علم الساعات في الحضارة العربية الإسلامية

عودة للموسوعة

فهم الساعات في الحضارة العربية الإسلامية

لعلَّ أقدم وسيلة لقياس الزمن هي الساعة الشمسية أوالمزولة sundial أوgnomon. ومنها تلك التي عثر عليها في مصر ثم نُقلت إلى متحف آلان ببرلين، وتتكون من لوح خشبي مدون عليه خطوط وأسماء الساعات، مثبتة على طرفه كتلة خشبية؛ سماها المصريون ساعة الظل لأنها تعتمد على طول الظل واتجاهه، كانت وسيلتهم لحساب مدة تعاقب الثيران المكلفة بتدوير آلات الري، ولتحديد مدة فتح السدود في الحقول. كذلك استخدم البابليون المزولة وعهدها الصينيون باسم «قويبياو» وكان لها عندهم تصميم مختلف؛ إذ تكونت من قضيب رأسي يلقي ظلاً، ومن شريط أفقي مدرّج يأخذ اتجاهاً من الجنوب إلى الشمال، يقاس عليه الظل حسب تقسيمات معينة موزعة بعناية فائقة.

ومن أجهزة قياس الزمن كذلك الساعة الرملية sandglass وهي مكونة من وعاء زجاجي على شكل قمعين متعاكسين ـ أوأكثر ـ ومتصلين من الجهتين الأضيق عبر فتحة تسهل مرور الرمل من القمع العلوي إلى السفلي، ثم تُقلَب الوضعية من حديث إلى غير ذلك. وقد صممت أحجام مختلفة لكل منها قياس محدد من الزمن حسب كمية الرمل. أما حبيبات الرمل المستعملة فهي متساوية ومفككة وجافّة لا تتكتّل عند عنق الساعة.

وقد طور المصريون النوعين كليهما، وإن لم يفيا بالغرض، لأن الساعة الشمسية لاتفيد في الليل ولا في النهار الغائم، والساعة الرملية لم تكن دقيقة بما يكفي بسبب الرطوبة التي تؤثر في انسياب حبيبات الرمل.

حين استوعب المصريون حتى تدفق الماء من ثقب في وعاء يحدث بمعدل ثابت مادام ازدياد الماء في الوعاء ثابتاً، اخترعوا الساعة المائية، وكان لها أشكال هندسية مختلفة. وأقدم نوع منها الساعة ذات التدفق البسيط «clepsydra». وهي وعاء من الفخار ذوثقب في جداره قرب القاعدة. ومنها كذلك الوعاء القابل للغطس المعروف عند العرب باسم «الطرجهار» tarjahar وهي حدثة فارسية، وفيه ثقب قرب القاعدة يوضع الوعاء على سطح الماء فيغطس فيه في وقت معين ومحسوب. وقد طور اليونان القدماء هذه الساعات ونوعوا فيها، ومنها ذات التدفق الخارجي ومنها ذات التدفق الداخلي. وأجروا عليها بعض التعديل بغرض ضبط سرعة التفريغ والتمكن من متابعة انقضاء الوقت. وأشهر من قام بهذا التعديل عالم إسكندري يدعى كتيسبيوس Ctesibius ت(270ـ 246ق.م). وأخذ عنه أرخميدس Archimedes (ت212ق.م) وزاد عليه، وألف منطقة في عمل البنكام «الساعة المائية» وكتاباً في عمل ساعات الماء التي ترمي البندق. واتى من بعده فيلون البيزنطي Philon في النصف الثاني من القرن الثاني قبل الميلاد فألف كتاباً في عمل ساعات الماء التي ترمي البندق، ومن بعده فيتروفيوس Vetruvius في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي الذي ألف كتاباً قسمه إلى عشرة خط منها كتاب عن الساعات.

كذلك أبدع الصينيون في القرون الوسطى في تصميم الساعات المائية وبلغت دقتها شأناً لم يفقْهُ إلا الساعات الآلية التي عهدت بعد ذلك.

تطور فهم الساعات عند العرب

تأتي حدثة ساعة في معاجم اللغة العربية للدلالة على الوقت أوالجزء من اليوم، فهي عند ابن منظور (ت711هـ) جزء من أجزاء الليل والنهار، والوقت الحاضر، والبعد، والمشقة. ويمكننا حتى نتبين في أسمائها الأخرى أنها محرفة عن حدثات يونانية مثل بنكام أوبنكان أومنكانا، أوترجمات لها مثل «سرّاقة الماء». وثمة أسماء من أصل فارسي مثل هجرهاره أوطرجهار من هجرهار، وحدثة ساعة تعني كذلك الآلة المعروفة باسم ساعة.

عرّف ناصر الدين البيضاوي (ت685هـ) فهم الساعات بأنه فهم البنكامات، وهوفهم يتبين فيه إيجاد الآلات المقدرة للزمن، وأضاف عليه طاش كبري زاده (ت968هـ) ويُعد كتاب أرخميدس العمدة في هذا الفن، وللمتأخرين تصانيف مفيدة في هذا الفهم، ولعل حاجي خليفة (ت1067هـ) قد منح أوفى تعريف ونقد بهذا الفهم، وعدّهذا الفهم البنكامات مستمداً من قسمي الحكمة الرياضي والطبيعي…، ومن الخط المصنفة فيه: «الكواكب الدرية»، و«الطرق السنية في الآلات الروحانية» في بنكامات الماء، وكلاهما للعلامة تقي الدين الراصد (ت 993هـ)، وكتاب بديع الزمان في الآلات الروحانية. وجدير بالذكر حتى حاجي خليفة قسم البنكامات إلى رملية ومائية ودورية معمولة بالدواليب.

وقد ظهرت إبداعات العرب في فهم الساعات في زمن مبكر، ففي عام 192هـ/807م أهدى هارون الرشيد (ت193هـ)، ساعة دقاقة معقدة إلى شارلمان (ت814م) ملك الفرنجة، كما أبدع عباس بن فرناس (ت 274هـ) ساعة سماها «الميقات» أهداها إلى الأمير محمد بن عبد الرحمن في منتصف القرن الثالث الهجري، وأرفقها بأبيات شعرية يصف فيها أهمية اختراعه وفوائده.

وإضافة إلى الخط التي ترجمت إلى العربية من علوم السابقين من اليونان والفرس والهند، ألف كثير من الفهماء العرب خطهم الخاصة، فاتىت مؤلفاتهم في فهم الساعات ابتكاراًً يعبر عن مدى تعمقهم وبراعتهم. وقد ظهرت بوادر التأليف في هذا الفهم منذ القرن الثالث الهجري. فبنوموسى بن شاكر (قبل 259هـ) وإن لم يصفوا أي بنكامات في كتابهم الكبير «حيل بني موسى» فالأجهزة التي وصفوها تعمل حسب مبادئ مماثلة جداً لتلك التي تعمل في الساعات.

وفي القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، نقل الفلكي والرياضي ابن يونس (ت399هـ) تقانة الساعات نقلة عظيمة، وذلك باختراعه الرقاص الذي استخدم في الساعات الدقاقة. وكان لابن الهيثم (ت431هـ) إسهام في علوم الساعات كما ورد في منطقته في فهم البنكام. ومنذ القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، وصلت الساعات المائية العربية إلى حالٍ من التقدم لا منافس لها في أي مكان من العالم. وثمة مخطوط عنوانه «كتاب الأسرار في نتائج الأفكار»، يقع في مصنف تحت عنوان «رسائل مجهولة عن الآلات» موجود في المخطة الطبية الورنزية في فلورنسا تحت رقم Msor 154 منسوخ في عام 664هـ لمجهول عاش في الأندلس في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي. يحتوي الكتاب على واحد وثلاثين نموذجاً، منها شروح لنماذج من الساعات، وفي الواقع حتى المؤلف هومحمد أوأحمد بن خلف المرادي، ويقول عنه دونالد هيل: «توجد اختلافات هامة بين المكنات الموصوفة في هذا البحث وتلك التي تقع في الأبحاث العربية الأخرى. إنها مكنات أكبر وأقوى وتستعمل أنواعاً مختلفة من أجهزة التحكم».

وفي القرن السادس الهجري تجلت إسهامات إسماعيل الجزري (ت نحو602هـ) المهمة في كتابه «الجامع بين الفهم والعمل النافع» في وصفه هجريب الساعات الدقيقة التي أخذت اسمها من الشكل الخاص الذي يظهر فوقها: ساعة القرد، ساعة المحرر، ساعة الطبال، ساعة الرامي البارع…، ولديه نموذج ساعة قريبة الشبه من الساعة التي كانت على باب جيرون من المسجد الأموي في دمشق. وقد ذكر أحمد يوسف الحسن نقلاً عن برايس وصفاً لساعتين مائيتين ماتزالان قائمتين حتى اليوم في فاس بالمغرب منذ القرون الوسطى وهما تشبهان، من وجوه عدة، الآلات التي وصفها الجزري.

وأتى بعد الجزري رضوان الساعاتي(ت618هـ)، يقول دونالد هيل إنه وضع في مقدمة كتابه «فهم الساعات والعمل بها» التحسينات التي أدخلها هوووالده على تصميم الساعات في قائمة أقيمت على ساعة هرمز ذات الأبواب التي عملت بالآلية المائية الأرخميدية. ويضيف هيل قائلاً إذا منطقة رضوان ذات أهمية عالية من حيث الملاحظات التي تقدمها عن التطور التاريخي للساعات المائية.

وقد ظل العرب يحسنون الساعات ويختصرون حجمها ويزيدون في دقتهـا حتى جعلوها ساعة حائط لا يزيد حجمها على نصف ذراع. ففي القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، استطاع العالم الرياضي ابن الشاطر (ت 777هـ) حتى يصنع ساعة صغيرة لا تزيد على (30) سم، وأدخل فيها الآلات المعدنية، واستغنى عن الماء وآلاته الخشبية الكبيرة. فخرج بالساعات من دائرة الماء إلى دائرة الميكانيكا، ومن دائرة الخشب إلى دائرة المعدن.

وعليه يمكن القول: «إن كثيراً من الأفكار المجسدة في الساعات المائية العربية استخدمت في الساعات المائية الأوربية، وإن في اختراع الساعة الميكانيكية أفكاراً عربية، مثل جهاز نقل الحركة الآلي الذي استخدمه صانعوالساعات الأوروبيون».

كان حين سقطت طليطلة في الأندلس في عام 478هـ/1085م هناك ساعتان مائيتان نظمتا على مراحل القمر، ونصبهما ابن الزرنطقي إبراهيم بن يحيى النقاش (ت493هـ) على ضفتي نهر التاجة Tagus. إحداهما دامت في العمل حتى سنة 529هـ/1134م، ومن البديهيّ حتىقد يكون فهماء الغرب قد استفادوا من تلك الشواهد وزادوا عليها إبداعاتهم الخاصة.


انظر أيضا

  • حضارة إسلامية

المصادر

  1. ^ منهل السراج. "فهم الساعات في الحضارة العربية الإسلامية". الموسوعة العربية. Retrieved 2012-01-16.

المراجع

  • أبوالعز اسماعيل الجزري، الجامع بين الفهم والعمل النافع، تحقيق: أحمد يوسف حسن (معهد التراث الفهمي العربي، جامعة حلب 1979).
  • دونالد هيل، الساعات المائية العربية، ترجمة: خالد الماغوط،أحمد حساني (منشورات جامعة حلب، معهد التراث الفهمي العربي، 1425هـ/2004م).
  • حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الخط والفنون (طبعة يلتقايا وبلكا، منشورات مخطة المنى د.ت).
  • طاش كبري زاده، مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم (دار الخط الفهمية، بيروت 1985).
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:40:38
التصنيفات: حضارة إسلامية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

13 فنانا تشكيليا يشاركون في ملتقى مراسم رأس البر للرسم والتصوير

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 12:21:44
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 61%

طلب إحاطة بشأن استمرار ارتفاع أسعار الأعلاف رغم انخفاضها عالميا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 12:21:32
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

الإفراج عن 1000 سجين بعفو رئاسي

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-15 12:21:57
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 60%

حسين فهمي يكشف مفاجأة عن سبب رفضه التصوير مع بوسي شلبي وإحراجها

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-15 12:21:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 50%

«الفيل الأزرق».. ماذا وجدوا في يد أشرف طلفاح بعد العثور عليه؟

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-15 12:22:03
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

رئيس بحوث الإسكان: 25 ألف وحدة سكنية بنظام المباني الخضراء

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 12:21:37
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 51%

رئيس مجلس الشيوخ يستقبل نظيرته الأوزبكستانية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 12:21:33
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

خلال «Cop27».. «الملا» يبحث مع وزير الطاقة الأردني جهود الانتقال الطاقي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 12:21:35
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

تحميل تطبيق المنصة العربية