«إراتوستينس»: جبل اسكندري غارق (مقال)

عودة للموسوعة

«إراتوستينس»: جبل اسكندري غارق (منطق)

«إراتوستينس»: جبل اسكندري غارق

بقلم الباحث: نائل الشافعي

نشرت جريدة الحياة ذلك البحث لخبير الإتصالات نائل الشافعي

مقدمة

عند التبدّل في مصادر الطاقة، تحدث أمور كثيرة، أشد عمقاً وغوراً مما تراه الأعين، بل أحياناً مما تمضى إليه الأذهان والمخيلات. الدروس كثيرة. ما الذي وقع عندما كفّ الإنسان عن استخدام القوة البيولوجية والطبيعية، وانتقل إلى عصر الصناعة التي تأسست على الفحم الحجري،يا ترى؟ كيف من الممكن أن تبدّلت خريطة العالم، حين وقع الانتنطق الى عصر النفط والبترول، كبديل لطاقة الفحم الحجري،يا ترى؟ من الممكن يلزم تفكير على هذا المستوى عند التصدي للحظة الراهنة في الطاقة. هناك ميل لتبني مصادر الطاقة البديلة للبترول، والاعتماد على مصادر اخرى مثل الطاقة المتجددة للشمس والرياح وغيرها. تُطلّ الذرّة برأسها المُرعب في هذه الصورة الفوّارة. لكن، من الممكن لا يلتفت كثيرون إلى شيء أكثر بداهة، وتالياً أشد عُمقاً: البديل المباشر للنفط يأتي من... الغاز الطبيعي.


التحول

يشبه الأمر صراع إخوة، لأن النفط والغاز متــلازمان أســـاساً، لكن الأمور الأكثر عقلانية ولوجيستية، مثل مواقع صدوع قـــشرة الأرض وصــفائحها التكتونية العميقة، تؤدي دوراً عميقاً في فكّ أواصــر التلازم بيــن النفــــط والغاز، وترسم خطاً طويلاً وضخماً في تحديد الخريطة التي تستند إلى حلول الغاز تدريجاً بديلاً من البترول. ولربما شكّل لبنان وآبار غازه بحرياً، نموذجاً عن هذا التحوّل العميق.

أصل التسمية...إراتوستينس

وصف العالم السكندري إراتوستينس (276- 194 ق م)، الذي كان ثالث أمناء «مخطة الإسكندرية» في عصرها المضىي، منطقة من البحر المتوسط تقع على بعد 190 وقع شمال دمياط، تعيش فيها أسماك وقشريات مختلفة عن باقي البحر. وفي العصر الحديث ، جرى تفسير ذلك بوجود جبل غاطس ضخم في تلك المنطقة، إذ يرتفع ألفي متر فوق قاع البحر. وقد أطلق على الجبل اسم إراتوستينس.

حقائق جيولوجية أغرب من الخيال

وجيولوجياً، يقع شرق المتوسط في منطقة ارتطام الصفيحة التكتونية التي تحمل إفريقيا، بالصفيحة الأناضولية، محتوياً منطقتي «الحوض المشرقي» و«قوس قبرص». وتتحرك الصفيحة الأفريقية في اتجاه الشمال الشرقي بسرعة 2.15 سنيمتر في السنة منذ 100 مليون سنة، ما دفع بجبل إراتوستينس إلى أعماق سحيقة تحت صفيحة قبرص. وتلى ذلك تشكل نهر النيل، وترسيب طميه في ساحل مصر، فتشكّلت «دلتا النيل».

تطورات حديثة

استُهلّت المسوحات الحديثة لجبل إراتوستينس في 1966 من بريطانيا، وتلتها أميركا (1977-2003) وروسيا (1994) وبلغاريا (2003). ووضعت إسرائيل ما يزيد على 20 ورقة بحثية عن جيولوجيا هذه المنطقة نشرت بين عامي 1980 و1997.

وفي عام 1997، جرى تطوير منصات حفر شبه غاطسة قادرة على العمل على أعماق تصل إلى ألف متر، بفضل شركتي «شل» و«بريتش بتروليوم». وعملت المنصّات قبالة سواحل البرازيل وفي خليج المكسيك الأميركي. وتشكّل فريق مشهجر (من جامعتي حيفا الإسرائيلية وكولومبيا في نيويورك) لإجراء مسح منهجي أول من نوعه في قعر جبل اراتوستينس. وأجرى الفريق مسحاً مماثلاً لمنطقة شمال البحر الأحمر، حيث عثر على أشياء تقتضي منطقات منفصلة!

بين عامي 1997 و1998، أجرى هذا الفريق البحثي المشهجر ثلاث عمليات حفر أولي على عمق 800 متر تحت قاع البحر في السفح الشمالي لجبل إراتوستينس. ونُشِرت نتائج هذه العمليات في دوريات الجيولوجيا والأحياء البحرية.

كونسرتيوم عالمى

في عام 1999 أعطت «الهيئة العامة للبترول» المصرية امتياز تنقيب بحري ضخم ضم مساحة 41.5 ألف كيلومتر مربع، لتحالف مُكوّن بصورة رئيسة من شركة «رويال داتش - شل في شمال شرقي البحر المتوسط» (إسمها المختصر «نيميد» NEMED)، بمشاركة شركات «بتروناس كاريغالي» (ماليزيا) و«الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي». ويمتد الامتياز شمال الدلتا حتى السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس. وفي 2003، قامت سفينة «نوتيليس» الأميركية المزوّدة بـ3 غواصات روبوتية، مصحوبة بسفينتي أبحاث بلغاريتين، بمسح الجوانب الشمالية والشرقية والغربية من الجبل.

ونشرت خريطة دقيقة له. وفي السنة عينها، وقّعــت مصر اتفاقية «مبهمة» لترسيم الحدود مع قبرص (أنظر في الصفحة «تخبّط مصري وإسرائيل «تخترق» الدلتا). وفي 2004، أعربت شركة «شل- مصر» اكتشاف احتياط للغاز الطبيعي في بئرين على عمق كبير في شمال شرقي البحر الأبيض المتوسط. وأوضحت الشركة أنها في صدد مواصلة عملها لمدة أربعة سنوات، بهدف تحويل المشاريع المكتشفة إلى حقول منتجة. وأشارت الشركة إلى الحفار العملاق «ستِنا تاي»، الذي اُعدّ للعمل خمس سنوات في المياه العميقة. يشار إلى حتى عمل «ستِنا تاي» في البرازيل أدى الى اكتشاف حوضي «سانتوس» و«كامبوس» على عمق ألفي متر، اللذين يدرّان للبرازيل قرابة 50 مليار دولار سنوياً. وفي مطلع 2004، حفر «ستِنا تاي» ثلاثة آبار في مصر بعمق 2448 متراً. وفجأة، انبترت أخبار حفريات الغاز في شمال شرقي البحر المتوسط. هل يقدم البرلمان المصري على طلب كشف المعلومات عن الحفريات وأسباب توقّفها بطريقة غير مفهومة؟


إستراتيجية البوارج

في 2008، أعربت إسرائيل عن بدء نشرها مجسات متنوّعة في قاع البحر المتوسط، بدعوى كشف أعمال تخريبية أوهجوم قادم من إيران.

الدلتا بكاميرا إسرائيل

في 2009 أعربت إسرائيل وشركة «نوبل إنرجي» عن اكتشاف حقل «تمار» للغاز في الحوض المشرقي «المتداخل» مع الحدود البحرية الاقتصادية للبنان، قبالة مدينة صور. ويعود الخلاف بين الدولتين الى حتى إسرائيل تزعم حتى الحدود البحرية يجب حتى تكون عمودية على الميل العام للخط الساحلي اللبناني (وهي النقطة 1 في ترسيم الحدود اللبنانية القبرصية). في اللقاء، يوجد في لبنان رأيان: الأول هوحتى الحدود البحرية ترسم خطاً متعامداً على الخط الساحلي عند رأس الناقورة (النقطة 23 في ترسيم الحدود اللبنانية- القبرصية)، والرأي الثاني هوحتى الحدود البحرية تكون امتداداً للحدود البرية، ما يضاعف مساحة النزاع.

وفي 2010، أعربت شركات «أفنير» و«دلك» (إسرائيليتان) و«نوبل إنرجي»، عن اكتشاف حقل «لفياثان» العملاق للغاز، في جبل إراتوستينس، باحتياطي 16 تريليون قدم مكعبة. وتعترف إسرائيل بأن الحقلين موجودان في مناطق بحرية متنازع عليها، على خلاف الوضع مع حقلي «سارة» و«ميرا». وفي حال استغلال الحقلين الجديدين، تستغني إسرائيل عن الغاز الطبيعي المصري الذي يشكل حاضراً 43 في المئة من الاستهلاك الداخلي في اسرائيل. وفي 2010، استعارت إسرائيل سفينة الاستكشاف الأميركية «نوتيلس»، لأخذ عينات من إراتوستينس، بغرض استخدام سونار (أداة لكشف الأعماق تعمل بالموجات الصوتية) كبير لمسح أعماق في إسرائيل، وضمنها البحث عن الغاز والنفط. واستكملت «نوتيلس» مسح السفح الجنوبي من إراتوستينس. ثم مسحت المنطقة الممتدة جنوباً حتى سواحل مصر، بل دخلت دلتا النيل، وصورت مياهه وحقوله أيضاً (أنظر «تخبّط مصر في الغاز»).

الإستحواذ

وفي كانون الثاني (يناير) 2011، خرج الرئيس القبرصي على شعبه مبشّراً بأن بلادهم اكتشفت أحد أكبر احتياطيات الغاز عالمياً، إذ تقدر مبدئياً بقرابة 27 تريليون قدم مكعبة، بقيمة 120 مليار دولار في ما يسمى «بلوك-12» من امتيازات التنقيب القبرصية، والمعطاة لشركة نوبل إنرجي. وقرر الرئيس تسميته حقل «أفروديت». ويقع «بلوك-12» في السفح الجنوبي لإراتوستينس».

وفي 2011، بدأت شركة «نوبل إنرجي الحفر»، لحساب الحكومة القبرصية، في المنطقة نفسها تقريباً، التي تسميها قبرص «بلوك - 12». في 2011، وصل إلى القاهرة وزير الخارجية اليوناني، للاطمئنان الى التزام مصر باتفاقية ترسيم المنطقة الاقتصادية البحرية مع قبرص. وتردد أنه تلقى تطمينات كافية. لــكن بـــعض الصحف اليونانية أبدت تشكيكها في بقاء اتفاقية ترسيم الحدود القبرصية- المصرية المسقطة في 2003، في ضوء الترسيم اللاحق لحدود إسرائيل مع قبرص في 2010، الذي يجعل المياه الإسرائيلية حاجزاً بين مصر وقبرص في المنطقة شمال دمياط. في 2011، قامت البوارج الهجرية بقصف الشريط الضيق (كيلومتران) بين حقلي «أفروديت» القبرصي و«لفياثان» الإسرائيلي، على بعد 190 كيلومتراً شمال دمياط. وتقدّمت قبرص بشكوى للأمم المتحدة عما وصفته بـ «ديبلوماسية البوارج». وفي أواخر العام نفسه، ألغت إسرائيل صفقة قيمتها 90 مليون دولار لتزويد سلاح الجوالهجري بنظام استطلاع ورؤية متقدمين.


  • خبير اتّصالات مصري مقيم في نيويورك. Shafei@marefa.org
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:06:02
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

هيئة النقل تكثف رقابتها على زي سائقي الأجرة بالسعودية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-26 15:19:55
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 98%

صور.. قباب متحركة توفر الأجواء الملائمة للمصلين بالمسجد النبوي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-26 15:19:58
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 85%

للمرة الأولى.. امرأة تتولى رئاسة رابطة الدوري الإنجليزي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-26 15:19:49
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 100%

الفريق أسامة عسكر يتفقد معهد ضباط الصف المعلمين - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-26 15:21:22
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

هذه العوامل تحكم أداء أسواق الإمارات

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-26 15:19:52
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 85%

خلال الثورة.. 99% من الفرنسيين صوتوا لصالح دستور جديد

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-26 15:20:09
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 99%

وول ستريت تحبس أنفاسها ترقباً لأرباح عمالقة التكنولوجيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-26 15:20:03
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 85%

نمو أرباح بنك رأس الخيمة بـ63% في الربع الثاني 2022  | آخر الأخبار

المصدر: CNBC عربية - الإمارات التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-26 15:21:03
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 75%

تحميل تطبيق المنصة العربية