بيونيك

د.إيهاب عبد الرحيم محمد
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع
Velcro was inspired by the tiny hooks found on the surface of burs.

بيونيك Bionics (وأيضاً تـُعهد بإسم التقليدي الحيوي biomimicry، biomimetics, الإلهام الحيوي bio-inspiration، biognosis، وأيضاً ما يقرب من هندسة خلاقة بيونية bionical creativity engineering) هي تطبيق طرق وأنظمة حيوية توجد في الطبيعة لدراسة وتصميم أنظمة هندسية وتكنولوجيا معاصرة.

الحدثة bionic صاغها جاك ستيل في 1958، من الممكن نابعة من الحدثة اليونانية βίον, bíon، وتـُنطق [بي:ون] ("bee-on")، وتعني 'وحدة حياة' واللاحقة -ic، تعني 'مثل' أو'على شاكلة'، ولذلك تعني 'مثل الحياة'. إلا حتى بعض القواميس تشرح الحدثة بأنها تشكلت من مطلع حدثة فهم الأحياء biology + ونهاية حدثة إلكترونيات electronics. وقد راجت في عقد 1970 بسبب المسلسل التلفزيوني The Six Million Dollar Man وThe Bionic Woman، اللذان تأثرا بعمل ستيل، وكانا يـُظهرا بشراً بقدرات فوق بشرية بسبب مزروعات كهروميكانيكية.

البيونية والعلوم الأخرى

تشهجر في مجال البيونية علوم مختلفة، ويمكن القول إنه محاولات يقوم بها الفيزيائيون والكيميائيون والمهندسون والأطباء وفهماء الأحياء لتقليد ما تتمتع به الكائنات الحية من قدرات طبيعية، وكأنها نماذج يجب حتى يستلهم الإنسان من تعضيها العالي الكمال. وثمة علاقة وثيقة بين البيونية والسبرانية cybernetics (أي فهم الضبط والتوجيه)، من حيث إنهما ترميان، في النطاق الإلكتروني، إلى تطوير نماذج تتحكم في أجهزة إرسال المعلومة واستقبالها ومعالجتها، كتلك التي تتحكم في أجهزة القيادة والتنظيم الذاتي في الكائنات الحية. ومن هنا صار لمصطلح «مجال التحكم» cyberspace و«أعضاء التحكم» cyborg مكانتهما الأساسية في ضبط عمل الأجهزة البيونية وتوافقها مع العضوية الحية.

يمكن لقفازات مجهزة بحساسات بينية عصبية وحاسوب صغير تحديد ضغط الأصابع واليد وفهم شكل الغرض ونسيجه.

وإن الموازنة بين الأجهزة التي تملكها الكائنات الحية والإنجازات العملية التي يطمح إليها الإنسان للتعويض عن الخلل فيها، تبيّن حتى ما في الطبيعة هوأكثر إتقاناً مما ينتجه أبرع المهندسين إبداعاً، وأن الطبيعة تقتصد في وسائلها اقتصاداً يسترعي الانتباه، وأنها استغرقت ملايين السنين لتتوصل إلى أحسن الآليات تكيّفاً مع الطبيعة حفاظاً على الكائنات الحية وتكاثرها، وأن الاصطفاء تناول كمّاً هائلاً من الكائنات التي خضعت للتطور.


التاريخ

وقد توصل الفهماء والباحثون من مختلف المجالات في السنوات التسعين الماضية إلى تطوير مواد وأجهزة أُتقن صنعها إلى درجة صار بالإمكان استخدام بعضها لتحل محل أجزاء من الأعضاء الحية في جسم الإنسان. ويمكن لتلك المواد الخاصة، التي أضحت تسمى «المواد البيونية»، حتى تقوم بعملها بتماس محكم مع النسج الحية، وبأقل رد عملٍ مؤذٍ أورافضٍ لها في الجسم. أما الأدوات والبتر التي تصنع من تلك المواد البيونية فيطلق عليها اسم «الأجهزة البيونية الطبية» أوالمزدرعات (الغرسات) implants.

وكان أول غرس ناجح في جسم الإنسان قد تم في أوائل القرن العشرين لصفائح من المعدن تثبت أجزاء العظام المكسورة وتسارع في شفائها. وفي أوائل الخمسينات من ذلك القرن أدت الإنجازات التي تحققت في مجال هندسة المواد وتقانات الجراحة إلى إجراء تجارب لتبديل الأوعية الدموية، وأمكن في الستينات غرس صمامات صنعية في القلب وغرس مشروح الورك، وتتالت بعد ذلك إنجازات كثيرة تكاد تكون ضرباً من الخيال الفهمي.

العضلات الصناعية

أدرك الجراحون منذ أول غرس لصفيحات العظام المشكلات التي قد تنتج من فقد المزدرعات قيمتها قبل أوانها لخلل ميكانيكي أوتآكل مادتها أوعدم توافق الأنسجة معها. وما يزال تصميم تلك الأدوات واختيار مادتها ودرجة توافقها الحيوي مع الأنسجة من أصعب المشكلات التي تعترض الباحثين. ومع التقدم الذي أصابته العلوم الطبية وتحسن المضادات الحيوية أضحت الأخطار التي تتعرض لها صحة الإنسان والناتجة من الأمراض المتنوعة قليلة. ولأن متوسط العمر المتسقط في ازدياد فإن التنكس السقمي مع التقدم في السن أضحى معضلة حرجة، ويعني ذلك زيادة إصابات الأعضاء والمفاصل وغيرها من الأجزاء الحساسة في الجسم أوتلفها بمرور الزمن وضرورة تبديلها إذا ما بقيت للجسد القدرة على متابعة العيش. وتضطلع المواد البيونية اليوم بدور رئيسي في الحلول محل جميع جهاز أساسي في الجسم أوتحسين أدائه سواء كان عظمياً أودورانياً أوعصبياً أوغير ذلك. وثمة مزدرعات أضحت اليوم شائعة منها الأجهزة والأدوات العظمية كالركبة الصنعية والمفصل الوركي ومزدرعات العمود الفقري ومثبتات العظام، ومنها المزدرعات القلبية كالصمامات الصنعية والناظمات القلبية pacemakers،، ومزدرعات العين والدماغ، وغرس النسج الرخوة مثل غرس الثدي وحقن الكولاجين لتحسين شكله، ومنها زراعة الأسنان عن طريق غرس جذور للأسنان وبناء العظم في الفكين، ومنها كذلك محاولات تطبيق مفهومات البيونية في المعالجة الطبية لحالات الاكتئاب والعجز الجنسي وتحسين وظائف الذاكرة والتفهم وربط الأعصاب.

في مختبر مزدحم في جامعة نيومكسيكو، يقوم نموذج لهيكل عظمي بشري -ببطء شديد- بالتبديل على دواسة دراجة للتمرين. هذه حقيقة واقعة، فمايستر بوني Myster Bony، كما يطلق عليه، يقوم بتحريك البدالتين بعضلات صناعية تعمل بالبطارية.

مضى أكثر من 40 سنة منذ أجريت للمهندس السويدي أرن لارسون جراحة لتثبيت أول ناظمة قلبية مزروعة في الجسم بالكامل في معهد كارولينسكا في ستوكهولم. ومنذ ذلك الحين، ظل الباحثون في جميع أنحاء العالم يبحثون عن طرق لتحسين حياة البشر بآلات بيونية صناعية. وقد أثمرت مجهوداتهم إنتاج ناظمات Pacemakers أصغر وأصغر، وآلات تساعد الأطفال الصم على السمع ،ومضخات قابلة للغرس لحمل العبء عن القلوب العليلة حتى توفر أعضاء بشرية مناسبة للغرس.

وبالنسبة للمستقبل، يظهر الأمر بالتأكيد أكثر طبيعية من تكنولوجيا السيبورج Cyborg (مشتقة من لفظتي Cybernetic Organism ، أي كائن سبراني؛ حيث السبرانيات أوالسيبرناطيقا cybernetics هي فهم عمليات التواصل والتحكم في الحيوانات والآلات) التي تصورها البعض في فجر العصر البيوني. ولنأخذ مايستر بوني ، على سبيل المثال، فعضلاته تُصنع من مادة تسمى IMPC،أوالمركبات المعدنية للبوليمرات الأيونية ( Ionic polymer metal composites: IMPCs ) التي تستجيب للتيار الكهربائي بمرونة واستجابة تشابه تلك التي تظهرها العضلات البشرية . وقد تم تطوير هذه المواد في معهد أبحاث العضلات الصناعية (AMRI ) في جامعة نيومكسيكو الأمريكية. ويمكن حتى تنثني أشرطة strips من هذه المركبات وترتجف بصورة سريعة عند تطبيق تيار كهربائي عليها. وبهذا المفهوم، فهي تعد مشغلات ميكانيكية حركية كبيرة motion actuators - فيمكنها حتى تتحرك وتبذل القوة . وعلى العكس من ذلك، فعند يثْنَى شريط من هذه المادة، ينتج الجهد الكهربي عبر سمكه، مما يسمح للشريط بأن يتصرف مثل المحس الذي يمكن حتى يحدد مستوًى معين من القوة والحركة . وهاتان القدرتان – على التحرك والارتجاع – هي ما يحرك مايستر بوني على دراجة التمرين خاصته . فكل ما يحتاجه الأمر هومصدر للطاقة الكهربية. والنوع الآخر من العضلات الصناعية التي يجري تطويرها في معهد أبحاث العضلات الصناعية مصنوع من الألياف الصناعية التي تمت إذابتها وغُلِيَها في محلول كيميائي . وتضفي هذه المعالجات قوة على النسيج وتمنحه مرونة تتباين في وجود تيار كهربائي . ونتيجة ذلك أننا نحصل على مواد يمكنها حتى تتمدد وتنكمش مثل النسيج الحي تماما . يتخيل الباحثون عضلة صناعية يمكنها حتى تترجم النبضات الكهربائية الواردة من الجهاز العصبي إلى حركة . وعلى أية حال، فذلك الهدف مازال طريق طويل بعيدًا . على المدى القريب، يعتقد الباحثون حتى العضلات الصناعية يمكن حتى تُسْتَخْدَم لزيادة قوة القلوب المريضة، مما يلغي الحاجة لبعض عمليات غرس القلب . ويتخيلون أيضًا خلق هياكل خارجية exoskeletons للسقمى المعاقين أورواد الفضاء، وحناجر صناعية وأجهزة استشعار لتشخيص إصابات النخاع الشوكي . وفي النهاية، يمكن حتى تُثَبت العضلات الصناعية على الأوتار الصناعية التي أجيزت حديثًا من قبل إدارة الغذاء والدواء FDA للاستعمال في السقمى من البشر .

ذراع بيوني حقيقي

أول إنسان يقود سيارة بذراعين بيونيك (آليتين)، اليسرى يتحكم فيها بموجات مخه، واليمنى يتحكم فيها بعضلاته. وقد لقي مصرعه لدى ارتطامه بشجرة، في النمسا، في 23 أكتوبر 2010. [1].

ليست العضلات الصناعية هي الأدوات الكهروميكانيكية الوحيدة التي تم تطويرها لتسهيل حركة الإنسان . وفي صيف عام 1999، تلقى كامبيل أيرد، وهومواطن اسكتلندي، الذراع البيوني الذي طُورهَ فريق أبحاث وتطوير البدليات في مستشفى الأميرة مارجريت روز للعظام في إدنبرة . يستخدم الذراع الإلكترونيات للسيطرة والتحكم . وهذا الذراع معروف باسم EMAS (نظام ذراع إدنبرة التحويري Edinburgh Modular Arm System; EMAS)، مجَهز بمحركات تعمل بالبطارية وصناديق تروس دويرية فوقية Epicyclical gearboxes. وقد حل محل الطرف الصناعي التقليدي الذي ارتداه أيرد منذ بُتِرَ ذراعه الأيمن بسبب السرطان قبل 16 سنة.

تم تثبيت المحركات في ذراع أيرد ،داخل أنابيب صلبة مصنوعة من خيوط الكربون خفيفة الوزن. وتتصل صناديق التروس بمجموعة ترس دودي وعجلة ، تقوم بتحويل القدرة الميكانيكية لصندوق تروس إلى حركة دورانية . وتقوم أصغر المحركات وصناديق التروس بتزويد الأصابع والإبهام بالقوة، بينما تزود المحركات الأكبر المعصم ، والمرفق والكتف بالقوة المحرِّكة. ويُغَطى الذراع بمطاط سليكوني شبيه بالنسيج الحي . كان الذراع EMAS هوأول عضوصناعي (بِدْلَة ) مزود بكتف كهربائية آلية تمامًا . ففي الأذرع الصناعية السابقة، كانت القدرة محدودة بالمعصم، والمرفق واليد . وهذا الذراع مزود ببطاريات قابلة للشحن قوتها 12 فولت.


لا شيء يقهر الإرادة القوية:

تعرض دانا بومان Bowman، وهوعضوسابق بفريق "الفرسان المضىيين" للقفز الجوي الحر بالجيش الأمريكي، لحادث في الجوعام 1994، فقد على إثره ساقيه ، وتم تزويده بعد ذلك بساقين "جديدتين". وقد عاد للقفز الحر، وأدى قفزة رائعة في الدورة الأولمبية للمعاقين في أتلانتا عام 1996. وبومان هوالمعاق الوحيد الذي يمتلك رخصة لقيادة طائرات الهليكوبتر، كما يحمل رخصة طيار خاص لقيادة الطائرات ذات المحرك الواحد والطائرات المائية كذلك، كما يستمتع بالغطس وقيادة الدراجات الهوائية، والتزلج على الماء والجليد، بالإضافة إلى الدراجات النارية المخصصة للسباق. وقد تحقق له جميع ذلك بفضل نوع حديث من الأجهزة التعويضية: البِدْلَة العصبية neural prosthesis، فقد حققت صناعة الأجهزة التعويضية تقدما كبيرا منذ الساق الخشبية (انظر الإطار).

وبرغم أنه لا يوجد لدينا حتى الآن أية آلة يمكنها تعويض الوظائف المعقدة للأذن ،أواليد، أوالساق البشرية، لكن بمساعدة البِدْلات العصبية الجديدة، تقوم أنظمة إلكترونية بمحاكاة وظائف الدماغ البشري باستخدام مدخولات حسية sensory inputs للتحكم بالحركات.

وعلى سبيل المثال، فإن تزويد الذراع الصناعية بمحس للحرارة heat sensor يمكنها من الاستجابة بصورة ملائمة، مثل إفلات المقلاة إذا كانت حارة جدا. ويختلف ذلك جذريا عن الأطراف الصناعية التي تثبت لأغراض تجميلية فحسب، مهما كان مظهرها شبيها بالعضوالبشري الأصلي المفقود. ولذلك، فالبِدْلات العصبية تبشر بمستقبل واعد للسقمى المصابين بكافة أنواع الاضطرابات العصبية ، مثل التصلب المتعدد multiple sclerosis (MS)، والألم المزمن، والشلل، والصمم، والعمى.

وقد كان التوصيل interfacing الحقيقي الأول بين الدماغ وبين جهيزة خارجية هوغرس القسقطة ، والتي هي قيد الاستخدام منذ عدة سنوات، إذ يبلغ عدد السقمى المزودين بها في الوقت الحاضر بضعة آلاف. ويمكنها استعادة قدرة المريض على السمع بتنبيه العصب السمعي الذي يصل بين الأذن الداخلية وبين المخ (انظر أعلى). وكما رأينا، فهناك محاولات أيضا لاستعادة حاسة البصر لدى المكفوفين عن طريق الشبكية الصناعية ، واستعرضنا أحدث الأبحاث الجارية في هذا المضمار.

لكن البِدْلات العصبية تحقق أكبر نجاح لها في مجال الأطراف الصناعية. وعلى سبيل المثال، يمكن لبِدْلَة الساعد التي تعمل بالطاقة الكهربية حتى تستعيد مدى واسعا من الوظائف والتحكم باستخدام محركات صغيرة لفتح وإغلاق اليد، بالإضافة إلى ثني وبسط المرفق وتدوير الرسغ. ويتحكم المريض في الجهيزة عن طريق قبض عضلات الجزء المتبقي من الطرف (الكتف أوالمرفق مثلا). ويؤدي ذلك لتوليد إشارات كهربية تقوم بتشغيل المحركات الموجودة في المرفق، أوالرسغ، أواليد. وتتيح "البِدْلَة العضلية الكهربية myoelectric prosthesis "، مدى أكبر من الحركة، ولها مظهر أكثر طبيعية، بالإضافة إلى ازدياد قوة القبضة grip.

وتقوم شركة Hanger للبِدْلات بولاية أوكلاهوما الأمريكية- وهي الشركة التي صنعت ساقي بومان- بتطوير أطراف صناعية ومحسات بردية cold sensors في أطراف الأصابع، وتقوم هذه المحسات بتوصيل الإشارات إلى دارة محوسبة computerized circuit تقوم بمعالجتها، ومن ثم تبعث بإشارات كهربية إلى إلكترودات مثبتة في جلد المريض. وبعد ذلك، تقوم الإلكترودات بتمرير relay الإحساس بالحرارة أوالبرودة للجزء المتبقي من طرف المريض. وتتمثل فائدة "النظام الحسي للحرارة والبرودة Hot and Cold Sensory System" – كما تسميه الشركة، في حتى مستخدمه سيكون واعيا بحرارة أي جسم يمسك به. فبرغم حتى الجسم الساخن لن يؤذي طرفه الصناعي بطبيعة الحال، لكن الأم المصابة –مثلا- ستكون راغبة في فهم درجة حرارة زجاجة الرضاعة أوحمام طفلها. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون ذلك مفيدا للغاية لسقمى الداء السكري الذين فقدوا أحد أطرافهم بسبب ضعف الدورة الدموية بعمل هذا السقم. ومع اضطراب الإحساس في أطرافهم السليمة، يمكنهم استخدام هذه البِدْلات في استشعار درجات الحرارة أوالبرودة المفرطة، على سبيل المثال. وبصورة إجمالية، يساعد المدخول الحسي الإضافي على زيادة وعي المستخدمين بالبيئة المحيطة بهم، عن طريق استعادة بعض الحس المفقود لديهم.

وهناك مشروع آخر قيد التطبيق لدى شركة Hanger، وهو"النظام الحسي للشعور بالحس Sense of Feel Sensory System"، والذي يهدف لاستعادة الشعور بالحس في الأشخاص الذين تعرضوا لبتر أحد أطرافهم. ويمكِّن النظام مستخدمي الطرف السفلي من الشعور بالأحاسيس المولَّدة من قدم صناعية. وتقوم تراجيم transducers الضغط في نعل القدم الصناعية بالاستجابة للضغط المطبق على جميع مناطق القدم، ومن ثم ترسل إشارات عصبية إلى الجزء المتبقي من الطرف. وحدثا زاد الضغط المطبق على القدم الصناعية ، زاد الإحساس المستشعر في الجزء المتبقي من الطرف. وبمرور الوقت، يبدأ دماغ المستخدم في تأويل هذه الأحاسيس على أنها واردة من القدم- وليس من الجزء المتبقي من الطرف. ويؤدي الارتجاع الحسي sensory feedback إلى تحسن التوازن خلال المشي والعدو. وقد يبدأ المستخدمون في الإحساس أيضا كما لوحتى القدم والجزء السفلي من الرجل قد أعيد توصيلها بالجسم- وهي ظاهرة تعهد بالإسقاط المخي cerebral projection. ويقرر الكثيرون أيضا انخفاض الشعور بألم الطرف الشبحي phantom limb- وهي معضلة شائعة بعد عمليات البتر، حيث يستمر الدماغ في التصرف كما لوحتى الطرف الأصلي لا يزال موجودا. والتطور الكبير الآخر في مجال البِدْلات العصبية هوالتنبيه الكهربي الوظيفي functional electrical stimulation; FES للعضلات المشلولة، حيث يتم غرس إلكترودات تصدر إشارات كهربائية إلى العضلات- شبيهة بتلك التي يرسلها الدماغ عبر الأعصاب التي تغذي هذا الجزء من الجسم لولم يكن المريض مصابا بضرب من التلف العصبي. ويتم استخدام التنبيه FES لاستعادة وظيفة الجزء العلوي أوالسفلي من الجسم، وكذلك للاستعادة التحكم في عمليتي التبول والتبرز. وأكثر الأجهزة التعويضية المتاحة حاليا تطورا هوFreeHand، والذي طوره الباحثون في جامعة كيس وسترن بولاية أوهايوالأمريكية، حيث يقوم بتنسيق التنبيه الكهربي لعضلات الذراع واليد المشلولة، مما يمكن اليد من إجراء حركات القبض والقرص pinching، بحيث يتمكن المستخدم من أداء المهام اليومية العادية ، مثل الإمساك بالأكواب. ويستهدف النظام المصابين بالشلل الرباعي quadriplegics، والذين يعانون من شلل عضلات الذراع والرجل والجذع- غالبا بسبب إصابة في الحبل الشوكي. ويتمكن هؤلاء السقمى من التحكم في حركة القبض عن طريق التحريك الإرادي إما للكتف أوالرسغ. يقوم محس مثبت على الصدر بقياس حركة الكتف، وآخر على الرسغ بقياس حركته، وتوجه إشارة للتحكم إلى الإلكترودات المزروعة – عبر معالج خارجي- بحيث تنبه العضلة لتطبيق الحركة المطلوبة. وبرغم حتى تثبيت الإلكترودات يستلزم عملية جراحية كبرى تستغرق ساعات عدة، إلا حتى المكونات مصنوعة من مادة خاملة inert ظلت قيد الاستخدام لأكثر من 25 عاما في الأجهزة التعويضية الأخرى، وبالتالي هناك خطر محدود جدا للرفض rejection، وهي مصممة أيضا بحيث تعيش طوال حياة المريض. وهناك ما لا يقل عن 65 شخصا يستخدمون الجهاز FreeHand حاليا، مما يمنحهم قدرا أكبر بكثير من الاستقلالية والتحكم في أنشطة حياتهم اليومية ، مثل الاغتسال وارتداء الملابس، وتمشيط الشعر وتفريش الأسنان، واستخدام الهاتف أوالحاسوب.

ويعكف الباحثون حاليا على إجراء المزيد من التحسينات على النظام FES، فهم يقومون باختبار نظام يمكن تشغيل التحكم في الرسغ فيه بواسطة طرق متنوعة؛ مثل أعطى اليد لأداء حركة القبض، كما يقومون بتطوير نظام يمكن السقمى المقعدين من الترجل عن الكرسي ذي العجلات ، بحيث يساعدهم على الدخول إلى الحمام أوإلى السرير.

الأعضاء الحسية

يتفوق الكائن الحي تفوقاً بارزاً على الآلة في مجال تلقي المعلومة ومعالجتها، فهويلتقط المعلومات الصادرة عن محيطه وبيئته وعن وسطه الداخلي بأعضائه الحسية، فتُنقلها الأعصاب بشكل رسائل مرمَّزة codes حتى مراكز الإسقاط العصبية أو«المحلِّلات analyzers» حيث تجري عمليات معقدة من الدمج أوالتكامل integration والترابط association تعالج، في زمن قصير جداً وباستهلاك قدر ضئيل جداً من الطاقة، تدفقَ المعلومات الذي تقدمه المستقبلات في جميع لحظة. فإما حتى تُختزن النتائج في الذاكرة وإما حتى تنقل إلى الطرق العصبية التي تسوق الأجوبة إلى الأعضاء المنفذة effectors، وهذه تضم أساساً الجملة العضلية التي توجه السلوك comportment وتُكيفُه، والجملة الغدية التي توطد التوازنات الاستتبابية الداخلية في الجسم التي اضطربت اضطراباً مؤقتاً.

(1) توصل الباحثون إلى خلق أنف مصغر من رقاقة واحدة تستعمل لتحري صلاحية الأطعمة.وربما توصلوا في المستقبل إلى غرس مثل هذه الرقاقة لدى إنسان فقد حاسة الشم. (2) تمثل هذه الرقاقة لساناً إلكترونياً يمكن بوساطته تذوق نوعية المشروبات أونقاء الماء. (3) رقاقة مكروية إلكترونية تغرس في العين إلى حد ما لدى فاقدي البصر بسبب الشبكية.

تلتقط المستقبلات الحسية في الكائنات الحية إشاراتٍ مختلفة الطبيعة: كهرمغنطيسية أوميكانيكية أوسمعية أوكيمياوية، فتُحول الطاقة الواردة إلى طاقة كهربائية وتُسقِط رسائل مرمَّزة على المراكز النوعية. وما تتصف به هذه المستقبلات من حساسية واصطفائية هومادة أساسية في بحوث المعنيين بالبيونية.


مستقبلات الأفعال الميكانيكية

إن الحلزون cochlea في أذن الإنسان وفي الثدييات الذي يحوِّل الموجات الصوتية إلى نبضات من التدفقات العصبية يمثل أشد الأجهزة حساسية. فمستوى عتبة الشدة الصوتية لأذن الإنسان يطابق طاقة مقدارهاعشرة ـ12إرغ، ومن أجل ذلك تكون اهتزازات الغشاء القاعدي في الأذن الداخلية صغيرة جداً.

وهناك حيوانات كثيرة تكون حساسة بالاهتزازات المنخفضة التواتر ولاسيما مستديرات الفم Cyclostomes والأسماك واليرقات المائية للضفدعيات. وتستجيب في هذه الحيوانات جملة «الخط الجانبي»، وهومقر اللمس عن بعد، لاهتزازات مقدارها من 1 إلى 25 هرتز. وفي المدوزة Medusa تَشعر الحويصلات السمعية otocystes باهتزازات مقدارها منثمانية إلى 13 هرتز تنشأ من احتكاك الأمواج بالهواء. ولقد بنى المهندسون «السوفييت» منذ ستينات القرن العشرين على هذا النموذج «أذناً صنعية» تتيح التنبؤ بعاصفة قبل خمس عشرة ساعة من وصولها.

وهناك في اللقاء أنواع حيوانية كثيرة تكون حساسة بالاهتزازات العالية التواتر التي لايسمعها الإنسان. فبعض الثدييات التي تكيفت مع الحياة الهوائية كالخفافيش أومجنحات الأيدي، أومع الحياة المائية كالدلافين وخنازير البحر porpoises (حوتيات تشبه الدلافين) لها أجهزة تصدر إشارات سمعية تواترها أعلى من 150 كيلوهرتز وتستقبل مثل تلك الإشارات. وهذا «الصونار» الطبيعي sonar الناجع في كشف الفرائس عن بعد وفهم وجهتها يسوِّغ الفضول الذي يظهره الناس إزاء هذه الحيوانات. وإن فهم الآليات السليمة لقدرة هذه الحيوانات على التمييز مفيدة جداً للباحثين في مجالات كثيرة ولاسيما البيونية.

مستقبلات الأفعال الضوئية

إن استقبال الضوء photoreception حاسة موجودة على الشمول تقريباً في عالم الحيوان، ولكن القدرة على تعهد الأشكال وعلى كشف الحركات تنامت وتكاملت تكاملاً مستقلاً في ثلاث شعب كبيرة هي مفصليات الأرجل Arthropodes والرخويات Mollusca والفقاريات Vertebrates. وحلت جميع زمرة منها مشكلات الرؤية على طريقتها الخاصة.

فمنها ما يدرك التحركات بتسجيل الإشارات الضوئية التي تصل إلى جميع خلية من شبكية عينها، ومقارنة زمن وصولها إلى المركز المخي ودمج المعلومة، فتُقَدِّر بذلك سرعة الأهداف المرئية واتجاهها. وإذا دراسة قيام هذه العين بعملها قادت بعض الاختصاصيين ولا سيما في معهد ماكس بلانك في توبنغن (ألمانيا) إلى إنجاز مشعر بالسرعة أعد للطائرات.

وهناك تفاعل بيوني آخر مفيد دُرس في مجال البصريات هوعين ضفدعة إلكترونية. فالضفدع لا يستطيع تمييز فرائسه إلا إذا كانت متحركة، وشبكية عينه مقسومة إلى أربعة حقول قابلة للتأثر تكتشف بالترتيب: التضاد والتحدبات والحواف المتحركة والظلال. وإذا سرعات إيصال التدفق والترتيبات العينية هي نوعية من أجل جميع حقل. فإذا مر جسم في حقل الرؤية فإن التعتيم يؤدي إلى استجابة من مستقبلات الظل تنتقل بسرعة كبيرة إلى المخ وتؤدي إلى إيقاظه. وينصب اهتمام الحيوان آنذاك على الحافة المتحركة من الجسم. فإذا كانت هذه الحافة محدبة، وتعني فريسة محتملة، فإن كاشف الحواف الواضحة يتيح تحديداً للمسقط كافي الدقة بغية الهجوم والتهام الفريسة. والعين الإلكترونية المبنية على هذا الطراز يمكنها، على قول منجزيها، حتى تكون أداة نافعة في البحوث التي تهتم بمسائل «تعرُّف الأشكال«. وتمثل خطوة أولى نحوتحقيق أجهزة معقدة لمراقبة الأجسام المتحركة وتعهدها والتحكم في حركتها.

أما عين الإنسان فإن آلياتها قد خضعت لدراسات كثيرة جدًا، وما يزال بعضها يكتنفه الغموض. وإذا كان «الإنسان العاقل» ما يزال غير قابل للاستبدال مع ما تحقق من منظومات صنعية للكشف أوالتحكم، فإن ذلك يفسَّر على الأخص بقدرة الدماغ البشري الخارقة على تعهد الأشكال الخاصة، الأمر الذي يتيح للإنسان تحديد هوية الأجسام ذات المغزى في ساحة رؤيته من نظرة خاطفة واحدة. وعليه يجب على الدوام ألا تكتفي دراسة جملةٍ حسية بالمستقبل ونوعيته، ولكن يجب حتى تضع في الحسبان مراكز الإسقاط النوعي ومراكز الإشراك حيث يُدمج نهائياً جميع المعطيات الحسية. ومع ما تحقق من نجاح نسبي في مسألة تحسين الرؤية عند الإنسان بغرس العدسات وإصلاح الشبكية وتنبيه مراكز الإحساس البصري في الدماغ إلكترونياً، فإن الوصول إلى مساعدة الإنسان على استعادة البصر كاملاً وتعهد الألوان مازال بعيداً.

مستقبلات الأفعال الكيمياوية

إن إدراك بعض المواد الكيمياوية وتعهدها ناميان جداً في بعض الأنواع الحيوانية. فالمعروف حتى فراشة التوت الذكر Bombyx mori تملك حساسية فائقة إزاء الرائحة الجنسية في الأنثى ناجمة عن مادة كيمياوية معروفة ويستجيب العضوالحساس لهجريزٍ على درجة كبيرة من الضعف.

وليست الأنواع المائية بأقل تجهيزاً من ناحية الاستقبال الكيمياوي. فسمك السلمون Salmon مثلاً يستجيب برد عمل نوعي لوجود الحمض الأميني السيرين اليساري L.serine في الماء بتمديد مقدارهعشرة - 11غ/ل.

والشم في الإنسان (وهوأقل حظاً من كثير من الحيوانات) يكشف عدداً كبيراً من جزيئات كيمياوية مختلفة جداً، واستجابته فورية، وقيامه الدائم بوظيفته ومستنده التشريحي المنمنم إلى أبعد حد ميزتان تمنحانه تفوقاً لا يقبل الجدل على أشد الأجهزة حداثة.

ومن المفيد جداً، من وجهة نظر البيونية، محاولة نسخ مستقبلات الأفعال الكيمياوية الطبيعية بغية الحصول على «أنوف اصطناعية» يمكن حتى تغدوتطبيقاتها متعددة، لعل أهمها مساعدة فاقد حاسة الشم على تمييز الروائح. وقد بذلت في هذا المنحى محاولات شتى ولكن لم يستطع أحد حتى الآن تحقيق ما يتصف به الجهاز الحسي من دقة واستجابة فورية.

مستقبلات الأفعال الحرارية

إن للكائنات الحية مستقبلات حساسة بالحرارة تكون في الإنسان متجمعة في بعض مناطق الجلد، وتشعره بأدنى التغيرات في درجة الحرارة. وهناك أنواع من الأفاعي ولاسيما الأفعى ذات الأجراس rattlesnake تكشف تغيرات حرارية من رتبة 0.001 درجة مئوية (إنها تشعر بيد الإنسان من مسافة 30سم من رأسها). وتعد نموذجاً يستلهم منه المهندسون حلولاً جديدة لمسألة كشف الإشعاعات تحت الحمراء والإفادة منها في أمور مختلفة.

مستقبلات الأفعال الكهربائية

مع حتى أكثر الحيوانات لا تشعر بالطاقة الكهربائية إلا كصدمة مزعجة، شريطة حتى تكون كافية الشدة، فهناك على الأقل ثلاث فصائل من الأسماك تعيش في الأنهار المدارية في إفريقية وأمريكا الجنوبية قادرة على حتى تكشف أي تبدلات صغيرة تطرأ على الساحة الكهربائية في محيطها. فهذه الأسماك تصدر تفريغات كهربائية discharges نَسقية إيقاعية ضعيفة تستخدمها بفضل مستقبلات للأفعال الكهربائية حساسة جداً لتكشف أجساماً لها ناقلية مختلفة عن ناقلية الماء. وهذه الطريقة من الكشف وتعيين الموضع بإصدار حقول كهربائية ضعيفة واستقبالها ما تزال تبدي كثيراً من المجاهيل، ولكنها قد تستطيع الإسهام في تحسين بعض منظومات الكشف والتحكم.

التوجه في المكان والزمان

إن الطرائق التي تستعملها الحيوانات في توجهها معقدة ومختلفة. وإذا كان الباحثون يعهدون طرائق الكشف وتحديد الموضع القصير المدى فإن المعلومات أشد إبهاماً بكثير فيما يتصل بالتوجه الطويل المدى لعدة حيوانات مهاجرة، ذلك أنه يُدخل في أمره آليات معقدة جداً حتى حواس فرضية، كأنقد يكون لها حساسية بمتدرجات الحقل المغنطيسي الأرضي، أوحساسية بالموجات الهرتزية. ومن جهة أخرى فإن الملاحة الملاحة الفلكيةالفلكية لبعض الطيور ولبعض الحشرات والإيقاعات والسلوك في عدة كائنات حية، جميع ذلك يستلزم بالضرورة وجود «ساعات بيولوجية» لا يُفهم ضبطها ولا كيفية قيامها بعملها. ويحتمل حتى يُغني تَقَدم المعلومات في هذا المجال تقنية منظومات التحكم والملاحة والبيونية.

الرؤية الصناعية

حتى لوكنت ترتدي نظارات طبية، فإن عينيك تعملان بمستوى جيد بدرجة تسمح بالتعهد على الحروف الصغيرة في هذه الصفحة. ويبلغ ازدياد النص في أغلب شاشات الحاسوب 3ملم ، وعرضة 2 ملم. وعند قراءتك لجملة واحدة على شاشة الحاسوب، فأنت في الغالب غير واع بآلاف البتر من المعلومات البصرية التي تقوم عيناك بتجميعها في جميع ثانية. وفي الشبكية وحدها، هناك ملايين من الخلايا تعمل الآن كمستقبلات ضوئية تستجيب للضوء ، بصورة مماثلة للكيفية التي تعمل بها آلة التصوير على تثبيت الصورة على الفيلم.

والشبكية تعبير عن طبقة رقيقة من النسيج العصبي تبطن الجدار الخلفي داخل العين. وتعمل بعض هذه الخلايا على استقبال الضوء، بينما تقوم أخرى بترجمة البيانات وإرسال إشارات إلى الدماغ عبر العصب البصري. وهذه جزء من العملية التي تمكننا من الرؤية. في الشبكية التالفة أوغير الفاعلة، تتوقف المستقبلات الضوئية عن العمل ن مما يسبب العمى. وتشير بعض التقديرات إلى حتى هناك نحوعشرة ملايين إنسان في جميع أنحاء العالم من المصابين بأمراض في الشبكية أدت لفقدانهم للبصر.

وحتى وقت قريب، لم يكن لدى أولئك المصابين بالعمى نتيجة لأمراض الشبكية سوى قليل من الأمل في استعادة بصرهم، لكن التطورات التكنولوجية قد تمكنهم قريبا من استعادة نعمة البصر. وقد نجحت مجموعات عديدة من الباحثين حتى الآن في تطوير رقائق مكروية microchips يمكنها خلق "رؤية صناعية"… وقد تلقت أبحاث الرؤية الصناعية الحالية دفعة قوية في العام 1988 ، عندما أوضح الدكتور مارك هومايون Humayun ، من جامعة كاليفورنيا الجنوبية في لوس أنجلوس، أنه من الممكن جعل إنسان مصاب بالعمى يرى الضوء عن طريق استثارة العقد العصبية في الشبكية بواسطة تيار كهربائي. وأثبتت هذه التجربة حتى الأعصاب خلف الشبكية كانت لا تزال فاعلة حتى ولوأصيبت الشبكية ذاتها بالتنكس. وبناء على هذه المعلومات، بدأ الباحثون العمل على خلق جهاز يمكنه ترجمة الصور والدفعات الكهربية التي يمكنها استعادة البصر. واليوم، أوشك هذا الجهاز على حتى يصبح في متناول يد الملايين من البشر الذين فقدوا بصرهم نتيجة لأمراض الشبكية. وقد تمت زراعة أحد النماذج التجريبية لهذه الرقائق في شبكية عدد من السقمى المكفوفين . والفكرة العامة في جميع نماذج الشبكية الصناعية واحدة، وتتمثل فيما يلي:

  • صغيرة بالقدر الكافي لغرسها داخل العين .
  • مزودة بمصدر مستمر للطاقة.
  • متوافقة بيولوجيا مع نسيج العين المحيط بها.

ويتمثل المقاربة فوق الشبكية epiretinal approach في تغطية سطح الشبكية بعدد كبير من الأقطاب الكهربية ، والتي يمكن لكل منها تنبيه الخلايا العصبية العقدية ganglion nerve cells المستبطنة لها، وتتلقى الأقطاب الكهربية إشاراتها من المستقبلات الضوئية مباشرة ، والتي بدورها تمرر معلوماتها إلى طبقات من أنواع الخلايا الأخرى- وهي الخلايا ثنائية القطب bipolar ، وعديمة الاستطالات amacrine، والأفقية horizontal- والتي تقوم بعد ذلك بمعالجتها ونقلها إلى العقد العصبية. وفي الرقائق فوق الشبكية ، وعلى العكس من ذلك، ليست هناك معالجة مسبقة pre-processing، لكن هذه المستوى بالغة الأهمية بالنسبة لعملية الإبصار. فخلايا العقد العصبية تستخدم هذه الشبكة من الطبقات الخلوية لمقارنة الإشارات الواردة من المستقبلات الضوئية القريبة ولا تمرر سوى البيانات المتعلقة بالتغيرات الكبيرة، مثل إطار على باحة من الشدة intensity الثابتة أوحركته عبر مجال الرؤية، بينما يتم تجاهل المعلومات الأقل أهمية. وبذلك، فالإشارات التي تمررها خلايا العقد العصبية تكون نصف معالجة فقط. وفي البِدْلَة prosthesis التي لا تقوم بتطبيق هذه المعالجة، يفقد الدماغ مصدرا للمعلومات المفيدة، مما قد ينتج عنه إشارات متضاربة، إذا قامت الرقاقة – على سبيل المثال- بتنبيه مباشر لعقدة عصبية لا تُقدح عادة إلا عندما تكتشف إطارا ، لكنها تقوم أيضا بتنبيه الخلايا المجاورة لها بكيفية تدل على وجود منطقة من السطوع الباهر. ولذلك، فمما يثير العجب حتى مريض الدكتور هيومايون يمكنه رؤية 16 نقطة من الضوء في منظومة من رباعيات ( أربعة في أربعة) ، حسب مواقع الأقطاب الكهربية على شبكيته. ويتحسن المَيز resolution قليلا إذا قام المريض بتحريك رأسه لمسح المجال البصري بكامله، لكن هيومايون يعترف بأن الرؤية عالية الميز وشبه الطبيعية لا زالت حلما بعيد المنال.

وهناك تقنية أخرى، وهي المأتى تحت الشبكي subretinal approach، تبدومبشرة أكثر من سابقتها. وفيها تثبت الرقاقة المزروعة خلف الشبكية وتقوم بتنبيه الخلايا ثنائية القطب. ونظرا لقربها من خلايا العقد العصبية، تمتلك هذه الرقائق إمكانية استعادة بعض قدرة المعالجة لدى تلك الأجزاء التي لا تزال تعمل من الشبكية. وتبدوالطعوم implants واعدة بصورة خاصة لأنها تدع بقية أجزاء العين تعمل بصورة طبيعية ، أي حتى العدسة ستقوم بتبئير الصورة مباشرة على الصمامات الثنائية الضوئية photodiodes الموجودة على الرقاقة، والتي تحوّل الضوء إلى طاقة كهربائية. لكن هذا مصحوب بصعوبة أخرى؛ فالأقطاب الكهربية يجب حتى تفصل بينها مسافة كبيرة بالقدر الكافي لعدم تداخل الإشارات بينها ، ونتيجة لذلك فليس من الممكن حتى الآن عنونة جميع من الخلايا الثنائية القطب المنفردة ، وبالتالي يتم تنبيه عدد كبير من الخلايا في الوقت نفسه ويُفقد المَيز . ولا يتسقط الباحثون حتى تقدم هذه الوسيلة للمكفوفين أكثر من تزويدهم ببعض الوعي المبدئي بالبيئة المحيطة بهم ، وستكون حدة إبصارهم على الدوام أقل بكثير من الرؤية الطبيعية ، كما ستكون مشوهة قليلة (انظر الشكل--).

وعلى أية حال، تدعي شركة Optobionics الأمريكية أنها طورت الرقائق تحت الشبكية لأبعاد غير مسبوقة ، فالرقائق التي تنتجها الشركة تحتوي على 5000 صمام ثنائي ضوئي ، وبالتالي يمكنها – نظريا- حتى توفر ميزا يزيد بثلاثة أضعاف عن النماذج السابقة لها، وربما كان ذلك كافيا لأن ترى انعكاس صورتك في المرآة. لكنه من غير الواضح حتى الآن مدى نجاح رقائق الشركة عند غرسها في سقمى حقيقيين، ففي شهر مايو2002، أعربت الشركة حتى تلك الرقائق لها آثار جانبية غير متسقطة وغير معتادة، فبدلا من الاكتفاء بتنبيه مجموعات الخلايا القريبة من جميع من الأقطاب الكهربية، كان السقمى يستشعرون تحسنا في الإبصار في مناطق من الشبكية بعيدة عن مدى عمل الرقاقة المزروعة؛ فكانت الأجزاء التالفة من شبكياتهم تعمل مجددا بصورة مفاجئة ، حتى في الأماكن البعيدة عن تغطية الرقاقة المزروعة. وعندما سُئل عن السبب، أجاب رئيس الشركة بأن التيار الذي تولد ه الرقاقة ينشط المستقبلات الضوئية في مناطق واسعة من الشبكية بعيدا عن متناول الرقاقة المزروعة . وبينما يجادل البعض بأن ذلك لن يؤهل الرقاقة المزروعة لأن تكون جهازا تعويضيا، حيث حتى السقمى لا يستخدمونها بصورة مباشرة لكي يبصروا، إلا حتى ذلك سيكون تأثيرا مدهشا حقا.

ويفضل الباحثون الآخرون العاملون في هذا الميدان إيجاد تفسير آخر يقلل من شأن رقاقة شركة Optobionics ، ففي الكثير من أمراض الشبكية، بما فيها التهاب الشبكية الصباغي retinitis pigmentosa، ليس من المستغرب على المستقبلات الضوئية المعتلة حتى تعاود نشاطها مجددا. وهذا "النشاط الإنقاذي" قد ينتج عن الرضح الناجم عن الجراحة ذاتها. فالعين عضوحساس للغاية، وفي اللحظة التي تعبث بمحتوياتها ، ستنطلق جميع عوامل النموبداخلها؛ ويقول خبراء الأنسجة أنك حتى لوحقنت بداخلها ماء ، فستكون هناك استجابة إنقاذية. ولوصح هذا الأمر، فسيحدث نفس التأثير لوقام الجراحون بعمليات وهمية لا يكترثون فيها حتى لغرس الرقائق البدلية، فمجرد الرضح الجراحي سيقوم بالمهمة، من يدري؟!

وربما كانت أنجح جهود الرؤية الصناعية- من حيث ما يراه المريض بالعمل- هي تلك المتعلقة بتنبيه القشرة المخية مباشرة ، فالبِدْلات البصرية visual prosthetics يجب ألا تستهدف سقمى الشبكية وحدهم ، ولكن أيضا لأولئك الذين تعرضوا لرضح في العين أوالعصب البصري. فإذا أريد لجهاز صناعي حتى يساعد أكبر عدد من المكفوفين، عمليه حتى يتخطى العين إلى القشرة البصرية في الدماغ، حيث يقوم بعض الباحثين بغرس أقطاب كهربية فيها ، وبعدها تتلقى القشرة إرسالا يشبه الصوت والصورة عبر سلك موصل بآلة التصوير المثبتة في نظارة المريض (انظر الشكل --) . ويقوم الباحثون بتحسين تلك الإشارات عن طريق ضبط الإشارات الواصلة إلى الأقطاب الكهربية بينما يقوم السقمى بوصف ما "يرونه". لكن بعد 30 سنة من التجارب في هذا المجال، لم تزد حدة إبصار السقمى المعالجين بهذه الطريقة عن نحو100 بيكسل ، بينما تبلغ حدة الإبصار الطبيعية مليون بيكسل على الأقل! فبرغم حتى الأقطاب الكهربية المستخدمة في هذه التقنية تقوم بتنبيه مئات، إذا لم يكن آلاف، العصبونات في نفس الوقت. ولكن للحصول على رؤية طبيعية، سيحتاج الأمر لزيادة هائلة في عدد الأقطاب الكهربية المستخدمة بحيث يمكن التغلب على تداخل الإشارات بينها. ويعتقد كوابينا بوهين Boahen،من جامعة بنسلفانيا، حتى المشكلة في البِدْلات الحالية أنها غير مبنية على أي فهم حقيقي للكيفية التي تعمل بها الشبكية الطبيعية. فالشبكية لا تقوم فقط بنقل الإشارات العصبية إلى الدماغ ، بل تقوم بكم هائل من عمليات المعالجة المسبقة. وبدلا من معالجة الشبكية فقط على أنها سطح مكتشف للضوء، يقول بوهين حتى عليك التفكير بها كجزء من الدماغ. وحتى نفهم الكيفية التي "تفكر" بها الشبكية، فلن نتمكن من صناع بِدْلات جيدة حقا.

ولذلك، فقد أمضى بوهين السنوات القليلة الماضية في محاولة سبر غور الحسابات البالغة التعقيد التي تتم في الشبكية السليمة. ولإدراك كم المعالجة الذي تقوم به الشبكية، علينا حتى نضع في اعتبارنا حتى الشبكية البشرية الواحدة تحتوي على نحو130 مليون مستقبلة ضوئية، لكن هناك نحومليون سبيل عصبي فقط في العصب البصري. وبالتالي ، لا يمكن للعين حتى تحشر كافة المعلومات التي تتلقاها في هذا الأنبوب الضيق. لذلك، تقوم الشبكية بغربلة وتفسير المعلومات ، وترسل فقط تلك المعلومات المهمة.

ويعمل بوهين حاليا على تطوير جهيزة device من السليكون تحاول محاكاة وظائف جميع هذه الطبقات الخلوية المكونة للشبكية، وبالتالي تحتوي على طبقات متعددة من "الخلايا" المتنوعة والمتصلة فيما بينها، والمحفورة على شريحة من السليكون. وتقوم رقاقته باكتشاف الضوء ، ومن ثم تحوله إلى إشارة عصبية شبيهة بتلك التي تنقلها الشبكية السليمة إلى العصب البصري. إذا معالجة هذا الكم الضخم في جهيزة ليس عملا سهلا على الإطلاق، فرقائق السليكون تستخدم نحو100000 ضعف المكونات والتوصيلات التي يحتاجها الجهاز العصبي البشري للقيام بنفس الحسابات، وذلك لأنها تجري المهام الحسابية واحدة تلوالأخرى، وليس الكثير منها في نفس الوقت كما يعمل الدماغ. وهناك معضلة أخرى وهي حتى رقاقة تقوم بهذا الكم الضخم من الحسابات لابد وأن تولد كمية من الحرارة تؤذي الأنسجة الحساسة للجهاز العصبي البشري. لكن بوهين نجح في إيجاد طريقة لمعالجة الآلاف من الإشارات على التوازي عن طريق جعل الترانزستورات المنفردة تعمل مثل المشابك العصبية synapses. فالترانزستورات تعمل عادة كمفاتيح بسيطة، أي طريقة رقمية للفتح والإغلاق تكون دوائر ثنائية binary بسيطة. وتقوم ترانزستورات بوهين بإصدار إشارات نظيرية analogue ليست مجرد فتح أوإغلاق، لكنها يمكن حتى تكون أقوى وأضعف أيضا. وهذا يحل معضلة الحرارة ، لأنه مع الإشارات النظيرية المعدلة، تقل الحاجة للترانزستورات إلى جزء واحد من ألف جزء كانت ستدعوالحاجة إليه في الأسلوب التقليدي لنقل الإشارات.

لكن بوهين لا يستطيع غرس جهيزته في الوقت الحاضر، لأن الرقاقة في شكلها الحالي لا زالت غير قادرة على مجاراة مُيز الشبكية البشرية ؛ فبعدد من المستقبلات الضوئية يبلغ 6000 تقريبا، تغذي نحو1500 خلية عقدية، هناك حاجة لتقليص حجم مكوناتها بنسبة 1: 10000 لمجاراة إمكانيات الشبكية الحقيقية. سيستغرق حل هذه المشكلات سنوات عديدة ، مما لا يمثل خبرا مفرحا للمكفوفين في العالم، لكن بوهين يعتقد حتى النتيجة النهائية تستحق الانتظار، ونحن أيضا!

الأصوات البيونية:

بدأت أبحاث غرس القسقطة cochlea منذ خمسينيات القرن العشرين. وبصورة مبسطة، تقوم بِدْلات القسقطة بتنبيه كهربي للعصب السمعي. وترسل البِدْلَة موجات صوتية إلى السبيل السمعي بعد تحويلها إلى طاقة كهربية. واليوم، بالإضافة إلى الكثير من المراكز البحثية التي تعمل على تطوير جهيزات سمعية بيونية، تقوم الكثير من الشركات ببيع منتجات تجارية للغرض نفسه. وبرغم وجود اختلافات بين منتج والآخر، إلا أنها تعمل جميعا – في الأساس- بصورة مماثلة. وحتى في السقمى المصابين بصمم شديد الوخامة، هناك ثلث على الأقل من الألياف العصبية التي تنبه العصب البصري – وعددها 30000، يبقى حيا ومستجيبا ، أي حتى تلك الألياف تظل قادرة على نقل الإشارات إلى مركز السمع في المخ. ويتم قدح trigger هذه الإشارات بواسطة البِدْلات القسقطية.

وعلى عكس السماعات الطبية hearing aids، والتي تقوم بتضخيم الأصوات، تتعامل البِدْلَة القسقطية- أوالأذن البيونية- مع التيار الكهربي. يقوم الجراحون بغرس الجهيزة في العظم الخشائي mastoid bone والأذن الداخلية عبر شق خلف الأذن. ويقوم معالج صغير للكلام بتحويل الأصوات- التي يتم التقاطها عبر ميكروفون خارجي- إلى إشارة كهربية. ويتم نقل تلك الإشارات عبر ملف ناقل إلى جهاز الاستقبال receiver المزروع. وتقوم الأقطاب الكهربية المزروعة في الأذن الداخلية بتخطية bypass المنطقة التالفة من الأذن، ومن ثم تولد نبضة عصبية تقوم بتنبيه القشرة السمعية في المخ.

لكن القسقطة الصناعية لنقد يكون بوسعها مساعدة جميع الصَّم ؛ فالبالغون الذين لمقد يكونوا قادرين على السمع أبدا لنقد يكونوا مؤهلين مناسبين لهذه المعالجة، إذ حتى مركز السمع في أدمغتهم لن يستجيب للمنبهات الواردة إليه. وفي مقاربة مختلفة تماما، فإن جوناثان سپندل Spindel، وهومهندس للأجهزة الطبية وأستاذ مساعد الأنف والأذن والحنجرة بجامعة فرجينيا، يقوم بتطوير جهاز مغناطيسي مساعد للسمع يتسم بكونه " غير مرئي". ويقول حتى تجاربه أظهرت حتى الإشارات التي تولدها سماعته المغناطيسية قريبة جدا من الأصوات الحقيقية. وفي هذه المقاربة، تقوم الجهيزة device بالتقاط الأصوات من خلال ميكروفون مصغر مزروع في الأذن. وبعد مرورها خلال وحدة صغيرة للمعالجة وملف كهرومغناطيسي- مزروعين بدورهما في الأذن- ترسل الاهتزازات المضخمة إلى الأذن الداخلية عبر مغناطيس صغير متصل بالنافذة المستديرة round window للأذن الداخلية، وهوغشاء رقيق على أحد جانبي القسقطة، منبها آلاف الخلايا الشعرية hair cells المستخدمة في عملية السمع الطبيعية. وتتميز هذه المقاربة بأن الجهيزة لا تتعارض مع عملية السمع الطبيعية؛ فتوطيد سبيل ثان مستقل للمدخولات input pathway إلى الأذن الداخلية يفتح احتمال استخدام السبل السمعية الطبيعية ومغناطيس النافذة المستديرة بصورة متزامنة للحصول على أنماط صوتية مختلفة في الأذن الداخلية. وبالإضافة إلى ذلك، فباعتبار حتى الجهاز الجديد يستخدم الاهتزازات المغناطيسية وليس الصوتية، تنتفي الحاجة للارتجاع feedback- وهومعضلة شائعة في الأجهزة التقليدية لمساعدة السمع.

أنف … لسان إلكتروني للبيع!

بعكس حاستي السمع والبصر ، لا يفهم الباحثون كثيرا عن حاستي الشم والتذوق في الإنسان، ومع ذلك فقد أمكن تمثيل هذه القدرات معمليا؛ فالفهماء يحاولون محاكاة الأنف البشرية باستخدام محسات يمكنها اكتشاف مجموعة كبيرة من المواد المتطايرة volatile . وعلى سبيل المثال، تزداد قدرة "الأنف الإلكترونية" التي يتم تطويرها في مختبر أوك ريدج الوطني ORNL بولاية تنيسي الأمريكية، على تمييز رائحة الزئبق، وأول أكسيد الكربون ، ومواد كيميائية أخرى. ويتكون الجهاز من مصفوفة array من المحسات المصغرة مدمجة على دارة متكاملة Integrated circuit: IC واحدة. وعن طريق تغطية المصفوفات انتقائيا بمواد كيميائية مختلفة، يمكن للباحثين ضبط الرقاقة لاكتشاف أي رائحة تقريبا.

وفي جامعة تكساس، طوّر الباحثون لسانا إلكترونيا يحاكي قدرة البشر على اكتشاف الطعم الحلوsweet، والحامض sour، والمالح salty، والمر bitter.

ولعمل ذلك، قام الفريق بتثبيت محسات كيميائية مختلفة على رءوس دقيقة الحجم مصنوعة من البوليثيلين جليكول والبوليسترين ، وتمثل المحسات أمزجة combination مختلفة من عناصر الذوق الأربعة الرئيسية ، مع أمزجة من الألوان الأحمر، والأخضر، والأزرق. وعلى سبيل المثال، فعند تعرضه "لمذاق" حمضي، يتحول أحد المحسات إلى اللون الأصفر، ويتحول إلى اللون القرمزي عند استشعار مزيج قاعدي، إلى غير ذلك. وفي الوقت الحاضر، لا تعدوالأنوف والألسنة الإلكترونية كونها تجهيزات مختبرية ، وليست هناك خطط حالية ، على الأقل، لاستخدامها كأجهزة تعويضية في البشر.

أين سينتهي جميع هذا؟

يتم تطوير الأجهزة التعويضية الحديثة لأكثر من مجرد استبدال الأجزاء المريضة من الجسم، لكن الباحثين يستخدمونها أيضا لمحاربة السقم. فالأبحاث الحديثة تشير إلى تنبيه العصب المبهم vagus يعدل من جريان الدم في تلك المناطق من الدماغ التي تنطلق منها النوبات الصرعية، فيقوم النظام NCP – والمعروف باسم "ناظمة الدماغ"- بتنبيه العصب المبهم في السقمى الذين لا يمكن السيطرة على النوبات الصرعية لديهم بالأدوية أوحتى بالجراحة العصبية التقليدية. ويتم غرس هذه الجهيزة، والتي لا يزيد حجمها عن حجم ساعة الجيب العادية، في صدر المريض، وتمتد منها أسلاك تقوم بتنبيه العصب المبهم في العنق. وترسل الجهيزة دفعات كهربية على فترات زمنية محددة وبكميات بالغة الدقة إلى العصب، والذي يتحكم في نشاط الكثير من الأعضاء الداخلية ، وقد أثبت النظام قدرته على تقليل ، أوحتى التخلص من، النوبات الصرعية في مستخدميه.

وإذا كان بوسع البِدْلات العصبية حتى تقوم بدور الأعصاب التي تنبه العضلات، فما الذي يعوق استخدامها في المخ نفسه،يا ترى؟ … في عام 1985، قام الدكتور بيتر فورمهيرتز Formherz من معهد ماكس بلانك الألماني، بالتفكير في توصيل العصبونات برقائق من السليكون. وبعد ست سنوات، نجح هووفريقه في تطبيق أول وصلة كهربية مباشرة بين خلية عصبية وبين ترانزستور من السليكون، وتلى ذلك إنتاج أول وصلة كهربية مباشرة بين دارة سليكونية silicon circuit وبين خلية عصبية. وقد أجريت تلك التجارب على العصبونات الكبيرة الحجم نسبيا للعقد العصبية للعلق leech (يبلغ قطرها 60 ميكرومتر)، فقاموا بتوصيل إحداها مباشرة بترانزستور مثبت على رقاقة من السليكون ، فوجدوا حتى النبضات الكهربية في الخلية تؤثر على الإلكترونيات الموجودة في الرقاقة.

لكن هذه التجارب أجريت باستخدام رقائق نظيفة من السليكون وعصبونات معزولة في أنبوب اختبار، لكن النمط الذي سينتهجه الاتصال إذا تم غرس رقاقة من السليكون في الدماغ مباشرة لا يمكن التنبؤ به في الوقت الحاضر. وطالما أننا لا نعهد كيفية عمل الدماغ، فإن إنشاء وصلة معلوماتية بينه وبين رقائق من السليكون ، يبقى حلما محال التحقيق. لكن أبحاث فورمهيرتز يمكن استخدامها طبيا لقياس ودراسة الإشارات الكهربية التي تتم داخل العصبونات. وقد يؤدي ذلك بحد ذاته إلى زيادة قدرتنا على التوصيل بالرقائق السليكونية. لكن السؤال يبقى: إلى أي مدى نريد المضي قدما في هذا الاتجاه؟!

الآلة…الإنسان

تحدثنا في الفقرات السابقة من الموضوع عن "ميكنة الإنسان"- أي إضافة أجزاء صناعية إليه وعملها لتعويض بعض الأجزاء المفقودة بالجسم، لكن ماذا عن "أنسنة" humanization الآلة، أي إنتاج آلات لها صفات بشرية؟ ظل الروبوت الشبيه بالإنسان humanoid – أي ذلك المصنوع على شكل الإنسان، من الملامح المميزة لأدب الخيال الفهمي منذ نشأته. ومن المثير للعجب حتى "كائنات" كهذه يفترض أنها تفتقر للمشاعر الإنسانية، تتباين خصائص تلك الروبوتات في الأجزاء المتنوعة من العالم؛ ففي اليابان، تكون هذه شخصيات ودودة مستوحاة من شخصية للرسوم المتحركة لها عينين واسعتين وشعر شبيه بشعر القنفذ، أما في الغرب، فهي شبيهة بشخصية أرنولد شفارتزينيجر في فيلم Terminator، ذات ولع ببنادق الكلاشينكوف الروسية- رغم امتلاكها لأسلحة القرن الحادي والعشرين. لكن العقدين القادمين، سيصبح الخلاف حول الصفات المزاجية المتنوعة للروبوتات، أكثر أهمية بكثير ، إذ أنها ستنتقل من عالم الخيال الفهمي إلى أرض الواقع.

وحدثة robot مشتقة من لفظة تشيكية بمعنى "العمل القسري"، والتي تبدوملائمة بصورة خاصة عند تطبيقها على الروبوتات الصناعية التي تجدها في خطوط التجميع في مصانع السيارات، لكن عددا متزايدا من الروبوتات التي تنتجها مختبرات عديدة في جميع أنحاء العالم غير مخصصة للأغراض الصناعية.

والروبوتات التي تستحوذ على أكبر قدر من الاهتمام هي تلك الشبيهة بالإنسان، ليس فقط لأنها تزود الفهماء بالتحدي الأكبر؛ فمن أجل محاكاة الصفات البشرية، يتوجب على الفهماء حتى يتساءلوا، ومن ثم القيام بمحاولة إعادة تعريف الطبيعة الدقيقة لكينونتنا البشرية. وعلى سبيل المثال، ماذا نعني بالوعي ؟

وتتنافس الكثير من المختبرات في جميع أنحاء العالم على إنتاج مثل هذه الروبوتات وتحسين صفاتها؛ فقد ابتكر عدد من الأيدي متعددة الاستعمالات المزودة بأصابع متعددة ، كما حتى محسات اللمس في تحسن مستمر. ويعتقد الباحثون أننا بحاجة لسنوات من العمل الشاق للوصول إلى الآليات المثالية للروبوت الشبيه بالإنسان، وسنوات أخرى لبناء دماغ يمكنه التحكم بجميع أجزاء الجسم الصناعية. وفي حقيقة الأمر ، إذا الجزء الحركي من الدماغ ، والذي يتحكم في جميع الحركات هوذلك الجزء الذي نفهمه جيدا ، وتتمثل المشكلة الحقيقية في فهم بقية الوظائف الدماغية . ولمساعدة الباحثين في هذه المهمة ، يستفيد الفهماء من خبرة 50 سنة من الدراسة في مجال الذكاء الاصطناعي AI.

وقد حاولت الجهود الأولى في هذا المجال بناء الروبوتات من أعلى لأسفل (Top - down)، عن طريق برمجة حاسوب مسبقا بالتعليمات اللازمة . وكان يؤمل في حتى الآلات ستكون قادرة عندئذ على محاجاة قدرة البشر على اتخاذ القرارات المعقدة. لكن هذا يعني حتى تتم تغذية الآلات ببرامج حاسوبية بالغة الطول تحاول محاكاة العمليات المنطقية وتغطية جميع الاحتمالات الممكنة ، مهما كانت ضئيلة. ومثال ذلك البرنامج الذي بنته شركة IBM للشطرنج وأسمته "Deep Blue" ، والذي تمكن من منازلة ، بل وهزيمة ، بطل العالم في الشطرنج جاري كاسبلروف في عام 1997.

ومع هذا النوع من البرامجيات ، يحتاج المبرمجون للتحديد المسبق لكل ملامح المشكلات المحتملة ، مما يجعل الحاسوب غير فعال وغير مرن. ولاحتواء برامج مثل هذه ، ستحتاج الروبوتات إلى رؤوس بحجم رأس كينج كونج . وفي منتصف الثمانينات من القرن العشرين ، حدثت ثورة في فهم الروبوتيات ، بانتهاج الأسلوب الجديد كليا – من اسفل لأعلى (Bottom – up) ، فالحاسوب من هذا النوع يتفهم من الصفر عن طريق التفاعل مع البيئة المحيطة به ، مثل الطفل الحديث الولادة. ومن خلال عمليات المحاولة والخطأ (على سبيل المثال ، الارتطام بالأمور إذا كان يحاول تفهم المشي) ، بدأت الآلات تتفهم من تجاربها هي . ويستخدم كوج Cog، وهوروبوت شبيه بالإنسان تم تطويره في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا (MIT) هذه الطريقة للتفهم – فبدلا من البرنامج الحاسوبي ، يتمثل التجهيز الأساسي لوجوده في "أمه" ، والتي يتفهم معها التواصل البصري لأول مرة . ومن خلال آلة التصوير التي هي "عينه" ، يقوم بمحاكاة أفعال الأم ، متقدما من خلال المحاولة والخطأ ، وتفهم مهارات متزايدة الصعوبة . لكن هذه العملية لاتزال في مهدها – فحتى الآن لا يمتلك كوج حتى الإمكانيات التي يتمتع بها طفل بشري في الثانية من عمره .

وقد استمد هذا الأسلوب البديل للذكاء الاصطناعي أصوله من أبحاث عالم الحاسوب الأمريكي جون هولاند في ستينيات القرن العشرين ، لكن دراسته ظلت طي النسيان لمدة عقدين كاملين من الزمان قبل حتى يعود الاهتمام بها من حديث . وقد استلهم هولند بدوره نظرية داوروين للتطور فقام بأعداد برنامج حاسوبي يحاكي عملية التطور الطبيعي ؛ فباستخدام معادلات تسمى اللوغاريتمات الجينية ، يأخذ برنامج هولند شفرتين حاسوبيتين شبيهتين بكروموسومات ، تقومان بأداء عملهما على اكمل وجه ، ثم يقوم بدمجهما لإنتاج شفرة ثالثة من الممكن تقوم بالمهمة بشكل افضل . ويستخدم هذا "النسل" بعد ذلك لصنع جيل تال ، حسب لياقتها لأداء المهمة المنوطة بها . فحدثا زادت ليقاتها ، زادت فرصتها "للتكاثر" ، مما ينتج عنه توريث محتويتها للجيل التالي . وتتكرر هذه العملية حتى يتم إنتاج عدد هائل من الشفرات ، تعمل جميعها على أداء نفس المهمة على التوازي . والدماغ البشري شبيه بهذا المعالج الذي يعمل على التوازي ، فهويتفهم عن طريق تعزيز السبل Pathways التي تنتج عنها استجابات سليمة ، وإلغاء السبل التي تنتج عنها الأخطاء . لكن خلق برنامج حاسوبي يقوم بهذا النوع من "الذكاء" لا يجعله "بشريا" ؛ فهناك أشياء أخرى أكثر تعقيدا يقوم بها الدماغ البشري، وهي التي تميزنا عن بقية المخلوقات ، مثل "الوعي"، و"التفكير المجرد" abstract thinking، و"الفطرة السليمة" common sense.

وفي عام 1984، بدأ دوجلاس لينات Lenat في إعداد موسوعته للفطرة السليمة، والمعروفة اختصارا باسم Cyc.، كان الهدف منها هوكتابة قائمة كاملة بجميع قواعد الفطرة السليمة لتزويد الآلات بها، ومن ثم تحليل تلك القواعد إلى مكوناتها المنطقية. وتضم هذه القواعد حقائق مثل "لا يمكن لأي شيء حتى يوجد في مكانين مختلفين في نفس الوقت"، و"عندما تمطر السماء، يصاب الناس بالبلل". وبعد ذلك بعشرة سنوات، كان لينات قد جمّععشرة ملايين من هذه "القواعد" ، أي ما حجمه مليون بايت من المعلومات. وفي النهاية، يأمل لينات في حتى يتمكن من تجميع 100 مليون من هذه التوكيدات "الواضحة".

لكن مهما بلغت درجة طموح هذه المشاريع، فلا تزال محدودة – حيث أنها تعتمد على تعليمات مكتوبة مسبقا على أقراص ورقائق حاسوبية. لكن هل يمكن حوسبة الفهم،يا ترى؟ … ولفهم الإجابة على هذا السؤال المهم، لازال الفهماء يحاولون سبر أغوار تلك الكتلة التي لا يزيد وزنها عن 3.5 رطل من العصبونات التي نحملها فوق كتفينا؛ فالدماغ البشري يحمل ما بين 100-200 بليون عصبون، مع ما يقدر بنحو1000 اتصال بين جميع عصبون وبين العصبونات المحيطة به، وبالتالي فالدماغ يضم نحو100 تريليون اتصال عصبي، يمكن لكل منها حتى يقوم بحسابات مختلفة في نفس الوقت. وبالمعدل التالي لتسارع قوة الحواسيب، فإن حاسوبا يمتلك العدد الكافي من الوحدات المتوازية وبرامجيات الشبكة العصبية لمحاكاة طريقة المعالجة التي يقوم بها الدماغ البشري، سيكون قادرا على إجراء نحو20 مليون بليون عملية حسابية في الثانية بحلول عام 2020. وسيكون هذا مساويا لسرعة المعالجة الخاصة بالدماغ البشري. ومع ظهور الحواسيب التي تنافس بحق، أوتتفوق على، الدماغ البشري من حيث التعقيد، ستظهر قدرة مناظرة للآلات لفهم الأفكار التجريدية والاستجابة لها.

نحن البشر نبدومعقدين جزئيا بسبب أهدافنا الداخلية المتنافسة، كما يقول راي كوزفيل Kuzweil، مؤلف كتاب "عصر الآلات الروحانية" The Age of Spiritual Machines؛ فالقيم والمشاعر تمثل أهدافا تتعارض مع بعضها البعض في كثير من الأحيان، وهي منتجات ثانوية by-products لا يمكن اجتنابها لمستويات التجريد التي نتعامل بها كبشر. فإذا حققت الحواسيب مستوى مشابها من التعقيد، وإذا كانت مستوحاة بصورة متزايدة من نماذج للذكاء البشري، فستطور هي أيضا تلك النواتج الثانوية . وعلى أية حال، فليس من الضروري حتى تكون هذه النواتج هي نفس القيم والمشاعر التي يظهرها البشر.

الجملة العصبية والإلكترونيات

إن منظومات الاستعلام في الكائنات الحية لا تقتصر على ملتقطات حسية تُنَبَّه انتقائياً ببعض العوامل الفيزيائية أوالكيمياوية في العالم الخارجي. فالإشارات المُدْرَكة تترجم بعد ذلك إلى لغة مرمَّزة تنقلها الجملة العصبية ذات العلاقة إلى مراكز مكلَّفة حلَّ رموز تلك الرسائل، وتعمل فيها منظومات معقدة جداً للدمج والإحكام واختزان بعض المعلومات في الذاكرة ووضع الخطط المحرِّكة وإصدار الأوامر للقيام بسلوك معين.

وقد أثارت الصفات البارزة للجملة العصبية فضول البيونيين والسبرانيين. ويجهد اليوم عدد كبير من الاختصاصيين في حل رموز القوانين العامة التي تحكم قيام هذه الجملة بعملها والحوافز الخفية للعمليات الذهنية التي تميز فعالية الكائنات العليا. والفيزيولوجية العصبية هي من أكثر المجالات البيولوجية رفداً للبيونية. وكثيراً ما يوازنون بين المخ والحواسيب. ففي الحواسيب تتألف الإشارات من نبضات كهربائية قصيرة المدة جداً تٌقَدَّم المعلومات للآلة بلغة ثنائية، فيدل جميع رقم معبرٍ عنه بهجريب من الأصفار ومن الواحدات على وجود نبضة تيار كهربائي أوفقدانها.

أما نقل التنبيه في الجملة العصبية فهوعملية كيمياوية - كهربائية تتوضح بموجة زوال استقطاب depolarisation تنتشر على طول محور الخلية العصبية وتنتج من التبدلات في نفوذية الغشاء الخلوي إزاء الشوارد ions التي تتوزع، حين تكون الخلية العصبية في حالة الراحة، توزعاً غير متساوٍ على وجهي غشائها بفضل توازن دينامي. وتنطلق هذه العملية الكيمياوية ـ الكهربائية، التي تعبّر عن تنبه الخلية العصبية، من الطاقة الداخلية المدخرة في الخلية. والعصب في هذه الحالة هومحول ثنائي ذومخرجين: وجود إشارة أوعدم وجودها. وتتوضح درجة التنبيه فيه بارتفاع التواتر في تتابع النبضات. وتُنقل المعلومات بالعصب بكيفية تعديل تواتر النبضات، حيث تؤدي المشابك العصبية synapses دوراً كبيراً. ففيها يمر التنبيه من خلية عصبية إلى خلية أخرى، وبوساطتها تصبح الخلية العصبية في مساس عدة خلايا أخرى. وبعض المشابك تكون منبِّهة ويكون بعضها الآخر مثبطاً. ولا تشرع الخلية العصبية في عملها إلا إذا تجاوز التنبيه الذي يرد إليها عتبة معينة.

تؤدي الجملة العصبية بعضَ الوظائف بدرجة عالية من الثقة والأمان وتلك الإمكانية ترجع من غير شك إلى وفرة العناصر التي تستطيع إنجاز هذه الوظائف. وهي تخضع لمبدأ الحجز reservation المعروف جيداً في التقانة. إذ إذا إيقاف عددٍ ما من العناصر عن العمل لا يلغي وظيفة معينة ولكن ينقص احتمال تحققها. ومع ذلك فإن هناك فرقاً جذرياً بين الجمل الحية والأجهزة التقنية. ففي هذه الأخيرة لا تُربط العناصر الرديفة إلا عندما تتوقف العناصر المستعملة، في حين حتى العناصر كلها في الأحياء تستطيع على العموم حتى تعمل في وقت واحد ولكن بمردود أقل، وتَوَقُّف عدد منها عن العمل يؤدي فقط إلى اشتداد عمل البقية.

تحتفظ الكائنات الحية بكميات هائلة من المعلومات على مدى زمن طويل جداً وتستعيدها عند الطلب. والآلية السليمة لهذه الخاصية، أي الذاكرة، ما تزال مجهولة. ويرى بعضهم حتى الذكريات تدور باستمرار في دارات متذبذبة عصبية تشبه بعض الذاكرات الإلكترونية. في حين يرى آخرون أنها تُختزن في الخلايا العصبية بشكل بروتينات تحمل معلومات نوعية.

إن ملكة التدرب ولاسيما إمكان التجريد abstraction الذي يمنح الدماغ البشري قدرته الرائعة على تعهد الأشكال والأصوات، ويؤلف الميِّزة الرئيسة للذكاء التصوري conceptual intelligence تمكن الإنسان من تصور العلاقات بين عناصر معينة (الفهم) ومن تخيل إمكانات العمل (الاختراع).

والمخ منظومة ذاتية التكيف تُعد برامجها الخاصة بنفسها، ولهذا ما يزال الإنسان ضرورياً لا يستغنى عنه في كثير من مراكز القيادة والمراقبة التي تتطلب محاكمة عقلية أمينة موثوقة واتخاذ قرار سريع.

وقد بذلت محاولات كثيرة لتقليد هذه الوحدات المتمايزة في الجملة العصبية وكذلك التجمعات المعقدة للخلايا العصبية تقليداً صنعياً، لأن هذه التجمعات هي التي تتحكم في الفعاليات العليا للكائنات الحية، وقد تتيح معهدتُها تحقيق تقدم عظيم في معالجة المعلومات وفي تقنية الحواسيب وفي علاج إصابات الدماغ والأعصاب. وإذا ما أشير إلى نمنمة المخ البشري (منعشرة إلى 15 مليار من الخلايا العصبية في حجم صغير جداً) وإلى الاقتصاد البالغ في قيامه بعمله (صرف طاقة من رتبة بضعة واطات) فيكون من السهل إدراك أهمية محاولات تقليد الآليات التي تتدخل في المراكز العصبية تقليداً صنعياً.

والمدرِكات سperception التي تصورها فرانك روزنبلات Frank Rosenblatt في مخبر كورنل للملاحة الجوية هي آلات ذاتية التكيف قادرة على التعلُّم. إلا أنها ما تزال في طور التجربة وتثير اهتماماً كبيراً من جراء التطبيقات المتعددة التي يمكن حتى تتيحها.

الأعضاء المنفذة في المنظومات الطبيعية

تستحق الأعضاء المحركة انتباهاً خاصاً فهي تتمتع بقدرة بالغة النجوع، إنها منظومات عالية الكمال. فبفضل أعضاء محيطية للاستعلام، كالمغازل العصبية العضلية، تُعلَم الجملة العصبية المركزية على الدوام عن تنقلات الأطراف وأجزاء أخرى من الجسم. وبهذا فهي تضمن تدخلاً متناسقاً للمجموعات العضلية بغية إنتاج حركات محكمة إحكاماً دقيقاً مع العمل المطلوب. وتعد العضلات نماذج مفيدة جداً للمهندس. فهي من جهة مقر تحول طاقة كيمياوية إلى طاقة ميكانيكية بمردود جيد، وهي من جهة أخرى تحقق إنجازات عالية مع ضمانة كبيرة في العمل.

البيونية التطبيقية

تعد البيونية جسراً يربط بين عالم الأحياء والعلوم التقنية والتطبيقية. بيد حتى دراسة الحادثات والظواهر البيولوجية أشد صعوبة من دراسة الحادثات والظواهر الفيزيائية. ولهذا فإن البحث في الفيزيولوجية البشرية والحيوانية عامة وفي مجال البيونية خاصة يتقدم بخطا بطيئة، ويبدومتأخراً إذا ما نُظر إلى التقدم المذهل الذي تحقق حديثاً في ميادين أخرى. وإذا كان الإنسان البيوني قابلاً للوجود نظرياً فإن الصعوبة الرئيسية في تحقيق ذلك تكمن في التغلب على البينية interface النسيجية في العضوية والمواد البيونية المستعملة، وفي التغلب على معضلة الحجم التي تتفق مع حجم النسج عند البشر. وما تزال الطريق طويلة أمام فهم آليات المهارات الحركية والتحسس والإدراك والتفهم. فقد توصل الفهم والتقانة إلى حل الكثير من غوامض عمل الخلايا ونواها ووظائفها منفردة ولكن الفهم ما يزال قاصراً عن فهم آلية معالجة الأعصاب للمعلومات التي تتلقاها كالتفكير والذاكرة والتفهم.

فالمعروف حتى منطقة «الحصين» hippocampus في الدماغ تقوم بوظيفة التفهم، ولكن من غير المعلوم تماماً كيف من الممكن أن تقوم بهذا العمل وكيف تقوم أعصاب الحصين مجتمعة بصنع الذاكرة. ولا تتوافر لدى البشر إلى اليوم الأدوات أوالمعارف التي تساعدهم على ذلك حتى في المخابر.

وقد تتوصل البحوث ذات الصفة البيونية بعد مدة قصيرة أوطويلة إلى تطبيقات عملية، وعلى الإنسان في كثير من الحالات حتى يعمل على استثمار «براءات الاختراع» الموجودة في الطبيعة استثماراً مباشراً. فيفيد مثلاً من القابليات الخاصة لبعض الكائنات الحية سواء كانت متعضيات مجهرية أوكانت حيوانات عليا.

ويمكن في حالات أخرى إدخال العضوالمفيد وحده في مجموع ميكانيكي أوإلكتروني وهجريب مكنة مختلطة مجهزة بعناصر بيولوجية عالية النمنمة منخفضة ثمن التكلفة وموثوقة العمل.

ويمكن حتى تستثمر الإشارات التي تبثها بعض النسج أوالأعضاء من أجل إدارة محرك أوجهاز إلكتروني أومراقبتهما. وهذا ما تحقق مثلاً في «اليد ذات المفاصل الكهربائية الأحيائية» التي صُنعت في موسكو، وتستفيد من التواترات الكهربائية العضلية التي تُضخَّم وتُستجمع من المناطق الجلدية المجاورة للعضلات المتقلصة.

ويمكن حتى يستلهم المهندسون عمل المنظومات الحية للخروج بأفكار جديدة. ويمكن حتى يضرب مثلاً الجيروسكوب gyroscope ذوالصفائح المهتزة الذي صنعته شركة سبيرِّي راند (1979) Sperry Rand Corporation لحساسيته الشديدة بالموازنة مع الأجهزة الكلاسيكية، وقلة تعرضه للتلف بالتسارعات القوية، ويقوم مبدؤه على تقليد عمل زوائد متحركة في الحشرات ذوات الجناحين تسمى الثنطقات أوأعضاء التوازن، وهي ترشد الحشرات في أثناء طيرانها على تبدلات الاتجاه.

ويمكن أيضاً نسخ الأجهزة البيولوجية نسخاً سليماً تاماً. بيد حتى من المناسب ألاقد يكون الإنسان في هذا النطاق شديد الطموح لأن أكثر النماذج الحية تُعمل آليات لا يدركها الإنسان ومواد ما تزال الكيمياء تجهل اصطناعها.

على حتى الإنسان العاقل Homo sapiens بفضل ذكائه الصوري قد استطاع التفوق على الحياة في بعض الميادين. إلى غير ذلك فإن العجلة (الدولاب) وهي من أمهر البنى التي تصورها الإنسان لنقل القوة، لم تستخدمها الحيوانات أبداً. ذلك حتى العجلة ليس لها مع قُبِّها من الارتباطات المباشرة ما يشبه ما تتطلبه أجزاء جسم الحيوان من ارتباطات دائمة لتنقل السيالة العصبية والدم وغيرهما. إذا جميع جزء من جسم الحيوان يرتبط بالبقية بأوعية دموية وأعصاب ستتخرب بسرعة إذا ما أصابها فتل مستمر. إلى غير ذلك فإن الطبيعة لا تستخدم أبداً عجلة حقيقية، إنها تستخدم فقط رافعات levers تنتقل من الأعلى إلى الأسفل أومن اليمين إلى اليسار ولكنها لا تحقق أبداً دورات كاملة حول محور ثابت.

ويرى الباحثون حتى البيونية إذا ما أرادت حتى تتجاوز مظهرها النظري البحت وأن تستجيب للآمال التي عقدت عليها فيجب حتى تصبح القضية المشهجرة لاختصاصين مؤهلين بارزين في النطاقات البيولوجية وفي العلوم الرياضية والتقنية.

انظر أيضاً

  • Biomechatronics
  • الهندسة الطبية الحيوية
  • Biophysics
  • Cyborg
  • تاريخ التكنولوجيا
  • Implant
  • آلة
  • Prosthesis
  • رجل الستة ملايين دولار
  • The Bionic Woman
  • قائمة موضوعات البيئة
  • قائمة المطبوعات الهامة في البيونيك

قارن مع:

  • التقانة الحيوية

الهامش

  1. ^ عبد الحليم سويدان. "البيونية". الموسوعة العربية. Retrieved 2012-03-11.

المصادر

  • Summary on the use of biomimetics in business
  • European Space Agency – Advanced Concepts Team Biomimetics Website
  • Biomimicry Institute
  • Biomimicry: Innovation Inspired by Nature. 1997. Janine Benyus.
  • Biomimicry for Optimization, Control, and Automation, Springer-Verlag, London, UK, 2005, Kevin M. Passino
  • (Wired Magazine)
  • Bionics and Engineering: The Relevance of Biology to Engineering, presented at Society of Women Engineers Convention, Seattle, WA, 1983, Jill E. Steele
  • Bionics: Nature as a Model. 1993. PRO FUTURA Verlag GmbH, München, Umweltstiftung WWF Deutschland

وصلات خارجية

  • BioParadigm ACCESS – Consolidates information on available biomimetic IP for product designers, engineers and material scientists worldwide
  • Biomimetic Architecture
  • Biologize your business using biomimetics to develop strategic thinking and process
  • Bionic Eyes In Development
  • Festo Bionic Learning Network
  • Technology And The Quality Of Life: Part One—A Vision Of The Future
  • Boxfish – DaimlerChrysler
  • Center for Integration of Medicine and Innovative Technology developing nano-hair bionics
  • Bionics2Space: Bionics & Space System Design
  • Biomimicry Institute
  • Biomimicry Guild
  • LiveScience on Biomimetic armour
  • An overview of biomimetics/biomimicry at the Science Creative Quarterly
  • Rehabilitation Institute of Chicago's Neuro-Controlled Bionic Arm.
  • Neural Interface bionic Arm
  • Biomimetics Network for Industrial Sustainability (BIONIS)
  • FurTech outdoor clothing using feather and fur technology.
  • Article on Bionics for the Disabled
  • Bionics Research Group, Institute of Biomedical Engineering, Imperial College London
  • Competence Network Biomimetics
  • Biomimetic Autonomous Underwater Vehicles, AUVAC.org
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:48:49
التصنيفات: صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي, Commons category link from Wikidata, بيونك

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مدفيديف: زيلينسكي أحمق وبحاجة للعلاج النفسي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:16:58
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 87%

ماكرون يحث أردوغان على مواجهة "أي التفاف" على العقوبات ضد روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:16:56
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 96%

إدارة برشلونة تفتح الباب أمام عودة ميسي لفريقها

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:09
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 89%

تعليق تداول سهم "تهامة للإعلان" بعد طلبها إجراء إعادة التنظيم المالي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:34
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 87%

الرئاسي اليمني يتمسك بالسلام ويحمّل الحوثي مسؤولية التفريط بالهدنة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:24
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 94%

إيران.. والدة شاكرمي تتهم السلطات بقتلها

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:06
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 89%

عقوبات أمريكية جديدة على إيران تشمل 7 مسؤولين كبار

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:01
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 86%

زاخاروفا: الغرب يشعل حربا نووية بيدي زيلينسكي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:16:56
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 90%

محكمة كييف تطالب بنقل رئيس جورجيا الأسبق إلى أوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:00
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 94%

ووكر مهدد بالغياب عن مونديال قطر بعد خضوعه للجراحة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:10
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 88%

بايدن: أشعر بخيبة أمل من قرار أوبك+ وأدرس الخيارات

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:25
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 86%

اجتماع "غير رسمي" بين زعماء تركيا وأرمينيا وأذربيجان في براغ

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:26
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 91%

زاخاروفا: تفجيرات خطوط "السيل الشمالي" تطرف وهجوم إرهابي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:02
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 90%

لوكاشينكو يرد على تصريحات الرئيس البولندي عن الأسلحة النووية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:16:59
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 87%

زيلينسكي يدعو الناتو لشن ضربات "استباقية" على روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:04
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 98%

بعد جدل سابق.. تراس تؤكد أنّ ماكرون "صديق" للمملكة المتحدة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:24
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 85%

الاتحاد الأوروبي يشطب تونس من قائمة الدول غير المتعاونة جبائيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:16:58
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 92%

إندونيسيا.. اتهامات لـ6 أشخاص في "الكارثة الكروية"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:17:05
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 93%

تحميل تطبيق المنصة العربية