عبقريات عباس العقاد : ( 2 ) ركوب للكذب واستخفاف بالعقول

عودة للموسوعة

عبقريات عباس العقاد : ( 2 ) ركوب للكذب واستخفاف بالعقول

عبقريات عباس العقاد : (2) ركوب للكذب واستخفاف بالعقول


توطئة لابد منها

مَعْلَمٌ ثابت يأتي إليه عباس العقاد حال التحدث عن أي ( عبقري ) من ( العباقرة ) ، أمِّ هذا العبقري وأبيه وأخته وأخيه .. أصلِ ( العبقري ) وبيئتهِ التي نشأ فيها ، ويربط كلَّ الكرائم التي تظهر على هذا ( العبقري ) بأصله وبيئتهِ ، ولا يجعل شيئاً من ذلك لعقيدته.

وفي جميع مرَّةٍ يقبض العقاد بيديه ويضغط بقدميه ويَعضُّ بفكيه على نصٍ أونصين ، وـ من الممكن ـ لا تدري من أين يأتي بهما ، فهولا يبالي بمصدر التلقي ؛ كله عنده سليمٌ إذا وافق هواه ، يسير بين المصادر يفتش فيها حتى يجد ما يوافق هواه فينقله ، كان البخاري أم كان الأصفهاني .!!

وما درى العقَّاد حتى الخبر بالمُخْبِرِ أوبشواهدٍ في ذات الخبر تشهد على صدقه ، فنحن نفتش في النص ( المتن ) ونفتش فيمن نقل إلينا النص ( السند ) ، ولا بد من صحٍة الاثنين معاً ، فلا نقبل من الكذوب ولا نقبل ممن لا يَضْبِطُ ولا ممن خدشت عدالته ؛ ولا نقبل نصاً يتعارض مع الصريح السليم .وما نعمله ( نقد المتن والسند.. النص ومَنْ نقل إلينا النص) مُسَلَّمَةٌ عقلية لمن أراد الصدق فيما يقول ويعمل.

والعقاد لا يعهد هذا ، عباس العقاد لا يبالي بالخبر أوبمن اتى بالخبر ، المهم حتى يتفق وهواه . بل إذا أمر العقاد أشد من هذا ، فالرجل عنده ثوابت قدَّم من أجلها سيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونفراً من صحابته الكرام . عند العقاد قوالب فكرية جاهزة يحاول حتى يخرج سيرة هؤلاء الكرام في قوالبه المعدة سلفاً . الرجلُ يعتقد ثم يستدل ، يثبت الأفكار ثم يتجول بين الخط حتى يعثر على نصٍ يستدل به على ما استقر عنده ابتداءً ([1])، وإن لم يجد وقف أمام النص يحتال عليه أويضغط عليه حتى يخرج منه ـ رغما عنه ـ بما يريد ؛ فمرةً يبتر النص من سياقه القولي أوالعملي ، ومرةً يعتمد الضعيف والشاذ وما لا يصح ، ومرةً يقدم تفسيراته الكاذبة الخاطئة يحرف بها الحدث عن مواضعه ويضلل بها مَن يقرأ . فالخطأ عند العقاد ليس فقط في مصادر الاستدلال كما يمضى الدكتور صالح اللحيدان في نقده للعبقريات ، وإنما في المصادر وفي طريقة الاستدلال . وبالتالي هوخطأ متعمد .

فحيناً تجد الخطأ عنده أنه اعتمد على نصٍ ضعيف أوغير سليم ، وحيناً تجده يمسك بنص سليم ولكنه يغير المعنى بطريقته في الاستدلال ، وكثيراً ما يجمع بين الأمرين .. نص غير سليم ومعالجة غير سليمة . أويتحدث من تلقاء نفسه بلا مرشد سليم أوغير سليم .!! وتسمع من العقاد بعض الجمل التي يضحك بها على من يسمع ويستغل جهالته ، مثلا يقول : عن ابن عباس ، ثم وكي يقتنع من يقرأ بما ينقله العقاد يعقب قائلا : وكان حاضراً ، وكأن ابن عباس حدَّث العقاد بنفسه عن شيء رآه . !! المشكلة ليست في الصحابي أبداً ، ولكن فيمن يروي عن الصحابي من التابعين أومَن بعدهم . وتسمع منه ( وأيده على ذلك بعض المجتهدين ) ، ولا تدري من هم المجتهدون هؤلاء ، ولا أين يجتهدون ، ولا فيم يجتهدون . !! وهذا كله نوع من المحاصرة للقارئ وفرض الرأي عليه .

وتجد في هذا الموضوع بيانٌ لممضى العقاد في التعامل مع النصوص . وتجد في هذا الموضوع تكملة لما مضى في الموضوع السابق .. تجد فيه بيان لإنكار العقاد أثر العقيدة في حياة الناس . والآن مع الأمثلة ، أبين في جميع مثال أمرين : كيف من الممكن أن يتعامل مع النصوص ، وكيف أنه لا يرى أثراً للعقيدة في حياة الناس .أدعم ما تجاوز من الجزء الأول ، وهو( عبقريات العقاد : إنكار للوحي ).

بينت في الجزء الأول ( عبقريات العقاد إنكار للوحي ) حتى عباس العقاد نسب الصفات الكريمة التي كانت في النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى شخصه أوأصله !! ، والآن أبين عدداً من الشخصيات الإسلامية التي تناولها بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .


أبوبكر الصديق رضي الله عنه .

ما فهمنا عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ من صفات حميدة هي عند العقاد من عند أبي بكرٍ الصديق .. من نفسه يقول : ( أدب الطبع الذي يهتدي من نفسه ) ( يدري بوحي نفسه )([2]) !! فأبوبكر ـ عند العقاد ـ أُعْجِب ببطولة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذا آمن به([3]) ، وأبوبكر ـ عند العقاد ـ سيَّر جيش أسامة بعد وفاة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقاتل المرتدين ، وكان على هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جميع شيء ، لأنه مُعجب ببطولة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أوـ كما يقول العقاد ـ لأنها أوامر بطله العزيز عليه([4]) !!

لا يرى عباس أثراً للعقيدة في حياة الصِّديق ـ رضي الله عنه ـ ، ويتحدث من عند نفسه ، يضرب بالأدلة عرض الحائط ، ويقدم وجهة نظره التي لا مرشد عليها ، ولا يناقش العقاد أدلة المخالفين ولا يهتم . أبوبكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ عاش قريباً من أربعين عاماً قبل البعثة نسياً منسياً ، ولولا الله ما اهتدى ولا صام ولا صلى ، ولمات كما ماتت ألوف من قومه لا يسمع بهم أحد . والله يقول : {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ النور46 والله يقول :{ .. وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ النور21 والله يقول : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{2 وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{3 ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ{4 فكله من فضل الله علينا ابتداءً وسيراً وختاماً ، وفي الحديث ( وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا )([5])


السيدة عائشة رضي الله عنها

قدَّم للحديث عن السيدة عائشة بنت الصديق ـ رضي الله عنهما ـ بحديثٍ طويلٍ يتحدث فيه عن حال المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام وخاصة النساء اللاتي في بيوت سادة العرب ، يقول كانت تستشار ، واستشهد بحالتين تستشار جميع منهما فقط في أمر زقابلا ، ينقل عن خط الأدب ، وعِلْمي حتى ليس في خط الأدب غير هاتين الحالتين([6]). ثم ينثني بعد ذلك على بيت أبي بكر الصديق في الجاهلية فيقول : بيتُ سيادةٍ متحضر ، رجاله رقاق القلوب يهيمون بنسائهم ، ونساءهم حسناوات منعمات أوكما يقول هوواصفاً بيتَ أبي بكر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ( ظرف الرجال وتدليل النساء ) ويستدل بعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الرحمن بن أبي بكر كان حازماً لا مُرِبٍّ بعرسه ـ كما يصوره العقاد ـ طلَّق زوجته وحملها إلى أهلها حين رأى من نفسه شدةَ ميلٍ لها ، والعقاد يعهد ذلك([7]) .!!

ثم يبني على ذلك فيقول بأن هذه النشأة ـ في بيوت السيادة والشرف ـ جعلت لها شخصية قابلة للمشورة وللمشاركة في الأمور العامة ، ويصورها بأنها كانت ( سيدة المجتمع الأولى ) ، فقد كانت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( سفيرته الأولى لعالم النساء في عصره وفيما يليه من العصور ، فكانت تحضره إذا والىالنساء أوصلى بهن أوجلسن إليه يسألنه في أمور الدين )([8])

وهذا الكلام غير سليم . ما بنى عليه العقّاد غير سليم ، وبالتالي ما استنبطه العقَّاد غير سليم .خطئ في الدلالة وخطئ في الاستدلال .

أبوبكر الصديق من بني تَيْمِ بن مُرَّةٍ ، وبنوتيم بن مرة هم أضعف قريش نسباً وأقلهم حسباً فكانوا بين قريش في الجاهلية لا يفاخرون بغير بن جنادىن ، وهوصعلوكٌ مطرود عثر على كنز فراح ينفق أمواله فيما كانت العرب تفاخر به وهوإطعام الطعام ليخلد في الناس ذكره . واجتمع حوله عدد من الجياع ممن ينظمون الشعر يمدحوه إذا أطعمهم ويذموه إذا أطعموا ما أشهى ( البر بالشهاد ) عند غيره ، فشاع بين الناس ذكره . وكله من فخر الجاهلية ، ومشهورٌ قولَ أبي سفيان يوم بويع أبا بكرٍ بالخلافة (ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة وأذلها ذلة ) ([9])، ومشهورٌ أيضا قول أبي قحافة ( أبوالصديق ) يوم بويع أبا بكر بالخلافة : هل رضيت بذلك بنوعبد مناف وبنوالمغيرة ،يا ترى؟ نطقوا : نعم ، فنطق : لا واضع لما حملت ، ولا رافع لما وضعت ([10])، فهويشي إلى موضوعٍ رُفع ، ومرفوعٍ وضع . والرجل حديث عهد بإيمان . وحال بني تيم بن مرة في الجاهلية معروفٌ في خط الأنساب وخط السيرة وخط الحديث ، فكيف حاد عنها العقاد وقد مر عليها أكثر من مرة ؟!

ولم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشير السيدة عائشة في شأنه كله ، بل ولا استشار السيدة أم سلمة يوم الحديبية كما هومشهورٌ بين الناس ، وإنما ولج خيمته وهي ـ رضي الله عنها ـ فيها وتحدث إليها حديث المدهش المأخوذ بما رأى من الناس وقد أمرهم فتباطئوا ، فسمعت قوله وعرضت عليه رأياً فأخذ به . فلم يكن الحال هوالمشورة وإنما حديث العفو، ولم يكن الحال حتى تعقد مجالس الشورى بالنساء ، لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، بل كانوا يأنفون من ذلك ، وشاعرهم يقول مفاخراً بنفسه : وَلا جَبأَ أَكهى مُرِبٍّ بِعِرسِهِ يُطالِعُها في شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ([11])

ولم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفرد النساء بصلوات دون الرجال ، ولا بمجلسٍ دون الرجال ، يجلسن بين يديه أويجلس إليهن مصطحباً السيدة عائشة أوأخرى من نسائه لم يكن يحدث هذا . فقط يأتين لبيته يسألن نسائه أويسألنه في حضرة نسائه كالتي اتىت تجادل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فراق زوجها بعد حتى جعل ظهر أمه كظهرها([12]). وما كان له ـ صلى الله عليه وسلم ـ سفيرة أولى ولا ثانية لعالم النساء .بالمعنى المعروف المتبادر للذهن من السفارة ([13]). ­­­­­­­­­­­­­­ وكانت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ تُحَدِّثُ بما فهمت من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النساءَ والرجالَ ، بل وأكثر من روى عنها هوابن أختها عروة بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ . فلم تكن بين النساء فقط بما يشبه اليوم الجمعيات النسائية ، وبما تصوره حدثات العقاد ، كان مجتمعاً واحداً متكاملاً ، النساء في البيوت شريفات مصونات يقمن بما خلقهن الله له من تربية الأولاد والقيام بحق الزوج ، والرجال بالخارج يضربون في الأرض دعوة إلى الله وسعياً على الرزق.

وما كانت تعمله السيدة عائشة ـ رضي الله عنه ـ في بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غيرةٍ عليه ، وأشياءٍ أقرب للفكاهة منها للجد بينها وبين أمهات المؤمنين ، مرجعها لصغر السن ، لا لأنها ولدت في بيت من بيوت سادات العرب فصبَّ عليها الدلال والجمال وأتاها العقل ولزم من يتزوجها حتى يشاورها ولا يبتر أمراً دونها !!.

لوكان مرجع الأمر لبيت أبيها الذي نشأت فيه ، لكان أولى منها السيدة أم حبيبة بنتُ سيد قريش أبي سفيان بن حرب ، أوالحلوة المليحة التي تأخذ بنفس من يراها([14]) .. الصوَّامة القوامة([15]) بنت سيدِ قومها جويرة بنت الحارث أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ ؛ وكذا بنت سيد قومها صفية ـ رضي الله عنها ـ زوجها نبي وعمها نبي وأبوها نبي ـ عليهم الصلاة والسلام([16]) ـ.

فلم يكن الأمر متعلق بالبيت الذي نشأت فيه السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وإلا ما كانت وحدها ، وإنما بصغر السن ، وقد صرحت هي بذلك كما في روايتها لوفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ([17]) . ولم تكن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها تشارك في الأمور العامة للدولة ، فلم تكن ـ هي وغيرها من النساء جميعاً ـ من أصحاب الشورى . وما شاركت في الأمور العامة ، وخرجت يوم الجمل للصلح بين الناس كما تعمل الأم مع أبنائها . والأحداث توالت ولم يكن هناك من يعد لها ويخطط ، بل ولا من يتسقطها ، وبقيت بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم أكثر من نصف قرن من الزمان تعبد ربها في بيتها وتحدث الناس بما سمعت ورأت في بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن قصدها أحد المؤمنين بشيء شفعت له ، وهي في بيتها ، وهي حالات قليلة جداً .

وما حملت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ النعل على عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ كما يفتري العقاد . فلا هي مَن تحمل النعل على أحد ، ولا هو( عثمان رضي الله عنه ) من يُحمل عليه النعل مِن أحد ، وإنما هو( عباس العقاد ) وخليلاته ( هند رستم ومديحة يسري ومي زياده و[سارة ]) من يَعمل ويُعمل به مثل هذا .

مثال آخر لدلالة على فساد منهج العقاد في الاستدلال ، وعلى قوله بأن لا أثر للعقيدة في حياة الناس .


عثمان بن عفان

في مكة كفر بنوأمية كلهم وآمن عثمان بن عفان ،لا لأن خطاب الوحي أثر فيه فاستجاب لمن يدعوه إلى الله ، صاحِبه أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ كما عمل الزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف حين استجابوا لأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ . وإنما لأنه نشأ في بيت عقبة بن معيط ـ زوج أمه ـ .!! فنشأة عثمان ـ رضي الله عنه ـ في كنف عمِّه وزوج أمه عقبة بن معيط الأموي أورثه جفاءً من ناحية الأسرة ومن ناحية بني أمية عموماً جعله لا يسايرهم في كفرهم ولذا أسلم ([18]). واشتد إقباله على الإسلام بحديث لخالته الكاهنة التي تنبأت له فاتبع محمداً صلى الله عليه وسلم . هكذا يقول عبّاس . وكأنه يحكي سيرة مسلسل !! ولا تصدق عباس . فكل هذا من عنده . يتقمص شخصية الكاهن الذي يخلط قليلاً من الحقيقة بكثيرٍ من الكذب .

لم يكن عثمان وحده مَن أسلم من بني أميه ، بل لم يكن وحده من السابقين إلى الإسلام من بني أمية ، كان منهم غير عثمان بن عفان عمروبن سعيد بن العاص ، وخالد بن سعيد بن العاص ، أبوحذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط([19]) ـ ، وهي من ذات البيت الذي نشأ فيه عثمان ـ رضي الله عنه وعنها ـ وقد أكثر العقادُ من الحديث عن بيت أبيها وكأنه كان يسكن فيه ولم يذكر شيئاً عن أم كلثوم بنت عقبة هذه ـ رضي الله عنها ـ.

فلم يكن بنوأمية كلهم صفاً واحداً ضد الإسلام ، كونه خرج من بني هاشم ؛ ولم يكن الأمر كما زعم العقاد جفاء بين عثمان وبني أمية دفعه إلى الإسلام وهجر ما عليه قومه من الكفر ، بل اتىت الأخبار حتى عثمان كان محبباً لبني أمية ، ولذا آووه يوم الحديبية ومنعوه ، بل وعرضوا عليه حتى يطوف آمناً بالبيت ، وخاف عمر من توليته الخلافة حتى لا يجمع حوله بني أميه فيجتمع عليه الناس ، بل وكانت قريش تحب عثمان كلها وكانت المرأة تهدهد طفلها وتقول : أحبك والرحمن حب قريش عثمان . ولم يكن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ حبيس بيت عمه وزوج أمه ( عقبة بن معيط ) ، يركله ويؤذيه ، كما هوالحال اليوم فيما تصوره المسلسلات التليفزيونية تبغض الناس في الحلال ، بل كان غنياً ثرياً يدير التجارة إلى الشام وداخل مكة ، وكان زواج الأم بعد موت الأب من العم أوغيره أمراً عادياً ، والعقاد يعهد ذلك في مكانٍ آخر وينكره أويتنكر له هنا كما هي عادته ([20]).

المقصود هوبيان كيف من الممكن أن حتى العقاد لا يرى أثراً للعقيدة في أفعال أبي بكر والسيدة عائشة وعثمان بن عفان ـ رضي الله عنهم ـ . والمقصود هوتوضيح حال العقاد : بم يستدل ،يا ترى؟ وعلى ماذا يبني تحليلاته .؟ المقصود هوبيان حتى تحليلات العقاد خفيفة سخيفة تُضحك من يقرأ إذا وقف أمامها ينظر قليلاً في حالها . المقصود هوبيان حتى عباس القعاد قليل الأدب مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

استراحة ! أكسرُ بها الملل ، وأأكد فيها على ما مضى ثم أستأنف المسير . !!

نصٌ مجمل من كلام العقاد أبين فيه حتى العقاد لا يرى أثراً للعقيدة في إسلام أحد من ( العباقرة ) ، يقول في عبقرية الصديق : ( إلى غير ذلك يبين لنا في إسلام أبي بكر كما بان لنا في إسلام جميع رجل ذي بال من السابقين إلى الدعوة المحمدية أنها دعتهم إليها بأسبابها المقعولة فاستجابوا إليها بأسبابهم المعقولة التي توائم كلا منهم أصدق المواءمة ولا تحوج أحداً من المعللين والمفسرين إلى الخوارق المكذوبة ، أوإلى تفسير الأمر بالوعد والوعيد ورغبة الجنة ورهبة السيف )([21])

وهويكذب ، وهويسلك طريقَ الضالين ، فالخطاب الشرعي ارتكز على الثواب والعقاب في دعوة الناس إلى الله رب العالمين ، فلا تجد شبهةً ولا سؤالاً للمخالفين ولا تشريعاً للمؤمنين المتبعين إلا مشفوعاً بذكر اليوم الآخر تصريحاً أوتعريضاً([22]) . بل وكل شيء في الشريعة مربوط بالوعد والوعيد الذي يسخر منه العقاد ، فإيمان المؤمنين سببه معهدتهم باليوم الآخر {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ الأنعام 92، وكفر الكافرين سببه جهلهم باليوم الآخر {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ المؤمنون74 ، {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ النحل22 . وهذا صريح أعهده في جميع سور القرآن الكريم بل في جميع آياته ، ولا أبالغ ، ويضيق المقام عن التفاصيل .

والرجل ينكر المعجزات ، ويسخر منها ويتطاول عليها بتسميته إياها ( الخوارق المكذوبة ) ، وهي ليست مكذوبة ، وإنما صادقة اتىت بها الأخبار عن جميع المرسلين .وهي ضرورة لتصديق النبي ، أي نبي ، فلاقد يكون النبي نبياً حتى يأتي بمعجزة حسية ، كتحدث الجمادات بين يديه ، وشفاء من لا يرجى شفاؤه ، أوغيبية كالإخبار عن غيب ، فهاتان أمارتان على حتى المتحدث بها مؤيد من الله العليم الخبير القادر على جميع شيء . والعارفون من المختصين في الحوار مع النصارى وغيرهم يفهمون حتى دعوى النبوة لا مرشد عليها غير المعجزة والإخبار بالغيب([23]) ولكن العقاد ينكر الوحي وينكر الرسالة ويعطي تفسيراً آخر للنبوة فأنى له حتى يقر بالمعجزات ؟! لابد له حتى يجحد كي يستر سوءته .


خالد بن الوليد رضي الله عنه

كالبقية ( العباقرة ) لا يرى أثراً للعقيدة فيهم . يقول عن خالد ـ رضي الله عنه ـ ( مدخر للقيادة والرئاسة بميراث حسبه وطبعه ، وملكات نفسه وجسده )([24]) !! بل هولم يخط عبقرية خالد إلا لبيان أنْ ليس للعقيدة أثر في شخصية خالد وإنما : ( أعمال خالد تعنينا في هذا الكتاب لمقصدٍ واحد ، وهوالرجوع بها إلى مصدرها من نفسه وعقله ومقومات شخصه )([25]) ، وفي ( عبقرية خالد ) يؤكد حتى خالداً إنما انتصر بما له من صفات شخصية يقول في نهاية بحثه عن خالد وهويلملم أفكاره ومفاهيمه التي يريد حتى يقدمها للقارئ من هذا البحث يقول ( وإجمال القول في توفيق خالد بن الوليد أنه لم تعوزه قط صفة من صفات القائد الكبير المفطور على النضال : وهي الشجاعة والنشاط والجلد واليقظة وحضور البديهة وسرعة الملاحظة وقوة التأثير . كان يضع الخطة في موضعها ساعة الحاجة إليها )([26]).لا مجال للعقيدة أبداً . وأقول : لولا الدعوة لبقى هؤلاء جميعاً في الوديان حول الآبار يرعون الإبل والأغنام وما سمعنا بهم ، وما تجرأ أحدهم على الخروج من بين أغنامه إلا لتجارة أوسياحة . المؤثر الحقيقي هوالعقيدة وليس الأفراد ، وإن شاء الله تعالى أتعرض لأصرح نموذج يقدمه العقاد دليلا على فكرته ، وهوخالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ لأبين حتى قراءته معكوسة لا تصلح ، وأن الرجل يمتطي الكذب ويستخف بالعقول . فقط أسأل : كيف من الممكن أن وصل العقاد إلى هذه الكلام الذي يقوله لخالد ،يا ترى؟ ماذا تقول تحليلات العقاد ؟ وصل إلى هذه النتيجة ـ الموجودة أصلاً قبل البحث ـ بالتلفيق واللف والدوران حول الدليل والتحايل عليه .كما هي عادته . وهاأنذا أبين لك حتى لا تخضع ثانية بالعقاد .

يريد حتى يسند جَلَدَ خالد ـ رضي الله عنه ـ وقوته في الحرب إلى بيئته وليس إلى عقيدته ، فيقول ( وموضع الترجيح والاستنتاج هنا إنما هوفي إرسال خالد إلى البادية قصداً لرياضة النفس والجسد على خشونة الأعراب وشدائد الميادين .. فهذا ، وإن جرت به عادة بعض الأشراف في حواضر الحجاز ، لم يبتر به قول من الأقوال في سيرة الوليد ابن المغيرة وبنيه ( الشهود ) على احتمال الشهادة للمعنى الذي قدمناه . ولكن الأمر الموثوق به جميع الثقة ، والذي لا موضع فيه لترجيح ولا استنتاج حتى خالداً قد نشأ حيث نشأ في الحاضرة أوالبادية مستعداً للخشونة مستطيعاً لمعيشة الأعراب ، مستجيب السليقة والبيئة لما يتكلفه المجاهد في أوعر القفار وأعنف الحروب ) ماذا يعمل ؟ يريد حتى يثبت حتى خالداً ـ رضي الله عنه ـ اكتسب القوة والجلد من البدوفي الصحراء ، ولم يجد دليلا على ذلك ، بل عثر عدداً من الأدلة وقوفاً يبترون عليه الطريق ويأمروه بالرجوع . منها حتى القرآن الكريم صريحٌ بأن أولاد الوليد بن المغيرة ـ ومنهم خالد ـ كانوا شهوداً حول أبيهم بمعنى أنهم لم يهجروه {وَبَنِينَ شُهُوداً المدثر13 . ومنها حتى خالداً ـ رضي الله عنه ـ لم يكن بدوياً ، وإنما من حواضر الجزيرة .. من أم القرى ( مكة المكرمة ) ، ولم تأتِ الأخبار بأنه عاشر البدو.. لا يوجد في الخط خبر يفيد حتى خالداً بادَ في الأعراب . ماذا عمل العقاد أمام هذه الأدلة التي تبتر عليه الطريق وتأمره بالرجوع ؟ كعادته راح يحتال ويكذب . راح عباس العقاد يحور ويدور حول النص الصريح والحقائق الثابتة في التاريخ كي يثبت حتى خالداً كان قوياً بنشأته وفطرته وأنه كان على فهم تام بالصحراء والعرب ولذا استطاع حتى يهزمهم في حروب الردة وما بعدها . ويتكلَّم من تلقاء نفسه ، يكذب ، أوقل يخدع القارئ البسيط ، يقول : (فلعله سافر كثيراً في الجزيرة قبل الإسلام ، ولعله عهد في تلك الأسفار دروبها العصية التي كان يطرقها من العراق إلى الحجاز ومن الحجاز إلى اليمن ، ومن نجد إلى الشام ) ولنا حتى نسأل : إذا كان السر في نشأة البادية ، فكيف هزم خالد من نشأ عندهم وتحلى بصفاتهم وهم أوفر عدداً وعدة ؟! إننا لوقلنا بقول العقاد حتى السر في النشأة في البادية لكان أولى بالنصر أهل البادية . وخالد وأحدٌ من قريش لم يكن يتجول في الصحراء ، بل كانوا يسيرون في الدروب المشهورة ولا يقتحمون الصحراء ، وكانت رحلاتهم شمالا وجنوباً وليس تجوالا في دروب الصحراء ، ولم يعهد خالد بتجارة ، والعقاد يقر بذلك بعد هذا الكلام بقليل ، وخالد كان يسير بدليل لا بغير مرشد في الصحراء .!! إنه العقَّاد . يكذب ويحتال ويلف الكذب في ثوب البيان .. إنه العقاد يتخبط ذات اليمين وذات الشمال ، وليس عنده سوى : إنكار أثر العقيدة في حياة خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ . سوى القول بأن الإسلام لم يضف شيئاً لخالد . سوى القول حتى السبب هوالنشأة والصفات الموروثة وليس العقيدة .!!

فقط ألفت النظر إلى حتى العقاد يملك مسلمات قبل البحث ، ويحاول حتى يصل إليها عنوة رغماً عن الدليل ، وإن لم يطاوعه الدليل تخطاه وركب الكذب مستخفاً بعقول من يقرأ . الفت النظر للعقاد وقد ( نفخوه ) حتى جعلوه ( عملاقاً ) قزم صغير ليس عنده سوى الكذب وخداع القراء .

وهذا مرشد آخر يؤكد كلامي ، يقول ـ وهويتحدث عن خالد بن الوليد ـ بأن بني مخزوم ( باءوا بأسباب المحافظة على القديم جميعاً حين تصدى الإسلام لتبديل ذلك القديم ، فهم أول من يصاب بهذه الدعوة الجديدة وآخر من يلبيها وله مندوحة عنها ، ومن ثم كانت المصاولة بين الإسلام والجاهلية في وجه من وجوهها مصاولة بين محمد عليه السلام وبين خالد بن الوليد الذي انتهى إليه شرف الرئاسة المخزومية في ذلك الأوان )([27])

هذا الكلام في صفحة 22 ، وبعده بقليل وهويحسب عمر خالد بن الوليد يقول قولاً آخر ، يقول بأن خالداً كان غلاماً صغيراً والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكة . وفي جميع الأحوال العقاد يتعدى على الحقيقة بكثيرٍ من قلة الحياء ، فخالد لم يكن يوماً رأس بني مخزوم ، ولا رأس بني أبيه ، فضلاً عن حتىقد يكون رأس المشركين كلهم ويكون هورأس الجاهلية في لقاءة سيد البشرية صلى الله عليه وسلم ([28]).

لاحظ شيء ، آلية التفكير عند عباس واحدة ، وتنبني على حتى من آمن آمن لغرض ما غير العقيدة ، إما إعجاباً بالنبي ، وإما نكاية في أهله . وفي جميع مرة يفسر جميع الخلافات استناداً للقرابة .. القبلية ، فهذا مجافٍ لأهله ولذا خالفهم حين كفروا فآمن ، وهؤلاء منافسين لبني هاشم ولذا لم يؤمنوا ، وعائشة ترغب طلحة لأنه من بني عمومتها ، وأهل الشورى انقسموا على القرابة بين علي وعثمان . حين يتحدث عن أحدٍ من بني أمية يصور لك جبهة الكفر وكأنَّ بنوأمية هم الكفر ومن يحمل الناس على الكفر ، والآن يتحدث عن خالد بن الوليد فيصور لك جبهة الكافرين وكأن ليس فيها إلا بني مخزوم كفروا وحملوا الناس على الكفر . والتضارب شيمة المزورين الكذابين الأفاكين . قريش كلها ، وسادة قريش كلهم كانوا في صف الكافرين ، سادة بني مخزوم ، وبني هاشم ( أبولهب عم النبي صلى الله عليه وسلم ) وبني أمية ( عتبة بن ربيعة ثم أبوسفيان ) وغيرهم من سادة قريش ، وهذا حال الملأ في جميع زمان ومكان {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ سبأ34وهم الملأ ، وهي علة في مكذبين الضالين وليس خللاً في دعوة ولا إنسان المرسلين ([29]). ولم تكن زعامة قريش يوماً في يد خالد بن الوليد كيقد يكون طرفَ في الصراع مع الرسول صلى الله عليه وسلم كما يفتري العقاد . ولم يكن بني مخزوم كلهم صفاً واحداً في وجه النبي ، بل في أحد بيوتهم بدأت الدعوة الإسلامية ، وهوبيت الأرقم بن أبي الأرقم ، بل وكان من إخوان خالد بن الوليد وأبناء عمومته من أسلم سابقاً غيره إلى الإسلام ، أعني الوليد بن الوليد بن المغيرة ( أخا خالد ) وكان أكبر منه سناً وسلمة بن هشام بن المغيرة ( بن عم خالد ) ، وعياش ابن أبي ربيعة بن المغيرة([30]) ، وأم سلمة ـ أم المؤمنين رضي الله عنها ـ وزوجها أبوسلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي . فانظر إلى العقاد كيف من الممكن أن هومعوج ؟!

الفتوحات العربية ! كلنا نقول ( الفتوحات الإسلامية ) إلا العقاد يتحدث عن ( العرب ) ، تقرأ له كثيراً ( وانتصر العرب ) ، ( جيش العرب )([31]) ( لكن حركة العرب حركة إنشاء ونماء ) . فهي عنده عربية تكملة للجاهلية يقول : ( وهناك حلقات من الحوادث تسوغ لنا حتى نعتبر حرب فارس الثانية امتداداً للسقطة الأولى بذي قار ، أواستئنافا لتلك الواقعة )([32]) والحديث عن أنها كانت عربية لا إسلامية هوأخف العجب فيما نقرأ للعقاد .وأعجب منه تحليلات العقاد لفوز العرب ـ على حد قوله ـ على الفرس والروم ، وهاك البيان فأعرني عقلاً وصبراً فوالله حريصٌ على الاختصار حتى لا يمل الموضوع .

عند عباس العقاد حتى العامل الأساسي في النصر والهزيمة هوالخبرة بالفنون العسكرية ، يقول بأن العرب كانوا أبلغ وأقدر من الفرس والروم ولذا انتصروا عليهم !! ..عنده ( خط النصر لأولى الفريقين به في ميزان الفن العسكري الذي يضم جميع المرجحات )([33]) ، ويقول ( وفرة نصيب العرب يومئذ من أقطاب الرجال ذوي الحنكة والنظر البعيد ، وإنهم قد ظهروا لأنهم كانوا على أهبة في هذا الباب حرمتها كلتا الدولتين )([34]). وفي ذات السياق يشكك في أمر العدد ، بما يشي حتى المسلمين كانوا هم الأكثر أومماثلين .!!

هل كان العرب على أهبة للقتال أكبر من الفرس والروم؟! لم يقل بهذا أحد قبل عبّاس ، يسرح عباس بعقل القارئ ، وكأنه على ناصية شارع بليلٍ في إحدى الهجر ( العزب ) البعيدة في مطلع القرن الماضي بين قومٍ لم يقرءوا ولم يخطوا ولم يخرجوا من مكانهم .

يقول جمع العرب بين جميع فنون القتال التي يمارسها أهل البادية والتي يمارسها أهل المدن ، ويستشهد بالمناذرة والغساسنة ، يقول بأن هذه القبائل جمعت بين خبرة البدوفي حرب العصابات وخبرة أهل المدن في الحروب النظامية .!! والعقاد يكذب فهذه القبائل كانت حرباً على الإسلام وأهله في ( مؤته ) و( تبوك ) و( اليرموك ) و( فتوحات العراق ) و( وفتوحات الشام ) . ( الفتوحات العربية ) التي يتحدث عليها العقاد كانت في هذه القبائل .فكانت خبرتهم القتالية في حرب المسلمين وليست معهم . فانظر كيف من الممكن أن يقلب الحقائق ؟!!

ويقول بأن قريشاً درست فهم العالمين في الحرب ، إذ كانت تنتقل إلى العرب وينتقل العرب إليها ( فقلما غاب عنها فهم عربي وصل إليه أبناء الحواضر والبوادي باجتهادهم واختبارهم ، أووصلوا إليه بالقدوة والسماع عن الأمم الأجنبية )([35]) !!

والعقاد يكذب . أويسرح بعقل من يقرأ كما هي عادته . قريش كانت ترحل إلى الأسواق تحمل البضائع على البعير والحمير تبحث عن رزقها ، وينتقل العرب إليهم حجاج محرمون ،ولم يكن الغساسنة ولا المناذرة ممن يأتي إلى مكة حاجاً أومعتمراً كونهم نصارى . وقريش كانت أمية لا تقرأ ولا تخط ، وما كان لها جيش نظامي ، ولا قائد عام ، فضلا عن فهم بالفنون العسكرية ، إلى غير ذلك كنانة وقيس وأبناء عمومتهم من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ([36])، وإخوانهم في اللغة من أهل اليمن إلا ما ولج في حلف الفرس ( اللخميين ) والروم ( الغساسنة ) وألئك كانوا حرباً على الإسلام وفيهم كانت الفتوحات كما قدمت . كانت حروبهم أشبه ما تكون بحرب العصابات . وغزوة بدر مرشد على ذلك . تدبر كيف من الممكن أن تجمعت قريش للقتال يوم بدر ويوم أحد والأحزاب ، وكيف سارت للقتال ، وكيف كانت تنفق على المقاتلين ، وكيف باشرت القتال ؟ وارجع إلى الوراء في التاريخ واستحضر أيامهم في الجاهلية ([37])، فلن تجد فنونَ قتالٍ اتىت لقريش من خارجها أوخرجت منها . وإنما العقاد سينمائي ينسج من خياله ، يركب الكذب ويستخف بعقل من يقرأ . أكتفي بهذا وأعود ثانية بحول ربي وقوته للحديث عن العقاد في عبقرياته . والله أسأل العون والسداد وأن يبارك لي في حدثاتي هذه .

تاريخ النشر: 2020-06-04 10:31:17
التصنيفات: أدباء, أدباء مصريون, مواليد 1889, وفيات 1964, عباس محمود العقاد

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مسلسلات رمضان 2024.. نيللى كريم ابنة بواب وقارئة فنجان في «فراولة»

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:21:11
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 62%

هيئة الدواء تحذر من طريقة تخزين تلك العلاجات - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:20:35
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 59%

الآثاريين العرب يصدر بيانًا: أوقفوا العبث بآثار مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:21:41
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

حارس مرمى المنتخب المغربي يخطف الأنظار ويتألق أمام مبابي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:11:44
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 72%

رسميًا.. الزمالك يعلن التعاقد مع عبد الله السعيد (فيديو)

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:21:02
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

«التعليم» تعلن حذف بعض الدروس من المناهج - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:20:33
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

ارتفاع حصيلة العدوان على غزة لـ27 ألفا و238 شهيدا و66 ألفا و452 مصابا

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:21:07
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

مبيعات هيئة الكتاب تتجاوز الـ3 ملايين جنيه في 9 أيام

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:21:19
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

آخرهم حاريث.. لاعبو المنتخب المغربي يطوون صفحة"الكان" باعتذار

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:12:53
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

فرنسا.. هجوم بسكين داخل محطة للقطارات يوقع جرحى

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-03 12:12:56
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

تحميل تطبيق المنصة العربية