روفائيل بطي
روفائيل بطي أديب وصحافي عراقي من مواليد عام 1901م له الكثير من المؤلفات منها سحر الشعر والأدب العصري في العراق العربي وكتاب الصحافة في العراق والدراسات في الأدب العربي في العراق خصوصاً. ولد روفائيل لعائلة مسيحية أرثوذكسية عراقية عمل رئيس لتحرير جريدة العراق من عام 1921 حتى عام 1924 ثم أنشأ مجلة الحرية عام 1923 وفي عام 1929 أصدر جريدة البلاد اليومية وبقيت تصدر أكثر من ربع قرن.
وقد أنتخب نائبا على البصرة ست دورات ثم إنتخب عميدا للصحفيين ورحل إلى مصر عام 1946 حتى عام 1948 وفي عام 1953 أصبح وزيرا للدولة مرتين وبعد الوزارة فقد شعبيته ولم يستطع العودة للبرلمان وتوفي عام 1956.
تجربته الشعرية
هناك أمران آخران: الأول هوحتى حدود الفهم كانت آخذة بالاتساع والانتشار عبر تزايد أعداد المتفهمين. والثاني هوالانفتاح النسبيّ، على إمكانات التحديث، بل الرغبة الجامحة بالدخول إلى أبهاء العالم الحديث. هذان الشرطان لم يتوفرا في سنة 1920 عندما خط رفائيل بطي (1898-1954) أولى قصائده النثرية، وهوأمر منعه، كما منع مجايليه اللبنانيين الذين استلهم بعض الأفكار منهم، من حتى يصيروا حقيقة ثقافية ثابتة. على العكس من ذلك فقد دفع الظرف الموضوعي إنجازاتهم ومحاولاتهم الجنينية إلى مجاهل النسيان. نقول ذلك ونحن نعتقد حتى أول مجموعة من الشعر المسمّى يومها (بالشعر المنثور) في العراق، إنما هي مجموعة العراقي رفائيل بطي (الربيعيات). لقد طبعت هذه المجموعة سنة 1925وهي تشتمل على أربع عشرة قصيدة في مئة صفحة من البتر الصغير، وقصائدها مذيَّلة بتواريخ تعود إلى الأعوام 1920- 1925. وكانت المجموعة من منشورات مجلة (الحرية) التي كان بطي نفسه يرأس تحريرها. أليس من المثير حقاً حتى نرى حتى أول (قصيدة نثر) مكتوبة في العراق ترقى لسنة 1920؟. وبالطبع فإننا نتحدث هنا عن نصٍّ سيُوَصَّف أنه أقرب إلى الخاطرة كما نقول اليوم مما لفهمنا الحالي للشعر الحديث. لكن يجب حتى لا ننس البتة حتى هذه الخاطرة نفسها وليس شيئاً سواها هوما كان يشكِّل جوهر ومادة الشعر “الموزون المقفى” في زمن رفائيل بطي. كانت الفكرة المعتبرة من طينة شعرية، الخاطرة، هي التي توضع يومذاك في نطقبٍ موزونٍ وتصير بالتالي نصاً شعرياً تقليدياً. كان الهمُّ الجذريّ لبطي هوالذهاب في تلك المجموعة إلى ما كان يعتبره (الشعري) و(الشعرية) من دون حتى يتمسّك بالعُدّة الكلاسيكية، الوزن والقافية. هنا تقع جميع الإثارة في هذه المجموعة، وفي جميع المجاميع المماثلة الممكنة المكتوبة في لبنان خاصة في تلك الفترة. كان بطي مقتنعاً تماماً بأنه يخط الشعر وليس شيئاً آخر بحيث حتى عناوين “بتره” لا تختلف عن ذاك النمط من العناوين السائدة في الشعر الموزون المعاصر له. خط بطي يقول في مذكراته: “نمت البارحة بشيء من القلق، لا أفهم المصير، وقد استيقظتُ وأخرجتُ بعض البتر الأدبية لي لضمها إلى كتاب (الربيعيات) الذي أهمّ بطبعه، وبعد يومين، نشرت لي جريدة (المفيد) البغدادية منطق (يقظة الجمال) وهي فصل من (الربيعيات) إلا أنها شحنته بالأغلاط المطبعية”.
برغم أنه يستخدم المفردة (منطق) في وصف بترته (يقظة الجمال)، فإن بطي كان يتمسك بفكرة حتى ما يخطه هونوع من الشعر وليس ضرباً إبداعياً آخر، بل حتى وعيه النقدي حول الموضوع كان يمضى إلى مدى عميق وهويلقي بشذرات نقدية عن (قصيدة النثر) مما يمكن حتىقد يكون بعض كلامنا المعاصر. خط يقول سنة 1926: “سألني حليم دموس، الشاعر الناثر في بيروت حتى أخط رأيي في الشعر العصريّ في ستة أسطر لينشرها بخطِّي مع رَسْمِي في مجموعته الشعرية (المثالث والمثاني)، فأجبته بما يأتي: أما ومدى العاطفة والحس والخيال لا يقف عند حد، فالعجب جميع العجب من إصرار ناظمين على التمسك بالوزن والقافية (واعتقادي) حتى المستقبل للشعر المنثور..”. لقد خط رفائيل بطي هذا الكلام في أواسط العشرينيات أي بوقت أبكر كثيراً من التطورات الجذرية في بنية وروح الشعر العربي الحديث. وهوكلام كان يشدّد على الفكرة الأساسية التي ينطلق منها التصوُّر الحالي لقصيدة النثر: لا الوزن ولا القافية وحدهما ما يمنح الكلام شعريته. أما اعتقاده حتى المستقبل للشعر المنثور فهونبوءة مبكرة مدهشة تستحق التأمل، وتدلُّ قبل جميع أمر على رسوخ قناعته بالأشكال الجديدة، المتوالِدَة من الحاجات والضرورات الروحية والإنسانية المستجدِّة على الدوام. ستستخدم مجلة (المشرق) البيروتية في العدد 10عام 1925 مصطلح (الشعر النثري) في تقديمها للمجموعة معلنة مخاوفها من تحوُّل هذا النمط من الكتابة إلى ظاهرة ثقافية: “هذه الربيعيات زهرات اقتطفها صاحبها من مجلته (الحرية)، فاتىت طاقة من زهور منمقة تختلف لوناً ورائحة وقيمة. بينها كثير مما يدعى اليوم بالشعر النثري مما يستحبه ذوق بعض المصريين ويراه غيرهم شقشقة لسان من دون جدوى. والله يستر البلاد إذا انتشرت هذه الطريقة الكتابية في أقطارنا. فيتلهى القراء بالقشرة ويهملون اللباب” (التوقيع ل. ش). وأظنّ التوقيع (ل. ش) للويس شيخوالذي كرّس فصلاً في نقد ودحض الشعر المنثور في كتابه (تاريخ الآداب العربية).
في اعتقادنا حتى توقف رفائيل بطي عن المضيّ في تطوير تجربته في الشعر المنثور فهذه تجد تبريراتها في انشغاله الكامل بالكتابة السياسية والفكرية والتاريخية، من جهة، ومن جهة أخرى في عدم تقبُّل الثقافة العراقية في العشرينيات مثل هذا النمط في الكتابة، وهوما يشير عليه تقريظ الصحافة اللبنانية والمصرية (للربيعيات) مقارنة بالصمت المريب لصحافة العراق بل نقدها القاسي له.
الهامش
- ^ أسعد الجبوري. "روّاد قصيدة النثر في العراق". مسقط الإمبراطور.