أسفار الفراعين
أسفار الفراعين تداخل قصص حياة تسعة من الشخصيات التي لا نهاية لها المحاصرين في السفر داخل مصر وخارجها، هذه الرواية تحكي محاولاتهم للتعامل مع محنتهم: الكوارث البيئية والأوبئة والانحلال الاجتماعي والفقر المدقع، فضلا عن القمع من دولة فاشلة.
ما بين الواقع والخيال تدور أحداث رواية «أسفار الفراعين» للمصري عز الدين شكري فشير، الصادرة حديثاً في طبعة ثانية عن دار الشروق - القاهرة. ينهي المحرر روايته بمبتر دال وكاشف لعالم الرواية السردي: «ليس عندي ما أضيفه هذا العام، وأنا أتأرجح حول نفسي في هذا الانتنطق الدائم من المخادعة إلى الرخاوة، إلى الاستناد على آخر يحتويك وينقذك من جميع هذا العفن ويأخذك في سفر لا ينتهي إلى مفازات - متاهات الوحدة». إنها رسالة افتراضية أوفدها ناصر الخضيري، أحد أبطال الرواية إلى صديق افتراضي لم يكن له وجود حقيقي في العمل سوى أنه متّكأ سردي ليكشف المحرر من خلاله الصراع الداخلي للشخصية. لم يكن ناصر هوالوحيد الذي يشعر بالوحدة والاغتراب في هذا الفضاء السردي، بل أيضاً الشخصيات الأخرى التي تتناوب السرد. يشعرون جميعاً بالوحدة والرغبة في الفرار من هذا الوطن الذي يغرق في العفن الطافح حتى من فراغات الهواء التي تحتل المساحة الضيقة بين أحجار الأهرامات الداخلية.
دأب فشير على طرح قضايا كبرى وكلّية في رواياته، ففي «عناق عند جسر بروكلين»، طرح جدلية الأنا والآخر، وفي «غرفة العناية المركزة» طرح قضية تفسخ المجتمع المصري، وانهيار العلاقات فيه. وفي هذه الرواية يطرح القضية نفسها، ولكن في شكل أضم.
قسَّم فشير روايته إلى سرديات متوالية لتسع شخصيات تتقاسم السرد في النص، ليكشفوا عن العفن الذي أصاب الحياة في مصر بسبب كارثة طبيعية. واتى اختيار تلك الشخصيات دقيقاً ودالاً، ما بين باحثين في المركز القومي يحاولون إيجاد الحلول الفهمية للمشكلة، وصحافيين ومثقفين. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، إذ عاد فشير بالزمن في إيقاع فنتازي خيالي، لتدب الحياة في تمثال «المحرر المصري حور»، الذي يمثل الحكمة والعقل والضمير الجمعي للحضارة المصرية. عاد المحرر المصري إلى الحياة، حبيساً في المتحف الفرنسي، لكنه يحاول العودة إلى الوطن حيث ينتظره الفرعون ، لكنه لا يفلح. أيضاً عاد المحرر إلى فترة أحدث، فنجد جندياً يفر من أسر الإسرائيليين في سيناء، من الممكن في عام 1967. هناك أيضاً ضمن الشخصيات التسع، السفيرة الأميركية في القاهرة التي تهتم بإيجاد مخرج من الأزمة التي تمر بها البلاد. يفضح المحرر ما يُسمى «الدولة العميقة»، دولة الفساد والاستبداد التي يمثل «الفرعون» رأس النظام فيها. حافظ «الفرعون» ونظامه على استمرار العفن ليضرب في ربوع البلاد كافة. حافظ على الكارثة حية تضرب في مفاصل الوطن، فيما يحيط نفسه هووأركان نظامه بوسائل الوقاية والعناية والراحة، حتى عندما توصل باحث إلى الحل لم يستمع إليه أحد، وكأن الجميع متورط في مؤامرة كبرى من أجل تفسخ الوطن.
قهر وتهميش
الشخصيات النسائية في النص تعاني القهر والتهميش والإذلال، فـ «سحر» الصحافية التي تعرضت لأنواع شتى من الابتزاز عهدت كيف من الممكن أن تستعمل قوة جسدها من أجل حماية نفسها من قسوة المجتمع الذكوري. و«فاطمة» التي فقدت عائلتها في الوباء، وأصيبت بفشل كلوي، لم تجد أمامها إلا حتى تغادر مصر في صفقة مشؤومة عقدتها مع شيخ عربي، اقتنى شبابها. أما السفيرة الأميركية، فلم تكن لها صورة المرأة ذات الملامح الإنسانية، لأنها صورة لبلادها بفحولتها وهيمنتها من دون تفاصيل. وبالنسبة إلى البناء الروائي، نجد حتى الزمن في النص يبدأ من لحظة انطلاق الباحث الذي توصل إلى حل القضاء على العفن، إلى لحظة النهاية في شكل خطي متتابع من دون استباقات أو«فلاش باك». هوزمن متتابع من دون فواصل. الضمير المستخدم في النص، تنوع ما بين السرد بضمير الأنا وضمير الراوي العليم. أنطق المحرر بعض الشخصيات بضمير الأنا، مثل الصحافي ناصر الخضيري، وتمثال «حور»، والباحث الذي توصل إلى الحل، وهاشم محيي الدين، وزير الفرعون. واستخدم مع بقية الشخصيات ضمير الراوي العليم الكاشف للأحداث. أما بالنسبة للغة، فهي كلاسيكية تقليدية استخدمت الوصف الداخلي والخارجي، ومالت أكثر إلى الإخبار.
المصادر
-
^ عز الدين شكري فشير (2008). "The Pharaohs' Journeys". Retrieved 28/6/2012. Check date values in:
|accessdate=, |date=
(help) -
^ هويدا صالح (الثلاثاء، 26 يونيو2012). "أسفار الفراعين". الحياة. Retrieved 28/6/2012. Check date values in:
|accessdate=, |date=
(help)