإصلاح في دور درخت (دورت)، واستمع لآراء اللاهوتيين المحتجين وحكم بأنهم مهرطقون، وأمر بطرد قساوسة المحتجين من وظائف الكنيسة والتعليم. وصبت اللعنة على أنصار أرمنيوس-مثلهم في ذلك مثل الكاثوليك-وحرم عليهم عقد الاجتماعات أوإقامة الصلوات العامة. وفر كثيرون منهم إلى إنجلترا حيث أحسنت الكنيسة الرسمية استقبالهم ودعموا أبرز مركز الأنجليكانيين المتحررين.

وحوكم اولدنبارنفلت أمام محكمة خاصة لم تهيئ له أي سند قانوني. واتهم بأنه بطريقة مدموغة بالخيانة أشاع الفرقة في الاتحاد وعرضه للخطر، وبأنه سعى إلى تكوين دولة داخل الدولة. وفي خارج المحكمة انهال سيل من النشرات تذيع على الملأ أخطاء حياته الخاصة. ودافع هوعن نفسه دفاعاً قوياً بليغاً إلى حد حتى أبناءه أقاموا أمام سجنه عمود مايوالمزدان بالأشرطة والزهور واحتفلوا بالإفراج المرتقب عنه، وكلهم ثقة في ذلك. وفي 12 مايو1619 أقرت المحكمة إدانته ونُفذ فيه حكم الإعدام في اليوم التالي. وحكم على جروتيوس بالسجن مدى الحياة، ولكنه بفضل براعة زوجته هرب من السجن وعاش ليؤلف كتاباً يستحق الذكر.

وعلى الرغم من هذا الفوز الذي أحرزه التعصب، نمت الحرية في المقاطعات. وبلغ الكاثوليك من الكثرة حداً يتعذر معه وقف نموهم. ولم يكن من المستطاع تطبيق القرارات النظرية التي صدرت عن مجلس دورات. وفي عام 1619 نفسه أسس المنونايت (يعارضون حلف اليمين وعماد الأطفال والخدمة العسكرية وقبول الوظائف العامة)، في حرية تامة، طائفة الطلبة الجامعيين، وهي تشبه الكويكرز، في ريجنسبرج وقد عثر عندهم سبينوزا ملجأ آمناً. وفي 1629 امتدح ديكارت حرية الفكر التي نعم بها في أمستردام، وفي نهاية القرن السابع عشر أصبحت هولندا ملاذ المهرطقين الذين لجأوا إليها من بلاد كثيرة.

استسلام برِدا بريشة ڤلازكويز، التي رسمها بأمر من الملك فليپه الرابع من إسپانيا، 1635، بعدخمسة سنوات من وفاة أمبروگيوسپينولا الوفي، أثناء عمله حاكماً لميلانو. ويظهر فيها سبينولا وهويحمل بكرم زعيم بريدا المستسلم. 307 سم × 367 سم، متحف پرادو، مدريد, اسبانيا

وفيتسعة أغسطس 1621 استُأنفت الحرب مع أسبانيا. ذلك حتى الأرشيدوق ألبرت توفي دون حتى يخلف عقباً. فعادت المقاطعات الجنوبية إلى أسبانيا. وأغار سبينولا على المدن الهولندية الواقعة على الحدود. فسار إليه موريس ناسو، ولكن سنوات النضال كانت قد أنهكت قواه، فمات فجأة (1625) وهوفي سن السابعة والخمسين. واستولى سبينولا على برِدا، وبذلك فتح الطريق إلى أمستردام، وهيأ للمصور فيلاسكويز موضوع لوحة.

ونهض الهولنديون من كبوتهم واستردوا قوتهم في إصرار وعناد. وأدهش فردريك هنري الذي خلف أخاه في منصب الحاكم العام، الأعداء والأصدقاء على السواء، بما كان يخفي حتى الآن من مواهب رجل دولة وقائد وبفضل دبلوماسية فرانسيس آرسنز استطاع حتى يحصل من ريشيليوعلى منحة سنوية قدرها مليون ليرة، وجمع حشداً جديداً، وبعد حصار طويل استولى على هرتوجنبوخ وماسترخت وبريدا. ولحسن الحظ كان سبينولا قد استدعى إلى لومبارديا.

معركة داونز بريشة ويلم ڤان ده ڤلده، 1659. المعركة كانت نهاية السيادة الإسبانية في اوروبا. المتحف الملكي، أمستردام، هولندا

وفي نفس الوقت استخدم التجار الهولنديون أموالهم في بناء السفن، لأن جميع فوز في البحر كان يعني توسيع مجال التجارة. وفي عام 1628 أسر أسطول هولندي صغير تحت إمرة بيبت هين أسطولاً أسبانياً كان يحمل المضى من المكسيك. وهاجم أسطول هولندي آخر قوة أسبانية مكونة من 13 سفينة في نهر سلاك، فدمرها وأسر 5000 رجل (1631). ولكن أروع هذه الفوزات البحرية هي المعركة التي خاضها قائممقام أمير البحر مارتن هارپرتزون ترومپ في القنال الإنجليزي (بين دوڤر وديل) وكان الأسبان قد عقدوا العزم على استعادة السيطرة على ثغور الأراضي الوطيئة من الهولنديين. فأعدوا أسطولاً ضخماً جديداً من 77 سفينة عليها 24 ألف رجل فلما أبصر به ترومب في القنال، وأوفد في طلب المدد، وفي 21 أكتوبر 1639 أبحر ومعه 75 سفينة حتى صار على مقربة من مواقع العدو، فأغرق أوأعطب أوأسر جميع الأسطول الأسباني فيما عدا سبع سفن. وقتل 15 ألفا من الملاحين الأسبان في المعركة أوأغرقوا. وتحتل معركة القنال الإنجليزي في تاريخ هولندا نفس المكانة التي تحتلها هزيمة الأرمادا (1588) في تاريخ إنجلترا. فقد وضعت حداً لكل نادىوى أسبانيا في السيادة على البحار، وبترت شريان الحياة بين أسبانيا ومستعمراتها، وأسهمت مع أنصار فرنسا على أسبانيا في معركة روكروا (1643) واختتمت الحقبة التي هيمنت فيها أسبانيا على أوربا.

مذ انهمكت أسبانيا انهماكاً تاماً في حرب الثلاثين عاماً فإنها قررت حتى تنزل للهولنديين عن جميع شيء، حتى تتفرغ للحرب مع فرنسا. وفي مونستر في 30 يناير 1648 سقط المندوبين الأسبان معاهدة وستفاليا التي أنهت ثمانين عاماً من الحرب في الأراضي الوطيئة. وأعرب حتى المقاطعات المتحدة غير متقيدة بأي رباط مع أسبانيا. وتم الاعتراف بفتوحاتها. ولا تصل تجارة الراين إلى بحر الشمال إلا عن طريق الثغور الهولندية وحدها. وخول التجار الهولنديون حرية التجارة في جزر الهند الشرقية والغربية. إلى غير ذلك انتهى أطول وأشجع وأقسى صراع من أجل الحرية في التاريخ بأسره.



فيليپ الثالث من إسپانيا

فيليپ الرابع من إسپانيا

كارلوس الثاني من إسپانيا

فيليپ الخامس من إسپانيا

الثقافة

ظلت الأراضي المنخفضة الجنوبية، أوالأسبانية، حتى 1713 خاضعة للحكم الأسباني وكانت شعوبها المتنوعة سلالياً يدين معظمها بالكاثوليكية وقد آثرت حتى تخضع لأسبانيا النائية التي حل بها الضعف، عن حتى تخضع للبروتستانت الذين في شمالها، أولجارتها فرنسا التي هددت بابتلاعها في أي لحظة. وقد منح صلح البرانس (1659) معظم أرتوا لفرنسا، وأعطاها صلح إكس لاشابل (1668) دويه وتورنيه، وصلح نيميگن (1678) ڤالنسيان وموبوج وكمبري وسانت أومير وابير. ولم تكن الجمهورية الهولندية أقل قسوة من الملكية الفرنسية. وبمقتضى معاهدة وستفاليا (1648) لم تكتف أسبانيا، في حرصها على إطلاق يد جيوشها لتفرغ للحرب المتصلة مع فرنسا- لم تكتف بأن تنزل للأنطقيم المتحدة عن المناطق التي استولت عليها في فلاندر، وليمبورج، وبرابانت، ولكنها وافقت كذلك على قفل نهر الشلت في وجه التجارة الأجنبية. فأصاب هذا الإذلال الخانق أنتورب وكل اقتصاد الأراضي المنخفضة الأسبانية بالشلل. "إن السياسة لا قلب لها" كما يقولون.

وفي داخل هذه الأسوار المعادية اعتزت هذه البلاد التي نعهدها اليوم باسم بلجيكا بثقافتها المتوارثة، ورحبت باليسوعيين، وتبعت قيادة لوفان الفكرية. ولما قصف الفرنسيون بروكسل بمدافعهم (1695) تحول قسم كبير من المدينة أطلالاً، ودمر جميع المعمار البديع الذي ازدان به الميدان الكبير، اللهم إلا قاعة للحرفيين والأوتيل دفيل البديع، وقد أعيد بناء "الميزون دورا" (الذي كان يقرأ فيه الخطاب الملكي على مجلس الطبقات) بطراز قوطي كثير الزخرف (1696)، وهووالأوتيل دفيل من أجمل العمائر في أوربا اليوم. وقد أفاض النحاتون من فنهم على تجميل قابلات الكنائس والمباني المدنية، والمنابر، ومقاصير الاعتراف، والمقابر التي بداخل الكنائس. وواصلت بروكسل خلق النسيج المرسوم البديع(1).

واضمحل التصوير الفلمنكي اضمحلالاً حاداً بعد روبنز وڤاندايك، وكأن حياة هذين الفنانين قد استنفدت العبقرية التصويرية لقرن كامل. واجتذب نهوض الفن في فرنسا وازدياد ثرائها الكثير من الرسامين الفلمنك أمثال فيليب دشامبين. ولكن فناناً أعظم منه، وهودافيد تنييه الابن، مكث في بلده. وكان أبوه قد تولى تعليمه، فأصبح "مفهماً" في طائفة القديس لوقا الحرفية حيث بلغ الثالثة والعشرين، وبعد أربع سنوات (1627) ضمن نجاحه بالزواج من آن بنت جان روجن "المخملي"، والقاصر الموضوعة تحت وصاية روبنز ذاته. وفي 1651 نادىه الأرشيدوق ليوبولد وليم من أنتورپ إلى بروكسل ليكون مصور البلاط وأمين المتحف الملكي، وترينا إحدى لوحات تنييه الأرشيدوق والمصور بين صور هذا المتحف(2). وقد صور في براعة مترددة موضوعات قديمة كالابن الضال(3) وتجربة القديس أنطونيوس(4). ولكنه كمعاصريه الهولنديين آثر حتى يلتقط داخل إطارات صغيرة حياة الفلاحين، لا هابطاً بهم إلى درك الأنعام كما عمل پيتر بروجن، بل مشاركاً إياهم في رباضتهم وأعيادهم. وأظهرت لوحته "داخل كاباريه" إلمامه بتفاصيل موضوعه(5)، لكنه كان يستطيع أيضاً حتى يرسم المناظر الطبيعية الريفية التي تغير هيئتها سماء لا تكف عن التغير. وقد أحب الضوء كما أحب رمبرانت الظل، والتقطه على فرشاته برقة حساسة لم تفها رقة.

عندما انفصل جزء من هولندا (الأراضي الواطئة) عن الحكم الاسباني وأصبح المقاطعات المتحدة في 1581، أصبحت بقية المنطقة تُعهد باسم الأراضي الواطئة الاسبانية وظلت تحت سيطرة اسبانيا. هذه المنطقة ضمت بلجيكا المعاصرة، لوكسمبورگ وكذلك جزء من شمال فرنسا.

المصادر

  • سيرة الحضارة
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:30:38
التصنيفات: Pages using infobox country with unknown parameters, Pages using infobox country or infobox former country with the flag caption or type parameters, الامبراطورية الاسبانية, أراضي تاريخية في اسبانيا, تاريخ بلجيكا, تاريخ أسبانيا الحديث, تاريخ هولندا, العلاقات الاسبانية الهولندية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

عقود التأمين على الديون التركية تقفز لأعلى مستوى في 19 عاماً

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:17:16
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 87%

تركيا.. مخاوف من نزاعات بالانتخابات المقبلة مع زيادة تراخيص السلاح

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:17:16
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 94%

هل العرض الإماراتي للاستحواذ على "بلتون" بديلاً لـ"هيرميس"؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:18:14
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 97%

الحلبوسي: استقالة نواب الكتلة الصدرية أصبحت "نافذة"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:17:56
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 91%

أبرز أخبار الاقتصاد من العربية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:18:00
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 89%

مجلس إدارة "مجموعة الحكير" يوصي بتخفيض رأس المال 46% لـ350 مليون ريال

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:18:08
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 88%

تركيا.. أربعة قتلى ومفقود في فيضانات في أنقرة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:17:18
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 99%

كم أنفقت فلسطين لدعم السلع الأساسية منذ 2022؟ | آخر الأخبار

المصدر: CNBC عربية - الإمارات التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:18:27
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 78%

هذا أبرز ما يراقبه المستثمرون اليوم

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:18:10
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 95%

على ضوء الحرب بأوكرانيا.. فرنسا تعيد تقييم النفقات العسكرية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:17:17
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 85%

صفقات مغرية تحول روسيا إلى ثاني أكبر مورد للنفط إلى الهند

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:18:04
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 86%

تونس.. مفاوضات بين اتحاد الشغل والحكومة لتفادي الإضراب

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:17:51
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 95%

الحوثيون ينشرون ألغاماً بحرية في محيط صافر.. وتحذير حقوقي من كارثة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:17:46
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 99%

أوكرانيا تتوقع حصاد 48.5 مليون طن من الحبوب في 2022

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:17:15
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 87%

نمو إقراض البنوك الكويتية للقطاع الخاص بأكثر من 9% في أبريل 

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-13 15:18:06
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية