إسرائيل وإحباط التحول الديمقراطي في مصر

للمحرر : صالح النعامي

رهان إسرائيلي مبكر على العسكر

توظيف أوباما

المخاوف الإسرائيلية

قرع طبول اللقاءة

تعيش إسرائيل حالة من الفزع والارتباك الشديد إثر الأحداث المتتالية التي شهدتها مصر مؤخراً، والتي أظهرت لصناع القرار في تل أبيب بؤس الرهان على إمكانية حتى تنجح قيادة الجيش المصري في تقليص "المخاطر" التي قد تتعرض لها إسرائيل، والناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في مصر.

فالجنرال أورن شاحور -الذي كان مسؤولاً عن التنسيق مع الجيش المصري- يرى حتى مصلحة إسرائيل تقتضي حتى يبقى المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الحكم أطول فترة ممكنة، من أجل ترتيب الأمور بما يضمن بقاء مصر ضمن الدائرة الأميركية، كما نقلت عنه ذلك النسخة العبرية لمسقط صحيفة يديعوت أحرنوت بتاريخ 23/11/2011.

ويصور أليكس فيشمان -وهوكبير المعلقين العسكريين في الصحيفة ذاتها، ووثيق الصلة بدوائر خلق القرار الصهيوني- مشاعر خيبة الأمل التي تعصف بدوائر الحكم الإسرائيلية، بعدما فشلت محاولات المجلس العسكري في تأمين مكانة فوق دستورية لنفسه في الدستور المصري القادم.

ويرى فيشمان -في منطق نشره بتاريخ 22/11/2011- حتى عدم نجاح المجلس العسكري المصري في تأمين مكانة فوق دستورية خاصة، يعني لقاءة إسرائيل شرق أوسط جديدا، حيث يؤكد فيشمان حتى صناع القرار في واشنطن وتل أبيب كانوا يأملون حتى ينجح المجلس العسكري في تقليص قدرة القوى المعادية لإسرائيل على تحقيق الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة؛ بل وكانوا يراهنون على نجاح المجلس العسكري في ترجيح كفة مرشح للرئاسة يضمن الحفاظ على اتفاقية كامب ديفد من جهة، ويواصل ربط مصر بالمنظومة الغربية، على اعتبار حتى ذلك "مصلحة قومية مصرية".

رهان إسرائيلي مبكر على العسكر

إن إسرائيل أدركت منذ وقت بعيد الطاقة الهائلة الكامنة في علاقاتها مع نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، مما جعل وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعازر يصف مبارك بأنه "كنز إستراتيجي" لإسرائيل؛ لذا فقد جن جنون القيادة الإسرائيلية بعدما تم خلع مبارك. لكن الأمل الذي ظل يحدوحكام تل أبيب، كان يتمثل في السعي للحفاظ على نفس العلاقات مع أركان نظام مبارك التي ظلت تمارس صلاحيات الحكم بعد خلعه، لاسيما قيادة العسكر والمؤسسة الأمنية.

وفي الوقت نفسه، خشيت محافل خلق القرار ودوائر التقدير الإستراتيجي في إسرائيل حتى تسفر عملية التحول الديمقراطي في مصر عن المس بمكانة قادة العسكر والأمن في مصر، فاتجهت إلى واشنطن للتشاور حول كيفية تقليص "الأخطار" الناجمة عن التحول الديمقراطي في مصر.

فبخلاف الانطباع السائد، فإن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهووالرئيس الأميركي باراك أوباما في نيويورك أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، قد درس بشكل أساسي آليات التحرك الكفيلة بتقليص "المخاطر" الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في مصر، في أعقاب إجراء الانتخابات التشريعية.

النقاش حول طلب السلطة الفلسطينية عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة لم يشغل حيزاً كبيراً في اللقاء بين الاثنين، كما كشف عن ذلك التلفزيون الإسرائيلي. لقد درس جميع من نتنياهووأوباما آليات للتأثير على المشهد السياسي المصري المستقبلي بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية، مع الفهم بأن التوصية بهذه الآليات قد اتىت نتاج مباحثات مطولة أشرف عليها جميع من رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعكوف عامي درور، ومستشار الأمن القومي الأميركي توم دنيلون.

وحسب التصور الذي قدمه لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لحكومة نتنياهو، فإن المصلحة الإسرائيلية تقتضي حتى تواصل قيادة الجيش المصري الاضطلاع بدور حاسم في عملية خلق القرار السياسي والعسكري المصري، في فترة ما بعد إجراء الانتخابات المصرية.

وقد عبر وزير الدولة الإسرائيلي الجنرال يوسي بيليد عن أمله في حتى يضطلع الجيش المصري بنفس الدور الذي كان يضطلع به الجيش الهجري قبل صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.

توظيف أوباما

لقد تفهم نتنياهوالدرس من تجربة تدخله الفج لصالح الرئيس مبارك في ذروة تفجر الثورة المصرية، عندما توجه علناً لقادة الدول الأوروبية وطالبهم بعدم السماح بإسقاط مبارك، حيث إذا هذا التدخل المكشوف قد أدى -في حينه- إلى نتائج عكسية.

ومن هنا، فإن نتنياهويحاول حالياً أخذ الاحتياطات بشأن مستقبل العلاقة مع مصر، بشكل سري وبعيداً عن الأنظار، وذلك عبر تفاهمات مع الرئيس أوباماً. وحسب إسحق مولخوالمستشار السياسي لنتنياهوفإن أكثر هاجس ظل يشغل بال رئيس الوزراء الإسرائيلي على مدى الأشهر الأخيرة هوالسعي لتأمين "المخاطر" الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي، وتحديداً في مصر.

ومن الواضح حتى نتنياهوقد قبل توصية شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الآنفة الذكر، وبالتالي يمكن القول إذا نتنياهوومساعديه قد أوصوا الرئيس أوباما بالضغط من أجل حتى يحافظ العسكر في مصر على ثقل زائد في عملية خلق القرار السياسي، وذلك لمنع القوى السياسية المصرية التي يفترض حتى تحكم مصر بعد الانتخابات من القيام بأي خطوة جدية تؤثر سلباً على المصالح الأميركية والإسرائيلية.

وفي سعيهم لتجنيد الأميركيين للتأثير على مستقبل مصر، فإن الإسرائيليين قد حرصوا على تذكير أوباما بالمصالح الأميركية التي يمكن حتى تتضرر جراء صعود قوى سياسية "متطرفة" للحكم في مصر، لاسيما الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وإمكانية حتى ينشأ تكتل عربي معادٍ للولايات المتحدة بقيادة مصر في الفترة المقبلة.

المخاوف الإسرائيلية

إن الكابوس الذي يقض مضاجع صناع القرار في إسرائيل بسبب عملية تحول ديمقراطي حقيقية في مصر، يتمثل في المخاوف من صعود تيارات إسلامية وفهمانية للحكم تناصب الكيان الصهيوني العداء؛ مع الفهم بأن بعض مبلوري التقديرات الإستراتيجية في إسرائيل يرون حتى بعض التيارات الفهمانية المصرية تتبنى مواقف أكثر تطرفاً تجاه إسرائيل من التيارات الإسلامية، بالإضافة إلى حتى قدرة إسرائيل على نزع الشرعية عن هذه التيارات في المحافل الدولية ستكون محدودة طالما شاركت في الحكم، كما يقول وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم.

ويمكن القول إذا تداعيات التحول الديمقراطي في مصر -التي تخشاها إسرائيل- تتمثل في التالي:

أولاً: استنزاف الموارد الاقتصادية والبشرية الإسرائيلية جراء عدم التزام مصر باتفاقية كامب ديفد، وهي المستوى التي سيترتب عليها إحياء الجبهة الجنوبية لإسرائيل كجبهة حرب، مع جميع ما يتطلبه ذلك من تخصيص إمكانيات هائلة لهذه الجبهة، مع الفهم بأن هذه الجبهة كانت أقل الجبهات كلفة بالنسبة لإسرائيل على مدى العقود الثلاثة الماضية.

ومما يزيد الأمور تعقيداً حتى هذا التطور يأتي في ظل ضائقة اقتصادية خانقة تعاني منها إسرائيل. وهناك في إسرائيل من يحذر من حتى الحكومة المنتخبة في مصر لن تسمح بتواصل تزويد إسرائيل بمنتجات الطاقة المتنوعة، مما يزيد عبء فاتورة شراء الغاز والبترول.

ثانياً: انبعاث محور إقليمي قوي يغير موازين القوى في الوطن العربي بشكل جارف، ويمنع إسرائيل من مواصلة المناورة بين محوريْ الاعتدال والممانعة في الوطن العربي، كما أنه يؤذن بخسارة إسرائيل الذخر الإستراتيجي الأهم، والمتمثل في العلاقات الخاصة مع النظام الملكي في الأردن.

وكما يقول رئيس جهاز الموساد السابق مئير دغان، فإن كارثة إستراتيجية ستحل بإسرائيل طالما تمت أي عملية تحول ديمقراطي حقيقية في هذا البلد، يخسر فيها القصر صلاحياته المطلقة، التي مثلت الغطاء للتعاون الأمني العميق والمتشعب بين إسرائيل وهذا النظام.

ثالثاً: تغيير موازين القوى العسكرية بشكل واضح؛ حيث إذا الافتراض السائد لدى صناع القرار في إسرائيل هوحتى رئيسا وحكومة مصرية منتخبان سيعملان بشكل جاد على تغيير موازين القوى العسكرية الحالية، وضمن ذلك بذل جهود لتطوير أسلحة نووية.

رابعاً: تقليص قدرة إسرائيل على العمل ضد حركات المقاومة الفلسطينية، حيث تفترض إسرائيل حتى أي حكومة مصرية منتخبة لن تسلم بأن تواصل إسرائيل شن حملات عسكرية غير متناسبة ضد المقاومة الفلسطينية والتجمعات السكانية المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

قرع طبول اللقاءة

لقد كان بنيامين بن إليعازر -وقد كان أقرب الإسرائيليين إلى قلب الرئيس المخلوع حسني مبارك- هوالذي نادى دوائر خلق القرار في تل أبيب، وفي أكثر من مناسبة مؤخراً، للاستعداد للقاءة مع مصر، بسبب التحولات المتسقطة في المشهد السياسي المصري بعد الانتخابات التشريعية.

بن إليعازر تسقط حتى تسفر عملية التحول الديمقراطي في مصر عن صعود قوى سياسية مصرية يشكل صعودها للحكم تهديداً وجودياً لإسرائيل، وهوما يستدعي –بشكل عاجل– بلورة إستراتيجية جديدة للتعامل مع الواقع الجديد.

ويرى الجنرال عوزي ديان نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، حتى الجيش الإسرائيلي مطالب في الفترة المقبلة ببلورة سلم أولويات جديد، وضمن ذلك إقامة قيادات جديدة في الجيش الإسرائيلي تعنى بلقاءة الخطر المصري، وتكثيف الأنشطة الاستخبارية ضد مصر، وتدشين وحدة عسكرية للعمل في قلب سيناء لإحباط عمليات عسكرية يخطط لها داخل الصحراء.

يستدل مما تقدم على حتى إسرائيل عملت في الخفاء على إحباط التحول الديمقراطي في مصر، وعندما أدركت حتى هذه المهمة باتت محالة؛ فإنها تستنفر حالياً لللقاءة، وهذا ما يجب على القوى السياسية المصرية الانتباه له والتحوط منه.

المصدر

الجزيرة